ذا دايلي ستار: مساران مختلفان يفصلان العالم العربي

2015-02-19 - 1:41 ص

رامي خوري، ذا دايلي ستار

ترجمة: مرآة البحرين

يظهر التناقض هذا الأسبوع بين القرارات السياسية التي اتّخذتها الحكومات في تونس والبحرين ومصر بشكل واضح المسارين المتاحين للتنمية العربية الوطنية.

للمرة الأولى في التاريخ العربي الحديث، يمكن للمواطنين العرب أن يشهدوا كيف تدار الحياة والسياسة والجنسية في أنظمة بديلة تقوم تباعًا على حكم القانون والتعدّديّة الديمقراطية، كما هو الحال في تونس، وفي أنظمة حكم غير مستقرة ومُدارة أمنيًا، كما هو الحال في معظم الدول العربية. تقدّم البحرين ومصر أحدث الأمثلة المؤسفة عن الأمر.

قام رئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد، بعملين جديرين بالانتباه في الأسابيع الأخيرة، يسلطان الضوء على فوائد الديمقراطية التعددية، فقبل أسابيع قليلة قدّم حكومة تتضمن حزبين فقط، غير أن رغبته بابقاء السّلطة في أيدي نخبة ضيّقة رُفضت من قبل البرلمان. لذا قدّم قبل يومين حكومة أخرى تتضمّن خمسة أحزاب مع إيلاء توظيف الأعمال إلى حزب النهضة الإسلامي. كم هو رائع أن ترى رئيس وزراء عربي يتراجع عن تقديم مجلس وزراء بسبب معارضة برلمانية تعكس إرادة المواطنين بدلًا من عرض حكومة شاملة تعكس بشكل أفضل موافقة المحكومين.

وخلافًا لذلك، تشهد البحرين ومصر، الدولتان العربيتان الأخريتان اللتان تجري فيهما انتفاضات شعبية منذ أربع سنوات تهدف إلى تعديل أنظمتهما الاستبدادية الطويلة الأمد لتصبح حكمًا أكثر ديمقراطية وتعدّديّة. اختبر المواطنون صفعتين مهينتين هذا الأسبوع عندما أسقطت الحكومة البحرينية جنسية 72 مواطنًا متّهمةً إياهم بالقيام بأعمال تهدد أمن الدولة وعندما استمرت مصر من جهتها باستخدام النظام القضائي لتعرض نفسها ومواطنيها وحكم القانون للسخرية.

بعد محاكمة جماعية، حكمت محكمة مصرية يوم الأثنين بإعدام 183 رجلًا لقتلهم 13 ضابطًا في أغسطس/ آب 2013، بينما انصاع الصحافيون المسجونون، المصريون والأجانب، لقوانين الرئيس عبدالفتاح السيسي الجديدة، المشكوك فيها، للحصول على حريتهم. سُمِح لصحافي الجزيرة الأسترالي، بيتر غريستي، بالخروج من البحرين بعد سجنه لأربعمائة يوم لأكثر التهم غرابةً وهي الانتماء إلى منظّمة إرهابية وإثارة المتاعب. وبالنسبة لزميله الصحافي محمد فهمي، فمن المتوقع أن يتنازل عن جنسيته المصرية مع احتفاظه بتلك الكندية مقابل إخلاء سبيله وترحيله من البلاد. أما زميلهم باهر محمد، فلا يملك أي من هذه الخيارات لأنه لا يملك سوى الجنسية المصرية وبعض الحقوق.

هناك مشكلتان أساسيتان في تصرف الحكومتين البحرينية والمصرية. المشكلة الأولى أن جوهر أعمالهما يقوّض مصداقية معايير حقوق الإنسان ومصداقية القضاء ونزاهته خاصة في إنكار جنسية مواطنيهما. الجنسية ليست مكافأة يحصل عليها المواطنين مقابل سلوكهم الحسن؛ إنها حق أساسي ومهّم يتمتّع به الناس منذ ولادتهم، فمصر والبحرين ليستا ناديين حيث الجنسية هي مثل العضوية التي يحصل عليها الفرد ويحتفظ بها مقابل سلوكه الحسن، إنهما بلدان وأفعالهما تهزأ من كل اتفاقية من اتفاقيات حقوق الإنسان التي عرفها البشر.

والمشكلة الثانية، والأكبر ربما، هي أن الحكومتين المصرية والبحرينية تتخذان هذه الإجراءات ضمن المعايير المسموح بها في قوانينهما الخاصة. ولطالما كانت هذه مشكلة مستمرة في الدول العربية منذ حوالى الستينيات، عندما بدأ الضبّاط والأسر الاستبدادية بالسيطرة تقريبًا على جميع الحكومات العربية وتلاعبوا بالأنظمة السياسية والقضائية لتلائم أهدافهم بإزالة المعارضة والبقاء في السلطة. وكانت نتيجة هذه العملية التخريب الوطني المؤلم الذي نراه بشكل كبير في دول مثل سوريا والعراق واليمن والصومال وليبيا، في حين نشهد تقسيمًا داخليًا أقل في دول عربية أخرى.

والمشكلة السائدة هي أن مثل هذه الحكومات، المعتمدة على العسكر، تمارس أكثر السياسات إهانة، من تعذيب واعتقال جماعي طويل الأمد وإغلاق وسائل الإعلام وقتل مواطنيها وتجريم مجموعات المجتمع المدني والسياسي انطلاقًا من كون قوانينها تسمح بمثل هذه الأفعال. تستحدث هذه الحكومات قوانين تديم الفوضى وتؤدّي إلى العنف والاضطراب وقد رأينا ذلك يحصل في البحرين طوال السنوات الأربعة الأخيرة وها نحن نشهد جوانب عملية الفساد الوطني هذه في مناطق من مصر.

لا يمكن المغالاة في تقدير أهمية نجاح الانتقال التونسي الدستوري والديمقراطي، لأن تونس تقدّم أول حل عربي، مهيأ محليًا، لنوع من السلوك المشين للدولة الذي شهدناه هذا الأسبوع في كل من مصر والبحرين. ويبقى الميراث الحديث للحكم الوحشي، المعتمد على العسكر، الذي تصدق عليه القوانين المشبوهة والأنظمة القضائية غير الموثوقة سبب معاناة العالم العربي الحديث.

تظهر لنا تونس والبحرين ومصر الاحتمالات التي نواجهها، أنا أقدّر تونس وأختارها كما أتوقع أن يفعل الـ360 مليون عربي الّذين يمكنهم الكلام بحرية في حال لم يُسجَنوا ولم تُسقَط جنسياتهم.

4 فبراير/ شباط 2015
النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus