» رأي
التوقيع الذي قتل التقرير
أنور الرشيد - 2011-12-02 - 9:20 ص
أنور الرشيد*
لم أرغب بأن أستعجل أو أكتب رأيًا في نتيجة المحقق الدولي الدكتور محمود شريف بسيوني رئيس لجنة التحقيق التي شكلها الملك للتحقيق بأحداث فبراير و مارس الماضيين، ومرد ذلك يرجع لرغبتي بأن أتلقّى أكبر عدد ممكن من الأراء التي ستقال عن تلك النتيجة لدراستها وتحليلها، واستخلاص رأيًا بها وبالنتيجة، فأولى ملاحظاتي في التقرير ستكون ما قبل التقرير، والثانية ستكون عن التقرير، والثالثة بعد التقرير.
اولا: جاء توقيت التقرير في وقت لا ينقصه البعد السياسي في اختيار وقته، فالتقرير كان مقررا له أن يصدر في شهر أكتوبر إلا أنه أُجّل - حسب الادّعاء -لمزيد من التحقيق والتمحيص، ليكون موعده في شهر نوفمبر. الكثيرون صدقوا بأنه أُُجّل لأجل المزيد من التحقيق، ولكنّ الشك ساورني، وبدأ يلعب الفأر بعبّي، فلا بد أن يكون هناك سبب مخفي، وشاورت نفسي كثيرا، وحللت وتفحصت، ولم أجد سببًا مقنعًا، أو بالأحرى لم أجد تفسيرًا يمكن أن يقنعني؛ لذلك تساءلت كيف يمكنني أن أستوعب أن يُعلن عن تأجيل نتيجة التقرير بدون أن يكون هناك سبب مقنع؟ لابد أن يكون هناك شيء! وانتظرت مثل كل المراقبين نتيجة التحقيق على أحرّ من الجمر، خصوصا وأني سبق وأن كتبت بما يشير إلى أنّ السيد بسيوني في ورطة حقيقية، لا يستطيع إلا أن يقول الحقيقة، و جاء يوم الإعلان عن نتيجة التحقيق في احتفال مهيب، وبحضور كلّ المراسلين والشخصيات والوزراء والبرلمانين وهيئات دبلوماسية، ومنظمات دولية معنيّة بحقوق الإنسان، ونُقل على الهواء مباشرة، وكان يحتلّ الصدارة الإعلامية؛ فأينما تقلّب القنوات الفضائية إلا وتجد الدكتور بسيوني يسهب بتقريره، وفجأة وبقدرة قادر يختفي من السّاحة الإعلامية ليكون الخبر الثّاني - إن لم يكن الثالث - رغم أهميته نتيجة لطغيان خبر توقيع علي عبدالله صالح على اتّفاقية مجلس التعاون الخليجي.
هنا استوعبت واكتشفت سرّ التأجيل، ولماذا أُجل التقرير لمدة شهر؟ بالفعل ضربة معلّم إعلامي، ضحكت على نفسي وقلت: واللهِ أني محلل خايب، لم أتوقّع ولم أربط بين خبر وصول علي عبدالله صالح للرياض وموافقته على التوقيع على الاتفاقية وبين التأجيل، المهم أنّ تقرير بسيوني بُث وبعده مباشرة انتقلت كل الوسائل الإعلامية، لتنقل لنا توقيع علي عبدالله صالح في مشهد إعلامي مزدحم جدا بالأحداث التاريخية، ولم يأخذ تقرير بسيوني الوقت الكافي للتحليل، وسماع الأراء، واختفى وسط الزحام الإعلامي، الذي غطى عليه ذلك التوقيع، ومن خطط لذلك محترف بلا شك، حتى أنّ أحد مراسلي وكالة الصحافة الفرنسية اتصل بي لمعرفة رأيي حول التوقيع، فقلت له: أعتقد بأنه جاء بوقت لكي يغطي على نتيجة تقرير بسيوني إعلاميا، فنتبّه وقال: كيف؟ فقلت: له لقد اختفى التقرير من الساحة الإعلامية، ألم تلاحظ ذلك؟! فسكت برهة، وقال: لم ألحظ بكل صراحة، فقلت: له يا سيدي توقيت توقيع علي عبدالله صالح جاء نتيجة تخطيط مسبق، أي مع سبق الإصرار والترصّد؛ لكي يتزامن مع الإعلان عن نتيجة التقرير؛ ليغطي على تلك النتيجة البائسة التي أريد لها أن لا تنتشر أكثر، فمن جانبٍ بسيوني قد أدى واجبه، ومن جانب آخر الملك وفى بوعده، وتوقيع علي عبدالله صالح أكمل المهمة بعد ذلك بالتغطية عليه إعلاميا، وتبقى أن يتم تمطيط وتسويف والقاء اللوم على زيد وعبيد بدون أن يحال أحد إلى المحاكم نتيجة لاقترافه جرائم ضد الإنسانية. هذا ما تمّ بالفعل.
ثانيا: إن أردنا الدخول بدهاليز نتيجة التقرير فهو في الحقيقة أقرّ بالجرائم التي ارتكبت، وكذّب الإعلام الرسمي الفاضح، والمُزيف للحقيقة، و برّأ الشعب البحريني من تهمة العمالة لإيران، تلك الشماعة التي اهترأت لكثر ترديدها، ولم تعد مقنعة أمام آلة القتل الصريح، رغم أني على قناعة تامة بأن إيران كان لها مصالحها الحيوية. وطالب التقرير بعودة المفصولين وتعويض المتضررين، فكلّ ذلك جيد، ولكن تتبقى الآلية التي تنفذ بها هذه التوصيات، لحدّ هذه اللحظة لم تتضح الصورة التي ستنفذ بها هذه التوصيات، فإن كانت لجنة حكومية فلا طبنا ولا غدا شرنا، واليوم فقط سمعنا به بإعفاء عفوا برتقية رئيس الجهاز الوطني، الشيخ خليفة بن عبدالله وهو أحد أفراد الأسرة الحاكمة. وعين الشيخ خليفة بن عبدالله أمينا عاما لمجلس الدفاع الأعلى في البحرين ومستشارا للملك لشؤون الأمن القومي. أعتقد بأن هذا القرار الذي جاء في سياق إصلاح وضع هذا الجهاز هو اعتراف رسمي بمسؤليته عن جرائم القتل التي حصلت، فإعفاؤه من هذا المنصب لا يعفيه من أن يساءل، ويحاكم هو وكل المسؤولين عن الجرائم الإنسانية التي ارتكبت، وهي لا تسقط بالتقادم أو بالإعفاء من المناصب، فدماء الضحايا ما زالت ساخنة لم تبرد، و لا شكّ لديّ أنّنا في الأيام القلية المقبلة سنسمع عن إعفاءات أخرى بدون إحالة للمحاكم؛ مما سيزيد الأمور تعقيدا.
ثالثا: الشعب البحريني - وبعد تلك النتيجة - لازال يلفه دخان الغازات المسيلة للدموع، ولا زالت المواجهات مستمرة، ولا زال التصادم يحصل يوميا في مختلف القرى البحرينيّة، فتقرير بسيوني لم ينهِ المشكلة، صحيح أنه سرد وقائع وثبتها رسميا، ولكنّه لم ينه المشكلة المزمنة، أعتقد بأن إنهاء المشكلة يحتاج لقرار شجاع بمواجهة الواقع واستحقاقاته، التي تتواكب مع مستجدات المرحلة، لا أن يتمّ نشر التقرير، وإنشاء لجنة فقط، تكون بها الحكومة هي الخصم وهي الحكم فهذا غير معقول وغير مقبول، وسيزيد الطين بله بكل تأكيد؛ لذلك فإنّ الحل المنطقي الذي يمكن أن ينزع فتيل الأزمات المتلاحقة منذ زمن طويل - هو تحقيق مطالب الشعب البحريني المتمثلة بوثيقة المنامة، فهي مطالب عادلة ومعلنة ومعروفة وواضحة، ولا أعتقد- وأجزم باعتقادي هذا - بأن عدم تحقيقها سيجلب الاستقرار لمملكة البحرين الجميلة، فاعقلها ياجلالة الملك رجاء، وخلّصْ شعبك من هذا العذاب، الذي لا يولِّد إلا العذاب، وأُؤكّد لك بأن الزمن لن يحل تلك المشكلة إنْ لم تحلّها أنت وحدك، و بقرار منك، ولا تستمع للآخرين الذين يتطلعون إلى مصالحهم قبل مصلحتك و مصلحة شعبك، فالأيام الجميلة - يا جلالة الملك - لا تدوم.
Zwayd2007@gmail.com
*الأمين العام للمنتدى الخليجي لمؤسسات المجتمع المدني.
**ينشر في مرآة البحرين بالتزامن مع موقع منتدى حوار الخليج.