إميل نخلة: الإسلام السياسي وسياسة الولايات المتحدة للعام 2015

2015-01-08 - 10:36 م

إميل نخلة، موقع لوبلوغ

ترجمة: مرآة البحرين

ملخص: إميل نخلة:   ستؤدي سياسة دعم الولايات المتحدة للحكّام العرب المستبدين في المعركة ضد تنظيم داعش، وتجاهلها  قمعهم للحركات الإسلامية السياسية إلى عواقب وخيمة على المدى الطويل.

هذا العام، سيكون حجم تأثير السياسة الأمريكية الإقليمية على الإسلام السياسي العربي كبيرًا، كما كان حاله منذ ست سنوات عندما تولّت إدارة أوباما زمام السلطة. وبالفعل، مع تزايد تأثير الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة في ظل رئاسة أوباما الّتي بدأت في يناير/كانون الثاني من العام 2009، تزايدت حظوظ الإسلام السياسي العربي كذلك.

ولكن عندما لحظ الحكّام العرب المستبدون تبدد السياسة الإقليمية للولايات المتحدة  وتضاؤل تأثير واشنطن، واصلوا قمعهم للأحزاب الإسلامية السياسية في الداخل من دون محاسبة، على الرغم من معارضة الأمريكيين.

ولن تنبئ سياسة الرّبط هذه، التي يُتَوقّع  أن تسود في العام الحالي، بالخير للإسلام السياسي. وكما العام الفائت، سيكون للولايات المتحدة اهتمام أكبر في العام 2015 بتأمين الدعم للحكّام المستبدين العرب في المعركة ضد قوّات تنظيم الدولة الإسلامية بدلًا من مواجهة قمعهم للحركات والأحزاب الإسلامية السياسية السائدة، الأمر الذي ستنتج عنه عواقب وخيمة على المدى الطويل.

منذ منتصف العام 2013، جعل تركيز إدارة أوباما على الحاجة التكتيكية لمغازلة الدكتاتوريين لحثهم على الانضمام إلى الحرب ضد الجماعات الإرهابية من التزامها بهدف الاشتباك ورقة رابحة . فتنامي الدعم الأمريكي للدكتاتوريين العرب عنى أنّه ستتم التّضحية بالإسلام السّياسي العربي. على سبيل المثال، يبدو أنّ واشنطن غافلة عن آلاف الإسلاميين وغيرهم من الناشطين المعارضين القابعين في السجون المصرية.

ما هو الإسلام السياسي؟

تندرج فرضيات عدّة تحت هذا العنوان. أوّلًا، ينطبق "الإسلام السياسي" على الأحزاب والحركات الإسلامية السياسية السائدة، التي رفضت العنف والتي كان لها تحوّل استراتيجي نحو سياسات المشاركة والانضمام إلى الائتلافات من خلال انتخاباتٍ حرّة. ويشمل الإسلام السياسي العربي بشكل عام الإخوان المسلمين في مصر والأردن، وحركة حماس في فلسطين، وحزب الله في لبنان، وحركة النهضة في تونس، وجمعية الوفاق في البحرين.

ولا يتضمّن عنوان "الإسلام السياسي" الجماعات المتطرفة والإرهابية كتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أو تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وشمال أفريقيا، والعراق، وسورية، أو جماعات المعارضة المسلّحة في العراق، وسورية، واليمن، وليبيا. كما لا ينطبق أيضًا على الجماعات الإرهابية في أفريقيا كتنظيمي بوكو حرام والشباب وغيرهما.

للأسف في السنوات الثلاث الأخيرة، ساوى الكثير من صنّاع السياسات في الغرب، وعلى نحو غريب  وفي بعض الدول العربية، حركات الإسلام السياسي السائدة بالجماعات المتطرفة والإرهابية. وقد وفّر هذا الربط الخاطئ الذي يصب في خدمة المصلحة الشخصية غطاءً لواشنطن يسمح لها بتبرير علاقاتها الوطيدة مع الحكّام المستبدّين العرب وتساهلها مع قمعهم الدموي لمواطنيهم.


التطرّف وليد القمع

أعطى ذلك للمستبدين أيضًا ذريعة لقمع الأحزاب الإسلامية في بلادهم  وإقصائها عن العملية السياسية. في مقابلة صحفية في أواخر الشهر الماضي، دان الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي بشدّة جماعة الإخوان المسلمين وتعهّد بعدم دخولها في البرلمان المصري.

قوانين مكافحة الإرهاب الأخيرة التي اعتمدتها مصر، والتي أقرّها السيسي وغيره من الحكّام العرب المستبدين، توفّر لهم غطاءً شبه قانوني لإسكات المعارضة، بما في ذلك حركات الإسلام السياسي السائدة. فاستغلّت السلطات التعريفات العامة والمبهمة للإرهاب، والتي تتضمّنها هذه المراسيم، لاحتجاز أي شخص أو أي جماعة "يضرون بالوحدة الوطنية". فيُعتبر أي نقدٍ للنظام أو الحاكم بمثابة عمل "إرهابي"، يُعاقب عليه بالسجن لفترات طويلة.

واعتقال الشيخ البحريني علي سلمان، أمين عام جمعية الوفاق، في 28 ديسمبر/كانون الأول هو مثالٌ آخر على الإجراءات القاسية التي تستخدم ضد أحزاب المعارضة السلمية السائدة في المنطقة وقادتها. ومن المتوقّع أن تسود حملة قمع الأنظمة لهذه الجماعات في العام 2015.

ثانيًا، في حين تشكّل المنظّمات الإرهابية تهديدًا للمنطقة والدول في الغرب، يساهم إدخال حركات الإسلام السياسي السائدة في عملية إدارة الحكم في البلاد على المدى الطويل في تحقيق الاستقرار محلّيًّا والأمن إقليميًّا. كما أنّه يخدم مصالح قوى الغرب في المنطقة.

يشهد التاريخ الحديث أنّ الإقصاء والقمع غالبًا ما يُولّدان التطرّف. تخلّى بعض الشباب في هذه الأحزاب عن السياسات التشاركية لصالح سياسة المجابهة والعنف. ومن المتوقّع أن تتفاقم هذه الظاهرة في العام 2015، مع تزايد انتشار قمع الإسلام السياسي ومنهجته بشكل أكبر.

وثالثًا، ليس من المستغرب ارتكاب جماعة الإخوان المسلمين وحركة النهضة أخطاء جسيمة في التجربة الأولى لهم كأحزاب حاكمة إذ إنّه لا تجربة لهما في الحكم. غير أنّ هذا الأداء الضعيف لا يقتصر عليهم فقط. ولا ينبغي استخدام هذا الأمر كذريعة للإطاحة بهم بشكل غير قانوني أو إبطال العملية الديمقراطية، كما فعل الانقلاب العسكري بقيادة السيسي في مصر عام 2013.

وعلى الرغم من ميل الأحزاب الإسلامية السياسية للفوز في الانتخابات الأولى بعد الإطاحة بالحكم الدكتاتوري، فإنّ اختبار المصداقية الذي يحدّد مدى شعبيتها يبرز في الانتخابات اللاحقة. والانتخابات الأخيرة، في أعقاب حركة الربيع العربي، في تونس مثال على هذا الموضوع.

فعندما تسنح الفرصة للمواطنين العرب للمشاركة في انتخاباتٍ حرّة ونزيهة، يستطيعون انتخاب الحزب الذي يخدم مصالحهم، سواء كان إسلاميًا أو علمانيًا.

فلو أنّ المشير السيسي سمح للإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي بالبقاء في الحكم في العام 2013 حتّى حلول موعد الانتخابات، لكانوا سيخسرون في عملية التصويت، وفقًا لاستطلاعات الرأي العام في ذلك الوقت. غير أنّ السيسي، وحكمه العسكري، لم يكونوا ملتزمين حقًّا بإحداث تحوّل ديمقراطي حقيقي في مصر. والآن، أصبح وضع حقوق الإنسان الحالي في مصر، استنادًا إلى تقارير هيومن رايتس ووتش، أسوأ بكثير من ما كان عليه في زمن حكم الرئيس السابق حسني مبارك.

الولايات المتحدة الأمريكية والإسلام السياسي

عقب استلامه الحكم، أدرك الرئيس أوباما أنّ الخلافات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، لا سيّما الإسلام السياسي، كان سببها سياسات محدّدة، لا مبادئ الحكم السليم. و المفهوم السائد عند المسلمين بأن الحرب الأمريكية على الإرهاب هي حرب على الإسلام عامل رئيسي في هذه الخلافات.

أدركت إدارة أوباما أيضًا أنّه في ظل وجود نسبة ضئيلة من المسلمين المتورّطين في أعمال العنف والإرهاب، لا بد من أن تبحث الولايات المتحدة عن طرق أخرى للتعامل مع 1.6  مليار مسلم آخر منتشرين في كل أصقاع العالم. وهذا ما دفع الرئيس أوباما في وقت سابق من ولايته إلى السماح لوسائل إعلام عربية بإجراء مقابلات معه وإلى إلقاء خطبته التاريخية في القاهرة في يونيو/حزيران عام 2009.

ولكن، مع استمرار الحرب في العراق وأفغانستان، وارتفاع عدد القتلى المدنيين جرّاء غارات الطائرات من دون طيّار في اليمن، وأفغانستان، وغيرهما، ازداد ارتياب الكثير من المسلمين بشأن التزام واشنطن بعلاقة جدية مع دول العالم العربي.

وانطلاق الانتفاضات العربية في العام 2011، أو ما يعرف بالربيع العربي، والإطاحة بالحكّام الدكتاتوريين دفعا الولايات المتحدة إلى دعم الدعوات المطالبة بالحرية، والإصلاح السياسي، والكرامة، والديمقراطية. وأعلنت واشنطن استعدادها للعمل مع الأحزاب الإسلامية السياسية، خاصة الإخوان المسلمين والنهضة، ما دامت هذه الأحزاب تلتزم بالتغيير السلمي وبمبادئ التعدّدية، والانتخابات، والديمقراطية.

وهذا الانفتاح الذي لا سابق له عزّز حظوظ الإسلام السياسي العربي والسياسة الشاملة في العالم العربي. ولكن التودّد الأمريكي للإسلام السياسي لم يتخطّ السنتين.

الطريق إلى الأمام

ومهما كان عدم التوافق مع هذه العقيدة السياسية الإسلامية شديدًا، فإنّ قمّة الغباء هي الظن أنّه يمكن تحقيق الاستقرار المحلي والأمن الاقتصادي الطويل الأمد في مصر، والبحرين، وفلسطين، ولبنان من دون إشراك جماعة الإخوان المسلمين، وجمعية الوفاق، وحركة حماس، وحزب الله في الحكم.

التودّد إلى الحكّام المستبدّين ليس إلّا استراتيجية قصيرة الأمد سيكون مصيرها الفشل على المدى الطويل. وكلّما استمرت هذه العلاقات الوثيقة، سيعود عدد أكبر من المسلمين  إلى تبني المعتقد السابق ذكره، أي أن الحرب الأمريكية على الإرهاب هي حرب على الإسلام.

وستعود الدول العربية التي شهدت سقوط الطغاة، خاصّة مصر، في إذعان واشنطن، إلى زمن القمع والاستبداد، وكأنّ الربيع العربي لم يكن.

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus