آدم سيمبسون: الأوضاع كما هي في البحرين

2015-02-07 - 9:58 م

آدم سيمبسون، غولف ستايت انالتكس

ترجمة: مرآة البحرين

مرّت أربع سنوات تقريبًا منذ بدء النّاشطين البحرينيين حملة مركزة من التظاهرات السلمية بهدف تحقيق مجموعة من التغييرات البنيوية في النظام السياسي في البلاد. وعلى الرغم من أنّ الثوريين المفترضين في البحرين شاركوا اللحظة التاريخية مع مصر، وليبيا، وتونس، واليمن، حيث أدّت الانتفاضات إلى الإطاحة بالقادة الدكتاتوريين والأنظمة المستبدة التي حكمت لمدة طويلة، إلا أنّهم لم ينجحوا، حتّى الآن، في التوصّل إلى تحوّلٍ مماثل أو الحصول على تنازلات فعلية من حكومتهم.

صحوةٌ مُخمَدة

يوازي إصرار المحتجّين حملة القمع المستمرة من قبل القوّات الأمنية والأسرة الحاكمة المتعنّتة. وقد فشل كلٌ من الحوار الوطني الذي تداعى على مدى سنتين والانتخابات النيابية الأخيرة-فضلًا عن مبادرات أخرى-في تحقيق مطالب الإصلاح الديمقراطي والمساواة الاجتماعية بين السنّة واالشيعة. فكيف بقيت البحرين في توازنٍ مماثل، على الرغم من هذا الاضطراب الواضح؟

لا يزال سيمون هندرسون من مؤسسة واشنطن لسيلسة الشرق الأدنى وغيره من المحلّلين يروجون لوجود نموذج من حكم ثلاثي مضطرب يقود البحرين. فمع رئيس الحكومة الشيخ خليفة الذي يمثّل ما يسمّى بـ "المتشدّدين" في النظام، ونائب رئيس الحكومة وولي العهد سلمان آل خليفة الذي يعدّ من ضمن "المصلحين"، يقال أنّ الملك حمد يمثّل القوّة ""المتذبذبة" في الوسط، والتي توازن بين هاتين القوّتين المتعارضتين على ما يبدو.

غير أن هذا هو السيناريو نفسه الذي شهدته الدولة العربية الخليجية في التسعينيات عندما قيل أنّ ولي العهد حمد، آنذاك، كان المصلح الذي يدخل في صراع مع الشيخ خليفة حول مستقبل البحرين. وقد كان الشيخ خليفة مصدرًا للتوتر بين النظام والمعارضة مذ شغل منصبه الثّابت كرئيس للوزراء منذ العام 1971. ومن المفترض أن تجعل إعادة تنصيب الشيخ خليفة من قبل الملك هذه القضية أكثر تعقيدًا، وكذلك الآثار الأكبر للانتخابات النيابية الأخيرة في البحرين (أو انعدام تأثيرها كليًا)، والتي تم إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني .

وخلف بنية البرلمان البحريني الفعلية يقع العجز الموروث لهذا المجلس، والذي ما يزال إصلاحه مطلبًا أساسيًا من مطالب المعارضة. وينقسم المجلس المؤلّف من ثمانين عضوًا بشكلٍ متساوٍ إلى غرفتين عليا ودنيا لكلٍ منهما أربعين عضوًا؛ ويعيّن الملك جميع نوّاب الغرفة العليا، بينما يتم انتخاب أعضاء الغرفة الدنيا من قبل الشعب. ويظهر غياب سلطة الغرفة الدنيا السياسية، جليًّا، من خلال عجزها عن التأثير على التعيينات الوزارية في المملكة على الإطلاق، إذ تظل حقًا حصريًا للملك. وبالإضافة إلى ذلك، أثار غياب الإصلاح في دوائر البحرين الانتخابية- التي لا تزال البحرين تُتَّهم منذ زمن طويل بالتحيّز في تقسيمها- حفيظة المعارضة. ومن الصعب إجراء نقد للعملية الانتخابية الفعليةنتيجة لرفض الحكومة السماح بدخول مراقبين أجانب.

وقد أسفرت الانتخابات السابقة في العام 2010 عن ثمانية عشر مقعدًا للوفاق، وهي جمعية سياسية شيعية تمثّل أكبر جزء من المعارضة. غير أنّ الجمعية قاطعت الانتخابات الأخيرة، وكذلك جمعية وعد، وهي جمعية علمانية يسارية سنيّة ذات أغلبية سنية. وكانت المقاطعة نتيجة لخلافات بين التيارات المعارضة وأسرة آل خليفة الحاكمة.

وعلى الرغم من أنّ الحكومة أبطلت مختلف الإجراءات القانونية المتّخذة ضد الجمعيات السياسية المعارضة (تمّ حظر الجمعيات السياسية في المملكة)، بما في ذلك قرار حظر الوفاق، تأتت الأسباب الجوهرية للمقاطعة عن الأمور العملية السابق ذكرها، المتعلّقة بنفوذ البرلمان والتحيّز في تقسيم الدوائر الانتخابية. وفي بيانات مختلفة، واصلت جمعية الوفاق وغيرها من الجمعيات وصف الانتخابات بالزّائفة. إذ كان من الممكن لمشاركة المعارضة البحرينية في الانتخابات في ظل هذه الظروف أن تؤدي إلى خسارتها لمصداقيتها أمام قاعدتها الانتخابية التي تزداد إحباطًا يومًا بعد يوم بسبب غياب التقدّم. ولكن ما تزال كيفية تفاعل الناخبين مع عملية إقصائهم عن التمثيل الشعبي في المملكة مجهولة. في 4 يناير/كانون الثاني، تمّ اتّهام أمين عام جمعية الوفاق، الشيخ علي سلمان، رسميًّا بجرائم متعلّقة بالخطابات التي ألقاها منذ العام 2012، بما فيها تصريحات أطلقها مؤخّرًا يسخر فيها من انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني.

أصدقاء البحرين في الغرب

للأسف، ما يزال حلفاء البحرين في الغرب متّحدين مع الأسرة الملكية والبنى الحاكمة التي أوجدوها. يبدو أنّ معظم النقد الغربي موجّه بشكل أساسي نحو قرار المعارضة بالمقاطعة، بدلًا من الامتناع المتعنت للحكومة عن التسوية وتحقيق مطالب المعارضة. ولم يعرب سفير المملكة المتحدة في البحرين إيان ليندزي، في ترديد منه لمضمون بيان الاتحاد الأوروبي، إلّا عن تهنئته بالعملية التي شابتها العيوب، إذ وصفها بـ "المشجّعة" مستنكرًا قرار المعارضة بالمقاطعة. فضلًا عن ذلك، يبدو أنّ المملكة المتّحدة تضاعف رهانها على البحرين. إذ أعلنت الحكومة البريطانية في 6 ديسمبر/كانون الأول 2014، عن نيتها افتتاح قاعدة بحرية في البحرين، مسجلةً عودتها إلى الخليج بعد 43 سنة من وضع حد لوجودها العسكري بشكل رسمي في المنطقة.

وعلى الرغم من النزاع بين واشنطن والبحرين مؤخّرًا، اتّبعت الولايات المتحدة هذا المسار أيضًا. طُرِد مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، توم مالينوسكي، من البلاد في يوليو/تموز 2014 بسبب لقائه بأعضاء في جمعية الوفاق، غير أنّه منذ ذلك الوقت عاد إلى المملكة ليصف الانتخابات بالـ"فرصة" التي لا بد للحكومة والمعارضة من اغتنامها من أجل البدء بحوار جديد. ولكن، من الصعب القول إنّ حوارًا كهذا قد يكون بنّاءً، نظرًا لجوّ الترهيب المستمر في الدولة الخليجية، لا سيّما التّهم الموجّهة ضد الناشطين، والتي فضّل مالينوسكي عدم التعليق عليها خلال زيارته في أواخر العام 2014.

وبعد أيام من مغادرة مالينوسكي البحرين، استضافت المملكة منتدى حوار المنامة السنوي العاشر، حيث ركّز الخطباء على خطر داعش (الدّولة الإسلامية). وأدّى الموقع الذي تحظى به البحرين، كمضيف لقوات أمريكية، والتزام المنامة الجديد باستضافة قوّات بريطانية، دورًا أساسيًّا في قدرة المملكة على تجنّب اتخاذ خطوات جدّية بخصوص حقوق الإنسان والإصلاح الديمقراطي. وتظهر تعليقات ولي العهد سلمان خلال المنتدى بشكل خاص نظرة النظام البحريني إلى الانتفاضة الشعبية. إذ قال: "أفضّل أن أطلق على أحداث عام 2011 اسم الإعصار العربي؛ فهو بالتأكيد ليس ربيعًا." وذهب سلمان في حديثه إلى ربط الانتفاضات بظهور داعش في العراق وسورية، مدّعيًا أنّ انتفاضات العام 2011 قادتها أجندة أيديولوجية هدفها استبدال بنى الدولة العلمانية بنماذج دينية، من خلال مراجعة خاطئة للتاريخ. وأضاف سلمان:

"علينا أن نجمع كل قوانا لمحاسبة الذين نصّبوا أنفسهم فوق الناس مدّعين أنّ لهم حق إلهي بالحكم...

ما لا يمكن أن نقبله هو أن يكون أي فرد ينصَّب على رأس أي آيديولوجية تكون لديه السلطة المطلقة عن طريق فتاوى دينية لتجريد أي شخص من حقوقهم الدنيوية أو آخرتهم، واستخدام ذلك من أجل مكاسب سياسية لهو يشبه كثيراً الأيديولوجيات السياسية بالقرن السابع عشر، وإنه لا يوجد...في عالمنا المعاصر في القرن الحادي والعشرين مكان لأفكار القرن السابع عشر".

وإنّ قيام وريث عرش بإدانة متطرفين دينيين كتنظيم داعش بهذه الطريقة، حقًا، يمثّل غيابًا استثائيًا لإدراك الذات. وعلى الرغم من سمعة سلمان كونه المصلح المفترض في البحرين، لم يُبدِ أي تعليق على المفارقة التاريخية للممالك العربية في الخليج.

ضعف البحرين أمام القوى المتطرّفة

في حين ما تزال الدول الغرية والعربية التي انضمت إلى الحملة العسكرية بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش في العراق وسورية، أو "عملية العزم المتأصّل"، تنمّي علاقات استراتيجية أوسع مع حلفائها في الخليج، يبقى دور نماذج أنظمة الحكم المستبدة الموجودة في الأصل داعمًا أساسيًا لقدرة المتطرفين على السيطرة والتفشّي. لم تنطلق التظاهرات السلمية في البحرين وغيرها بسبب طموحها لقيام ثيوقراطية (أي حكومة دينية) بل لأنّ الدول والعقود الاجتماعية التي وقّروها خذلتهم. وبما أن الفراغ من جرّاء هذا الفشل كان بارزًا -في ليبيا أو سورية مثلًا- ملأ المتطرّفون هذ الفراغ.

تملك قيادة البحرين سببًا وجيهًا للقلق من لجوء المتظاهرين للعنف. في الواقع، بدأت الجماعات العنيفة بتنفيذ العمليات في حين ما تزال الحكومة تصبّ جل اهتمامها على الأطباء والناشطين في مجال حقوق الإنسان. وعلى الرغم من أنّ الشعب البحريني لا يُظهِر إلّا القليل من علامات الخضوع لوجهة نظر الأسرة الحاكمة الاستبدادية، فإنّ الحكومة تضغط بزخمٍ أكبر، من خلال تشديد حملاتها ضد الناشطين وإعادة إنشاء برلمان جديد في المملكة الخليجية- على الرّغم من خلوه من أي مغزى أو سلطة-. وفي الوقت نفسه، ما يزال الحلفاء في الغرب، مصرّين، كما الأسرة الحاكمة، على الوضع الحالي. وفي هذه الظروف، من لمُرَجّح أن وضع البحرين السياسي المتوتر سيتدهور ويركد، بدلًا من التغيّر نحو الأحسن.

آدم سيمسون هو محلّل علاقات خارجية مستقل مقيم في واشنطن. وكان، سابقًا، عضوًا في أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين ومركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلنطي.

 

ديسمبر/كانون الأول 2014

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus