الضابط (ناصر البوبخيت) لمعتقلي سجن جو: الإعلام سينساكم سريعاً، ونحن مستمرون في تعذيبكم

2015-05-30 - 2:46 م

مرآة البحرين (خاص): "الإعلام سيتبنى قضيتكم لمدة شهر أو شهرين فقط، ثم سيتعب قبل أن ينساكم، ولن يعد يثير قضيتكم بعدها" هذا ما يكرره الضابط (ناصر البوبخيت) على معتقلي سجن جو كل حين. يقول لهم بلهجة الماسك بقبضة كل شيء: "لذا لا تتعبوا أنفسكم بنشر ما تتعرضون له، فالإعلام لن يدرأ عنكم ما نفعله بكم، ولن يحميكم منا، أنتم في قبضتنا أولاً وأخيراً".

تعول السلطة دائماً على الزمن. إنها لعبتها الأثيرة: سأفعل ما أشاء من الانتهاكات الصارخة، ستصيرضجة كبيرة، ثم ستخفت هذه الضجة وتصير صغيرة، ثم ستنتهي الضجة، وينسى الحدث، وأبقى أنا كما أنا، وأنتم كما أنتم، والوضع كما أريده أنا.  

بضمانة (الزمن) تمارس السلطة أبشع انتهاكاتها وأكثرها وحشية بقلب بارد. وتقوم بالقتل والتعذيب والكذب الصريح العلني الفاضح، وتقوم باعتقال أبرز الشخصيات الحقوقية المعارضة والرموز السياسيين، وتقوم بإصدار الأحكام الجائرة والقاسية، وهي تعلم أن كل ردود الأفعال الإعلامية الهائجة أو المستنكرة لن تأخذ أكثر من مدى قصير في عمر الزمن، قبل أن تبرد وتزول.

ما تزال قصص تعذيب المعتقلين السياسيين على يد الدرك الاردني ترد من داخل سجن جو. ويبدو أن خطة وزارة الداخلية تقوم على توظيف الدرك الأردني بعقد بين 6-12 شهرًا، هي لضمان عدم امكانية محاسبتهم مستقبلاً، فمن ينتهي عقده ينتهي حسابه. وقد أعطي لمنتسبي وزارة الداخلية من الدرك الاردني الضوء الأخضر لتعذيب المعتقلين دون أي خطوط حمراء.

حالات نفسية وتصرفات غريبة

منذ وقت ليس بالقصير، لاحظت عائلة المعتقل صادق جعفر (26 عامًا) المحكوم بالمؤبد، تغيراً ملحوظاً في سلوكياته، وقيامه بحركات غير طبيعية. طلبت العائلة من إدارة سجن جو مرارًا تحويله إلى الطب النفسي. لم تجد سوى التجاهل.  

لكن في زيارتها الأخيرة يوم الثلاثاء 26 مايو/ آيار 2015، تفاجأت العائلة بما هو أكثر وينبئ عما هو أخطر في تطور الحالة النفسية لابنها. فقد دخل عليها منتفخ الوجه ورجلاه تخطان الأرض، ويشكو آلاماً شديدة في يده اليسرى، وبعينين تمتلئان بالدموع قال لعائلته:  "لا أريد الزيارة.. أريد الخروج من هذا المكان.. لا أريد زيارة"

حاولت العائلة تهدئته مطالبة إياه بالجلوس على الكرسي المخصص له، فكان أن فاجأها بجلوسه على الأرض تاركاً الكرسي. طلبت العائلة مساعدة الشرطة المتواجدة هناك لإجلاسه على الكرسي، لم يكن يبدو أنه قادر على التحكم بجسده وحركاته. لم يتوقف بكاؤه طوال فترة الزيارة ورجاءه لعائلته باخراجه من السجن.

وحين قدمت إليه والدته الطعام ليأكل، صعقت وهي تراه يترك الطعام، ويقوم بمضغ الأكياس التي تغلف الطعام، وكذلك فعل مع علبة العصير، أخذ يقوم بقضم علبة العصير بدلاً من شرب العصير، وعندما انتهت الزيارة أخذ بقايا الطعام ووضعه في جيبه وانصرف.

ما تزال العائلة غير قادرة على استيعاب ما شاهدته في زيارتها الأخيرة، وتتساءل عما أوصل حالة ابنها إلى هذا، وسط تجاهل الإدارة تحويله إلى الطب النفسي والاستمرار في إهمال تردي وضعه النفسي.

جلد بالسلاسل الحديدية

أحد المعتقلين (تحفظت عائلته على ذكر اسمه) محكوم بـ " 15 سنة"، أخبر والدته أنه لو تمكن من رفع سرواله، لشاهدت آثار السلسلة الحديدية المطبوعة على فخذه. فالسلسلة الحديدية باتت الأداة المفضلة بيد الدرك الأردني ليجلد بها أجساد المعتقلين. أخبر المعتقل والدته أن التعذيب قد خف بعد فترة من أحداث 10 مارس الأخيرة، وبعد هياج الأهالي خوفاً على أبنائهم والضجة الإعلامية الكبيرة التي أحدثته الانتهاكات الوحشية حينها، لكنه عاد الآن مرة أخرى، بعد أن ظنّ الجميع أن الأوضاع قد هدأت في الداخل.

أخبر المعتقل والدته، أن القوانين ازدادت صرامة بعد حادثة 10 مارس، ومن يخالف فمصيره ومصير من معه العقاب الشديد وكان النصيب الأكبر من هذه الصرامة للمباني (1 و3 و6). لا يسمح للمعتقلين خلع الزي الموحد في نومهم وفي يقظتهم، كما لا يسمح لهم بالاحتفاظ بأي قطعة طعام من بقايا وجباتهم، ومن تفوته الوجبة الغذائية عليه أن ينتظر الوجبة التي تليها. أي قطعة ورق يجدها الشرطي على أرضية الزنزانة ستسبب العقاب لكل من في الزنزانة، ومن يختلس النظر من النافذة الصغيرة من باب الزنزانة يحكم على نفسه وزملائه عذابًا لم يشهد له مثيلاً حتى في مبنى التحقيقات.

الجرب والعزل والمنع من الزيارة

في 14 أبريل 2015 توجهت عائلة موسى جعفر العافية (20 عامًا)، لموعد زيارته. كان موسى اتصل بعائلته قبلها بيوم واحد فقط ليخبرهم عن تاريخ الزيارة المقرر له. وبعد سلسلة طويلة من الإجراءات المذلة أدخلت العائلة الكابينة الأولى وجلست تنتظر قدوم ابنها. مضت قرابة ساعة كاملة من الانتظار قبل أن يأتيهم ضابط ويأمرهم بالخروج لأن لا زيارة لهم. وطلب منهم التوجه لحجز موعد آخر.

سيطر الوجل على العائلة التي يشكو ابنها من مرض السكر، وبدأت تتقصى أخباره من أهالي المعتقلين الذين تمكنوا من لقاء أبنائهم. جاءهم الخبر أن موسى محتجز في الحجر الصحي بسبب إصابته بمرض الجرب الناتج عن استشراء حالة عامة من القذارة في الخيم التي نصبت للمعتقلين في الساحة الخارجية لمباني سجن جو، وإجبار المعتقلين على تمريغ أجسادهم في بقع نتنة من القذارات والأوساخ والرمل. وفي 11 مايو / آيار 2015 تلقت العائلة من موسى اتصالا قصيراً جداً، بدا واضحا على صوته الإعياء الشديد، وأخبر عائلته بأنه مصاب فعلاً بالجرب وبحروق جلدية وإصابات أخرى.

ما زالت عائلة موسى غير قادرة على رؤية ابنها حتى ساعة كتابة هذا التقرير، ولا تعرف عن تطورات وضعه الصحي. لم تتمكن من التقائه حتى في موعدها الأخير في 21 مايو الحالي. كانت المرة الأخيرة التي تمكنت فيها العائلة من رؤية ابنها هي قبل 5 أشهر، أي في  25 ديسمبر 2014.

ومثل موسى، حالة المعتقل المصاب سيد ماجد سيد حسن علوي ( 20 عامًا)، ذكرت عائلته أنها لم تلتقه منذ 3 أشهر، بعد أن منع من زيارة عائلته المقررة له في 20 مايو / آيار 2015 دون سبب معروف، وبذلك تصبح عدد الزيارات التي حرم منها ست زيارات متتالية حسب قول عائلته. وقد علمت عائلته أنه أصيب بمرض الجرب أيضاً، وأنه قد تم عزله مع بقية المعتقلين المصابين بهذا المرض، لا معلومات عن عدد المصابين به حتى الآن.

خلال أحداث سجن جو بعد 10 مارس، تعرض سيد ماجد للضرب على رأسه بالهراوات حد الإدماء، وقد انتفخ جسده بعد الإصابة بمرض الجرب حتى بات لا يعرف شكله وفق ما نقل المعتقلون لعائلته. ما يزال السيد ماجد يعاني من الإصابة التي تعرض لها في 22 فبراير 2013. أصيب بها إثر إطلاق رصاص حي عليه من قبل سيارة مدنية خلال مشاركته في تظاهرات بمنطقة بوري. كانت التظاهرة عشية الذكرى الثانية لانطلاق الثورة، حكم عليه بالسجن 15 عاماً بعد توجيه عدة تهم له منها: الاعتداء على موظف عام والشروع بالقتل وحيازة مواد متفجرة.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus