البحرين: محاكمة زعيم المعارضة الشيعي من على منبر "داعش": من كتب "خطبة" النيابة العامة؟
2015-06-01 - 1:31 م
مرآة البحرين (خاص): في أغرب محاكمة سياسية/دينية عرفتها البحرين، أمام القاضي علي الظهراني، ملف دعوى فيه مرافعة واحدة، قدّمتها النيابة العامة، ضد زعيم المعارضة البحرينية الشيخ علي سلمان.
القاضي الظهراني، رئيس هيئة المحكمة التي ينتمي أعضاؤها الثلاثة للطائفة السنّية، استمع طويلا لمرافعة المحامي العام أسامة العوفي، وهو كذلك من الطائفة السنّية الكريمة، ثم أذن لزعيم المعارضة البحرينية رجل الدين الشيعي الشيخ علي سلمان بالكلام، وأوقفه بعد لحظات غاضبا. رفع الظهراني الجلسة، ولم تتسلّم المحكمة أوراق مرافعة هيئة الدفاع عن الشيخ علي سلمان، كما لم تسمح لهم بالحديث، وهم بالمناسبة محامون من الطائفتين.
هكذا تشكّلت أوراق الدعوى التي ينبغي أن يفصل في حكمها الظهراني بعد أسبوعين من الآن: بمرافعة واحدة لا أكثر، يزيد عدد أوراقها عن الخمسين! وحتى هذه المرافعة، منعت عن أعضاء فريق الدفاع، هي ومحضر هذه الجلسة المريبة جدا، والتي لم تستغرق أكثر من نصف ساعة!
ليس الغضب فقط هو ما سيطر على هذه المحاكمة السياسية الطائفية، كان الحسّ الديني فيها فاضحا ناضحا!
بدأ ممثل النيابة أسامة العوفي مرافعته بآيات من القرآن الكريم، ليسبغ على حججه هالة من القداسة والشرعية «ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام. وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد».
ثم قال إن "المتهم لم يكف أذاه عن الأمة"... ومفهوم "الأمّة" يعرّفه الداعية الإسلامي المتطرّف عبد الله النفيسي، في خطاب جماهيري من مسجد بحريني، بثّته قناة وصال: "هم طائفة... نحن الأمة"!
وعن الأمّة أيضا، يقول العوفي، إنّها "مايزت بين قائد يسهر على خدمتها فحملته على الأعناق، ووضعت تحت أقدامها أصحاب الأبواق"!
خطبة عصماء، كأنّها جاءت من على منبر مسجد في "دولة الخلافة"، اختلط فيها السجع بالقرآن، يقول العوفي للمحكمة "جئنا اليوم لنقدم إلى حضراتكم قائمةً بما سودت يداه من صفحات" ثم يقول لسلمان "جئنا اليوم لنقول له في ساحتكم اقرأ كتابك، وانتظر من عدالة المحكمة حسابك"، هو يوم الحساب الذي طال بلا شك!
في منتصف المرافعة، يعود الخطيب إلى القرآن مجدّدا، بثياب الواعظ «واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون».
"النيابة اتقت الله فيك"، نعم جاء هذا فعلا في مرافعته/خطبته. أمّا مذكرة الدفاع التي لم يرها فقد وصفها ممثّل النيابة بوصف ديني هي الأخرى، إن هي إلا "بنيان على جُرف هارٍ، وأوهن من بيت العنكبوت".
ثم راح ممثّل النيابة عميقا في تحليل خطاب الشيخ علي سلمان، تحليلا دينيا لا قانونيا بالطبع "لقد اعتبر الخروج على النظام والتحرك ضده جهاداً وواجباً شرعياً". المسألة كلها إذن هي في "كيف يعتبر التحرّك ضد النظام جهادا، وواجبا شرعيا؟"، سيقود هذا المحكمة بالطبع أيضا إلى ضرورة تعريف الجهاد، وتعريف الواجب الشرعي، بل ربما إلى ضرورة تحديد كيف ينبغي أن يصاغ الخطاب الديني برمّته من على المنبر الشيعي، إذا كان هناك ثمّة منبر شيعي يمكنه الصمود أمام منبر "داعش"!
ليس هذا افتراء على النيابة، فالمنبر الشيعي كان محط مقتها وازدرائها فعلا في هذه المرافعة/الخطبة. لقد تحدّث ممثل النيابة عن منبر الشيخ علي سلمان، الذي يعتبره كل الشيعة في البحرين منبرا ممثّلا لهم (الشيخ علي سلمان يؤم صلاة الجمعة في أكبر مساجد الشيعة حال غياب الشيخ عيسى قاسم). قال العوفي للمحكمة إن سلمان "سخّر منبره وعلمه ودعوته لا فيما ينفع الأوطان، ويخدم الإنسان، ولكن في بث روح الفتنة في الأمة، وبث فيها روح الكراهية والنقمة".
المحاكمة الدينية، احتاجت إلى قياس، يناسب حججها، فلم يكن هناك أفضل من العراق، الذي تقطّع أوصاله التنظيمات السنّية المتطرّفة وعلى رأسها داعش. ولوقت قصير مضى، كانت البروبغندا تحوّر النزاع في العراق كلّه إلى نزاع طائفي: الشيعة فيه يسيطرون على الحكم، ويقصون السنّة. هكذا إذن قالت النيابة العامة إن الشيخ علي سلمان يريد بذات الطريقة الدينية أن يحوّل البحرين إلى "عراق آخر"، يأمل أن يكون فيها هو الشيعي، الذي يحكم البلاد، ثم يقصي سنّتها (ومنهم ممثّل النيابة وقاضي المحكمة بالطبع):
"بدلاً من أن يكرس منبره ويسخر دعوته إلى التكاتف والتعاضد خاصة وأنه رأى دولاً شقيقة ليست من البحرين ببعيد كانت أقوى وأكثر ثراءً ونماءً من بلدنا عصفت بها الأهواء ومزّقتها الفتنة، فإذا به يسير على ذات الدرب ويتبني ذات الأسلوب، فهل يريد أن تعيش الأمة نكبات شقيقاتها؟"
هو ذاته الخطاب الطائفي/السياسي الذي تبنّاه الشيخ عبد اللطيف المحمود، الذي قدّم على أنّه زعيم الطائفة السنّية في البحرين العام 2011، وهو ذاته بالطبع خطاب المتطرّفين من رجال الدين السنّة في البحرين أمثال عادل الحمد، ناجي العربي، محمد خالد، صلاح الجودر، جلال الشرقي، جاسم السعيدي، والقائمة تطول جدا.
لم تكن المحاكمة لهؤلاء، الذين سلقوا الطائفة الشيعية بألسن حداد، كفّروهم، وأحلّوا دماءهم، وحرّضوا على هدم مساجدهم ومآتمهم، وإخراجهم من بلدهم، وقطع أرزاقهم. شتموا مذهبهم، وأهانوا عقائدهم ومقدّساتهم، توعّدوهم بالثبور ليل نهار، ولا يزالون. وها هو خطابهم يقتل المسلمين الشيعة حتى في صلاة الجمعة!
بدلا من هؤلاء، من يحاكم هنا، هو الرجل الذي صاح بأعلى صوته يوما:
"أيها الأحبة: إن كل فرد ومنزل وأسرة سنية هي أمانة في أعناقنا نحن الشيعة... إن أمن وسلامة كل فرد سني في هذا البلد هو من أمني الشخصي، دمه دمي، ولحمه لحمي، لا أرضى أن يمس أحد من السنة بسوء، اليوم أو غدا أو بعد غد، وأي اعتداء أو تعدي هو اعتداء علي أنا شخصيا".
وليس من يحاكمه سوى منبر "داعش"!
غضب ممثل النيابة العامة كثيرا، لوصف الشيخ علي سلمان بعض عناصر النظام بأنّهم ينتمون لـ"داعش". حتى هذه اللحظة يرفض ممثل النيابة أن يعترف بأن "داعش بيننا"، حتى وهم يصدّرون إلى "دولة الخلافة" ثاني أهم منظّريها (تركي البنعلي)، وحتى وهم يفجّرون مساجد الشيعة في القطيف، والدمّام، والأحساء، بعد أن فجّروا المراقد والمساجد في العراق وسوريا.
ولكن، هل يمكن إلا أن يقف العوفي مدافعا عن جماعته حتى لو كانوا من "داعش". تكفينا خطبته التي لا ندري أي إمام مسجد كتبها، لنعرف أن العقلية الداعشية تستحوذ على مشهد المحاكمة كلّه، صريحة واضحة، حتى وإن استترت بثوب القانون والدولة!
يقول العوفي عن خطب سلمان إن نصوصها صريحة في تبنّي قلب نظام الحكم بالقوة العسكرية. لكن الحقيقة، أن نص مرافعته/خطبته هو الواضح والفاضح جدا، وقد بلغ من الجرأة، أن يطرح نَفَسه الداعشي حتى في هذه المحاكمة الصورية لأبرز زعيم سياسي شيعي في البحرين، أمام مرأى العالم أجمع.
"المتهم يسوّغ القتل. لماذا؟ لأن أتباعه ممن يرتكبون هذه الفظائع التي تعد جرائم ضد الإنسانية". هكذا إذن فأتباعه (الشيعة)، هم من يرتكبون الجرائم ضد الإنسانية، وهذا بالضبط ما يحدث في العراق، وفق رواية/خطبة العوفي، وشيوخه من النفيسي، حتى المحمود!
"خطاب الكراهية"، خطاب الدوس على الرؤوس بالأقدام، والاقتصاص بمقتضى النصوص الدينية، المحصور فهمها على علماء "الأمة"، لم يعد حبيس المساجد في البحرين. هو الآن علنا في أروقة القضاء، وعلى لسان النيابة العامة البحرينية. وفي الأخير، أين ولي العهد البحريني عن هذه المحاكم "الثيوقراطية"؟
كمن يخطب في محكمة "شرعية"، كان فقط ينقص العوفي، أن يختم خطابه بأن النيابة تعتبر الشيخ علي سلمان "رافضيا كافرا"، وتطالب بـ"تعزيره". هنا الرياض!
هوامش:
مرافعة النيابة العامة بحسب ما وردت في صحيفة الأيام
مرافعة النيابة العامة بحسب ما وردت في صحيفة الوطن
ملف داعش بيننا الذي أعدّته "مرآة البحرين"