افتتاحية مرآة البحرين: تقرير بسيوني.. دواء الشرعية

2011-11-24 - 11:53 ص


أطلق بسيوني تقريره، صار نصاً تتداوله القراءات، دخل الآن دائرة اللعب السياسي، صار خارج دائرة التقييم والموقف. لم يقل بسيوني الحقيقة كاملة، ليس لأنها لا يمكن الوصول إليها كاملة، لكن لأنه لا يمكن الاقتراب منها كاملة، لأسباب سياسية تتعلق بإرادة أطراف دولية قررت وفق مصالحها الطريقة التي سيقول فيها التقرير الحقيقة المهندسة بخوارط استراتيجياتهم.

ما قاله بسيوني، صدم شارع المولاة، ولم يفرح شارع المعارضة، ولم يغضب الحكومة. لقد صدم شارع الموالاة، لأنه خرق إجماعها، الإجماع الذي وضعها في وحدة واحدة ليس مع الحكومة فقط بل مع السلطة بكل أجنحتها، السلطة قبلت بتقرير بسيوني، وليس هذا القبول في ذاته هو ما صدم شارعها، الموالاة  مضطرة الآن لدفع التكلفة النفسية للأوهام التي ثبتها السلطة فيها، وهم أن السلطة لم تعذب أحدا ولم تنتهك بيت أحد ولم تهدم مسجدا ولم تقتل موقوفا، ولم تستخدم القوة المفرطة ضد معارضيها، ووهم أن المعارضة لديها أجندة إيرانية وتسعى لتثبيت ولاية الفقية، ووهم أن المعارضة خارج سياق الربيع العربي، ووهم حفلة الزار التي أفقدتها عقلها وحسها الإنساني.
كان أصوات المولاة على تويتر والقنوات الفضائية، تسعى لتخفيف هذه الصدمة، بابتكار تأويلات سحرية تبقي على حياة هذه الأوهام وفاعليتها، لقد انقلب السحر لكن ليس على الساحر، بل على المسحورين، انقلب واقعا، فقد أفاقوا على صدمة الحقيقة.

ولم يُفرح تقرير بسيوني المعارضة، ليس فقط لأنه لم يقل ملحمة معاناتها في تفاصيلها الدقيقة، أو لأنه لم يستوف حتى خطوطها العامة، بل لأنه لم يكشف السياسية الممنهجة التي كانت وراء محنتها الوجودية، ولم يسمِ الأشخاص الذين صنعوا هذه السياسة الممنهجة التي مازالت تلاحقهم وتهدد وجودهم. التقرير ضحى بأجزاء كبيرة من الحقيقة، حقيقة المحنة، كي يُمكّن الجلاد من قبول الحقيقة منقوصة الأطراف، ففي هذا القبول حياته.

لم يغضب التقرير السلطة، لأنه جنّبها الكبائر واكتفى بأن يقسو عليها في الصغائر، والصغائر لا تفقد السلطة قوتها، السلطة كبيرة، وهي قادرة على أن تلائم التقرير مع خطابها، قادرة على أن تستملكه، ليكون تقريرها الذي طلبته هي، وحرصت على تحقيقه هي، وتعمل على إنجازه هي. لن تتكيف السلطة مع التقرير، بل ستلائمه لها، وستكون هي من يرفع هذا التقرير، ستحوله لشعار من شعاراتها التي تباهي به الأمم، ولن ننسى أن بسيوني قد دشن هذه المباهاة من أول إطلالة إعلامية له في البحرين. التقرير معد لها، كي تحسن من أدائها وتطور خدماتها وتصلح أجهزتها، لم يعد التقرير، ليكشف فسادها ولا انتهاكاتها، ولا لكي يقرر ذهابها أو تغيير نهجها ونظامها السياسي، لذلك فمن سيطبق التقرير هي، ومن سيشرف عليه هي، ومن سيشكل لجان تنفيذه هي.

التقرير لا يستهدف إسقاط النظام ولا إصلاحه، بل يستهدف ديمومتها، وستوائمه السلطة كي يضمن استمرارها، لن يسقط شيئا في السلطة، لا سياستها ولا نظامها ولا رجالها ولا مصالحها.
لقد جلعته السلطة يوماً تاريخيا احتفلت به، وربما تحتفل به سنويا، كما جعلت الميثاق يوما تاريخيا تحتفل به.الميثاق جاء ليصلح خللاً في السلطة والتقرير كذلك جاء لإصلاح خلل في السلطة لا في الوطن، كي يعطيها ديمومة أكثر، جاء الميثاق بعد عقد التسعينيات المر، وجاء التقرير بعد زلزال 14 فبراير المدمر.

لم تغضب السلطة من التقرير، لأنها لن تفقد شيئا من قوتها، ولن يتقاسم معها أحد شيئا من هذه القوة، وهذا كل ما في الأمر بالنسبة لها. لقد حمت نفسها بشراء التقرير(الدواء)، وتجرعت قطرات من مرارة الدواء كي تستعيد عافيتها.

سيبقى الوطن مريضاً، بهذه السلطة التي تبتكر لها أدوية تعالج أمراضها المزمنة من دون أن تقبل الخضوع لعملية جراحية تستأصل فيها أطرافها الميتة، لقد كانت في كل مرة تبتكر دواء يعالجها دون أن يعالج الوطن.
شرعية الحكم منذ اليوم فصاعداً ليست في دستور 1973 التعاقدي الذي أعدمته السلطة في العام 1975، وليست في ميثاق العمل الوطني الذي طمرته السلطة ولا تريد العودة إليه، وليست بالطبع في دستور 2002 الساقط شعبياً وإلى الأبد، هذه المرة اختار الحكم لنفسه شرعية جديدة لا تعيده إلى ميثاق العمل الوطني ونصوصه، لماذا لا يريد؟، ببساطة: لأنه لن يستطيع تأويلها هذه المرة كما يشاء.
اختار الحكم تقرير بسيوني شرعية جديدة له، لأن داعميه قرروا أن يعوّموا شرعيته من جديد بناء على هذا التقرير الذي وضعوه باتقان كما يعتقدون مع السيد محمود بسيوني، إذن: ما يطمح له النظام شرعية دولية لا شرعية شعبية، يريد اعترافاً دولياً بالتقرير الذي سيكون منذ اليوم فصاعداً الورقة التي يحكم النظام بها، ويقاتل لتأويلها، وقد تركت الدول الداعمة للنظام أمر تنفيذ هذا التقرير للنظام نفسه دون أية مشاركة شعبية، لقد التقوا على استبعاد طرف واحد من المعادلة، وياللمفارقة هي الإرادة الشعبية!.

الإرادة الشعبية هنا في هذه البلاد، المطلوب منها شيء واحد،  المطلوب هو الموافقة  على التقرير فقط لا غير، بل ومن دون تصويت!، وإلاّ فإنه  سيُترك الشعب ويسلخ جلده  تحت سياط المشير ورئيس الحرس الوطني وراشد بن عبدالله وكلابهم، ومعهم قوات سعودية وإماراتية تعسكر في البلاد تحت غطاء (درع الجزيرة). لا شي من ذلك يهم!، فمصير البحرين بيد أبنائها.

كل هذا ليس نهائياً، فلدى البحرينيون كلام كثير وكبير لم يقولوه بعد، هم كبقية الشعوب التي ناضلت لأجل حريتها، دفعت أنهاراً من دمائها لتنبت شجرة الحرية كسنديانة  صلبة لا تهزها الرياح.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus