جين كينينمونت: القاعدة البريطانية والسياسة في البحرين

2015-02-12 - 1:13 ص

جين كينينمونت، مدونة مركز الشرق الأوسط، موقع كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية
ترجمة: مرآة البحرين

تزايد القمع في البحرين منذ إعلان المملكة المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول افتتاحها أول قاعدة عسكرية دائمة لها في الشرق الأوسط منذ العام 1971 في مملكة البحرين. هذا الأسبوع، أعلنت السلطات عن محاكمة زعيم الجمعية المعارضة الرئيسية، الوفاق، بتهمة التآمر لقلب النّظام، وقامت محكمة بإصدار حكم بالسجن لستة أشهر بحق ناشط بارز قام بإهانة قوات الأمن في تغريدة. وفي اليوم التالي، قال وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، للبرلمان البريطاني إن البحرين تمر بفترة إصلاح و"تتحرك في الاتجاه الصحيح". وفي حين يعكس القمع في البحرين بصورة جزئية الحركيات الداخلية، تنطلق ثقة الحكومة في الاستمرار بتنفيذ هذه التّدابير من الدّعم القوي الذي تتلقاه من جيرانها الخليجيين ومن المملكة المتحدة على حد سواء. تحاجج الحكومة البريطانية بأنها تدعم الإصلاح في البحرين وبأن الانتقاد العلني للسلطات البحرينية لن يؤدي إلى النتائج المنشودة. غير أن الثناء المُغدَق على إصلاحات محدودة، في وقت يقبع فيه كل كبار زعماء المعارضة السياسية في السجن، يدفع حركات المعارضة البحرينية الكبيرة والمتنوعة والشعبية لأن تصبح أكثر نقدًا للمملكة المتحدة.

وصف ديبلوماسيون بريطانيون القاعدة كجزء من استراتيجية أوسع نطاقاً لتعزيز الروابط مع حلفاء خليجيين منذ زمن طويل ولمحاربة التطرف المتنامي الذي تعانيه المنطقة. وتهدف أيضاً إلى طمأنة دول الخليج العربي بأن المملكة المتحدة ملتزمة بأمنهم، حتى في الوقت الذي يشككون فيه بالتزام الولايات المتحدة الطويل الأمد هناك، نظراً لمصلحتها في القيام باتفاق مع إيران واحتياجاتها المتغيرة للطاقة. وبالنسبة للجيش البريطاني، فإن للقواعد في الخليج أهمية خاصة الآن مع انسحاب القوات البريطانية من مواقع في أفغانستان والعراق، ولكن عودتها إلى المنطقة لا تزال ممكنة - على ما يبدو، إلى العراق، ومن المحتمل إلى غيره من البلاد حيث تواجه الدول تهديدات عميقة لسلطتها وسلامة أراضيها. وهناك أيضاً عنصر سياسي حزبي، فقد كان انسحاب بريطانيا من الخليج عام 1971 مؤيدًا من قبل حكومة حزب العمال، ومعارضًا من قبل حزب المحافظين، الذي يقود حكومة بريطانيا الائتلافية اليوم. في الوقت نفسه، قام الشريك الأصغر في الائتلاف، حزب الديمقراطيين الأحرار، بمساءلة الاستراتيجية بشكل علني. وبالنسبة للحكومة البريطانية، كان من المهم البدء بتنفيذ التزامها المعزّز إلى الخليج قبل انتخابات العام 2015.

في الواقع، إن المضمون الرمزي السياسي للإعلان أهم من التغيير المادي الذي يمثله بالنسبة للقدرات العسكرية البريطانية في الخليج. كانت بريطانيا تنشر سفنها في البحرين طوال الفترة منذ انسحابها في العام 1971. حالياً، تنشر كاسحات ألغام، وفي المستقبل، ستكون القاعدة قادرة على استضافة سفن أكبر كحاملات الطائرات والمدمرات. التكلفة المُعلَن عنها للقاعدة هي 15 مليون جنيه استرليني (23 مليون دولار)، وقد وصفها أحد المشاركين في ورشة عمل حديثة في تشاتام هاوس بأنها أقل من تكلفة منزل في بعض أنحاء لندن. وفي الجهة المقابلة من المشهد، تقوم الولايات المتحدة بإنفاق 580 مليون دولار لتوسيع قاعدتها في البحرين، والتي تشكل قاعدتها البحرية الرئيسية في الخليج.

ولكن رمزية اختيار البحرين كموقع لأول قاعدة بريطانية في القرن الواحد والعشرين في المنطقة ذات إشكالية عميقة. فهذا يشير إلى أن علاقات بريطانيا مع الخليج لا تزال مسيّرة بحسب المصالح الإقتصادية ومحددة بدقة وفقًا للأولويات الأمنية. بالتأكيد، سترغب الحكومة البريطانية بإقناع الحكومة البحرينية بأن يكون لديها منهج أكثر استيعابًا وإصلاحًا تجاه المعارضة. وأملت أن يقوم الملك وولي العهد بمزيد من الإصلاحات وباتباع الخطوات الهامة التي اتخذها الملك في أولى سنوات حكمه. ولكن حتى في الفترة التي سبقت العام 2011، كان من الواضح أن الإصلاحات قد أوقفت في حين تراجعت في بعض المناطق. كان هذا أحد أسباب اندلاع انتفاضة 2011، التي قوبلت بدورها بالقمع العنيف.

ومنذ ذلك الحين، قامت الحكومة بذكاء بعدد من الإصلاحات القانونية والمؤسساتية، والتي كانت كافية لتمكين بريطانيا من إعطاء رأي إيجابي لحلفائها القدامى رغم وجود شكوك، حتى مع مضاعفة السلطات تضييق الخناق على كل أشكال المعارضة السياسية. "الإصلاح" مفهومٌ غامضٌ ونسبي، وقد سمحت شدّة القمع في العام 2011 للحكومة أن تزعم بأنها "تتحرك بالاتجاه الصحيح" من خلال عدم تكرارها للتكتيكات الأكثر تطرّفًا، حتى مع بقاء الوضع السياسي وحقوق الإنسان أكثر سوءاً مما كان عليه في العام 2010. إن السلطات بارعة في اختيار الإصلاحات الإنتقائية، مثل عمليات تفتيش السجون وأمين مظالم يحقق بشكاوى سوء المعاملة من قبل قوات الأمن وقواعد سلوك تلك القوات، بالتركيز دائماً على"أفضل الممارسات الدولية" والتدريب من قبل الحكومات الغربية. وفي الوقت نفسه، تقوم السلطات بوضع قوانين تجرّم عددًا من عناصر نشاط المعارضة السلمي - على سبيل المثال، نائب زعيم الوفاق الذي حكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر بسبب تغريده بأن الرشوة شابت الإنتخابات - وتُصور القمع الذي أعقبه ببساطة على أنه تطبيق ل "حكم القانون".

دعمت بريطانيا الإصلاحات، مثل إصلاحات قطاع الأمن المذكورة أعلاه، راغبةً بجعل النظام الملكي أكثر استدامةً وشموليةً. استثمار الوقت والطاقة والمال في دعم إصلاحات مماثلة يحفز على النظر إليها على أنّها ناجحة. في الفترة التي سبقت الانتخابات البرلمانية البحرينية في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2014 ، كانت المملكة المتحدة تعمل في الكواليس لإقناع جمعية الوفاق بالمشاركة في الإنتخابات، وإنهاء المقاطعة التي بدأتها في العام 2011. لم يكن مفاجئًا قرار الجمعية الاستمرار بالمقاطعة في نهاية المطاف، مع عدم وجود إجراءات رئيسية لبناء الثقة من قبل الحكومة. وعد ولي العهد بأن يكون البرلمان قادرًا على مناقشة المسائل الرئيسية للإصلاح السياسي، لكن جمعية الوفاق لم ترغب في تحمل المخاطر المرتبطة بالمشاركة (احتمال فقدان الدعم وتقسيم المعارضة من خلال رؤيتها تقبل بشرعية دستور يرونه عاجزاً فعليًا).

قد يكون قرار جمعية الوفاق عكس آراء قاعدة الدعم المحلي، ولكنه نفّر أفراد العائلة الحاكمة، التي أمّنت لها بعض الحماية سابقًا، ووتّر علاقاتها مع الحكومات الغربية. ومن جهتهم، عبّر ديبلوماسيون بريطانيون عن خيبة أملهم من قرار الوفاق. وعندما أعلنت الحكومة البريطانية عن القاعدة الجديدة لاحقًا، انتقدتها الوفاق قائلةً إن من شأن هذه الحركة أن تعزّز ببساطة ثقة الحكومة وتجعل الإصلاح السياسي أقل احتمالًا. ولهذا تم انتقاد الجمعية مجددًا من قبل الديبلوماسيين البريطانيين، الذين قالوا إن معارضة القاعدة قدّمت العون للمتطرفين، وأشارت إلى الأهمية البالغة لمحاربة الدولة الإسلامية في العراق والشام. غير أن إقدام الحكومة البحرينية على اعتقال زعيم الجمعية الرئيسية لمعارضة في البلاد بعد عدة أسابيع فقط من الإعلان عن القاعدة، قدّم مصداقية لانتقادات المعارضة تلك.

حركة المعارضة في البحرين جوهرية، فهي تمثّل الأغلبية العظمى من السكان المحليين تقريبًا. استراتيجيًا، كان يمكن لالتزام العسكري الطويل الأمد مع الخليج أن يكون أفضل بكثير لو أنه تم بموافقة أولئك السكان. كان من الممكن تحقيق ذلك في وقت مختلف إذ كانت حركات المعارضة الشيعية في البحرين، تقليديًا، موالية للغرب إلى حد ما. لكن توقيت القرار دلّ أن القاعدة البريطانية الجديدة لن تحظى بشعبية كبيرة لدى المجتمع المحلي.

 

23 يناير/ كانون الأول 2015
النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus