» رأي
التحقيق وراء السيد بسيوني
عباس المرشد - 2011-11-11 - 10:10 ص
ربما يشعر السيد بسيوني بالضيق والقلق من تزايد حملة الانتقادات الموجهة له شخصيا ولما سيصدره من تقرير تقصي الحقائق، فقد كان بإمكانه تأجيل مثل هذه الحملة وخنقها لو أنه تريث قليلا في تصريحاته التي قال إنه سيتوقف عنها أو سلك اتجاها عاما في تحديد مواقفه الأولية. المعارضة البحرينية تبدو هي الأخرى في وضع قلق من انحياز بسيوني ناحية الحكومة أو ما يطلق عليه السيد بسيوني بالحياد. إن المعارضة تدرك جيدا مدى الثقة والقوة التي ينطلق منها السيد بسيوني وحجم السلطة التي يحوزها في تأثير على منظمات حقوقية ودولية مستقلة.
المقربون من السيد بسيوني يعرفون عنه رغبته الشديدة في تجنب موقف الحكم وإصدار الأحكام، ويحاول بكل جهده أن يكون مصلحا أو صاحب تسوية للصراعات القائمة أكثر من أن يدين جهة ما من جهات الصراع، وقد بدأ واضحا هذا السلوك في جهده الحثيث لإقناع بعض أسر الشهداء بقبول تسويات قضائية أو في سعيه للإفراج عن أكبر عدد من المعتقلين ودعوته الشهيرة في إرجاع المفصولين، كل ذلك يؤكد جانب التسوية في شخصية السيد بسيوني وتأثيرها على مجال عمله.
البحرين بالنسبة إلى بسيوني تحتاج لتسوية سياسية تكفل بقاء جهات الصراع قائمة ولكن دون دخولها في صراع دموي مجددا، لذا فمن المحتمل أن يذهب في تقريره لفرز اللاعبين الأساسين في الصراع ويرتب المسرح السياسي القادم لهم للقيام بمبادرات سياسية، قوامها عفا الله عن ما سلف، وبالتأكيد فإن ثمن هذا المسرح الجديد ليس رخيصا بالنسبة للحكومة أو المعارضة. فالحكومة مضطرة هنا لأن تقدم على تقديم أكباش فداء للمتسببين الحقيقين في الانتهاكات والمعارضة، ستجدها نفسها أمام ساحة دفاع أو إقرار بممارسات لم يكن من المهم الالتجاء إليها.
ولعل السؤال عن سبب تأجيل موعد الإعلان عن التقرير النهائي للجنة التحقيق يصب في الاتجاه نفسه، رغم ما يشار إلى أن التقرير قد سلمت نسخة مبدئية منه لبعض الجهات الحكومية التي سربتها بدورها لجهات موالية، إلا أن التقرير النهائي لم ينجز حتى الآن خصوصا وأن فريق لجنة بسيوني المختص بملف (إعلام التحريض والكراهية) قد وصل متأخرا جدا وقبيل الموعد الأصلي للانتهاء من التقرير ومهمة هذا الفريق دراسة تجاوزات تلفزيون البحرين والصحف المحلية، وقد سلم هذا الفريق ملفا ضخما يحتوى على ما أثاره تلفزيون البحرين من تحريض وكراهية بالإضافة لكتاب في الصحف المحلية.
رغم كل ذلك، فإن جزءا كبيرا من طلب سبب التأجيل، هو الحملة الإعلامية ضد لجنة تقصى الحقائق ومطالبته بأن يكون حَكَمَا وليس مصلحا، فما تحتاجه البحرين الآن هو الفصل في الصراع الدائر بين النخبة الحاكمة وقطاع واسع إن لم يكن الأغلبية من الشعب وقوى المعارضة.
بدوره يصر السيد بسيوني على أن تقرير لجنته سيكون صادما للجميع، وهذا محل تشكيك من المطلعين على تفاصيل عمل لجنة التحقيق وأطر عملها، فالمفاجأة الحقيقية والصادمة هي تضمين التقرير إدانة لكبار المسؤلين في البلاد، والتوصية بحل سياسي جذري على الأقل في الحدود الدنيا التي طرحتها وثيقة المنامة، فيما عدا ذلك فلن تكون هناك مفاجآت أو صدمات، فالمعارضة تعرف جيدا أن بعض الممارسات لم تكن مناسبة كنصب الخيام والاعتصام في مستشفى السلمانية، رغم قوة المبررات لذلك، وهي تعرف أن التمدد الأفقي من منطقة دوار الشهداء " اللؤلؤة" لمناطق أخرى، خانه التوقيت المناسب، كما إن شمول الاضطراب العمالي لبعض القطاعات الحيوية، يمكن إعادة النظر في آليته. كل ذلك حتى وإن خرج السيد بسيوني بإدانة فيها، فلن يكون صادما خصوصا وأن الإعلام الرسمي وحملات الكراهية تستخدم مصطلحات أوسع من حجم الحدث، كالاحتلال والإرهاب وإذا ما سقط السيد بسيوني في فخ هذه الأحبال، فإن الصدمة ستكون له وليس للمعارضة.
في المقابل فإن النظام لن يشعر بالصدمة وهو الذي رتب كثيرا من المحاضر الوهمية والمحاكمات السرية التي عقدها لبعض ضباط الجيش والحرس الوطني، وقد أطلع عليها السيد بسيوني في جلسته مع القيادة العامة لقوة دفاع البحرين، وفي جلسته مع وزير الداخلية وغيرهم، وبالتالي فالحكومة تعرف سلفا ما سيوجه لها من إدانة. إذن ما الذي يتحدث عنه السيد بسيوني حول المفاجآت والصدمة؟
قد تكون فضيلة الانتظار جيدة هنا لمعرفة الإجابة، إلا أن الاهتمام القائم حاليا هو محاولة التعرف على السيناريوهات المقبلة والمدى الذي ستأخذه الأزمة حتى تقترب من أفق الحل والثمن الذي يجب دفعه من أجل ذلك؟
ثمة اتجاه يرى أن المدى القريب جدا، سيشهد قيام الحكومة بتقديم تنازلات عديدة فيما يختص بالرؤية السياسية دون أن تنال جوهر المطالب الديمقراطية وبحساب النسبة فمن المتوقع أن تقدم الحكومة على الاستجابة ل 60% من مطالب قوى المعارضة وتتحفظ على ال 40% هي المطالب الرئيسية كتداول السلطة وفصل رئاسة الوزراء عن العائلة المالكة، والهدف هو محاصرة قوى المعارضة لتقديم تنازلات جوهرية في مطالبها والقبول بجدول زمني طويل الآمد للحوار في تلك القضايا، خصوصا وأن مراكز صنع القرار لدى النخبة الحاكمة لم تعد مزدوجة كما كانت، بل أصبحت مركزة لدى طرف واحد وباقي الأطراف تنتظر فعل القدر في إعادة المعادلة لوضعها السابق أو تغييرها لصالحها.
الاتجاه الآخر لا يرى في المدى القريب ما يشير لأي انفراج ولو بنسبة ضئيلة مع بقاء المركز السياسي الرسمي متطرفا ومصرا على المعالجة الأمنية، وهو سلوك يقابله سلوك مضاد من قبل قوى المعارضة له التأثير الأكبر على أرض الواقع حيث ترفض هذه القوى أي تسويات سياسية وتصر على إسقاط النظام كمطلب جماهيري حتى ولو امتد الأجل.
اللافت هنا أن مواقف القوى الضاغطة هي الحصان الرابح لكلا الطرفين " النظام/ المعارضة"، فكلما اشتدت الضغوط الدولية والإقليمية على النظام، زاد من نسبة التنازلات وبالعكس كلما خفت تلك الضغوط زاد الضغط على الشارع السياسي المعارض بكافة توجهاته. في كل الأحوال فإن سلوك النظام للاستقواء بالخارج يتجه تماما للسعودية والمال الخليجي، وقد استطاع النظام أن يتقن لعبة أقلمة الأزمة في البحرين ويربط مخرجاتها بالتوافق الخليجي قبل التوافق المحلي مستعينا بحالة الفراغ التي تلت الربيع العربي واستفراد مجلس التعاون الخليجي بالقرارات العربية في سابقة من نوعها يضاف إليها المال النفطي القادر على صياغة مواقف سياسية رمادية أحيانا ومتحاملة أحيانا أخرى وفي بعضها انقلابية.
فالموقف الأمريكي على سبيل المثال متأكد من أن ما يسميه بالجناح المتشدد في الحكم هو عقبة أمام المصالح الأمريكية، لكنه أمام الأزمة الاقتصادية محتاج جدا للمال النفطي سواء في شكل استثمارات أو صفقات أسلحة أو تنسيق مواقف في قضايا إقليمية أخرى، وهذا ما يجعل التصريحات الأمريكية انقلابية ورمادية في كثير من الأحيان.
المقال القادم مراجعة المعارضة وأزمة النخبة السنية
* كاتب بحريني.