حلقة دراسية

أنّا فوش: البحرين - الاستثناء في الخليج (دراسة سياسية)

2015-03-19 - 7:39 م

لتحميل الملف  PDF 

ترجمة: مرآة البحرين

إعداد: أنّا فوش
بكالوريوس في العلوم السياسية
بكالوريوس في الدراسات الاسكندنافية

1. المقدمة

كتبت مجموعة الأزمات الدولية في أحد تقاريرها عن البحرين:

"بسكانها ذوي الغالبية الشيعية، وأعراف اجتماعية ليبرالية، وتاريخ طويل من المعارضة السياسية، ودخْل صغير نسبيّاً يعتمد على المصادر الطبيعية، تبرز البحرين بوصفها استثناءً نسبيّاً من بين دول مجلس التعاون الخليجي. وخلافا لمعظم الأسر الأخرى الحاكمة في الخليج، لكن مثل آل سعود في المملكة العربية السعودية المجاورة، اكتسبت القيادة البحرينية سلطتها من خلال التحالفات القبلية والغزو."   (ICG 2011a:1)

البحرين بشكل عام تختلف بالأصل عن الملكيات الأخرى في مجلس التعاون الخليجي، ولكن هذه ليست هي الجوانب الوحيدة التي تجعل من البحرين استثناءً في الخليج. وأيضا فيما يتعلق باحتجاجات الربيع العربي، البحرين هي استثناء نظرا لأنها الوحيدة من بين دول الخليج الست التي تعرض فيها النظام الحاكم القائم بشكل خطير لتهديد بسبب التظاهرات (Pupke 2011:171).

وعلى ضخامتها، تظهر التظاهرات أهمية خاصة أيضا، ليس فقط لخروج مائة ألف شخص إلى الشوارع والتي كانت أكبر بشكل ملحوظ من الاحتجاجات في الممالك الأخرى، بل لأنها بالمقارنة مع عدد سكان المملكة، كانت على الأرجح اكبر التظاهرات في العالم العربي (Perthes 2011:111).

ومع ذلك، كانت البحرين واحدة من آخر الدول التي انضمت للربيع العربي. وربما لم يكن ذلك مفاجئًا بسبب تاريخها العنيف في قمع التظاهرات. فالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كانت أصلا موجودة لفترة من الوقت، وكانت هناك بالفعل احتجاجات بسببها. آخر هذه التظاهرات كان في أغسطس 2010، وقد تم قمعها بوحشية من قبل النظام.

 في دولة حكومتها بقيادة سنية، وغالبيتها الشيعية تتعرض للتمييز والتهميش، يظهر الصراع مرجحا أكثر من أي مكان آخر.

بالرغم من حجم الاحتجاجات، وخلافا لما جرى في مصر وتونس، لم يكن هناك ثورة في البحرين:  فالحكومة لا تزال في السلطة،  والاحتجاجات أوقفت بشكل أو بآخر، والتمييز ضد الشيعة يستمر.  

بدلا من ذلك لقد كانت تمرداً1، وإنه من غير المرجح أن يتحول هذا التمرد إلى ثورة. يعتبر (البروفسير باتريك) فان انويغن  أن التمرد يمكن أن يكون بدايةً للثورات، لكن في البحرين، لم يكن هذا هو الحال.

إذاً فإن السؤال هو: ما هي أسباب فشل التمرد ولماذا لم تكن هناك إصلاحات بادر بها النظام كما هو الحال في الأنظمة الملكية الأخرى المتأثرة بالربيع العربي؟   في هذه الدراسة سأشرح كيف أن فشل هذه الثورة وغياب الإصلاح له أسباب داخلية وخارجية.

ليس هناك سبب واحد لفشل الثورة، بل هناك مزيج من الظروف والمؤثرات الداخلية والخارجية التي جعلت حتى أدنى تغيير مستحيلا.   الظروف الداخلية تشمل القوى الفاعلة داخل النخبة الحاكمة بالإضافة  إلى قوىً فاعلة داخل المعارضة والمتظاهرين أيضاً.  وتزامنا مع الضغط الخارجي، كان لجميع الجهات الفاعلة حصة في منع الإصلاحات أو أي شكل من أشكال التغيرر. لكي نفهم هذه الديناميات أو القوى المحركة على اختلافها، من المهم النظر في عناصر مختلفة من تاريخ البحرين وكذلك نظامها السياسي والمجتمع لأن كل هؤلاء يؤثرون في القرارات والإجراءات من جميع الجهات الفاعلة المعنية.

2 . مملكة البحرين

2.1  التاريخ

جاء آل خليفة إلى البحرين عام 1783، حيث طردوا الفرس وحكموا منذ ذلك الوقت (Niethammer 2007: 46; Zahlan 2002: 61). وفي القرن التاسع عشر، وقّعوا على عدد من المعاهدات مع بريطانيا فتحولت البحرين إلى محمية بريطانية، وأُعلنت عائلة آل خليفة السلالة الحاكمة الرسمية (Friske 2008: 26; Zahlan 2002:15).

تم أول اكتشاف للنفط في الخليج في البحرين عام 1932، "تبعه فترة ازدهار فريدة من نوعها في منطقة الخليج. (....) وأصبحت البحرين الدولة الأولى الغنية بالنفط." وفي السنوات التالية، شهدت البلاد توسعا في النظام التعليمي، وعرضت شركة نفط البحرين (بابكو) فرص عمل جديدة،  لكن حصل كساد اقتصادي مفاجئ في عام  (ibid.: 64-65)1937.  لقد أدى اكتشاف النفط إلى إنشاء حركة نقابية، حيث كان المجتمع مُسيّساً في وقت مبكر. وأصبح هذا التسييس واضحا في الخمسينيات من القرن الماضي، عندما ظهرت حركة وطنية تطالب بالاستقلال عن بريطانيا (Niethammer 2007: 46-47).

لقد خلق التصنيع طبقةً عاملة، في وقت مبكر وإلى حد أكبر من أي مكان آخر في المنطقة. وفي عام 1938، شهدت المنطقة الإضراب الأول في البحرين. ثم سُجّل في العقود التالية المزيد من الإضرابات والمظاهرات (Schmidmayr 2011: 57-58) .

بعد استقلال البحرين عام 1971، تبني الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة لقب أمير وعَيّن شقيقه رئيس وزرائه. وبعد ثلاث سنوات، وضع قانون أمن الدولة حيز التنفيذ. وهذا القانون يمكن قوات الأمن من قمع أنشطة مثيرة للفتنة (Quilliam 2003: 32) . في العام 1973 تم وضع دستور وإنشاء جمعية عامة (برلمان)، لكن تم حلُّ كليهما بعد سنتين (Crystal 2007: 168-169; ICG 2011a: 2) .

بعد الإطاحة بشاه إيران عام 1979، شهدت البحرين أعمالاّ إرهابية نفذها متطرفون شيعة بين عامي  1979 و 1985 ، ولكن معظم الشيعة نأوا بأنفسهم عن هذا العنف. ففي ديسمبر من عام 1981 قامت المنظمة الشيعية "الجبهة الإسلامية" بمحاولة انقلاب (Rabi/Kostiner 1999: 185; ICG 2011a: 9) . وكرد فعل على الثورة الإيرانية ومحاولات الانقلاب في البحرين، أنشأت كل من الكويت، وسلطنة عمان، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والبحرين، وقطر مجلس التعاون الخليجي في مايو 1981 من أجل حماية الاستقرار في المنطقة (Crystal 2007: 156; Quilliam 2003: 30).

شهد عام 1994 بداية "الانتفاضة البحرينية"،حيث كان المتظاهرون محبطين بسبب النظام (السياسي) والتمييز ضد الشيعة والفساد على نطاق واسع داخل الأسرة الحاكمة. فتحولت بعض الاحتجاجات الى أعمال عنف وكان رد فعل الحكومة بالمثل حيث ارتُكب العديد من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان. وشهدت السنوات اللاحقة دورة من القمع والعنف، كما أُلقي القبض على الآلاف (Friske 2008: 27; ICG 2005: 2).

عندما توفي الأمير عيسى في عام 1999، خلَفَه ابنُه حمد بن عيسى آل خليفة، وتولى عدة خطوات لتحرير النظام السياسي ونزع فتيل التوتر، مثل إحياء البرلمان، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، والعفو عن النشطاء المنفيين، كما ووعد بإقامة عهد جديد من الإصلاح.

ثم أجرى الأمير حمد استفتاء شعبيا على ميثاق العمل الوطني الذي من شأنه أن يعيد العمل بهيئة تشريعية منتخبة تمتلك سلطة تشريعية حقيقية. كما منح المرأة حق التصويت، وألغى قانون أمن الدولة، ووعد بضمان حرية الصحافة والمعتقد الديني (Crystal 2007: 157, 169; ICG 2011a: 3) .

لكن هذه العملية انتهت في العام 2002، عندما أصدر الأمير حمد الدستور الجديد والذي حرم مجلس النواب من حق الإصدار المباشر للتشريعات، ومنح صلاحيات أقوى لمجلس الشيوخ المعين. كما نصب نفسه ملكا، وشرّع قانوناً جديداً يشدد الرقابة الحكومية على الصحافة والمطبوعات (Crystal 2007: 169) .

2.2  النظام السياسي

تعد البحرين بشكل رسمي نظاما ملكيّاً وراثيّاً دستوريّاً، لكن الملك يمتلك صلاحيات تشريعية وتنفيذية واسعة. فهو الذي يُعيّن، من بين ما يُعيّن، رئيس الوزراء والحكومة.

يشغل أعضاء هيئة الأسرة الحاكمة عددا كبيرا من المناصب الحكومية: رئيس الوزراء، وزير الدفاع، وزير الداخلية، وزير الخارجية، وكثير من مساعدي الوزراء، أمناء الدولة والمدعين العامين والقضاة (Niethammer 2007: 50).

ويستند النظام القانوني في البلاد على الشريعة الإسلامية، فيما يخص الحالة المدنية وقانون الميراث، وعلى القانون الإنكليزي المشترك فيما يتعلق على سبيل المثال بالقانون المدني والتجاري، وقانون العقوبات (Crystal 2007: 166; Niethammer 2007: 51-52).

البرلمان يتكون من غرفتين تشريعيتين: مجلس نيابي يُنتخب مباشرة من خلال الاقتراع العام، ومجلس شورى، وهو مجلس استشاري يُعين من قبل الملك.

كلا المجلسين يتألفان من أربعين عضوا يُنتخبون لمدة أربع سنوات (ibid) . ووفقا للدستور، على كلا المجلسين أن يمررا مشروع قانون لوضعه حيز التنفيذ، لكن الحكومة لديها حق إقرار المرسوم إذا كان لا يخالف الدستور (ICG 2011a: 4; Schmidmayr 2011: 62, 66-75) . للحكومة فقط حق تقديم مسودة مشروع القانون، ومجلس الشورى المعين لديه حق الفيتو على كل مشاريع القوانين والقرارات الصادرة عن مجلس النواب المنتخب.

يحق للملك تعليق البرلمان لمدة أربعة أشهر من دون إجراء انتخابات، كما ويمكنه تأجيل الانتخابات دون وضع أي سقف زمني(ICG 2011a:4) .

التعديلات الدستورية تتطلب أغلبية ثلثي المجلسين مجتمعين. كما أنشأ الملك بمرسوم، ديوان الرقابة المالية وهو يخضع بشكل مباشر له، وبذلك يكون قد منع السلطة التشريعية من مراقبة الشؤون المالية للدولة (ibid. 2005: 6) . بشكل عام، تجري كثير من النقاشات داخل البرلمان وتظهر الإنتخابات النيابية منافسة حقيقية بين الجمعيات السياسية المختلفة (Perthes 2011: 109/110) .

من حيث المبدأ، تعد حرية التعبير في البحرين موجودة، ولكن هناك العديد من القيود المفروضة منذ عام 2002. فالتصريحات التي تهدد الوحدة الوطنية، وتشكك بالمعتقدات الإسلامية الأساسية أو تلك التي تدعو للنزعات الطائفية، كل ذلك محظور.

حرية التجمع تقتصر على الأحداث التي لا تشكل خطرا على النظام العام أو الأمن أو الأخلاق العامة. وفي جميع الأحوال، يجب أخذ الإذن بإقامة تظاهرات، ولا يسمح للأجانب بالمشاركة فيها. وقد تم فرض العديد من القيود في الآونة الأخيرة (Schmidmayr 2011: 67-68) .

رسميّاً، تُعتبرجميع الأحزاب السياسية محظورة. لكن منذ عام 2005 سُمح للجمعيات السياسية أن تمارس العمل السياسي ما دامت مرخصةً من قبل الحكومة. وتضم حركة المعارضة عدداً من جمعيات مختلفة، بعضها علماني يتألف من الشيعة والسنة، والبعض الآخر جمعيات إسلامية شيعية أو سنية (Bahry 2000: 130-131). ويمكن تقسيم قوى المعارضة إلى معارضة سياسية شرعية، وجمعيات إسلامية شيعية غير مرخصة، ومجموعات الشباب (ICG 2011a: 14) .

وهناك أهم سبع جمعيات مرخصة، أي جماعات معارضة شرعية: الوفاق، وهي أكبرها، تعتبر تجمعا لعموم الشيعة، تأسست عام 2001.  مبادؤها الأساسية: الديمقراطية وحقوق الإنسان، المساواة في توزيع الثروة، والعدالة الاجتماعية (ibid.) . وهي تريد تغيير النظام من الداخل عبر المشاركة (Pupke 2011: 173).

وفيما يتعلق بخصوص تيار الشيرازيين، (ما يعرف اليوم بـ جمعية العمل الإسلامي) والتي نالت رخصتها عام 2006، الكفاح المسلح هو وسيلة مشروعة لتحقيق التغيير السياسي. أما الإخاء فهي تمثل الشيعة الذين هم من جذور فارسية ، وتركز على معاناتهم.

والجمعيات الأخرى تعد يسارية: وعد رُخّص لها عام 2001، وهي تروج للقومية العربية. المنبر التقدمي، تأسس عام 2002، والتجمع القومي الذي خلف المنظمة البعثية السرية وله قاعدة دعم سنية بشكل أساسي (ICG 2011a: 14-17) .

أما الجمعيات غير المرخص لها فهي غير قانونية بشكلي فعلي وتدعو إلى سقوط النظام. ثلاثٌ من هذه الجمعيات ألف تحالفاً في آذار من عام 2011:  حركة أحرار البحرين الإسلامية، وحركة حق، وتيار الوفاء.

 تعد حركة الحريات والديموقراطية (حق) أهم هذه الجمعيات، تأسست عام 2005 عندما انشق بعض أعضاء جمعية الوفاق احتجاجاً على قرارها بالمشاركة في الإنتخابات. غالبية أعضاء هذه الحركة من الشيعة، لكن بعضاً من قيادييها هم من السنة. وهذه الحركة ترفض أيّ ترتيبات مع الحكومة (ibid.: 18; Pupke 2011: 173). وتيار الوفاء هو جمعية إسلامية شيعية تأسست عام 2009  (ICG 2011a: 18-19).

المنبر والأصالة، وهما أكبر جمعيتين إسلاميتين سنيتين. دخلت هاتان الجمعيتان في تحالف تكتيكي مع النظام ضد الليبراليين والإسلاميين الشيعة. المنبر، تأسست عام 2001، وهي نموذج من الإخوان المسلمين في البحرين. أما الأصالة، وهي أكثر محافظةً، فتمثل التيار السلفي وبدأت عملها في الثمانينيات من القرن الماضي (ibid.: 12-13) . وكلتا الجمعيتين تعتبران المطالب الشيعية في المشاركة بالسلطة خطّاً أحمر. كما شكلت هاتان الجمعيتان في شباط 2011 تجمع الوحدة الوطنية، مطالبتين بالمشاركة في الحوار من دون شروط مسبقة (ibid.).

2.3  المجتمع

"من حيث المهارات التعليمية والفنية، يعد سكان البحرين والكويت الأكثر تقدما في الخليج." (Zahlan 2002:59) فنسبة الأمية تبلغ 12,3 في المئة(Niethammer 2007: 47) ، ومستوى التعليم يعتبر الأعلى من بين الدول العربية. نسبة تعلم المرأة تبلغ 57 بالمئة. وتنتشر المدونات والمنتديات على الشبكة العنكبوتية، حيث يستطيع 649,000 شخص الدخول إلى الانترنت (ibid.; Schmidmayr 2011: 67) .  كما أن 85 بالمائة من المجتمع مسلم. ثلثا هذه النسبة من الشيعة، والثلث الباقي من السنة. أما الخمسة عشر بالمائة من باقي المجتمع البحريني فيتوزعون بين مسيحيين ويهود وهندوس وأقليات فارسية. 90 بالمئة من السكان يعيشون في المدن والبلدات، و45 بالمئة يعيشون في العاصمة وثاني أكبر جزيرة (Quilliam 2003: 37).

تختلف البحرين عن غيرها من الملكيات الخليجية، فالشيعة يمثلون غالبية السكان، وهم ليسوا أقلية. وكثير من شيعة البحرين ينحدرون من إيران والعراق ولديهم علاقات وثيقة وتاريخية مع شيعة هذين البلدين (Rabi/Kostiner 1999: 172) .

المجتمع في البحرين كثير التنوع، فالسكان الأصليون هم بحارنة شيعة، وعددهم الدقيق غير معلوم، لكن التقديرات تقول بأنهم يشكلون أكثر من نصف السكان. ويُعد البحارنة بشكل تقليدي مجتمعا ريفيّاً. والجماعات السنية الثلاثة الأساسية هي قبائل العتوب، والتي رافقت آل خليفة في العام 1783، والنجديون، والهولة. قدم النجديون في نفس الوقت مع آل خليفة، لكنهم حضر وليسو قبائل. الهولة هم من السنة العرب الذين هاجروا إلى بلاد فارس ثم عادوا إلى الساحل العربي (Zahlan 2002: 59-60).

معظم الشيعة ينتمون إلى الطبقتين الوسطى والفقيرة، حيث كانوا يقطنون المناطق الريفية غير المأهولة في أغلب الأحيان. في حين كان أغلب السنة من الحضر ويسيطرون على الحكومة والمؤسسات العسكرية والأمنية.

على الصعيد الاجتماعي الاقتصادي، قلة قليلة من الشيعة كانوا من الطبقة الراقية. ومع أنهم اضطُهدوا وكثيراً ما تم تشارك العائدات النفطية معهم بشكل غير عادل، يرى معظم الشيعة أنفسهم محبين للوطن (Rabi/Kostiner 1999: 171-174).

السُلّم الإجتماعي السياسي يبدأ بآل خليفة، يتبعهم حلفاؤهم من القبائل السنية. ويأتي بعد ذلك العوائل القبلية السنية الأخرى، ثم الهولة. عندها فقط يأتي البحارنة، العرب الشيعة الأصليين، يتبعهم السكان الذين لديهم جذور فارسية، بشيعتهم وسنتهم، في أسفل السُلّم (ICG 2005: 1).

60 بالمئة من عدد سكان البحرين هم مواطنون، والبقية من  العمال الأجانب. ومع أن هؤلاء الأجانب يعدون أقلية، فانهم يشكلون أغلبية القوى العاملة (Crystal 2007: 167; Quilliam 2003: 36) . ليس هناك أرقام رسمية عن نسبة البطالة عند الشيعة، لكنهم في الواقع المتضرر الأكبر منها ومن الوظائف غير المتناسبة مع المؤهل والأجور المنخفضة أيضا (ICG 2005: 9).  ففي حين أن كثيرا من الشيعة يعانون البطالة، يملك الأقلية من صفوة القبائل السنية وعدد قليل من العائلات الشيعية التي تعمل في التجارة والموالية للعائلة الملكية الحاكمة، يملكون ثروة اقتصادية استثنائية ويتمتعون بامتيازات سياسية (Wright 2006: 8).

نسبة البطالة العالية هي مجرد وجه واحد للاضطهاد الواسع للمجتمع الشيعي.  فهم يعانون الاضطهاد في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والدينية من حياتهم اليومية، مثل ما يتعلق بتوزيع العائدات النفطية، والتوظيف في المناصب الحكومية الهامة، وصورة المعتقدات الشيعية في مناهج الدولة بالإضافة إلى الكثير من الأمثلة الأخرى (Kindelberger 2011: 71; Pupke 2011: 171).

3. التظاهرات

بدأت التظاهرات بـ "يوم غضب" في الرابع عشر من فبراير/شباط. هذا التاريخ لم يكن مختاراً عن عبث، فله رمزية كبيرة، حيث أنه كان الذكرى العاشرة لإعلان الملك حمد مشروعه الإصلاحي، ميثاق العمل الوطني. 

"إن قرار تنظيم مظاهرة في هذا التاريخ كان بمثابة صفعة على وجه الملك وجميع آل خليفة." (ICG 2011b: 1)

وخلال هذه التظاهرة الأولى قتل رجل على يد القوى الأمنية. وشارك بتشييعه بعد يوم من تلك التظاهرة 10,000 شخص، مطالبين بحرية أكبر وعدالة اجتماعية وإصلاحات. وقد فتحت الشرطة النار على هؤلاء، فقتل رجل آخر. في نفس اليوم، انسحبت الوفاق من البرلمان ونصب الآلاف من المتظاهرين خيماً في دوار اللؤلؤة. وفي اليوم التالي قامت الشرطة بالهجوم على هذا الدوار فقَتلت خمسة أشخاص (Pupke 2011: 174-175).

بررت الحكومة رد الفعل هذا بادعائها بأن المتظاهرين كانوا يُعدّون "لمحاولة انقلاب" ( The Pearl Revolution Report 2011: 92)، وأن الهجوم كان "قتالا ضد إرهابيين وعملاء إيرانيين" (Perthes 2011:114; own translation*) . لقد كان مستوى العنف الذي ردت به الحكومة غير متوقع:

"خلال أسبوع، قُتل سبعة متظاهرين، أصيب المئات من الآخرين ووصلت البحرين إلى نقطة حساسة. خرج عشرات الآلاف إلى الشوارع واحتلوا دوار مجلس التعاون وسط المنامة، مطالبين بدستور جديد وحكومة منتخبة وبمشاركة أكبر في ثروة البلاد وبإطلاق سراح المعتقلين السياسيين" (Amnesty International 2012: 32).

لكن، وبعد ذلك بوقت قصير سمح النظام للمتظاهرين بالعودة إلى الدوار، كما تحمّلت العديد من هذه المظاهرات غير المعلنة (ICG 2011b: 2) .

في منتصف مارس/آذار، تشددت الأجواء في الدوار، وكان المتظاهرون يطالبون بإسقاط الملكية. مجموعات شبابية مدعومة من قبل ثلاث جمعيات غير مرخصة، "التحالف من أجل الجمهورية"، نظمت مسيرة باتجاه الديوان الملكي، وأنشأت الحواجز خارج ميناء البحرين المالي، في خطوة غير مقبولة من قبل النظام (ibid.) . عندها طلبت الحكومة البحرينية مساعدة المملكة العربية السعودية، فوصلت قوات درع الجزيرة إلى البلاد في الرابع عشر من مارس/آذار. ثم أعلن الملك قانون الطوارئ وأمر الجنود باتخاذ كل الاجراءات من أجل قمع هذا التمرد (Amnesty International 2012: 33) .

مذ دخلت القوات الأجنبية البحرين، صار هناك تخويف غير منقطع، عنف وتهديدات، خاصة ضد السكان الشيعة. وبدأت هذه القوات في أبريل/نيسان بتدمير المساجد الشيعية بحجة أنها غير مرخصة (The Pearl Revolution Report 2011: 139). كما شنت السلطات حملة هجمات واعتقالات ممنهجة ضد الفرق الطبية التي عالجت المتظاهرين الجرحى. مريم الخواجة، الحقوقية التي تعمل في منتدى البحرين لحقوق الإنسان، قالت في مقابلة مع القسم الألماني في رابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية2 أنه كان هناك أمر لكل الفرق الطبية بعدم علاج المتظاهرين الجرحى وبعدم إرسال أي فريق إسعاف إلى دوار اللؤلؤة. لكن معظم الأطباء رفضوا إطاعة هذه الأوامر (IPPNWforum, Nr 127, Sept. 2011, p. 25) .

وفي يوليو/تموز، بدأت محادثات بين الحكومة والمعارضة الشيعية بهدف المصالحة، لكن الاضهاد ضد الأغلبية الشيعية استمر. تم اعتقال المئات من المحتجين خلال المظاهرات، من دون تبريرات رسمية لذلك. وبحسب مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة هناك تقديرات بأن عدد المعتقلين  قد فاق الألف (The Pearl Revolution 2011: 122) . خضع 47 طبيب للمحاكمة في محكمة عسكرية بتهم إحضار السلاح إلى المستشفى، معالجة الجرحى للتظاهر بوجود أعراض غازات الأعصاب، ورفض مداواة غير الشيعة، وهذه كلها ادعاءات تم تلفيقها (Amnesty International 2012: 34).

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، قامت مفوضية البحرين المستقلة للتحقيق، وهي لجنة تحقيق دولية مُعينة من قبل الملك، قامت بنشر تقريرها المُدين حول انتهاكات جقوق الإنسان والتعذيب المرتكب خلال التظاهرات. ونتيجةً للتقرير أعلنت الحكومة مقاضاة عشرين عنصرا من القوات الأمنية (ibid.: 34-36).

3.1  الحوار الوطني

اقترح ولي العهد الحوار قبل وصول قوات مجلس التعاون الخليجي بفترة قصيرة، وقدم لائحة بالمواضيع التي كانت مفتوحة للنقاش، من ضمنها الكثير من مطالب المعارضة، وحاول منع المزيد من التصعيد. وتضمن اقتراحه "برلماناً منتخباً مع صلاحيات منوطة به، دوائر انتخابية ديمقراطية عادلة، تغيير إجراءات تجنيس الأجانب وقانون محاربة الفساد، بالإضافة إلى معالجة مسألة الطائفية." (ICG 2011a: 21)

في أول يوليو/تموز، أطلق الملك الحوار الوطني الذي دعا إليه 300 ممثل عن النظام، والمعارضة، والمجتمع المدني. وكان من المفترض أن يقوم هؤلاء بمناقشة مواضيع سياسية واجتماعية مختلفة لمدة ثلاثة أسابيع. لكن عن المعارضة، وُجهت دعوة لخمسة وثلاثين شخصاً فقط. خمسة من هؤلاء فقط كانوا يمثلون الوفاق، كبرى القوى الشيعية في البرلمان. كما أن الكثير من قادة المعارضة البارزين والذين يمكن أن يمنحوا ذلك الحوار مصداقية بقوا في السجون، ما دفع المعارضة إلى مقاطعة الحوار. وانسحبت الوفاق، التي شاركت في الحوار لأيام قليلة (Perthes 2011: 115; Puke 2011: 176) .

3.2  ردة فعل المجتمع الدولي

"القوى الكبرى التي تدعم حكم عائلة آل خليفة فعلت القليل من أجل منع الحكومة من استعمال طرق متعسفة للحفاظ على الوضع الراهن..." (Amnesty International 2012: 36)

كانت القوى الغربية من ضمن هذه الدول، خاصة الولايات المتحدة، وكانت الدول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي، خاصة السعودية.

لقد وجدت الدول الغربية أن من الصعب اتخاذ موقف حازم فيما يتعلق بالحملة العنيفة على المتظاهرين في البحرين. ويعود ذلك على الأرجح لأن البحرين تقع في المنطقة الأكثر غنىً بالموارد النفطية في العالم، ولأنها تلعب دوراً اقتصاديا هاما كمركز ماليّ (Pupke 2011: 169) .

لقد كان للولايات المتحدة على وجه الخصوص مصلحة في الحفاظ على الوضع الراهن، خاصةً وأن الأسطول الخامس التابع لبحريتها يتمركز في البحرين.

أما السعودية فقد فعلت كل شي من أجل مساعدة الملكية البحرينية على قمع التمرد خوفاً من أن ينتقل هذه الحراك إلى أراضيها. "تخشى السعودية من أن تشجع الديمقراطية الحقيقية النشطاء عندها. أكثر من ذلك، تخشى أن تمكين الشيعة من السلطة في البحرين قد يؤثر على سكانها الشيعة الذين يسكنون في المنطقة الشرقية..." (ICG 2011a: 8)

النظام البحريني، والذي لم يكن بعد قد تقبل الثورة في مصر، قالها صراحةً أنه لن يتحمل ثورة ديمقراطية في دولة تنتمي لمجلس التعاون الخليجي والملكيات الخليجية (Perthes 2011: 113) . وقد وقف إلى جانب نظام آل خليفة العديد من الدول المجاورة (Pupke 2011: 177) .

4.  أسباب فشل الثورة

لم تنجح انتفاضة 2011، على الأقل حتى الآن، في تحقيق أي تغيير منشود، واسباب هذا الفشل وهذا الغياب في تحقيق الإصلاحات متعددة ومعقدة ولديها مجتمعةً قوةٌ تفسيريةٌ صحيحة.

يعتبر تقرير المجموعة الدولية للأزمات أن أوجه الاختلاف بين التمرد في البحرين والثورة في تونس ومصر قد تكون من أسباب فشل التمرد في البحرين. وتتضمن أوجه الاختلاف هذه الجوانب التالية: الوحدة التي ميزت الانتفاضات في مصر وتونس والتي كانت غائبة في البحرين. لقد صور النظام البحريني التظاهرات على أنها انتفاضة شيعية تحركها إيران، ما أثار مخاوف الإسلاميين السنة وبالتالي استطاع النظام أن يعبئهم لينظموا مسيرات داعمة للنظام. بالإضافة إلى ذلك، وفي مفارقة جلية بين البحرين وكل من مصر وتونس "(...) لم يستطع الجيش أن يلعب دور العنصر المحايد، المتعاطف مع النظام والذي في نفس الوقت يمتلك ولاءً للدولة ويسعى لتحقيق الاستقرار من خلال عزل الحاكم." (ICG 2011a: 7)

ولأن قوام الجيش البحريني والشرطة من السنة الأجانب على وجه الحصر تقريبا، فإنه من غير المرجح أن يتخلى.. لا بل أكثر من ذلك، من المرجح أن لا يتخلى هؤلاء عن النظام. 

وهناك جانب آخر، وهو اعتماد البحرين على دول الجوار، وخاصة السعودية، والسماح لهم بممارسة أقصى درجات الضغط على آل خليفة لعدم السماح للحراك الديمقراطي بالذهاب بعيدا، ولمنع الشيعة من أن يصبحوا القوة المسيطرة في الدولة. وأخيراً، فإن هناك مصلحة كبيرة للسعودية في تعزيز الملكية البحرينية وحكم آل خليفة (ibid.: 7-8).  

الأكيد أن هذه العوامل لعبت دوراً هاماً في تفسير لماذا لم تحدث إصلاحات كرد فعل على التظاهرات، لكن هناك أيضا جوانب أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار: إن عدم وحدة المتظاهرين لم يكن طائفيا فقط بطابعه، فقد كان هناك شقاق أيضا عند النظام. إضافة إلى ذلك، فإن مماتعة النظام لاعتماد استراتيجيات الشرعية غير القمعية، وتجاوز المتظاهرين للعديد من الخطوط الحمراء يمكن اعتبارها عوامل مهمة كالعديد من المؤثرات الخارجية الأخرى.

4.1   ديناميات النخبة الداخلية

4.1.1    ذاكرة الماضي - المتشددون مقابل الإصلاحيين

حتى اليوم مازالت ثمة شكوك لدى هذه النخبة الحاكمة بولاء الشيعة. فالنظام يعتقد أن شبكات موالية لإيران، وعلى وجه الخصوص فرعٌ تابعٌ لحزب الله، قد يكون متواجداً على أراضيه. هذه الفرضية موجودة مع أن البحرين لم تشهد وجود مجموعة تعلن عن نفسها أنها حزب الله أو تنشر بيانات باسمه. علاوة على ذلك، فإن الطبيعة العابرة للبلدان للسلطة الشيعية الدينية تدعم الانطباع أو الخوف من كون شيعة البحرين أكثر ولاءً لدينهم أو لقادتهم الدينيين في إيران من ولائهم لحكومتهم.

وأخيرا، فإن الإدعاءات الإيرانية فيما يتعلق بالجزيرة (البحرين) تسبب إزعاجا ليس فقط  لآل خليفة ، إنما أيضا لدى باقي حكام دول مجلس التعاون الخليجي: فالبحرين كانت جزءاً من بلاد فارس في القرن السادس قبل الميلاد وجزءاً من الإمبراطورية الصفوية في القرن الثامن عشر (ICG 2011a: 10-11). لأجل ذلك أعلن البرلمان الإيراني البحرين المحافظة الإيرانية الرابعة عشرة. لكن البحرينيين قرروا الاستقلال  (Pupke 2011: 170) وذلك في الاستفتاء الذي رعته الأمم المتحدة، إلا أن ذلك لم يكن حتى تنازل الشاه عن الادعاء الإيراني عام 1970. وعلى الرغم من ذلك، كانت هذه المسألة تثار بشكل دوري بعد انتصار الثورة من قبل مسؤولين ودبلوماسيين وصحافيين. مع أنه ليس هناك إشارة موثوقة على عدم ولاء الشيعة أو وجود مطامع لديهم، ومع أنه ليس لديهم رغبة في إقامة نظام على الطريقة الإيرانية، لا تزال الحكومة لا تثق بهم(ICG 2011a: 11) .

عدم الثقة هذه منتشرة لدى بعض الجهات من النخبة. في جميع الأحوال، الشعور بعدم الثقة هذا هو ما خلق نقصاً في التمثيل الشيعي في البرلمان والحكومة والمرافق العامة... وهو ما خلق أيضا هيئة تشريعية من دون حقوق تشريعية. 

قد يعني برلمان بأغلبية شيعية قادرة على السيطرة على الحكومة نهاية حكم آل خليفة و/ أو الملكية بشكل عام (Wright 2006: 10) . هذا الخوف من هيئة تشريعية فعلية متأثر بالتجربة الديمقراطية في السبعينيات من القرن الماضي، عندما حاول آل خليفة كسب الشرعية من خلال إنشاء دستور وجمعية عامة تم حل كليهما بعد سنتين (Crystal 2007: 168-169; ICG 2011a: 2) . وعن النهاية السريعة لهذه التجربة فإن ذلك يعود إلى حيوية البرلمان:

"من البداية كانت العلاقات بين الجمعية والحكومة تنافسية. لقد كانت الجمعية العامة تريد ممارسة قواها التشريعية كاملة، فطلبت بمحاسبة موارد الحكومة المالية وتوجهت للتحقيق في قضايا الفساد لدى المسؤولين الكبار، كما حاولت ممارسة بعض الرقابة على تحركات الحكومة. من جهتها، كانت الحكومة تريد، أو على الأرجح توقعت، جمعية تشريعية ضعيفة تستطيع التحكم بها." ( Bahry 2000:130)

عندما رفضت الجمعية العامة عام 1975 أن تصادق على قانون أمن الدولة المُقدم من قبل الحومة، قام الأمير بحل الجمعية وأصدر مرسوماً  لوضع القانون حيز التنفيذ.  ومن بين ما يسمح به هذا القانون، احتجاز المعتقلين لغاية ثلاث سنوات من دون محاكمة. (ibid.; ICG 2011a: 2)

بالنسبة لكثير من الأعضاء المحافظين في النخبة الحاكمة، وخاصة رئيس الوزراء الذي شغل هذا المنصب منذ استقلال البلاد عام 1971، فإن الأحداث التاريخية ما زالت في الذاكرة: لقد رأوا فشل التجربة الديمقراطية، ورأوا المظاهرات عقب الثورة الإيرانية، كما رأوا محاولة الانقلاب التي قام بها الشيعة في العام 1981.

هؤلاء المحافظون في النظام، رئيس الوزراء والدائرة المقربة منه كانوا يعارضون إصلاحات الملك في بدايات العقد الماضي. وليس من الضروري أن يكون هؤلاء ضد أي إصلاح، لكنهم كانوا يعتقدون أن إصلاحات الملك جاءت بسرعة كبيرة وقد تكون غير مثمرة وإلى حدّ ما قد تشكل خطراً على امتيازاتهم والاستقرار الوطني (Kindelberger 2011: 75) .

من جهتهم، الملك وولي العهد كانوا إصلاحيين، لكن القوى المحافظة في الحكومة كبتتهم وأجبرتهم على المساومة على خططهم مقابل إصلاحات تشريعية في العام 2002. إن أي اندلاع عنيف للتظاهرات الشيعية أو التظاهرات بشكل عام يؤكد فكرة المتشددين في النظام أن التخفيف في القوانين الأمنية، وتشكيل أحزاب سياسية، وحرية التظاهر ستهدد الاستقرار الوطني. وهذا ما منع الملك من التغلب على هذه العناصر المحافظة في الحكومة والذين كان لديهم شكوك حول تنفيذ المزيد من الإصلاحات (Wright 2006: 16-17;21).

ديناميات النخبة الداخلية هذه لاتزال موجودة اليوم، وهي تواصل العمل بهذه الطريقة. الانقسام في صفوف النظام ظهر واضحا في مارس/آذار 2011، بين العناصر المتشددة بقيادة رئيس الوزراء من جهة، وبين الملك وولي العهد من جهة أخرى (ICG 2011a: 21; Perthes 2011: 112; Pupke 2011: 176).

لقد كان ولي العد يدرك خطورة الوضع، وكان يعلم أن المتشددين داخل النظام كانوا يدعون لقمع المتظاهرين. وقد حاول في محادثات شبه سرية مع الوفاق التوصل إلى تسوية. ومع أن مطلب الوفاق في إقامة جمعية تأسيسية، والذي كان شرطا مسبقا للدخول في حوار وطني، كان يعتبر خطاً أحمر، استطاع ولي العهد أن يقدم تنازلات سياسية مهمة، فعرض أن تتم مناقشة هذا المطلب ومعظم المطالب الأخرى للمعارضة خلال حوار وطني. حتى أنه بدا وكأنه يريد الذهاب أبعد من ذلك ليوسع  أجندة الحوار المستقبلي. لكن متشددي النظام كانوا يمارسون عليه ضغطاً كبيراً:

"(...) لقد سيطر المتشددون، يقيادة رئيس الوزراء، على النظرة السياسية للعائلة الملكية، فقد كانوا يعتبرون المحادثات شبه السرية مع المعارضة بقيادة ولي العهد سلمان بن حمد نقطة ضعف، والتظاهرات تجرؤاً يجب القضاء عليه." (ICG 2011b: 1)

وعندما ذهب المتظاهرون بعيداً في مطالبهم (استبدال الملكية بالجمهورية) وفي أعمالهم (المسيرة نحو الديوان الملكي والمرفأ المالي)، مكّنوا المتشددين داخل النظام من بسط نفوذهم. وبحلول منتصف مارس/آذار كانت لهم اليد الطولى، فقمعت قوات مجلس التعاون الخليجي المحتجين (ibid.; 10-12) .

 4.1.2 الممانعة في استعمال استراتيجيات شرعية غير قمعية

بالنسبة لآندري بانك، هناك ثلاث استراتيجيات رئيسة شرعية غير قمعية يمكن أن يعتمدها النظام الوراثي الحديث: (1) البحث الريعي والتوزيع، (2) سياسات المشاركة، (3) والسياسة الرمزية.

(1) استراتيجية البحث الريعي والتوزيع لها صلة بكلّ من الاقتصاد والسياسة الخارجية، فالنظام يحتاج أن يوزع الريع والمصالح المادية الأخرى على الزبائن ذوي التأثير السياسي وعلى شريحة أكبر من المجتمع بهدف حفظ هذا النظام. وبما أن عائدات الريع النفطية تراجعت، فإن النظام أيضا بحاجة إلى جذب الاستثمار الأجنبي من خلال السياسة الخارجية.   

(2) استراتيجية سياسات المشاركة تتعلق بـ "إشراك أو استبعاد المكونات السياسية الأخرى في أو من عمليات صنع القرار السياسي." (Bank 2004: 160)  فالنظام يريد أن يُحدث توازنا بين دمج الأطراف السياسية الفاعلة في نظام الحكم، وبين التأكد من أن أحدا من هذه الأطراف لن يطور قاعدة قوة بديلة خاصة به. وعادةً ما يتم دمج الشرائح الكبرى في المجتمع من خلال المشاركة في الانتخابات البلدية أو النيابية، لكن الحركات المناوئة للنظام فغالبا ما يتم استبعادها أو حتى مقاضاتها.

(3) استراتيجية السياسة الرمزية تخص الجوانب غير المادية من الثقافة، والهوية، والخطاب. يحتاج الحاكم إلى "السيطرة على الساحة العامة من خلال الإعلام ووسائل أخرى من أجل إعلان وتفسير وتبرير وتشريع أولويات سياسته والقرارات المتخذة." ( ibid)   (قارن مع الفقرة الكاملة Bank 2004: 159-161)

في البحرين لم يتم استخدام هذه الاستراتيجيات بنجاح، لا قبل التظاهرات ولا خلالها. ومع أن بعض جوانب هذه الاستراتيجيات كانت موجودة إلا أنها لم تطبق بشكل كامل. وكان الاستخدام المجتزأ لها موجهاً نحو السنّة وحلفاء آل خليفة دائماً تقريباً. الاستثناء الوحيد كان محاولة شراء ذمم المحتجين قبل بدء التظاهرات بوقت قصير. لكن هذه المحاولة فشلت، حتى أنها زادت من غضب المحتجين (Pupke 2011: 174).  لقد كان ذلك دلالة على نفاق النظام: فهو لم يهتم بالشيعة من قبل، وكان هذا العرض يهدف إلى إسكاتهم وليس إلى مساعدتهم في الحقيقة.

بالنسبة للاستراتيجية الأولى، اعتمد آل خليفة على الريع في القطاع النفطي وعلى الاستثمار الأجنبي وكان ذلك على شكل مساعدات واستثمارات. وبالإضافة إلى العائدات من حقول النفط الخاصة بهم يحصل آل خليفة على 50 بالمئة من العائدات التي تأتي من حقل النفط البحري المشترك بين السعودية والبحرين. وبما أنه يُتوقع أن ينضب احتياطي النفط البحريني قريبا، حاول النظام أن يبتدع فرص عائدات بديلة (Schmidmayr 2011: 56). أحد هذه الفرص هو القطاع المالي، لكن معظم المؤسسات المالية العالمية غادرت خلال التظاهرات. والمشكلة أن عائدات الريع موزعة حصرا بين النخب والمجتمع السني في أغلب الأحيان. إقصاء الشيعة هذا يمتد ليطال عمليات الإسكان وامتلاك الأراضي... وعندما يتعلق الأمر بالسكن فالتمييز العنصري يكون رائجا بكثرة: فمعظم الشيعة يقطنون قرى فقيرة، لكن بعض المناطق كالرفاع، تعتبر خارج حدودهم لأنها محجوزة لآل خليفة وحلفائهم. فالشيعة محظور عليهم أي يقطنوا أو يمتلكوا أراضي في هذه المناطق (ICG 2005: 9; ibid. 2011a: 5).

لقد تعود الشيعة على أن يكونوا مستبعدين في قضية الرفاهية.   فإعلان النظام لحقبة الرعاية الاجتماعية الكريمة في بداية التظاهرات أثارت غضب الشيعة لأنه كان واضحاً أن هذا الإعلان كان يهدف لتهدئتهم لا ليعالج بؤسهم في الواقع. (http://www.theguardian.com/world/2011/feb/18/bahrain-soldiers-fire-on-protesters).

وفيما يتعلق بالاستراتيجية الثانية،  منحت النخبة الحاكمة احتمالات للمشاركة السياسية، لكن إلى حد معين. فالانتخابات البلدية والبرلمانية على أساس منتظم تماماً وهي عادلة وحرة بشكل نسبي. لكن النظام يحاول أن يضمن أن الشيعة لا يتمتعون بامتيازات بأي شكل من الأشكال. ومع أن الشيعة يشكلون أغلبية السكان، أغلبية البرلمان هم من السنة. فالنظام، ومن خلال إعادة صوغ الدوائر الانتخابية، يضمن هذه الأغلبية السنية في البرلمان بالرغم من كون سكان هذا المذهب من الأقلية. اضفاء الطابع المؤسساتي على هذا التمييز ضد الشيعة هو وجه آخر للتمييز الذي تمارسه الحكومة ضد أغلبية سكان المملكة (ICG 2005: 7;ibid. 2011a: 4).

الاستراتيجية الثالثة، السياسة الرمزية، هي على الأرجح حيث فشل آل خليفة أكثر ما فشلوا. في الملكيات الخليجية بشكل عام، تقوم شرعية العوائل الحاكمة على "قدرتها على منح الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية على العناصر البارزة في المجتمع"، وعلى أوراق اعتمادهم الإسلامية والتزامهم بالإسلام (Quilliam 2003: 31). والمشكلة التي تواجهها الحكومة البحرينية هي أن أغلبية السكان من الشيعة في حين أنها هي نفسها سنية. فالتماسك السياسي اعتمد على الدولة ليضمن ولاء هذه الأغلبية الشيعية، وهذا ما حاول أن يقوم به الملك حمد من خلال أجندته الإصلاحية (Perthes 2011: 108) . لكن هذه الجهود لم تفلح وذلك بسبب التقاليد القديمة في البحرين والقائلة بتكريس الفوارق بين السنة الموالين والشيعة "غير الموالين"، وبسبب التمييز القائم ضد الأغلبية الشيعية. تشير ليزا أندرسون إلى أن النخب الحاكمة تقوم دائما، من بين ما تقوم، بتعزيز الهويات عند كل من الدائرة الضيقة من الموالين والدائرة الأوسع منها في المجتمع. "وهي تتجنب - وفي الحقيقة ترفض - هوية حصرية أو شاذة على الصعيد العرقي أو اللغوي أو الثقافي."  (Anderson 2000: 57) لقد قامت الحكومة البحرينية باستبعاد نفسها عن مجتمعها من خلال التصوير الدائم للشيعة على أنهم ليسوا موالين ويمثلون خطرا محتملاً. فهي (الحكومة) قامت بما قامت به غيرها من الملكيات الخليجية فقط: "(..) تعزيز التقليد المحلي وعلاقات النسب - مع إعادة هيكلة لسلالات النسب بالتفصيل - والإسلام وشعائره المحلية." (ibid.: 65)   لكن الفرق أن البحرين هي المملكة الوحيدة في الخليج والتي لديها أغلبية شيعية وليس سنية كغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي، لذلك كان لهذه التكتيكات نتائج عكسية.

4.2  عدم توحد المتظاهرين

4.2.1  المتشددون مقابل المعتدلين

لم تكن النخبة الحاكمة وحدها منقسمة، حيث كان هناك شقاق أيضاً بين المتظاهرين وهذا ما بدا في الأشهر التي تلت التظاهرات الأولى. من جهة، كان المتشددون وتحالف فضفاض من المجموعات الشبابية بالإضافة إلى الجمعيات السياسية الثلاث غير المرخصة. وقد صعّد هؤلاء مطالبهم لتصل إلى حد إسقاط النظام وإنشاء جمهورية بحرينية. وعلى الجهة الأخرى، كانت الجمعيات المرخص لها والمعارضة الشرعية. وهؤلاء كانوا يريدون الجلوس مع النظام للبحث عن حل من خلال الحوار. عندما قرر المتظاهرون السير نحو الديوان الملكي والمرفأ المالي كانت المعارضة الشرعية مصدومة ورفضت المشاركة. (ICG 2011b: 1-2)

كما أن المحادثات شبه السرية بين الوفاق وولي العهد لم تفض إلى أي نتائج قد ترضي الحد الأدنى من مطالب المتظاهرين، وكانت هذه المحادثات قد بدأت في الأصل قبل انطلاق التظاهرات. في الثاني عشر من فبراير/شباط، التقى الملك بزعيم الوفاق، وذلك لأن العائلة الحاكمة كانت قلقة بخصوص دعوات للتظاهر في 14 فبراير/شباط. وحاولت الوفاق الاستفادة من هذه الخطط، "(...) محاولة إقناع الملك أنه يمكنه تجنب مصير للبحرين مشابه لمصير كل من مصر وتونس من خلال تنازلات مباشرة (...)." (ibid.: 9)  لكن الملك لم يوافق على مطالب مثل تنحية رئيس الوزراء، وإنشاء جمعية تأسيسية أو استقالة الحكومة. وعندما بدأت التظاهرات واستمرت، كانت الوفاق لا تزال مستعدة للتسوية ولا تريد إسقاط الملكية، لكن في نفس الوقت، كانت مطالب المتظاهرين بعيدة المنال. لقد رأت الوفاق أن عرض ولي العهد كان جديَاً وأدركت أنه قام بكل التنازلات التي يستطيع القيام بها، لكنها مع ذلك رفضت عرضه وتمسكت بمطالبها في تنازلات حقيقية سلفاً. هذا الرفض كان طبيعيّاً لأن أي شيئ أقل من استقالة الحكومة وانتخابات لجمعية تأسيسية لن ينجح في إرضاء المتظاهرين في دوار اللؤلؤة ومجموعات متشددة مثل حق.  لقد كانت الوفاق مقيدة، بين أن عليها المحافظة على المتظاهرين في صفها وبين منعهم من تقويض جهودها. لكن ومن خلال ذلك هم خاطروا باستبعاد أنفسهم عن المحادثات تماماً. (ibid.: 9-12)  ولعب الوقت دوراً مهمّاً عند كلّ من النظام والمعارضة: "كلما طالت التظاهرات، كلما قوي نفوذ المتشددين عند كل الأطراف: في العائلة الحاكمة، وفي صفوف المتظاهرين (ومن بينهم جمعيات المعارضة)، وعند المجتمع السني." (ibid.: 10)

وهذا ما فتح الباب أمام مشكلة أخرى واجهت المتظاهرين، وهي مشكلة الطائفية. في البداية كان المتظاهرون من السنة والشيعة، وكان قادة الاحتجاجات قد أعلنوها صراحةً أن التظاهرات كانت شعبية وليست طائفية (Pupke 2011: 171) . لكن النظام حاول منذ البداية الأولى أن يجعلها تبدو وكأنها انتفاضة شيعة بافتعال من أو على الأقل بتحريض من إيران. ومن داخل النظام، هناك من حشد مناصرين سنة من أجل تظاهرات مؤيدة للنظام وحاول أن يوجه الصراع في مسارات طائفية. (Perthes 2011: 110-112)

4.2.2  تجاوز الخطوط الحمر

بالإضافة إلى انقسام المتظاهرين بين متشدد ومعتدل، أثارت بعض تصرفاتهم قلقاً عميقاً لدى النخبة الحاكمة وخصوصا المتشددين. أولاً، لقد ذهبت بعض مطالبهم أبعد من قدرة الحكومة على التعاطي معها. كما أنه كان هناك إصلاحات قبل هذا القلق، مثل تأسيس مركز البحرين لحقوق الإنسان من قبل الحكومة عام 2002 والمنوط به التدريب وإقامة الأبحاث فيما يخص قضايا حقوق الإنسان. وكان هذا المركز الأول من نوعه في دول مجلس التعاون الخليجي (Wright 2006: 18) . لكن كل الخطوات نحو تنفيس الاحتقان كانت عملية إصلاح محدودة، حيث كان الملك حريصاً على أن لا يقوم بأي إصلاح قد يهدد المكانة المتميزة للنخبة الحاكمة (ibid.: 6) . ولكي تطالب المعارضة، على الملأ، باستقالة رئيس الوزراء،  وهوعمّ الملك الذي يشغل هذا المنصب منذ أربعين عاماً، أو تطالب بأن يكون رئيس الوزراء المستقبلي منتخباً من قبل الشعب لا معيّناً من قبل الملك من داخل العائلة الحاكمة، فإن هذه المطالب محكومٌ عليها بالفشل لأن  لديها القدرة على تهديد امتيازات النخبة الحاكمة، وهو أمر كان يجب المحافظة عليه بأي ثمن.

حتى أن رئيس الوزراء نفسه لم يكن ليتنازل أبداً عن منصبه وامتيازاته، خصوصا بعد أن تمتع بهم لأربعين عاماً. وحتى لو قرر الملك عزله، لم يكن ليستطيع ذلك، ففي عام 1999 عندما جاء الملك حمد إلى الحُكم، كانت هناك دلالات أن لديه خلافات مع رئيس الوزراء وكان واضحاً أنه يرغب بتغييره لكنه أبقى عليه في منصبه في كل الأحوال (Bahry 2000: 140) . ربما كان الملك وقتها يُفضل استبداله  بشخص آخر من النخبة الحاكمة، لكنه ببساطة لم يستطع المخاطرة واستفزاز رجل بهذا النفوذ السياسي. مطالب المتظاهرين بدستور جديد ومجلس برلماني بصلاحيات تشريعية حقيقية كان غير وارد وذلك بسبب خشية المتشددين داخل النظام من تكرار المشكلة التي تسبب لهم بها البرلمان في السبعينيات من القرن الماضي.

ربما كان بمقدور ولي العهد أن يتوصل إلى تسوية مع المعارضة القانونية في حال لم يواجه كلا الطرفين هذه العوائق الكبيرة التي وضعها المتشددون عند كلا الجانبين. ربما كانت هذه المسائل لتخضع للنقاش، حتى عند هؤلاء المتشددين. لكن المتظاهرين تجاوزوا خطاً أحمر آخر جعل من التسوية أمراً مستحيلا: المسيرة نحو الديوان الملكي وإزالة الحواجز في المرفأ المالي. هذه المسيرة والتي نظمها "التحالف من أجل الجمهورية"، والذي كان اسمه كفيلاً بجعل هدفه واضحاً جداً، كانت بمثابة نقطة تحول في الصراع. هذا الحدث لم يستطع أن يتحمله النظام: "منذ السماح بعودة التظاهرات إلى دوار اللؤلؤة، تحمل النظام العديد من الاحتجاجات غير المعلنة، لكن تلك المسيرة كانت خطّاً أحمر." (ICG 2011b: 2)

ان تجاوز العديد من الخطوط الحمراء لم يقنع فقط المتشددين داخل النظام أنهم ببساطة غير قادرين على تحمل استمرار التظاهرات إذا كانوا يريدون ضمان سلطتهم، لكنه أيضا أقلق الملكيات الخليجية الأخرى على أقل تقدير.

 

4.3  التأثيرات الخارجية

4.3.1 ضغط مجلس التعاون الخليجي

السعودية ترى في أي تهييج شيعية تهديدا وجوديّاً لها: فهي أولا تخدم مصالح إيران أو مُثارة من قبلها. وثانياً هي تشكل خطراً على الوضع الداخلي للمملكة :(ICG 2011a: 8) 

"من وجهة نظر الرياض، تبدو حسابات الربح والخسارة واضحة المعالم. ف 'سقوط' البحرين أمام الاحتجاجات قد يحرك، حسب اعتقادها، شركاءهم في المذهب في المنطقة الشرقية السعودية، كما أنه سيعزز نفوذ إيران في وقت تشهد فيه المنطقة حالة من عدم الاستقرار والتنافس."  (ibid.: 22)

لقد ضغطت دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة السعودية على الملك حمد من أجل عدم تقديم تنازلات بعيدة المنال، وهذا ما أكده أحد أفراد العائلة الملكية، وهو مقرب من ولي العهد، في مقابلة مع المجموعة اللبنانية للأزمات: "وهم (المتظاهرون) أخطأوا الحسابات عندما تظاهروا باتجاه الديوان الملكي في الوقت الذي كان فيه الملك يوفر غطاءً إقليميّاً لهم، ويدافع عنهم في وجه دول مجلس التعاون الأخرى والتي كانت تحثنا على قمعهم." (ICG 2011b:2)

كما بدا، كان دعم الملك لعرض الحوار من قبل ولي العهد واضحا، وكان هو مستعدا للتسوية، ولم يرد القمع، لكن المتشددين داخل النظام ودول مجلس التعاون الخليجي ضغطت عليه لفعل ذلك.

ضغط دول مجلس التعاون الخليجي كانت سببا أيضا في رفض الملك لمطالب الوفاق في المحادثات قبل أيام قليلة على بدء التظاهرات. وهو لم يقم بإعلان إصلاحات وقائية لأنه لم يكن يستطيع إقالة رئيس الوزراء - ليس لأنه عم الملك، بل لأن دول مجلس التعاون لم تكن تتحمل إقالته، ولأنها انتقدت الملك في الأساس على تنفيذه إصلاحات في الماضي (ibid.:9) . لقد قالتها دول مجلس التعاون الخليجي صراحةً، أنها لا تتحمل ثورة ديمقراطية في إحدى دول هذا المجلس والتي هي مملكة عربية خليجية.

أولاً، إن دول مجلس التعاون الخليجي لا يقبلون تهديداً لنظامهم الملكي:

"وكما بدا صارخاً من خلال إرسال قوات تابعة لمجلس التعاون الخليجي، ترى دول هذا المجلس في البحرين تهديدا وجوديا، فهي مستعدة للذهاب بعيداً وكما يلزم - طبعا أبعد بكثير من المعتاد وعلى الرغم من عدم رضا الولايات المتحدة - لتثبت أن طريقتها ناجعة." (ICG 2011a: 21)

ثانيا، أرادت هذه الدول منع إيران من كسب نفوذ أكبر في البحرين، وهذا السيناريو هو الذي يبدو أن دول مجلس التعاون الخليجي كانت ترجحه، فهي "ترى في البحرين نقطة ضعف لشبه الجزيرة (العربية)، وعرضة للاختراق الإيراني من خلال سكانها الشيعة." (ibid. 2011b:3)  

 لقد كان التدخل (العسكري) السعودي عرض قوة في اتجاهات مختلفة. أولاً، كان تحذيراً لإيران بأن الرياض لن تقبل أي تدخل. ثانياً، كان رسالةً للولايات المتحدة أن السعودية تستطيع أن تتصرف بدون نصيحتها أو ضدها. وأخيراً، كان تحذيرا لسكانها الشيعة (داخل السعودية). (Perthes 2011: 116)

4.3.2 عدم وجود رغبة دولية بالتغيير

بعكس تونس ومصر وليبيا، أظهرت الدول الغربية القليل من الاهتمام أو حتى عدم اهتمام بالبحرين. الإدانات الدولية للقمع العنيف وانتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة كانت فاترة، وخصوصا النقد الذي وجهته الولايات المتحدة (ICG 2011b: 21) . وكانت واشنطن قد أوضحت أنها لن تترك شريكها في السلطة في منطقة الشرق الأوسط : "الولايات المتحدة تؤيد تبني القيادة البحرينية لمبادئ الإصلاح، واحترامها لسيادة القانون والعيش المشترك." (Pearl Revolution Report 2011: 128)

وقال الرئيس أوباما في خطابه عن الشرق الأوسط:

"البحرين شريك طول الأمد، ونحن ملتزمون بأمنه. كما أننا ندرك أن إيران حاولت استغلال الأزمة هناك، وأن الحكومة البحرينية لها مصلحة شرعية في سيادة القانون. غير أننا أكدنا مرارا، في السر والعلن، أن الإعتقالات الجماعية والقوة الوحشية تتعارض مع الحقوق العالمية للمواطنين البحرينيين، ولن تسمح للمطالب الشرعية بالإصلاح أن تجد طريقاً لها." (ibid.: 71)

هناك عدة أسباب لردة الفعل المترددة هذه. أولاً، تتمتع الولايات المتحدة بعلاقة قوية مع آل خليفة ولا تريد أن تهدد مستقبل هذه العلاقة. كما أن الأسطول الأميركي الخامس يتخذ قاعدة له في البحرين منذ عام 1940، وفي حين يرحب آل خليفة بالوجود الأميركي في بلادهم، يعارض أغلبية السكان هذا التواجد. وهناك سبب آخر منع الولايات المتحدة من دعم التظاهرات الديمقراطية في البحرين، وهو الخوف من "إيران أخرى" في الخليج (Niethammer 2011: 16) . فواشنطن تشارك السعودية خوفها من أن تشكيل حكومة بقيادة شيعية في البحرين سيزيد من نفوذ إيران في المنطقة (ICG 2011b: 21). لكن السبب الرئيسي في سكوت الغرب تجلى من خلال الانحياز السعودي الواضح لآل خليفة: الغرب يعتمد على الدعم السعودي في ليبيا ولا يريد أن يخاطر بصراع مع دول الخليج (Niethammer 2011: 16)، وعليه أن يكون حريصاً حتى لا يُعرّض علاقته بالسعودية للخطر. وكانت هذه العلاقة قد ساءت أساساً على نحو كبير بفعل غضب السعودية من الولايات المتحدة بسبب تخليها عن مبارك، حليفها المصري لوقت طويل. وإلى جانب هذه الاعتبارات، الولايات المتحدة تدرك أن الجيش في البحرين، وبعكس تونس ومصر، موالٍ للنظام على نحو كبير ولا يمكن أن يتخلى عن قيادته السياسية (ICG 2011b: 21).

أضف إلى ذلك، البحرين دولة تواقة لشراء الأسلحة. لذا، في المحصلة لم يكن هناك رغبة حقيقية بالتغيير. (http://www.independent.co.uk/voices/commentators/fisk/robert-fisk-why-no-outcry-over-these-torturing-tyrants-2283907.html)

وفي المملكة المتحدة، طالبت منظمات حقوق الإنسان الحكومة بتعليق تصدير الأسلحة للبحرين بعد بداية القمع العنيف للمتظاهرين. ومن بين الأمور الأخرى، تصدر المملكة المتحدة خراطيش الغاز المسيل للدموع ومعدات مكافحة الشغب الأخرى لدول الخليج. وقال مدير برنامج مراقبة الأسلحة وحقوق الإنسان بمنظمة العفو الدولية: "تظهر إحصائيات الحكومة أن المملكة المتحدة قد باعت مؤخرا للبحرين معدات للسيطرة على الجماهير، بما فيها الغاز المسيل للدموع وبنادق هجومية وأسلحة رشاشة." وفي هذا الخصوص، كان رد وزير الخارجية (آنذاك) هيغ أن أكد على أنه لا يوجد دليل أن السلطات البحرينية تستعمل الأسلحة البريطانية لقمع التظاهرات. (http://www.theguardian.com/world/2011/feb/18/bahrain-soldiers-fire-on-protesters)

إذا، فالفوائد من الإبقاء على حالة الجمود في البحرين كانت أرجح كفةً من أي مخاوف غربية تتعلق بحقوق الأنسان.

5.  المشهد العام

في المحصلة، لقد كان هناك عوامل متعددة وباجتماعها منعت الاصلاح أو إحداث أي تغيير. النخبة الحاكمة كانت  ولعدة عقود من الزمن منقسمة بين زمرة متشددة وزمرة إصلاحية. عندما جاء الملك حمد إلى السلطة عام 1999 بدا وكأنه يريد أو يحاول التغلب على العناصر المتشددة داخل النظام. لكن اتضح في عام 2002 أن عليه أن يستسلم لضغوطهم، تماما كما فعل في النهاية عندما استسلم لهم خلال التظاهرات. لكن المعارضة أيضاً كانت منقسمة بين متشددين ومعتدلين نوعاً ما. وكلما مر الوقت، كلما كبر نفوذ المتشددين عند كلا الطرفين. كما أن هؤلاء المتشددين زادوا من مخاوف بعضهم، خوف الحكومة من ثورة شبيهة بالثورة الإيرانية، وخوف المتظاهرين من أن شيئاً لن يتغير على الإطلاق مثل ما حدث بعد انتفاضة التسعينيات من القرن الماضي. هذه المخاوف أُثيرت بفعل تجاوز المتظاهرين لعدة خطوط حمر ، وبفعل ممانعة النظام لمعالجة مشاكل الأغلبية من السكان. وفي حال فهم كل من النظام والمتظاهرين دينامية العمل، لكانت التسوية ممكنة. بالإضافة إلى ذلك، فقد أدى واقع أن النخبة الحاكمة فشلت في التنفيذ الصحيح لاستراتيجيات شرعية غير قمعية إلى الحاجة لاستبدال هذه الاستراتيجيات بأخرى قمعية. كما أن هناك عوائق أخرى منعت التسوية، وهي ردة فعل دول مجلس التعاون الخليجي وعدم وجود رغبة غربية بإحداث التغيير. هذا النظام لم يتعرض لضغط من قبل متشدديه فقط، إنما من دول مجلس التعاون الخليجي أيضا، والتي كانت تدعوه إلى قمع (المتظاهرين) ومنع "إيران أخرى". وهذا هو الضغط الوحيد الذي تعرضت له الحكومة منذ فشل الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة، بإدانة القمع ضد المتظاهرين ودعم الحركة الديمقراطية في البلد.

وبخصوص مستقبل التظاهرات، فإنه من المحزن أنه لن يُسمح لها بالاستمرار على الأرجح، وحتى لو حدث ذلك ، فإنه من غير المرجح أبداً أن تُغير شيئاً في الواقع. ومن غير المرجح أيضا اندلاع حرب أهلية كتلك التي اندلعت في ليبيا وسوريا. ومرد ذلك إلى الملامح الجيولوجية في البحرين، والتي تُعيق إنشاء صراع مسلح. "بغياب الملامح الجيولوجية كالجبال الوعرة والتي يمكن أن تخلق مخابئ طبيعية، من الصعب جدّاً تنظيم مقاومة قوية(...)."(ICG 2011b: 17)  علاوةً على ذلك، يُعتبر البحرينيون غير مسلحين على نحو جيد. فامتلاك السلاح أمر معقد بفعل طبيعة البحرين، فهي أرخبيل، وأكبر جزيرة يمكن الوصول إليها برّاً في هذا الأرخبيل هي تلك المربوطة بجسر مع السعودية.  كما أن المياه ممسوكة بإحكام وهي تشهد حظر تجول على أي نشاط بحري ليلي، الأمر الذي يجعل من تهريب السلاح إلى داخل البحرين أمراً صعباً. لكن ذلك غير مستحيل، خصوصاً وأن هناك بعض النقاط الساحلية التي يصعب التحكم بها. وإذا قرر المتظاهرون تسليح أنفسهم، يمكن لهم ذلك لكن إلى حدّ معين فقط وليس بأسلحة ثقيلة.

وهناك عائق آخر، وهو نفسي، فذاكرة إنتفاضة التسعينيات، والتي فشلت في تحقيق التغيير السياسي المنشود، لا بل أفضت أيضاً إلى أحكام بالنفي أو السجن لسنولت طويلة، هذه الذاكرة لاتزال حيّة (ibid.).

وفيما يتعلق بالنظام، فإنه من غير المرجح أيضا أن تقوم النخبة بإجراء إصلاحات مثل تلك التي كانت في بداية العقد الماضي. ويبدو أن ولي العهد، مع حلفائه، يتعرض للتهميش. كما يبدو كمن يخسر نفوذه داخل العائلة الحاكمة لصالح المتشددين الذين يظهر أنهم قد سيطروا كليا (ICG 2011b: 12) . الإصلاحات أمر غير محتمل بشكل كبير، ومرد ذلك إلى الخوف من السيطرة الشيعية. حتى أنه سيكون هناك تراجع في عملية التحرر (الإصلاح).

 

المراجع:

منظمة العفو الدولية (2012) Amnesty International

ﻋﺎﻡ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ. ﺣﺎﻟﺔ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﺍﻷﻭﺳﻂ ﻭﺷﻤﺎﻝ ﺃﻓريقيا

لؤي بحري (2000) Bahry

الأسس الاجتماعية والاقتصادية للمعارضة الشيعية في البحرين

فصلية المتوسط

أندري بانك (2004) Bank

الريع والاستقطاب والخطاب الاقتصادي: ثلاثة أبعاد للحكم السياسي في الأردن، المغرب وسوريا

صحيفة دراسات المتوسط

كريستل جيل (2007) Crystal

الدول العربية الشرقية. الكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وعُمان

حكومة وسياسة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المجموعة الدولية للأزمات (2011)  ICG

الاحتجاجات الشعبية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط (3): ثورة البحرين

الشرق الأوسط \ شمال إفريقيا، تقرير رقم 105

المجموعة الدولية للأزمات (2011)  ICG 

الاحتجاجات الشعبية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط (4): طريق البحرين الوعرة نحو الإصلاح

الشرق الأوسط \ شمال إفريقيا، تقرير رقم 111

المجموعة الدولية للأزمات (2005): ICG  

التحدي الطائفي في البحرين

الشرق الأوسط ، تقرير رقم 40

رابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية (2011)   IPPNWforum

مقابلة مع الناشطة الحقوقية مريم الخواجة

منتدى رابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية (IPPNWforum)

هالا كيندلبرغ (2011)Kindelberger 

سياسة التجنيس في البحرين: السنة لإنقاذ آل خليفة؟

مجلة السياسة الدولية

كاتجا نيثامر (2011)Niethammer

الهدوء ومحاولة الثورة: ملكيات الخليج الصغيرة في الربيع العربي

الاحتجاجات وانتفاضة تغيير النظام في العالم العربي

كاتجا نيثامر (2007)Niethammer 

البحرين \ الدول العربية: التاريخ، السياسة والدين والمجتمع

فولكر بيرثيس (2011) Perthes 

البحرين. مقبرة الصمت على المركز المالي؟

التمرد. الثورة العربية والوكالة الاتحادية لمراقبة التربية المدنية

يعقوب بوبكيه (2011)Pupke   

البحرين \ الربيع العربي

قويليام نيل (2003):Quilliam  

دول مجلس التعاون الخليجي

الحكم الجيد في ملكيات النفط في الشرق الأوسط

أوتزي رابي \ جوزيف كوستينير (1999):Rabi/Kostiner 

الشيعة في البحرين: ثورة الطبقة والدين

الأقليات والدولة في العالم العربي

ميشال سكميدماير (2011)Schmidmayr

المعارضة السياسية في البحرين

الاستقرار والتغيير في نظام استبدادي

باتريك فان اينويغين (2011): Van Inwegen 

فهم الثورة

ستيفين رايت (2006):Wright 

تغيير الأجيال والإصلاح بقيادة النخبة في مملكة البحرين

روزماري سعيد زحلان (2002): Zahlan 

صناعة دول الخليج الحديثة. الكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وعمان

 

مراجع على الانترنت:

- مارتن شولوف (18 فبراير 2011)

الجنود البحرينيون يطلقون النار على المتظاهرين

الغارديان (مراجعة في 27 مارس 2012)

http://www.theguardian.com/world/2011/feb/18/bahrain-soldiers-fire-on-protesters

 

- روبرت فيسك (14 مايو 2011)

لماذا عدم الاحتجاج على تعذيب الطغاة؟

الإندبندنت (مراجعة في 26 أكتوبر 2011)

http://www.independent.co.uk/voices/commentators/fisk/robert-fisk-why-no-outcry-over-these-torturing-tyrants-2283907.html

 

- جستين جنجلير (15 مايو 2011)

ما مدى راديكالية شيعة البحرين؟: المصدر الحقيقي للاضطرابات في المملكة

فورين أفيرز (مراجعة 26 أكتوبر 2011)

http://www.foreignaffairs.com/articles/67855/justin-gengler/how-radical-are-bahrains-shia

 

- Pearl Revolution Report

تقرير ثورة الؤلؤة - كل ما يتعلق بثورة البحرين، 14 فبراير 2011 صحيفة LULU

https://bahrain14feb.wordpress.com

 

ملاحظة: (ibid.) تعني نفس المصدر المذكور سابقاً.

 


1: وفقاً لتعريف فان انويغن، التمرد هو ثورة فاشلة، تعبير غاضب وعنيف عن رفض فرد أو مجموعة للبقاء على الحالة الراهنة. هو النقطة التي لا يعود فيها النظام القائم مقبولاً ويكون التغيير فيها ممكناً. والتمرد يكون دائماً مصحوباً بتغيير أقل راديكالية وعنف، لكن ليس بالضرورة أن تكون هذه هي الحالة. في البحرين، الشعب رفض الاستمرار في ظل الظروف الحالية كما كان الحال مع العديد من الاحتجاجات خلال العقود الماضية. لكن بعد القمع العنيف في أغسطس 2010، لم بعد التغيير ممكناً. إلا أن ذلك تغير بعد الإطاحة ببن علي في تونس ومبارك في البحرين، حيث بدا مجدّداً أن التغير ممكن.    

2 : رابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية تصدر مجلة فصلية تدعى IPPNWforum.

كما اقترح الأمير إجراء استفتاء حول أي اتفاق يُتوصل إليه. لكن الاشتباكات بين المتظاهرين والقوات الأمنية جعلت المحتجين لا يثقون بوعود ولي العهد لأنهم كانو يشكون أنه سيقوم بالإصلاحات ، حتى لو أراد هو ذلك (ibid.: 21) .


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus