الغارديان: الفورمولا 1: مواصلة سباق الجائزة الكبرى مع استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين

2015-04-20 - 11:15 م

جيلز ريتشارد، صحيفة الغارديان

ترجمة: مرآة البحرين

لم يكن يمكن للمعركة الأخاذة، بين لويس هاميلتون ونيكو روسبيرغ في اللّفات الختامية في حلبة البحرين الدّولية العام الماضي أن تقدم مجالًا أفضل للعرض لكل من الفورمولا 1 والبلد المضيف على الحلبة. مع ذلك، سيجري تكرار هذه الأحداث هنا يوم الأحد على خلفية غير مريحة من مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، وأيضًا يثير الجدل حول دور هذه الرّياضة، وربّما، أيضًا، حول جوهرها.

بعد أقل من أربع وعشرين ساعة في البلاد، قالت عدة مصادر للغارديان هذا الأسبوع إن الاحتجاجات المناهضة للحكومة، بعيدًا عن توقفها، تستمر بناء على أسس يومية تقريبًا وقد ازداد حجمها وعدد المشاركين فيها مع وصول الفورمولا 1. وشهد هؤلاء أيضًا أن ردود الدّولة البحرينية تمثلت بالاعتقالات وقمع المعارضة.

في حلبة البادوك، يستمر سباق الفورمولا 1 في نهاية الأسبوع هذه على نحو طبيعي، فهو يشكل أعمالًا صرفة لإدارة السّباق، وهو جزء لا يتجزأ من محاولة البحرين إقناع العالم أنّه عمل للدولة، كالمعتاد أيضًا. مع ذلك، بعيدًا عن مسار السّباق، كانت هذه المهام البسيطة نسبيًا، كالاجتماع مع الزّملاء الصّحافيين تجري مع المطالبة بالسّرية. وقال مازن مهدي، وهو صحافي بحريني، لوكالة الأنباء الألمانية إنهم "يراقبون الهواتف، ويستخدمون ذلك على نطاق واسع لمعرفة الأشخاص الذين نتصل بهم، وكيفية فعلنا لذلك، لمنعنا من العمل مع الصّحافيين الآخرين وجماعات حقوق الإنسان. وإذا حاولت الاحتجاج مباشرة ورؤية ما تفعله الشّرطة، سيوقفونا وسيعتقلوننا. إنه لأمر خطير. تقنيًا، مجرد كلامكم معي يحرمكم من تأشيرة الدّخول".

ويبدو الأمر خطيرًا للآخرين أيضًا، مع تكرار الغارديان محاولاتها للتّكلم مع أفراد أسر المعتقلين الذين ألقي القبض عليهم مؤخرًا، من دون النجاح في ذلك، بسبب خوفهم من كون رؤيتهم يتكلمون مع وسائل الإعلام ستؤدي إلى فرض عقوبات أكثر ضراوة على أقاربهم المعتقلين. في نهاية المطاف، لا أحد يريد الإفصاح عن رأيه والانتقاد بشجاعة. يتم تكرار ذكر استخدام الغاز المسيل للدموع ورصاص الشّوزن، ووسط الخوف، هناك شعور بالغضب من تمكن الفورمولا 1 من كسب المال والتّرفيه ولكنّها في الوقت ذاته تتجرد من المسؤوليات التي يتطلبها وجودها بالذات. قد يكون بعض الأشخاص خائفين أيضًا لكنهم يريدون حقًا أن تشكل الفورمولا 1 قوة للتّغيير.

أعيد تسليط الضّوء من جديد على القضايا في البحرين في وقت مبكر من هذا الأسبوع حين نشرت منظمة العفو الدّولية تقريرًا يدين الانهاكات المستمرة لحقوق الإنسان والنّقص في الإصلاح المُفتَرَض حصوله بعد انتفاضة العام 2011.

لطالما أصرّت الفورمولا 1 على أن أيًا من هذا ليس من شأنها. منذ عامين، أشار بيرني إيكلستون إلى "أننا لسنا هنا، أو لا نذهب إلى أي مكان للحكم على كيفية إدارة البلاد". لكن التقرير المدين لمنظمة العفو سبقه إعلان آخر أقل ضجة. وفيه قالت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين إنّها أبرمت اتفاقًا مع إدارة الفورمولا 1 مفاده أن الأخيرة ستبدأ بتطبيق سياسة تحليل لتأثيراتها على حقوق الإنسان في الدّول المضيفة. وينص على أن "مجموعة الفورمولا 1 التزمت باتخاذ عدد من الخطوات الإضافية لتعزيز عملياتها في مجال حقوق الإنسان". وبالتّالي، يبدو أنه إلى حد ما، هذا من شأن الفورمولا 1.

أحد أبرز الوسطاء الرّئيسيين لهذا الاتفاق كان نبيل رجب، رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، الذي كان قد سُجِن سابقًا (وكان أحدث تاريخ لذلك في أكتوبر/تشرين الأول لنشره تغريدة عن مجموعة من البحرينيين الذين يُزعَم أنهم يتعاونون مع الدّولة الإسلامية في العراق والشّام)، والذي اعتُقِل مجددًا في 2 أبريل/نيسان، بعد تسليطه الضّوء على ادعاءات بتعذيب وسوء معاملة المعتقلين في سجن جو، السّجن الرّئيسي في السّاحل الشّرقي للبلاد.

أكثر ما يُقلِق، آدم، ابن نبيل رجب، هو سلامة والده. لكن عاطفته وشعوره بالغضب بسبب الوضع واضحان. ويقول إنّه "ليس من العدل سجن أحدهم بسبب إبدائه رأيه. هل يتم سجنك في المملكة المتحدة بسبب تغريدة؟ لا".

وهو لا يؤمن بكون هذا الحدث منعزلًا عما يجري. يقول إن "عددًا من الصحافيين يأتون لتغطية الفورمولا ، وربما يكون هذا السبب وراء اعتقال والدي"، مضيفًا أنّ "هذا جزء من حملة القمع الأوسع نطاقًا، الجارية في المناطق حيث يوجد احتجاجات منتظمة. إذا ذهبت إلى القرى، فإنك سترى أن الشّرطة تحاصرها، وأي تجمع من ستة أو سبعة أشخاص سيتعرض للهجوم بالغاز المسيل للدموع أو رصاص كيفلر أو الشّوزن، فالحكومة لا تسمح بأي احتجاج هناك".

وفي حين توجد قضايا تتعلق بحقوق الإنسان في دول أخرى تستضيف السّباق، يزعم النّشطاء أنّه، على النّقيض من الصين، على سبيل المثال، مجرد وجود الفورمولا 1 في البحرين يجعل الوضع أسوأ. مريم الخواجة، وهي المدير المشارك لمركز الخليج لحقوق الإنسان، تعيش في الدانمرك، إذ حُكِم عليها غيابيًا بالسّجن لمدة عام بتهمة الاعتداء على ضابط في الشّرطة، وهي تصف الإصلاحات منذ العام 2011 بكونها ستارًا وتمويهًا.

وتقول الخواجة إنّ "المشكلة هي أنّه لا يتم استخدام الفورمولا 1 فقط كجزء من عملية التّمويه، بل إنّها تتسبب فعليًا بانتهاكات لحقوق الإنسان في البحرين. إذ إن الحكومة تعمد، مباشرة قبل بدء السّباق، إلى اعتقال الأِخاص لمحاولة منع الاحتجاجات. لدينا محتجون تم قمعهم خلال سباق الفورمولا 1، والعنف المُستَخدَم يفوق ذاك الذي نشهده في بقية العام. الفورمولا 1 تتسبب بانتهاكات حقوق الإنسان، ولهذا السّبب، ينبغي أن لا يحصل السّباق في البحرين".

وتعارض الحكومة البحرينية هذا الادّعاء بشدّة، مع تصريح وزير شؤون الإعلام، عيسى عبد الرحمن الحمادي، قائلًا: "هذا بكل بساطة غير صحيح ولا يوجد أي دليل يدعم هذه الادّعاءات. للناس الحق في التظاهر السلمي في البلاد-وهذا أمر نحترمه وحق يحميه الدستور. في العام 2014 فقط، نظّمت أكثر من 46 تظاهرة مصرّح بها".

ولنكن منصفين مع الحكومة. من الصعب إثبات هذه الادّعاءات. مهدي، الذي اعتقل وأصيب بالرصاص عندما كان يقوم بتغطية التظاهرات العام الماضي، يوافق على كون المشاكل تحتد عند حلول الأسبوع الذي يقام فيه سباق الفورمولا 1 ولكنّه يشير إلى أنّ المعارضة والنظام على حدٍّ سواء متورّطان في الأمر. إذ يقول: "يعلم المحتجّون بتواجد عدد أكبر من الصحافيين هنا، لذا يصبحون أكثر نشاطًا ويكون الرد عليهم أكثر عنفًا." ويضيف "أنّهم أناس مضطّهدون وفرصتهم الوحيدة للفت الانتباه هي سباق الفورمولا 1، لذلك سيستغلّون الوضع. كلا الطرفين يحاولان استغلال الوضع. إذ تقول الحكومة إنّ كل شي على ما يرام وتعارضها المعارضة بالقول: لا، لا شيء على ما يرام. إنّه حدث إعلامي لكلا الطرفين."

إنّه أيضًا حدث تجاري بالنسبة للبحرين يخدم عملية الترويج للبلاد، وبالطبع، للفورمولا 1. يدّعي مهدي أنّه من المستحيل أن تحقّق [الدولة] أرباحًا من الفورمولا 1، وهذا أمر مخالف لرأي الحكومة، إذ صرّح الحمادي أنّ السباق "يوفّر عملًا لأكثر من 4,000 شخص، وله مردود اقتصادي سنوي تبلغ قيمته 300 مليون دولار أمريكي." ولكن مهما كانت القضية، لا شكّ في أنّه مكسب كبير للفورمولا 1، إذ يقال أنّ البحرين دفعت مبلغًا قيمته 40 مليون دولار أمريكي في العام 2011 قبل أن يتم إلغاء السباق في نهاية المطاف.

يعد هذا مردودًا كبيرًا ويفوق أي مبلغ قد تطلبه إدارة الفومولا 1 من "سيلفرستون" أو "سبا" على سبيل المثال. لذلك، تتضح المصلحة المادية من إقامة السباق بالنسبة إلى البحرين والفورمولا 1، ولكن أليس من الضروري أخذ مصالح أخرى بعين الاعتبار؟

وأضاف مهدي أنّه: "إذا مات أحدهم من أجل رياضة ما، فإنّها ستعتبر بلا جدوى. عندما تأتي برياضة ما، فيكون ذلك من أجل تحسين الأمور. ولكن عندما يقتل الناس أو يتم إصابتهم بجروح، لا شكّ في أنّ الأمور ليست على ما يرام." ويعتقد أنّ مسؤولية معالجة الأمر تقع على عاتق الفورمولا 1. "في عالم الأعمال، لا بدّ من التصرّف وفقًا لأخلاقيّات معيّنة. فهم لا يقدّمون شيئًا، بل يأخذون الأموال ويغادرون. عليهم الانتقاد علنًا، فالكلمات لا تكلّف شيئًا".

قد تكون هذه الخطوة التي نأمل أن تتّخذها إدارة الفورمولا 1 عقب التزامها مؤخّرًا بمراعاة حقوق الإنسان. لفت مهدي إلى "أنّهم يستطيعون القيام بذلك بشكل غير رسمي. يمكنهم مخاطبة الحكومة والقول لها: "نعلم بشأن القمع الذي يجري. لا نريد ذلك. لا نريد ارتباط ذلك باسمنا"". وأضاف قائلًا: "أو يمكنهم فعل ذلك بالعلن. يمكنهم القيام بذلك على مراحل عدّة والقول: "حاولنا فعل كذا وكذا قبل أن نصل إلى هذه المرحلة لنقول إنّنا لن نأتي إلى البحرين"". كما كان الحال في قضية جيريمي كلاركسون، إذ اتخذت قناة الـ BBC قرارًا حاسمًا-مهما كانت قيمة المبالغ التي يجنيها لها، لم يكن الأمر يستحق العناء".

وبالفعل، إزاء ادّعاءات الناشطين، سُئلت إدارة الفورمولا 1 عن طبيعة التزامها بمراعاة حقوق الإنسان في البحرين، ولكنّها رفضت الفرصة.

وبكل الأحوال، تعتقد الخواجة أنّ وقت هذا الجدال قد ولّى: "يحاجج بعض الناس أنّ الفورمولا 1 تجذب الأضواء الإعلامية ولكنّ ردّي عليهم هو: "بأي ثمن؟" إذا كان الثمن أن يُقتل الناس، ويعذّبوا، ويزج بهم في السجون لفترات طويلة، فلا يستحق هذا الاهتمام كل هذا. لا يستحق كل هذا العناء."

موقفها بالطّبع معارض لموقف النّظام، إذ يقول الحمادي: "لا شك في أنّ البعض داخل البلاد وخارجها سيستغلّون حدث الفورمولا 1 لتسليط الضوء على أفكارهم الأوسع نطاقًا عن البحرين بشكل عام أكثر. الاحتجاجات السلمية التي تحدث ضمن نطاق القانون متاحة وهي حق يحميه الدستور. ولكن عندما، في أي فرصة، يتم ارتكاب أعمال العنف تحت ستار الاحتجاج، ستتصدى قوى الأمن لهذه الممارسات ضمن إطار القانون ووفقًا للمعايير المعترف بها دوليًا مع التأكيد على ضمان حقوق الأفراد على الدوام".

وهكذا، مع وصف ما تزعم الحكومة أنه معايير معترف بها دوليًا من قبل الخواجة بــ"الإفلات المنهجي من العقاب، إذ يعرف عناصر الشرطة أنّه بإمكانهم فعل ما يريدون من دون أي عواقب".

في ظل هذا الوضع كلّه، لا يزال السباق قائمًا، وهو حدث يرى كثير من البحرينيين مؤيدين لهذا النّهج أنّه أمر جيّد للبلاد. وهذه الرؤية، مع كونها غير مرجحة، يؤيّدها آدم رجب، الذي على الرغم من اعتقال والده، يرغب في استمرار السباق في البحرين. غير أنه يريد أن تتّخذ إدارة السباق خطوة علنية وتجري تغييرًا: "لا نريد أن يحدث مكروه في البحرين. نرغب في أن تكون البحرين سعيدة. ولكن لا نريد أن يتم اعتقال آباءنا وعوائلنا لتعبيرهم عن آرائهم".

بكل بساطة، يعتقد أنّه آن الأوان لتكف الفورمولا 1 عن دفن رأسها في الرمل وفي هذه الرقعة من الأرض بالتحديد. ويقول إنّه "ينبغي على الفورمولا 1 اتخاذ دور مساعد. لا نرغب بإلغاء السباق في البحرين ولكن نريد أن يكون لإدارة السباق دور في إيقاف الانتهاكات. لا بد لها من مخاطبة الحكومة والقول لها إنّ الانتهاكات تكسب هذه الرياضة صيتًا سيئًا في كل أنحاء العالم".

التّاريخ: 17 أبريل/نيسان 2015
النّص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus