آيريش ميديكال تايمز: الحريات في وسط التعليم الطبي

2015-03-07 - 7:05 م

البروفيسور أوين أوبراين، آيريش ميديكال تايمز،

ترجمة: مرآة البحرين

انتقد الدكتور أوين أوبراين التقرير الأخير للمجلس الطّبي بشأن كلية الجراحين الملكية في إيرلندا بعد زيارة الاعتماد الأخيرة مشيرًا إلى أنّها بمثابة إساءة كبيرة لإيرلندا على مستوى سمعتها العالمية.

التعليم من غير حرية التعبير هو تناقض لفظي أعتقد أنه تم تأييده من قبل المجلس الطبي الإيرلنديIMC  ووزيرة التعليم والمواهب، جان أو سوليفان، باسم الشعب الإيرلندي.

ومع وجود أكثر من مليوني شخص يدعمون حرية التعبير في باريس بعد جريمة شارلي إيبدو والتظاهرات الداعمة في جميع أنحاء هذا البلد، حان الوقت للسؤال عن كيفية تمكن السلطات الإيرلندية، التي تتصرف باسم الشعب الإيرلندي، بحسب وجهة نظري، من عدم الاكتراث في منحها ما يمكن أن يشكل موافقة رسمية لنظام قمعي.

مما لا شك فيه أن البحرين تتميز بأحد أكثر الأنظمة قمعًا، إذ إنّها مصنفة بحسب مؤشر حرية الصحافة في المرتبة 163 من بين 180 دولة (تحتل إيرلندا المرتبة 16)، نتيجة لمنعها دخول معظم جماعات حقوق الإنسان. يوجد في هذه الجزيرة الصغيرة حوالى مليون شخص تحكمهم ملكية الأقلية السنية، تقوم، بدعم اقتصادي من السعودية، بقمع الغالبية الشيعية المحرومة من حقوق الإنسان الأساسية.

فلنذكر أنفسنا أن ما بدأ كاحتجاج سلمي للمطالبة بحقوق الإنسان الأساسية في الربيع العربي في العام 2011 انتهى بمقتل أكثر من 35 شخصًا وباعتقال حوالي 70 أخصائيًا في الطب بمن فيهم 47 طبيبًا مع تعليق وظائف أكثر من 150 عاملًا في الكادر الطبي أو تسريحهم من وظائفهم وكان الجرّاحون والأطباء الذين تدربوا في الكلية الملكية للجراحين في إيرلندا علي العكري وباسم ضيف وغسان ضيف وزوجته زهرة السمَاك كانوا من بين الذين تعرضوا للتعذيب. وما يزال الدكتور علي العكري في السجن.

حرية التعبير

السؤال هو التّالي: هل يمكن توفير تعليم جامعي في بيئة تمنع حرية التعبير وتسجن أولئك الذين يختارون ممارسة هذا الحق الديمقراطي الأساسي؟ رئيس المجلس الإيرلندي الطبي، البروفيسور فريدي وود، الذي كان حتى الفترة الأخيرة عضوًا في مجلس كلية الجراحين الملكية في إيرلندا (RCSI)  ورئيس اللجنة المالية فيه، وأنا أؤكد ذلك، يؤيد الرأي القائل إن حرية التعبير هي شرط أساسي للتعليم الطبي.   

وفي محاضرةٍ ألقاها مؤخرًا، اقتبس البروفيسور وود كلمات مارتن لوثر كينغ: " تبدأ نهاية حياتنا، فى اليوم الذى نصمت فيه عن الأشياء ذات الأهمية" وتابع الرئيس شارحًا التزام مركز إيرلندا الطبي IMC بهذا المبدأ: "تظهر كل الأبحاث الدولية أنه من المُرجّح أن يستمر الأطباء، الذين كانت لديهم قضايا في كلية الطب، بالقيام بممارسات سيئة خلال حياتهم المهنية. في حال استطعنا أن نعمل على توحيد معايير تجربة التدريب لجميع الأطباء بحيث تبقى مرتفعة دائمًا، يمكن لنا تأكيد وجود مرجع للممارسات الحسنة في وظيفة الطبيب". وكذلك، تحرص الجامعة الوطنية الإيرلندية (التي تعطي شهادات في البحرين) على تأكيد أهمية حرية التعبير في التعليم الجامعي.

ومن جهته، رأس الدكتور موريس مانينغ، مستشار الجامعة الوطنية الإيرلندية، لجنةً في العام 2013 قامت بصياغة وثيقة توجيهية بعنوان مبادئ حقوق الإنسان ومدونة قواعد السلوك للجامعة الوطنية الإيرلندية والمؤسسات الأعضاء فيها.

ومن الجدير ذكره أنه يجب على  كلية الجراحين الملكية في إيرلندا (RCSI)، كونها مؤسسة عضو في الجامعة الوطنية الإيرلندية، الخضوع للشروط المدرجة في هذه الوثيقة والتي من ضمنها: "الجامعة الوطنية الإيرلندية ومؤسساتها الأعضاء لديهم مسؤولية خاصة في ضمان...احترام حقوق الإنسان المتعلقة بطلابهم وموظفيهم وشركائهم بغض النظر عن البلد الذين يتواجدون فيه. وهذا يتضمن الحريات الضرورية لعمل الجامعة بشكل جيد مثل حرية تكوين الجمعيات وحرية التعبير والحرية من التمييز ولا يقتصر عليها وحدها".

وتذهب الوثيقة إلى التأكيد على ضرورة ضمان الجامعة الوطنية الإيرلندية ومؤسساتها الأعضاء أن أيًا من نشاطاتهم بما فيها الشراكات التي يعقدونها مع مؤسسات في دول مختلفة لا يُنظَر إليها على أنها توّفر الدعم لانتهاك حقوق الإنسان.

يجب على المرء أن يتساءل كيف تؤكد هذه المؤسسات الإيرلندية، من جهة، مثل هذه المبادئ الجديرة بالثناء عن البيئة التعليمية لطلاب الطب، وتؤيد من جهةٍ أخرى منح اعتماد لفرع جامعة البحرين الطبية - الكلية الملكية الإيرلندية للجراحين  والمستشفيات التابعة لها، حيث تم توثيق تعذيب الكادر الطبي وتعذيبه وتأكيد ذلك من قبل السلطات الطبية والقانونية، هذا إن لم نرد ذكر قمع حرية التعبير؟

ولطالما واجه المُرَبّون في البحرين صعوبة في التّوفيق بين مبادئ التعليم وقمع حقوق الإنسان الأساسية. وقد استقال البروفيسور توم كولينز، رئيس فرع جامعة البحرين الطبية - الكلية الملكية الإيرلندية للجراحين ، من منصبه لأن بقاءه في المنصب يعني، عمليًا، أنّه متواطئ مع السلطات البحرينية في سياساتها القمعية- وهو حاصل مخزي لجوهر التعليم العالي.   

"اغتصاب" البحرين

الدكتور مايك ديبول، الرئيس الأكاديمي السابق للتطوير المهني المستمر في كلية البحرين للمعلمين في جامعة البحرين وعضو هيئة التدريس في جامعة البحرين، الذي "شهد الآثار السامة للطائفية المؤسساتية وقمع الحرية الأكاديمية وانتهاك الحقوق المدنية وحقوق الإنسان في جامعة البحرين"، صرح أن "اغتصاب بوليتكنك البحرين يظهر مع ذلك أدلة أكثر، وكأننا كنا بحاجة إلى المزيد منها، على ضرورة قيام مؤسسة دولية محترمة للتعليم العالي وهيئة محترفة أو وكالة اعتماد بقطع أي علاقة لها على الإطلاق بالبحرين حتى تحقيق تغيير اجتماعي وسياسي فيها".

وليس من المستغرب، إذًا، أن الإعلان الأخير للمركز الطبي بمنح اعتماد لكلية الملكية للجراحين في ايرلندا- جامعة البحرين الطبية قد صدم الكثير من الأطباء، الذين يروا آثارًا خطيرة تمتد إلى ما هو أبعد من شواطئ جزر البحرين وإيرلندا.

تقرير مركز إيرلندا الطبي IMC

برأيي، تقرير مركز إيرلندا الطبي IMC حول التحقيق في اعتماد كلية الجراحين الملكية في إيرلندا- جامعة البحرين الطبية الذي تم في 13 و14 أكتوبر/ تشرين الأول،  يعتبر مستندًا مثيرًا للقلق ليس كثيرًا بسبب التوصيات التي يتضمنها بل بسبب الحقائق التي اختار تجاهلها في توصله إلى استنتاجاته. لن أشغل نفسي ببنية الفريق بقدر ما سأركز على فشلهم في التطرق بشكل جدي إلى حقوق الإنسان وحرية التعبير؛ وهي قضايا لا يمكن تجاهلها في سياق الموافقة على مؤسسة من الدرجة الثالثة تهدف إلى تعليم الأطباء كيفية العمل في بيئات ذات ثقافات متنوعة.

الذكر الوحيد لموضوع حقوق الإنسان في الوثيقة المؤلفة من 40 صفحة (بغض النظر عن الوثائق الأربع التي سجلت "كمراجع إضافية") هو إشارة إلى نشرة من كلية الجراحين الملكية في إيرلندا- جامعة البحرين الطبية التي على ما يبدو "تكلف كلية الجراحين الملكية في إيرلندا- جامعة البحرين الطبية بالتعبير عن أخلاقياتها المعلنة بما فيها تعهد الكرامة والحرية للجميع وإن في محتوى وعمليات تعليمها".

ويضيف التقرير: "تم إدخال وحدة مستقلة عن حقوق الإنسان في المنهج مع تقييم واضح متعلق بتقدم الطلاب".

يمكن المحاججة أن التقرير يعكس الموقف غير الملائم الذي اتُخذ تجاه المعهد الخاضع للتفتيش بدلًا من التعبير عن نتائجه في طريقة موضوعية وواقعية. فعلى سبيل المثال، منذ البداية، "الهدف النبيل" لكلية الجراحين الملكية في إيرلندا (RCSI) هو تحسين  "صحة الإنسان من خلال الجهد والابتكار والتعاون في التعليم والبحث والخدمة".

وأشاد التقرير مرارًا  بكلية الجراحين الملكية في إيرلندا- جامعة البحرين الطبية وبالمرافق الرياضية المتوفرة في الحرم الجامعي ومجموعة الأندية والجمعيات المتوفرة للطلاب و"مكتب المهن الذي يوفر الإرشاد والدعم والنصيحة" و "مستوى جودة الموظفين الإداريين التي تتوافق مع اعتماد التفتيش".  

هذه اعتبارات مهمة في أي جامعة حيث يفترض توفر الشروط الوجودية الأساسية مثل الحرية الأكاديمية واتخاذ القرار المبني على الكفاءات وحرية تكوين الجمعيات وحرية التعبير، وهذا ليس واقع الحال في البحرين.

ويعتبر التقرير أن المرافق السّريرية مقبولة ليس من خلال تقييم دقيق للمستشفيات وإجراء مقابلات مع تلاميذ سابقين ومرضى ودراسة تقارير مستقلة ولكن من خلال الاعتماد، بدلًا من ذلك، على مقدرة الطلاب الحاليين للتكلم علنًا وممارسة حرية التعبير والتي ما زالوا حتى الآن محرومين منها.

وهناك أيضًا الوقت المخصص لزيارة مركز إيرلندا الطبي  IMC- خلال يومي عمل لزيارة الموظفين في فرع كلية الجراحين الملكية في إيرلندا- جامعة البحرين الطبية ومستشفى جامعة الملك حمد ومستشفى قوات دفاع البحرين وإجراء مقابلات معهم وتقييم المرافق السريرية.

وعرض التقرير تناقضًا مهمًا يجب أن يتم إصلاحه، ففي الوقت الذي كان فيه من المحبط ألا يستطيع الفريق "اللقاء مع عدد كبير من الطلاب، وجدوا أن الطلاب كانوا مدركين لهدف الإجتماع وأنه كانت لديهم فرصة منطقية للمشاركة فيه". إذًا لماذا حضر عدد قليل من الطلاب في حال كانوا يعلمون بشأن اللقاء؟

وكان الاستناج الأخير للتقرير المشين: "يجب أن توافق كلية الجراحين الملكية في إيرلندا (RCSI) على برنامج البحرين الطبي ذو الست سنوات لمدة خمس سنوات وذلك وفقًا لمواد الفقرة 88 (2) (أ) (i) (ط) من ميثاق 2007 للأطباء الممارسين".

هذه التوصية مبنية على حقيقة أن كلية الجراحين الملكية في إيرلندا- جامعة البحرين أمّنت "برنامجًا تعليميًا مناسبًا وشاملًا بشكل تربوي، مصمّم خصيصًا لتحقيق نتائج علمية محددة ومرتكز على برنامج راسخ في المؤسسة الرئيسية في دبلين".

وهل يعني هذا أن الفريق الزائر من إيرلندا اعتقد أن المبادئ الديمقراطية نفسها المطبقة في دبلن تستخدم أيضًا في البيئة التعليمية في البحرين؟

ولا يفاجئنا كثيرًا، بالطبع، أن نرى أنه يبدو أنهم لم يجروا مقابلات مع أي من الأشخاص الذين شاركوا في الدفاع عن حقوق الإنسان في البلد أو يزوروهم.

عوضًا عن ذلك، اختار فريق مركز إيرلندا الطبيIMC التركيز على قضايا الكفاءة التقنية بدلًا من علاقة المبادئ الأخلاقية بصنع القرار- وهو منحىً خطير لأن الإيرلنديين يعلمون الأمر جيدًا إذ  كان عليهم أن يدفعوا الثمن مقابل هذا الانقسام في فشل نظام مصرفي في هذا البلد.

حقوق الإنسان

إذًا ما هو وضع حقوق الإنسان في البحرين اليوم؟ سيفي مثالان بالغرض؛ الأول أن مركز إيرلندا الطبي  IMC قد أجرى زيارته فقط بعد اعتقال الناشطة في مجال حقوق المرأة، غادة جمشير، لانتقادها، من خلال تغريدة، مركز إيرلندا الطبي  IMCالذي تًصادق عليه مستشفى الملك حمد الجامعي. تعتبر منظمة العفو الدولية غادة الآن سجينة رأي.

والمثال الثاني صديقي نبيل رجب، الذي يرأس مركز البحرين لحقوق الإنسان ومؤسس مركز الخليج لحقوق الإنسان وعضو في منظمة بحرين ووتش وعضو اللجنة الإستشارية لقسم الشرق الأوسط، الذي يواجه حاليًا حكمًا بالسجن لستة أشهر لنشره تغريدة تسيء إلى السلطات البحرينية التي حذرت أن أي شخص "يسيء بأي وسيلة تعبير للجمعية الوطنية أو أي مؤسسات دستورية أو الجيش أو المحاكم أو السلطات أو وكالات الدولة" سيحكم عليه بالسجن.

اسمحوا لي بالتنظير:إذا كان وفد مركز إيرلندا الطبي IMC الذي تم اختياره لقدراته المثبتة وتجربته على دراية بكل هذه الخلفية، هل اختار أن يتجاهلها؟ وهل منع من إجراء تحقيق قي بيئة تعليمية؟ وهل حقّق في هذه القضية ورأى أنها خارج مجال اختصاصه أو أي من الإحتمالات التي ذكرناها؟ وحده مركز إيرلندا الطبي  IMCيمكنه تأكيد ما إذا كان أي من هذه الشروحات صحيحًا.

ومهما كان الجواب، فحسب الواقع الآن، فإن مركز إيرلندا الطبي IMC ووزيرة التعليم والمواهب لم يفعلا شيئًا لمعاجة انتهاك حقوق الإنسان في البحرين وسمحا لهذا الإتنهاك بالاستمرار عبر منع معهد تعليمي إيرلندي في تلك الجزيرة.

ربما، على نحو أكثر أهمية، قد يكونون يشوهون سمعة التعليم الإيرلندي العالي في وطنهم وخارجه في ما يتعلق بسعيه للحقيقة وممارستها.

لدى إيرلندا تقليد عالمي فخور في الطب بحكم عمل الإرساليات الطبية وإسهامها في الطب العلمي وسمعة التفوق السريري، وهي أمور اكتسبتها على مدى عدة أعوام من خلال أطباء وممرضين متفانين يعملون في الوطن وخارجه.

تقع على عاتق الوزيرة مسؤولية عدم رؤية هذه السمعة تهدر،  كما وتقع على عاتقها مسؤولية أكبر وهي وجوب التأكد من أن مركز إيرلندا الطبي  IMC يعمل وفقًا لمقتضيات الاتحاد العالمي لتعليم الطب الذي يتوجب على مركز إيرلندا الطبي دعمه. تؤكد هذه المعايير على ضرورة كون مواقع الدراسة السريرية آمنة وعلى أهمية التمسك بالحرية الأكاديمية ليكون هناك "حرية تعبير مناسبة وحرية تحقيق" للموظفين والطلاب على حد سواء.

في حال تمسكت الوزيرة بقرار مركز إيرلندا الطبيIMC، والذي أعتقد أنه يتناقض مع معايير حقوق الإنسان في إيرلندا، فستكون هذه القضية عرضة للاحتجاج.  

النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus