حتى بعد تقرير بسيوني.. سيكون مفاجئا حدوث تسوية في البحرين

عباس بوصفوان - 2011-11-15 - 10:27 ص


عباس بوصفوان*


من المتوقع أن يُلقي الملك حمد بن عيسى آل خليفة كلمة بعد تلقيه تقرير بسيوني، سيؤكد فيها على قبوله ما ورد في التقرير، الذي بات معروفا بالإجمال أنه سينتقد انتهاكات السلطة في مجال حقوق الانسان.
 
بيد أن التقرير لن يذهب في انتقاده إلى ما هو مهني بالمطلق، مادام البعد السياسي يظلل نشاط بسيوني، ونظرته للانتهاكات. وقد يتحدث الملك عن آلية لتنفيذ التوصيات، لا يعرف إن كان من بينها ضمانات أو آليات دولية.

تسريبات تفيد بأن بعض موظفي لجنة بسيوني قد يشتركون في متابعة التنفيذ، الذي سيكون محكاً مهما للسلطة. ويراد من "تنفيذ "التوصيات، أو الإيهام بالتنفيذ، إعادة الاعتبار ـ أو بعضه ـ لسلطة فقدت ما روجته عن نفسها بأنها نموذج إصلاحي.

ولا يحظى الحكم في البحرين بسجل محترم في تنفيذ توصيات اللجان الوطنية (المحلية). وأي قراءة للجان التي شكلها الملك أو مجلس الوزراء للعمل على تنفيذ توصيات اللجان البرلمانية مثلا، ستخرج بخلاصة لن تكون صادمة، بل متوقعة بأن الدولة تتكلم عن التنفيذ أكثر من أن تطبق.
الإشكال ـ بدون أي مواربة ـ أن الملك لم يعد محل صدقية ليشرف على علاج مآس أسس لها حين أصدر دستورا خلافا لتصويت شعبه، ومضى في الإساءة لتجربة البحرين التاريخية كما لم يفعل أي حاكم خليفي آخر، خصوصا حين اعتمد التجنيس والطائفية سياسة منهجية يرعاها القصر، فيما حديثه عن الإصلاح وأرض لكل مواطن وأن أجمل الأيام تلك التي لم نعشها بعد، حولت البحرين مأتما كبيرا.
 
وفي سوء التنفيذ، يقال أيضا عن رئيس الوزراء الذي يعلن في الأسبوع عشرين توجيها، لو طبق واحدا منها أسبوعيا، على مدى 40 سنة، لكانت البحرين في مصاف الدول النموذجية.
لذا لا يعرف كيف سيتم تطبيق توصيات من مثل: التحقيق في عمليات القتل والتعذيب، والتعويض المالي للضحايا (وليس إنصافهم)، وارجاع المفصولين عن العمل إلى مقار عملهم، وتعويضهم ماليا، وإعادة بناء دور العبادة، وكل ما يتعلق باحتواء (وليس علاج) تداعيات أزمة يصعب احتواءها دون تسوية سياسية. .
وستظل الأسئلة الرئيسية حائرة عن عدم قدرة التقرير على إحصاء كل الانتهاكات، ومدى قدرته عن مساءلة الجيش البحريني والقوى الأمنية عن الانتهاكات.

كما يصعب تصور ـ كما قد يرد في التوصيات ـ أن  تقوم وزارة الداخلية، المؤسسة عقيدتها على حق المسئول الأمني في الاعتداء على المتهم؛ أن تقوم ببناء منظومة أمنية لا تكرر التعذيب والاستهافات الجماعية. 
ويبدو مثيرا للسخرية أن يُنتظر من الجيش ألا يقتل المواطنين حين يخرجون في تظاهرات منادية بالديمقراطية؛ في حين أنه مؤسسة عقيدتها العسكرية حماية عرش آل خليفة من المواطنين الشيعة الذين يعتبرهم رأس الدولة الخطر الاستراتيجي للنظام. 
وكيف يريد تقرير بسيوني  من القضاء توخي العدل، وهي المؤسسة التي يديرها القصر مباشرة، وتمت هيكلتها كي تفذلك النص القانوني ضد المتهمين والخصوم السياسيين لصالح مقولات النيابة العامة الجاهزة، والتي بدورها تصاغ في مطابخ المخابرات وغرف التعذيب.

ثم كيف لتلفزيون البحرين والإعلام الرسمي أن يتبدل بحلول 23 نوفمبر، وبكبسة زر، لأن تقرير بسيوني أوصى بذلك!. تحديات التنفيذ ليست مزحة، إنها تحتاج إلى إعادة هكيلة الدولة بكافة أجهزتها، وقد يبدو ذلك حلم يقظة مع نظام عصي على الإصلاح.
 إن ذلك ما يجعل واشنطن تشدد على إلزام حليفتها الاستراتيجية (المنامة) على تنفيذ توصيات التقرير المرتقب، الذي تم التغني به، وكأننا نرتقب نصا مقدسا، سيخرج البحرين من عثرتها الطويلة..
وفي ظل مفهوم أميركي يركز على البعد الحقوقي وعلاج تداعيات الأزمة، ولا يحضر بقوة ضمن أجندته متطلبات الإصلاح السياسي؛ فلا يعرف إن كانت التوصيات السياسية المنادية بالحوار والحاجة إلى دستور توافقي ستكون من صلب تقرير بسيوني، وكيف سيتم تطبيقها، في ظل ما يبدو رفضا حكوميا للإصلاح الجدي.
ويفترض ان يقترح التقرير ضمانات لعدم تكرار انتهاكات حقوق الانسان. ولن يتم تحقيق ذلك من دون تسوية سياسية. ولا يمكن إنجاز التسوية من دون حوار منتج. وبالتالي فإن جوهر التقرير إذ هو يتعاطى مع التداعيات بدون أن يقارب عمق الإشكال البحريني الدائم والمتمثل في حكم أقلياتي وأغلبية ساخطة، فإن البلد سيظل غارقا في الأزمة.

إلى ذلك، فقد طٌلب من تجمع الفاتح الموافقة على مضامين التقرير، بعد أن أظهر التجمع ما يمكن وصفه فجورا في الخصومة، ومراهقة سياسة ـ لغة ومواقف ـ إزاء تعاطيه مع المعارضة.
ورغم أن السلطات تتوقع بروز هذه المراهقة على نحو أو آخر، كرد فعل على حيثيات التقرير، فيما ستواصل بعض أطراف السلطة تحريك هذه المراهقات، فقد تم فعلا لجم ردة فعل تجمع الفاتح، وبمجرد إعلان التقرير وقبول الملك بمضمومنه، سيعلن رئيس الوزراء وولي العهد وكافة أجهزة الدولة، ومن بينهم التجمع هذا القبول.

إذا، الموقف السياسي لتجمع الفاتح بات واضحا: مادامت الحكومة تقبل التقرير فإن الفاتح سيقبله، وسيزايد قليلا على الحكومة، وهو أمر مازالت بعض قوى السلطة تراه مفيدا، للحد من الضغوط التي تُمارس على الدولة  للذهاب في تصحيحات أعمق.
وتقديري، فإنه من أجل تحقيق إصلاح سياسي أقل كلفة، تبدو البحرين بحاجة إلى (فريدريك وليم ديكليرك) شريك نيلسون مانديلا في التحول الديمقراطي في جنوب أفريقيا.
هذا التحول الذي ضمن انتقالة دون دماء من الحكم الأقلياتي إلى حكم الأغلبية السوداء.
وفي الوضع الراهن، ومع وجود مانديلات عدة (من ما نديلا) في صفوف المعارضة، لعل أبرزهم القائد السياسي للوفاق الشيخ علي سلمان، فإن صفوف السلطة تبدو جلها صدّامات (من صدام حسين)، فيما غياب الممارسة السياسية والتبعية وضيق الأفق والمخاوف المبالغ فيها من الآخر، لدى تجمع الفاتح تعيق عبداللطيف المحمود من أن يكون دي كليرك البحرين.


أو لعل البحرين بحاجة إلى شخصية مثل أمير الكويت الأسبق الشيخ عبد الله السالم المبارك الصباح، الذي يسجل له التاريخ إصدار دستور 1963، الذي يشرك الشعب في القرار، وهي التجربة التي أجهضت في البحرين بعد سنتين من انطلاقتها منتصف السبعنيات.إن الحكم قلق جدا من تصاعد خطاب المعارضة، الذي بات يطالب بإحالة السلطة للشعب كما هو صراحة في وثيقة المنامة.

ويدرك ملك البحرين أنه بات ينظر للمعارضة كبديل للحكم. وهو ما يجعله يطير نحو القاهرة بعيد زيارة قامت بها القوى الوطنية. هذه المعارضة التي جعل النظام صوتها العالي واقعا على الأرض، لا تستطيع قبول تسوية هشة، فيما تبدو السلطة غير جاهزة لتقديم عرض مغرض.

لكن متفائلين يظنون أن السلطة قد تقدم عرضا يستحيل رفضه ويصعب قبوله، استنادا إلى تقرير بسيوني. لا معطيات تجعل هذا السيناريو مرجحا، ونحن ندرك أن الملك عندما تقلد السلطة في مارس 1999 احتاج نحو عام ليخرج بقصة الميثاق.
البلد مشحونة جدا، ومعطيات التسوية فيها تبدو غير ناضجة، وسيكون مفاجئا تحقيقها قريبا.. وربيع العرب مليء بالمفاجآت، السارة وتلك المحبطة.

*صحافي بحريني.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus