آسيا خلف: خارطة تعذيب مبنى التحقيقات على جسد حسين برويز

آسيا خلف - 2015-02-23 - 6:20 ص

آسيا خلف*

ليس بجديد على مبنى التحقيقات الجنائية في البحرين ما تعرض له الناشط الحقوقي حسين برويز من تجاوزات بحقه وحق الانسانية وممارسات يجزم العديد من العاملين في حقوق الانسان بأنها ممنهجة تمارس منذ سنين.

إلا أن ما حدث للناشط حسين برويز لم يحدث مثله لناشط آخر منذ تعرض الناشط الحقوقي ناجي فتيل للتعذيب في مبنى التحقيقات في العام 2013. لم تغب عن بالنا صورة فتيل المسربة من السجن وجسده المتهالك من شدة التعذيب وآثار الضرب التي شكلت خارطة تعذيب يرسمها منتسبو هذا المبنى في جسد كل من أرادوا الانتقام من نشاطه.

لقد عزز برويز باعتقاله الاخير مبدأ منهجية التعذيب الممارسة من قبل مبنى التحقيقات الذي يصفه المطاردون بسجن أبوغريب الثاني وهذا ما يدفع كثير من المطلوبين للهروب والاختباء أو الرحيل مفضلين سندان الغربة والتشرد وفراق الأهل والمنزل على مطرقة الاعتقال والتعذيب.

بعد قرار النيابة باخلاء سبيله أودع حسين برويز مبنى التحقيقات لتبدأ رحلة القلق حول مصيره وانقطاع أخباره وشكوك بتعرضه للتعذيب ولأنه أمين عام منظمة حقوقية لم يطرأ بذهن أحد أن يتعرض لتعذيبين نفسي وجسدي باعتبار فرضية خجل النظام من نشر ممارساته وقد يخشى فضح انتهاكاته من قبل ناشط حقوقي له علاقاته بالمنظمات المحلية والخارجية.

إلا أن تمادي السلطة ومبنى التحقيقات التابع لها في التجاوزات غير الإنسانية قد غلب على خجلها من نفسها أو خوفها من فضح ممارساتها بحق المعتقلين.

حسين شهد تعرض عدد من المعتقلين للصعق الكهربائي بينما تم تهديده بالصعق وتعرضه للتحرش الجنسي من قبل امرأة. فهل ستحاسب السلطة منتسبيها على هذه التجاوزات؟ وما الذي يحدو بامرأة للتحرش بأحد المعتقلين بعد تعريته لولا صك الضمان والأمان الذي تضمنه لها وزارة الداخلية عبر تكريس سياسة الافلات من العقاب؟

الناشط برويز تعرض للضرب المبرح حتى لجأت عناصر مبنى التحقيقات لمعالجته عبر وضع المرهم والكريم لإخفاء الآثار وعبثا حاولوا .. لقد كان صوته المتعب وهذيانه في اعترافاته تحت التعذيب والتهديد وحرمانه النوم ودخول الحمام شاهد على ما فعلوه.

شهادات عديدة وإفادات لا تنتهي منذ صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق بسيوني برصد وتوثيق الكثير من حالات التعذيب في عام 2011 حتى الفترة الحالية دون المبادرة بتنفيذ توصياته بل إن هذه التجاوزات تفاقمت بشكل كبير في الفترة الاخيرة على الرغم من تشكيل مفوضية للسجناء والأمانة العامة للتظلمات وتقديم الشكاوى الا ان العديد من شكاوى وافادات التعذيب التي تعرض أثناء التحقيق في النيابة ويصرح بها محامو الضحايا في جلسات المحاكمة لا تؤخذ بعين الاعتبار وبذلك يستمر مبنى التحقيقات في ممارساته مادام من يسيء التصرف من العسكريين قد أمن العقوبة من الأم السلطة.

أصبح مبنى التحقيقات معروفا لدى ضحايا السلطة وعوائلهم والمهتمين بالشأن العام والحقوقي، إن من يدخل هذا المبنى يدخل في هالة مظلمة تنقطع أخباره عن العالم الخارجي مكتفيا أحيانا باتصال يتيم لايتجاوز 30 ثانية يذكر لذويه بأنه بخير ثم يغلق سماعة الهاتف. وهذا الاسلوب يمارس مع العديد من المعتقلين بنسبة أجدها لا تقل عن 80 بالمائة ممن يعتقلوا ويتم نقلهم فورا لمبنى التحقيقات تاركين قلقا كبيرا في نفوس ذويهم بعد انقطاع المكالمة.

كنشطاء وعاملون في حقوق الانسان وجب توجيه البوصلة الحقيقية نحو نشر تجاوزات مبنى التحقيقات وما يمارس فيه ومادام هناك ناشط حقوقي كبرويز قد تعرض لحجم كبير من الضغط النفسي والتعذيب الجسدي -في ظل تصريحات السلطة بعدم وجود تعذيب في البحرين- فما بال وضع الضحايا غير المعروفة والمعتقلين المطلوبين داخل مبنى التحقيقات؟

كما أن هناك استغلال واضح للظروف الاعلامية المنصبة على حدث معين فيأخذ مبنى التحقيقات فرصته الاكبر بتنفيذ ممارساته الانتقامية ضد المعتقلين والمطاردين.

القناص الحقوقي يبحث عن الانتهاكات لينشرها ولكن هذه التجاوزات في استمرار مادام النشر ينصب على قضية ضحية معينة دون حصر الحالات المتكررة والمنهجية التي يمارسها مبنى التحقيقات كمثال الوقوف لساعات طويلة وتعصيب العينين والتقييد طوال فترة التحقيق ومنع الضحايا من دخول الحمام والتهديد بالصعق الكهربائي والتحرش الجنسي والاغتصاب والقتل والتعدي على الضحية بالشتائم وقذف طائفته والتهديد بإيذاء الأهل وهذه الممارسات ذكرها تقرير بسيوني ولاتزال متكررة في عدد كبير من الضحايا تجبرهم طوعا على نزع الاعترافات والتوقيع عليها وكلها ممارسات متكررة ممنهجة في مبنى التحقيقات.

وقد تخلق قضية برويز شرارة تلسع يد كل من تسول له نفسه باستغلال سلطته لانتهاك حقوق الموقوفين لذلك يجب توجيه البوصلة نحو مبنى التحقيقات وممارساته والمطالبة بوقفها عبر رفع شكاوى -مع ضرورة متابعة الاجراءات المتخذة- للنيابة العامة والجهات المعنية ضد المبنى وذلك من قبل كل ضحية تعرضت للتعذيب النفسي والجسدي خلف جدرانه وجمع اكبر عدد منها قد يكون ذلك طريقا ناجعا للحد من تجاوزاته.

ولكن هل ستتبنى السلطة محاسبة المتورطين بعد كل هذا الكم من الشكاوى؟

وهل ستكون تداعيات قصة برويز نافذة الأمل لوقف التعذيب ضد كل من يدخل تحت سقف مبنى التحقيقات؟

*ناشطة حقوقية بحرينية.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus