لأن تطبيق توصيات بسيوني يسقط النظام.. سيختار الملك لعبة اللجان

عباس بوصفوان - 2011-11-27 - 12:17 م


عباس بوصفوان*

  

يُحمّل تقرير بسيوني ملك البلاد حمد بن عيسى آل خليفة بشكل مباشر مسئولية تنفيذ التوصيات التي تسلمها في 23 الجاري، في احتقال عام.ويرد في  التقرير أن "الملك وحكومة البحرين ستتولى وضع آلية لتنفيذ توصيات اللجنة." (الفقرة 1643؛ خلال مدة زمنية محددة).

وتعهد الملك أمام جمع غفير في قصره في الصخير بالتزامه ببنود التقرير وتوصياته، حتى وهو (الملك) ينتقد بعض خلاصاته، خصوصا تلك المتعلقة بما أقره التقرير بوطنية الحركة المطلبية، التي أطاحت بأهم مرتكزات الثورة المضادة التي يقودها الجناح المتشدد في النظام.

على أن قبول نتائج التحقيق كانت أمرا محسوما حين شكلت اللجنة قبل عدة أشهر.ثم إن تشكيلها ـ كما قال الملك في 29 يونيو الماضي ـ "تم بعد القيام بالكثير من الاستشارات ومن بينها مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة".

إن ذلك يفرض على رأس الدولة التزامات ليس تجاه الشعب فحسب، وإنما أمام المجتمع الدولي والأمم المتحدة، بأن ينفذ تنفيذا أمينا التوصيات التي أقرتها لجنة، اختار هو أعضاءها وحدد اختصاصاتها.



روايات مثيرة للجدل


في الواقع، فإن تقرير لجنة تقصي الحقائق سرد روايات الحكومة على علاتها في يوميات الأحداث، كما سرد وجهة نظر المعارضة (الفقرات من 186 ـ 639). وقد يأخذ البعض على التقرير عدم تدقيقه في الرواية الحكومية، بيد أن إيرادها لا يعطيها بالضرورة المصداقية، ذلك أن بسيوني قد يجادل بأنه يورد ادعاءات كل طرف.

وإذا كان سرد اليوميات يزعج جماعات المعارضة والجهات الحقوقية بالضرورة، فإن الأهم في التقرير هو الخلاصات والنتائج والتوصيات التي ترد في نهاية كل فصل، والتي قد ترضي صياغاتها توقعات البعض، وقد تغضب آخرين. لكنها بالتأكيد تسبب غضبا أكثر للسلطات.

الخلاصات تنتصر عاة لمقولات المعارضة، مع استثناءات قليلة، دون أن يعني ذلك أن هذه الخلاصات تلبي كامل تطلعات جماهير 14 فبراير، التي تطالب بالتغيير والتي وقعت بحقها الانتهاكات المقررة في التقرير.

ومن دون أن يفهم من كلامي دعوة لغض البصر عن أي أخطاء وقع فيها التقرير، وهي كثيرة؛ وأرجو أن تتسنى الفرصة لمقاربتها في مقال منفصل؛ فإنه يجدر الالتفات إلى أن آليات كتابة التقارير قد تقتضي سرد وجهات نظر متباينة، وأحيانا مدعاة، وقد تكون ملفقة من طرف أقطاب المعركة.

ولعل لجنة التقصي معنية بإيراد ما هو حقيقي ودقيق، بيد أن اللجنة قد تكون مساءلة أكثر على خلاصاتها لا روايات الأطراف المختلفة. ومع ذلك، ينبغي في ظل الروايات المتضاربة أن تكتب المعارضة وجماهير 14 فبراير الرواية التي تراها صحيحة. فيا أظن أن إخفاقات التقرير تأتي أساسا من عدم ملامسته جوانب مهمة ذات صلة بالأحداث، وهذه أيضا تستدعي وقفة أخرى.



ربيع البحرين السلمي


في الفصل الثاني، وبعد أن يسرد التقرير يوميات مثيرة للجدل، يخلص إلى أن "البحرين تأثرت بما أصبح يعرف عامة بالربيع العربي. ورغم أن كل دولة ومجتمع عربي تأثر بهذه الأحداث والتطورات بشكل مختلف، إلا أن الثابت أن الربيع العربي شجع شعوبا عربية ومنها البحرين، على الإعراب عن مظالم ومطالب إصلاحية كانت مكبوتة لفترات طويلة". (الفقرة 641).

التقرير في هذه الحالة يوجه لطمة أخرى لمقولات السلطة وتجمع الفاتح التي تريد أن تستثني الحراك البحريني من الربيع العربي، بما يعنيه ذلك من أن التحرك الشعبي هو لطلب الإصلاح والديمقراطية أساسا.

ويقر تقرير بسيوني بأن التجمعات الحاشدة في دوار اللؤلؤة، والمسيرات الضخمة التي واكبتها، و"على الرغم من ارتفاع سقف مطالب المتظاهرين، وقيامهم بتوسيع أماكن تجمعاتهم، إلا أن التظاهرات تتسم بالطبيعة السليمة". (الفقرة 650)؛ فيما اعتاد المتظاهرون حمل الورود.

وإذ ينتهي التقرير بأن التظاهرات سليمة، فإن ذلك ينفي عمليا الكثير من السرد غير الموثوق في التقرير، والذي يستند إلى روايات حكومية؛ ملفقة وكاذبة؛ ولا تعكس وجهة نظر أعضاء اللجنة بالضرورة؛ ذلك ان العبارات التي تعكس وجهة نظر بسيوني ورفاقه ـ فيما أظن ـ هي تلك التي يشير فيها التقرير إلى اللجنة ترى/ تقترح/ تخلص /وتوصي، وليس كل ما يرد في التقرير يعبر عن رأي اللجنة، وإن كانت تتحمل مسئوليته بالتأكيد.
 
وتمتلأ فصول التقرير بروايات غثة. بيد أنه يجدر ملاحظة أن التقرير يبدأ عادة بذكر الروايات المتباينة، ثم الوضع القانوني والمحلي للقضية المثارة، والتي في ضوئها يفترض أن تكون الحكومة قد اتخذت إجراءاتها، ثم ينتهي التقرير بخلاصة وتوصيات، هي ما تبدو معبرة أكثر من غيرها عن وجهة نظر اللجنة.وأجدني اختلف في حالات كثيرة مع خلاصات اللجنة، لكن اختلافي يزداد في بند التوصيات، التي بدت متحفظة أكثر من الخلاصات، وهذه الأخيرة كانت حذرة.
 

تفكيك بينة الدولة الدكتاتورية


بعد تلك المقدمة التي أراها ضرورية، من أجل وضع سياق للحديث، سأحاول فيما يأتي قراءة التوصيات، في ظل فرضية اساسية: إن تنفيذا حقيقيا لتوصيات بسيوني ستفضي بالضرورة إلى إنهيار مرتكزات النظام الدكتاتوري، الذي تحتكره العائلة الخليفية: قرارا سياسيا وثروة قومية. كيف؟ 

عمليا، تدعو توصيات لجنة تقصي الحقائق التي ترأسها البروفيسور بسيوني إلى إعادة هيكلة البنية التشريعية، والمنظومة الأمنية والمخابراتية والقضائية والإعلامية التي يرتكز عليها النظام، من أجل الانتقال بها من العمل خارج القانون والضوابط الدستورية والأخلاقية إلى الاشتغال لصالح مضامين القانون الدولي الملزمة به السلطة في البحرين.
 
إنها توصيات تحمل في طياتها أبعادا إنسانية وسياسية وحقوقية عميقة، تتضمن في جوهرها ـ فيما أظن ـ دعوة جريئة لإعادة بناء الدولة وفق ضوابط المصلحة العامة للجميع، وليس لصالح القبيلة.

تشدد التوصيات في مجملها إلى تفكيك الدولة البوليسية التي تحمي الحكم الراهن، وإحلال منظومة بديلة تقوم تبنى مفاهيم حقوق الانسان.

 

إعادة هيكلة المنظومة الأمنية


من دون أن أدخل في تفاصيل ترهق القارئ غير المختص، فإن الفقرات التالية ستفصل قليلا الإدانات الموجهة لجهاز الأمن، وبعض التوصيات ذات العلاقة. ثم يمكن تطبيق تلك المقاربة على المنظومات الأخرى التي تشكل بنية الدولة البوليسية: المخابرات، القضاء، الإعلام...، أما الجيش فهو المنظومة الوحيدة ربما التي بدت للوهلة خارج إعادة الهيكلة المفترضة في تقرير بسيوني؛ بيد أن الدعوة لتصحيح أطرها حاضرة، نوعا ما، في التقرير.
 

التقرير يوضح أن الشرطة خالفت القانون البحريني والدولي، حين:


ـ استخدمت القوة المفرطة المؤدية للقتل.
 
ـ استخدمت الشوزن ضد المدنيين رغم عدم وجود ضرورة لذلك، ودون توخي الحذر للتقليل من الاصابة الجسيمة. 
ـ ولجأت إلى استخدام مسيلات الدموع بطريقة غير مناسبة لتفريق المحتجين، ولاستهداف البيوت بطريقة عشوائية.

ـ واستخدمت القوة المفرطة في نقاط التفتيش.

ـ وكسرت السيارات والممتلكات الخاصة دون وجه حق.


كما يدين التقرير عمليات الاعتقال التعسفي التي قامت بها قوى الأمن والجيش والمخابرات والحرس الوطني.

ويحمل التقرير مسئولية التعذيب الممنهج القيادة العليا في وزارة الداخلية، أي الوزير الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة.
 
وتدعو التوصيات إلى معالجة كل تلك الأخطاء، وعدم القيام بأي من الأعمال المذكورة أعلاه، لأنها مجرمة قانونا، مغ ضرورة إجراء تغييرات تشريعية ومؤسسية لضمان عدم تكرار ذلك.كما تدعو التوصيات إلى محاسبة وزير الداخلية، والضباط، ورجال الأمن الذين قد يكونون قاموا بإحدى الانتهاكات المذكورة أعلاه أو غيرها.


إن أي محاسبة حقيقية لوزير الداخلية ـ مثلا ـ ستفضي بالضرورة إلى "انهيار" وزارة الأمن الخليفي، وتفكيك المؤسسة الأمنية القائمة على التعسف، خصوصا إذا أخذنا بالاعتبار التوصيات الأخرى التي أقرتها اللجنة والتي من بينها جعل المؤسسة الأمنية مستوعبة كافة الطوائف (الفقرة هـ/ 1722)، وأن "تتلقى قوات الأمن تدريبات على أبعاد حقوق الانسان، عند التوقيف والاستجواب، وعلى وجه الخصوص ضرورة رفض المشاركة في أي إجراءات قد يشوبها تعذيب أو أي شكل من أشكال سوء المعاملة". (الفقرة (1254)

عمليا، ودون مبالغة، يبدو لي بأن هذه التوصيات تستجيب في جزء منها لمطلب المعارضة بأن يكون الأمن للجميع. إن الاستجابة لتقرير بسيوني بجعل الأجهزة الأمنية ذات صبغة وطنية، تمثل فيها جميع طوائف الشعب، قيادات وجنود، وأن تكون هذه المؤسسة مدافعة عن حقوق الانسان، ترفض اعتقاله تعسفيا، وترفض تعذيبه، وتعامله بالحسنى، وتطبق القانون الإنساني والجنائي على نحو صحيح، بل وأن يتم محاسبة أي مسئول، كبيرا كان أم صغيرا، في حال تعديه على القانون... كل ذلك يعني قطع اليد اليمنى للدولة الدكتاتورية، التي تغولت على مدى السنوات الماضية.



هذه الأبعاد نظرية، أدرك ذلك، وأسارع للقول بأنه يصعب أن ترى النور، وقد ناقشت ذلك في مقالتي، حتى بعد تقرير بسيوني.. سيكون مفاجئا حدوث تسوية في البحرين. بيد أن قراءة متعسفة للتقرير، للقول بأنه سيء بالمطلق، تحتاج إلى إعادة نظر، فالتقرير شيء وتطبيقه شيء آخر.

سقوط جهاز المخابرات


يمكن أن أمضي في تفكيك عناصر المشهد الدكتاتوري في البحرين، لكني أفضل الاختصار، للقول بأن: تقرير بسيوني يدعو إلى محاكمة رئيس الجهاز الأمن الوطني خليفة بن عبدالله آل خليفة، وكل الضباط في جهاز المخابرات المتورطين في الاعتقالات التعسفية وعمليات التعذيب، مع إعادة هيكلة جهاز المخابرات ليكون معنيا بجمع المعلومات دون إنفاذ القانون، وضمان أن يكون عمله متوائما مع مطالب القانون الدولي. (الفقرة 1718).


إن تطبيق ذلك يعني سقوط ذراع أخرى من أذرع المنظومة الدكتاتورية التي بنيت منذ 40 عاما، والتي ازدادت بطشا في السنوات العشر الأخيرة مما سمي مشروعا إصلاحيا، واكبه من ناحية بناء أشكال وأطر ديمقراطية غير فاعلة (برلمان؛ مجالس بلدية...)، ومن ناحية أخرى بناء مؤسسات فاعلة و قاهرة ومجهضة للبنى المعبرة عن الشعب.

إن وجود الضابط عادل فليفل في المشهد السياسي، واحتفاء رئيس الوزراء رئيس الفريق الحكومي للنظر في توصيات التقرير، يكفي للقول بأن العائلة الحاكمة غير صادقة فيما تدعيه من تطبيق هذه التوصيات.



ضمور الإعلام الرسمي


وإذ يدين بسيوني العمل الإعلامي الرسمي "المهين" للمعارضين، الذي يمثلون قطاعات واسعة من الشعب، و"المحرض" عليهم، فإنه لا يكتفي بالدعوة إلى عدم تكرار ذلك، وإنما يدعو إلى فتح البث التلفزيوني والإذاعي إلى المعارضة، وأن يكون الإعلام الوطني للجميع، وتحقيق ذلك ـ والذي لن يتحقق ـ يعني أيضا أن إحدى أذرع الدولة البوليسية قد انهارت. هذه الدولة التي ترتكز على إعلام منحاز، وقوى بطش متغولة.

ضربة قاصمة للقضاء


يوجه تقرير بسيوني ضربة قاصمة للقضاء، حين يتساءل "حول ما إذا كان النظام القضائي قد تحمل أكثر من طاقته أثناء أحداث فبراير ومارس 2011، أم أنه فشل نتيجة لضعفه في التعامل مع التحديات التي فرضها الموقف". (الفقرة 1702)

ويرى التقرير أنه "وقع بالفعل انتهاكات نمطية لقواعد المحاكمات العادلة في مرحلة ما قبل المحاكمات، وأثناء المحاكمات، التي حرمت معظم المتهمين من الضمانات الأساسية للمحاكمات العادلة. "(الفقرة 1702) في مواقع أخرى من التقرير انتقادات لاذعة لعدم قيام وكلاء النيابة العامة والقضاة بأدوارهم في التحقيق في شكاوى التعذيب (الفقرة (1241).

وتقديري أن أولئك قد يكونون تحت طائلة المحاكمة، بالنظر إلى دعوات التقرير لمحاسبة المتسببين في التعذيب. وتقديري أيضا بأنه يفترض أن تطال المحاكمات هنا قائد الجيش، المعني بتطبيق تدابير حالة السلامة الوطنية، والتي أدارت محاكم السلامية الوطنية، سيئة الصيت. وربما يجدر دراسة فيما إذا كانت المحاكمات يفترض أن تطال رئيس المجلس الأعلى للقضاء وهو الملك؛ أو نائبه، وأعضاء المجلس.
 
لكني أظن أنها يفترض أن تطال المساءلة وزير العدل؛ المعني بالموضوع، وهو الذي لعب دورا غير مهني، ويفتقد إلى أي حس قانوني وأخلاقي، حين مضى يجمل محاكمات فاقدة للشرعية، ويشجع أو يتغاضى عن التعذيب، كما يثبت التقرير.
 
كذلك يورد التقرير نقاطا يفترض أن تطيح بالقضاء العسكري بشكله المتغول الذي برز فترة السلامة الوطنية وما بعدها، ذلك "أن مرسوم السلامة الوطنية الذي طبقه النائب العسكري قد تجاز النظام القضائي الوطني"
 
إن الإطاحة، أو احتواء القضاء العسكري المنفلت من ضوابط القانون، فضلا عن إعادة هيكلة عموم القضاء الوطني، ليوفر الضمانات الحقيقة للمتهمين، يعني استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، وعن العائلة الحاكمة وأهدافها الضيقة.

وهذا يعني فصل المحاكم عن النيابة العامة، عن وزراة الداخلية، عن المخابرات، وعن تدخلات القصر والجهات الحكومية، وأن لا يتلقي وكلاء النيابة العامة والقضاة تعليمات بالهاتف من القادة العسكرييين والمدنيين لتحديد اتجاهات الحكم. وأن يحصل المتهمون على محاكمات عادلة وشفافة ونزيهة.ومجددا، فإن نزاهة القضاء واستقلاله، تعني حماية الناس من بطش السلطة، وسقوط أداة مهمة من أدوات الدولة القعمية.



عدم مشروعية حالة السلامة الوطنية


يقول التقرير إن هناك ثغرة تشريعية في إعلان حالة السلامة الوطنية، وفي تنفيذه، ذلك أن "الدستور لم يوضح الظروف التي قد تلجأ إليها الحكومة في إعلان ذلك؛ كما لم يحدد التدابير التي يمكن أن تلجأ اليها الحكومة أثناء تطبيقها لها". (الفقرة 164)

ويعتقد التقرير أن الكثير من الإجراءات التي تمت خلال تلك الحالة تفتقد إلى المشروعية القانونية، أو تحوم حولها ضبابية قانونية على الأقل. وتوصي اللجنة "بعرض الدفوع المتعلقة بمخالفة بعض أحكام المرسوم بإعلان حالة السلامة الوطنية على المحكمة الدستورية". كما تدعو إلى إصدار تشريع ينظم حالة السلامية الوطنية مقيدا بالالتزامات الدولية للبحرين. وذلك يكفي لو طبق بأن يمنع التعديات في مختلف المجالات على حقوق الإنسان التي تمت طوال أشهر مضت، تحت دعوى السلامة الوطنية.
 
بل إن التقرير يرى أن بعض تطبيقات حالة السلامة الوطنية مضت تعسفا إلى درجة قد تفوق في بعض ممارساتها تطبيقات قانون الطوارئ، الذي هو أعلى درجة من حالة السلامة الوطنية، بحسب الدستور.



وضعية الجيش


بذل جهد كبير من لجنة التقصي، ومن الدولة لإبعاد الجيش عن دائرة المساءلة، على أمل أن يظل حامي العرش الخليفي؛ نظيفا ومواليا وبعيدا عن أطر القانون.
 
بيد أن هذه المحاولات لم تنجح كليا. مازال الجيش مساءلا ـ بحسب التقرير ـ عن استخدام القوة المميتة ضد عبدالرضا بوحميد، أما مسئوليته عن قتل الشهيدة بهية العرادي واثنين آخرين منسوب قتلهما إلى الجيش فقد خلص التقرير إلى عدم وجود دلائل على أن الجيش استخدم القوة المفرطة لقتلهم، مع ثبوت أن الرصاص الذي قتلوا به صادر من أفراد الجيش. وقد يعني ذلك أن قتل هؤلاء الثلاثة يعد "قتلا بالخطأ" بيد ان هذه اللفظ لم ترد في التقرير.

 

إضافة إلى التورط في عمليات القتل، فإن الجيش متورط في اعتقال أكثر من 100 شخص (الفقرة 1125)، وهدم أو المشاركة في هدم تسعة من المساجد (الفقرة أ/1317)... ودون شك، فإن تلك إدانات واضحة للجيش تستدعي المساءلة القانونية والسياسية.

كما يتوجب مساءلة مسئولي الجيش عن الانتهاكات الجسيمة والتعذيب البدني والنفسي التي لحقت بالمعتقلين في سجن القرين الذي تديره قوة دفاع البحرين؛ وهي الانتهاكات التي يقول التقرير إنها توقفت في 10 يونيو الماضي؛ أي انها استمرت من 17 مارس ولمدة ثلاثة أشهر لاحقة.

وبالنظر إلى ما يعتقده النقرير من أن التعذيب يتسم بسلوك منهجي فإن قيادات الجيش طرف في أي مساءلة، إذا ما أردنا إحقاق الحق. فضلا عن إن مسئولي الجيش والنائب العام العسكري ووكلاء النيابة والقضاة في محاكم السلامة الوطنية مسئولون عن الانتهاكات الفادحة وغياب العدالة في هذه المحاكم.


ويبدو قائد الجيش مسئولا قانونيا وسياسيا عن جملة الانتهاكات التي تمت إبانا سريان حالة السلامة الوطنية، باعتباره مسئولا عن تطبيق تدابيرها. ليس الموضوع مناكفة سياسية. إن كل ذلك يستدعي فريقا من القانونيين للبت في ذلك.

وأجدني أبدو متفقا مع لجنة بسيوني بأن الجيش لم يستخدم الذخيرة الحية على نطاق واسع، وفي ذلك حذر ينبغي أن يكون له ما يعنيه من أن يد الجيش كانت مكبلة ولم تكن مطلقة، وأن التلويحات باستخدام الطائرات، واف 16 لمحو القرى ومناطق التمرد، هي أقرب إلى هراء ملكي.

وفي الحديث عن الجيش، أشدد على أنه سيكون تعديا على حقوق الإنسان نسيان الانتهاكات المتناثرة في التقرير عن الجرائم المنسوبة للجيش، وعدم اتخاذ أي إجراء بحق مسئوليه، أما قائد الجيش فيبدو استبعاده من أي مساءلة ضربا للعدالة.

عدم جواز عقاب المحتجين


إن عودة المفصولين إلى أعمالهم، والطلاب إلى جامعاتهم، والإفراج عن المساجين، بما في ذلك القياديين، لأن هذه المجاميع لم تخالف القانون، كما يقر التقرير ويوصي؛ يجعل السلطات تخسر المعادلة الشعبية.

إذ حين يعود هؤلاء إلى المواقع التي طردوا منها، سترتفع معنويات الداعين للتغيير، والذين يمكنهم الخروج مرات ومرات في التظاهرات لأنه لا تستطيع الدولة اعتقالهم وفصلهم من أعمالهم.

إن التوصيات تقول صراحة إنه يمكن للآلاف الخروج في مسيرات، كالتي خرجوا بها في فبراير ومارس، لأنها مسيرات قانونية.

ويمكنهم رفع شعارات المطالبة بالدولة الديمقراطية، بما في ذلك شعارات سقوط النظام، وبإمكانهم الاضراب عن العمل، ومخاطبة الميديا وكل ما يخطر ببالهم من أعمال سلمية؛ ذلك أن الغالبية العظمى من الإجراءات التي قامت بها السلطة، اعتبرتها لجنة بسيوني غير قانونية ويتوجب محاسبة من قام بها.

ومع افتراض تنفيذ التوصيات ذات البعد الشعبي، فإن انهيار النظام سيتسارع لأنه ستزداد رقعة المطالبين بالإصلاح، كونهم محميين من التعسف، لأن النظام الأمني بات ملتزما بالقانون الدولي، ولا يستطيع بث الرعب، كما فعل في الشهور الماضية.

 
ومع ذلك، سأسارع للقول إن هذه التوصيات لن تنفذ!  إنها التوصيات ذاتها تقريبا التي يكررها مجلس حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وتقرير وزارة الخارجية الأميركي السنوي من عشرين سنة تقريبا؛ كما يقر التقرير نفسه. وهذ التوصيات هي ذاتها مذكورة في دستور البحرين، الذي أصدره الملك دون مشاورة الشعب، لكن الدولة لا تطبقه

لكن يجدر الانتباه إلى أنه في هذه حالة  عدم التطبيق، فإن ما تبقى من صدقية الملك حمد ستكون تلاشت. وهو الذي خسر الشعب؛ سنة وشيعة؛ لأسباب مختلفة؛ وخسر ثقة الاقليم (الكويت، قطر، عمان)، كما خسر ثقة الجانب الأميركي، والأوروبي، لأنه كما كذب على الشعب، كذب على الغرب طوال السنوات العشر الماضية. ولم يبق عنده إلا السعودية، التي مازال النظام الخليفي يدفع غاليا بسبب تشددها ورفضها للإصلاح.


التوصيات



بعد هذه المقاربة لتوصيات بسيوني التي أرى تنفيذها سيغير مسار البحرين، وإذا كان لي أن أوصي، فإني لا أنصح المعارضة بإضاعة البوصلة والدخول في متاهات تنفيذ التوصيات، بل التركيز على المطالب السياسية. أهمية تقرير بسيوني أن يكون بمثابة وثيقة مهمة للتأكيد على أن النظام الخليفي عصي على الإصلاح ولا يفي بالتزاماته.
 
وسيكون مثيرا للدهشة أن تتمكن المعارضة من تحويل التقرير إلى شبيه بالمبادرة الخليجية لإسقاط المنظومة الدكتاتورية القائمة، التي يترأسها قائد الجيش ورئيس الوزراء، والتي عليها أن ترحل؛ عله يبدأ من بعدهما عهد جديد من التحول الديمقراطي، يأخذ ـ فيما سيأخذ ـ  بمشروع الإنصاف والمصالحة الذي لا يقصد الانتقام من الآخر، بقدر رغبته في تطهير النفوس ووضع أطر لعلاج أي انتهاكات لحقوق الإنسان، مع الحرص على التقليل من الخسائر الوطنية.

*صحفي بحريني.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus