الجزيرة أمريكا: قمع البحرين لحرية التّعبير يؤجج التّوترات الطّائفية

2015-05-09 - 4:21 م

إيمانويل ستوكس، موقع الجزيرة أمريكا

ترجمة: مرآة البحرين

في الثاني من أبريل/نيسان، تم اعتقال نبيل رجب، أحد النّاشطين البارزين من أجل حقوق الإنسان، بسبب تغريدات انتقد فيها النّظام الملكي على تويتر. وكانت هذه المرة الثّانية التي يعتقل فيها خلال ستة أشهر بسبب التّهمة ذاتها. وقد دانت تغريداته لمتابعيه الذين يبلغ عددهم ربع مليون شخص قد دانت المرسوم الأخير الصّادر في المملكة، والذي يحذر المواطنين من انتقاد مشاركة البحرين في حملة الضّربات الجوية التي شنّتها المملكة العربية السّعودية على اليمن. وكان هذا القرار الأحدث ضمن مجموعة من المراسيم القانونية التي تحظر معارضة المملكة وسياساتها، وتردع الخطاب العام الهادف في المملكة.

ونبيل رجب، الذي يترأس مركز البحرين لحقوق الإنسان، محتجز في السّجن الانفرادي. وفي حال إدانته، سيواجه حكمًا بالسّجن يصل إلى عشر سنوات لنشره ما وصفته السّلطات برسالة يمكن لها تحريض النّاس والإخلال بالسّلام والتّشهير بمؤسسة حكومية (في يناير/كانون الثّاني، حُكِم عليه بالسّجن ستة أشهر على خلفية تهم مماثلة. وتم إطلاق سراحه بكفالة وينتظر حكم الاستئناف).

من خلال مهاجمة منتقديها  وزيادة القيود على حرية التّعبير، تقوض المنامة التزاماتها بالإصلاح الديمقراطي. وعلاوة على ذلك، تخاطر القيادة السّنية بتصرفاتها هذه بجعل المحتجين من الغالبية الشّيعية أكثر تطرفًا، وتزيد من احتمال الفتنة الطّائفية التي يمكن أن تمتد خارج حدود البلاد. وهذه نتيجة يتوجب على الحلفاء الغربيين للبحرين السّعي لمنع حدوثها.

احتجاجات دولية عابرة

في العام 2011، قمعت قوات الأمن البحرينية على نطاق واسع المتظاهرين السلميين الذين كانوا يدعون إلى المزيد من الحريات السّياسية وإلى استقالة رئيس الوزراء الشّيخ خليفة بن سلمان آل خليفة. قُتل متظاهران على الأقل واعتُقِل عدة متظاهرين آخرين في وقت لاحق وتعرضوا للتّعذيب. كما سُجِن عدد من قادة المعارضة. وأثار رد المنامة إدانة لا سابق لها من قبل حلفائها الغربيين منذ زمن طويل، كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. وقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة من أنه يمكن أن تشكل بعض الإجراءات التي اتخذتها البحرين خرقًا للقانون الدّولي. وبعد احتجاجات دولية، كلّفت المنامة لجنة بإجراء تحقيق مستقل بخصوص أعمال العنف. وخلص التّقرير إلى الاستخدام الواسع النّطاق للتّعذيب ضد المحتجين وتفشي انعدام مساءلة نظام أمن البلاد. تعهد الملك حمد بن عيسى آل خليفة بتنفيذ توصيات اللجنة،  وبإدخال إصلاحات لحماية حرية التّعبير. ويتوج اعتقال رجب سلسلة من المناورات السّياسية التي تشير إلى انعدام نية المملكة بالوفاء بعهودها.

في العام 2014، أقرت المنامة قانونًا يفرض عقوبة بالسّجن تصل إلى سبع سنوات في السّجن، وغرامة مالية قدرها 26.500 ألف دولار لإهانة الملك علنًا. ويمنح القانون الحكومة المزيد من السّلطة لسحب الجنسية من أي شخص متهم بإيذاء مصالح المملكة، وفرضت المزيد من القيود على حرية تكوين الجمعيات السياسية، وأعطت السّلطات الحق في حل أي تنظيم سياسي.

خلال العام الماضي، كثّفت المنامة حربها على المعارضة، وزادت القمع الدّاخلي، كما فرّقت الاحتجاجات بالقوة من خلال اعتقال منتقدي الحكومة على مستوى عال. في ديسمبر/كانون الأول، اعتقلت السّلطات الشّيخ علي سلمان، زعيم الجمعية الرّئيسية المعارضة، الوفاق، على خلفية تهم متعددة، من بينها التّحريض على تغيير النّظام بالقوة، ونشر الكراهية في قسم من المجتمع وإهانة وزارة الدّاخلية. ولا يزال حتى الوقت الحالي في السّجن، وقد أجلت هيئة المحكمة هذا الأسبوع جلسة محاكمته إلى 20 مايو/أيار.

وعلى نحو مشابه، تم اعتقال حسين جواد، الذي يدير المنظمة الأوروبية البحرينية لحقوق الإنسان في مداهمة ليلية لمنزله في فبراير/شباط واحتجازه في سجن الحوض الجاف، بانتظار محاكمته. هو متهم بالتّحريض وتلقي أموال من الداخل والخارج لدعم وتمويل الجماعات التّخريبية، وهي تهمة يمكن أن تؤدي إلى الحكم عليه بالسّجن لمدة عقود. ومع ذلك، تستند القضية إلى الاعترافات التي يَزعم أنّها انتُزِعت منه خلال التّعذيب.

وردًا على الانتقادات، يؤكد مسؤولون بحرينيون جهود المملكة لتحديث الخدمات القضائية والأمنية. في العام 2012، صاغت الحكومة مدونة سلوك رجال الشرطة وأنشأت منصب أمانة التّظلمات للتّحقيق في ادعاءات الانتهاكات من قبل وزارة الدّاخلية. هذه خطوات إيجابية. وقد وسّعت مدونة سلوك رجال الشّرطة  نطاق التّدابير المتاحة للمساعدة على منع وحشية رجال الشّرطة. وقد أدّت تحقيقات مكتب أمانة التّظلمات في الشّكاوى حول حدوث انتهاكات خطيرة على يد حراس السّجن والشّرطة، وفقًا لأحدث تقرير سنوي لديها، إلى توجيه تهم إلى 14 شرطيًا، يخضع معظمهم الآن للمحاكمة.

ولكن هذه الإصلاحات تتضاءل من خلال تمرير عدد من القوانين الشّاملة التي تُجرّم المعارضة، ويواجه النّاشطون الذين يمارسون حقهم في حرية التّعبير عقابًا يفوق ذلك الذي يواجهه المسؤولون الحكوميون المتورطون في انتهاكات خطيرة. في العام 2013، على سبيل المثال، شهد شرطي متهم بقتل أحد المحتجين من مسافة قريبة تخفيض عقوبته إلى ستة أشهر عند الاستئناف، في حين تم إرسال النّشطاء إلى السّجن لمدة عام لإهانتهم الملك على تويتر. في قضايا أخرى، حُكِم على المحتجين المعتقلين لمشاركتهم في تجمع غير قانوني بالسّجن لستة أشهر. حتى القاصرون المعتقلون لمشاركتهم في الاحتجاجات السّلمية أُرسِلوا إلى مراكز الأحداث وتعرضوا للتّعذيب أثناء الاحتجاز.

وقالت منظمة العفو الدّولية في تقرير أصدرته في 15 أبريل/نيسان إنّه "على الرّغم من تدابير الإصلاح التي أدخلتها الحكومة... والتي صرّحت فيها عن التزامها بالإصلاح في كثير من الأحيان، لا يزال وضع حقوق الإنسان في البحرين اليوم رهيبًا، وعلى الصعيد العملي، لم يتغير إلا القليل. لقد احتفظت السّلطات بالقيود المفروضة على الحقوق في حرية التّعبير وتكوين الجمعيات والتّجمع السّلمي لا بل كثفتها، متجاوزة بذلك تلك المسموحة بموجب القانون الدّولي، في خرق منها لالتزامات البحرين بالمعاهدة، وقد فشلت في إجراء إصلاح حقيقي في النّظام القضائي، حيث يستمر إجراء محاكمات غير عادلة لمنتقدي الحكومة والمعارضين".

وتستمر المجموعات الدّولية لحقوق الإنسان والمنظمات البحرينية في التبليغ عن استخدام التّعذيب لانتزاع اعترافات. وقد سلّط نبيل رجب الضّوء على قضية مماثلة في سجن جو الشهر الماضي (ويشك البعض بأن هذا الأمر لعب دورًا في عملية اعتقاله، على الرّغم من أن الحكومة تنفي وجود صلة بذلك). وفي وقت سابق من هذا الشّهر، أضرب النّاشط المعارض المسجون خليل الحلواجي عن الطّعام لمدة ثلاثة أسابيع احتجاجًا على الانتهاكات المزعومة في سجن الحوض الجاف في المنامة.

سمعة البحرين الدّولية، التي تضررت من  من ردّها على احتجاجات العام 2011، سندها الدّعم  الغربي لجهودها في الإصلاح. وقد بقي حلفاؤها هادئين في ما يتعلق بالإجراءات التّصعيدية للنّظام. حتى أن طرد مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى في يوليو/تموز الماضي تسبب بالقليل من الاحتجاج. هذه المجاملات الدّبلوماسية، إضافة إلى العلاقات الدّفاعية والأمنية الوثيقة مع الولايات المتّحدة وبريطانيا، منحت المنامة  غطاء ثمينًا من الشّرعية. ويجب أن يتغير هذا.

يؤدي خنق الحكومة للدّيمقراطية إلى تطرف المعارضين الشّيعة في البحرين على نحو متزايد. في العام الماضي، أعلنت سرايا الأشتر، المجموعة المعارضة المرتبطة بحزب الله، مسؤوليتها عن سلسلة من الهجمات بالقنابل على السّلطات البحرينية. يمكن للقمع المستمر في المنامة أن يؤدي إلى تأجيج صراع طائفي شامل، مما يعود بالفائدة على إيران التي سعت طويلًا لبسط نفوذها في المنطقة من خلال تحالفاتها مع الحركات الشّيعية السّياسية والعسكرية. وفي منطقة تعيقها فعليًا الحرب الطّائفية، يثير احتمال اندلاع صراع حزبي آخر قلقًا عميقًا.

ولإنصافهما، دانت كل من واشنطن وبروكسل اعتقال نبيل رجب. لكن فشلهما في مواصلة الضّغط على البحرين منذ العام 2011 يوحي بأنه من المرجح أنّ هذه البيانات لن تؤثر على المنامة. على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وخاصة بريطانيا،  إعادة النّظر في علاقاتهم مع البحرين في حال لم تقدم التزامات حازمة بتحسين سجلها في الحقوق. وقد يتضمن هذا تخفيض مستوى الدّعم العلني أو الضّمني للبحرين، وتقشفًا في التّبادلات العسكرية وعقوبات محددة. تملك الولايات المتحدة نفوذًا كبيرًا من خلال اتفاقية التّجارة الحرة مع المنامة، والتي يمكن لواشنطن مراجعتها لممارسة الضّغط على المملكة.

وكتب رجب في رسالة مفتوحة إلى الرّئيس باراك أوباما أن "مواطني البحرين والدول المجاورة يتمتعون بإمكانات هائلة. وبأصوات غير مقيدة، يمكن لنا بناء الاستقرار وتحدي التّطرف". ومن بين أمور أخرى،  تحرير تلك الإمكانات يتضمن على إعادة إجراء محادثات مع المعارضة، والسّماح للحقوق المدنية بالازدهار وإصلاح القوانين التي تخنق المعارضة. ولكن في حال كانت أحداث السّنوات الأربع الماضية تشكل أي دليل، فإنه ليس هناك فرصة تُذكر لقيام المنامة بذلك من تلقاء نفسها. يجب ممارسة الضّغط الدّولي الآن- والحفاظ عليه هذه المرة- لدفع البحرين في الاتجاه الصّحيح.

النّص الأصلي:

 

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus