أندرو هاموند: صناعة الثورة وتدميرها

2015-01-06 - 7:30 م

أندرو هاموند، موقع رابطة الصحافة البحرينية

ترجمة: مرآة البحرين

أندرو هاموند:  لطالما كانت حرية الإعلام إحدى الفرائس الرئيسية للصراع في البحرين منذ العام 2011. رأى كل من الفريقين في الإعلام ساحة رئيسية لنشر رسائلهم والفوز بالدعم.

لطالما كانت حرية الإعلام إحدى الفرائس الرئيسية للصراع في البحرين منذ العام 2011. رأى كل من الفريقين في الإعلام ساحة رئيسية لنشر رسائلهم والفوز بالدعم. التجأ المعارضون إلى القنوات التي قد تنصت إليهم مثل قناة العالم الإيرانية والجزيرة الإنكليزية ومنصة التواصل الإجتماعي تويتر. ردّت الحكومة ومؤيّدوها على الأمر وفي النّهاية أثبتوا نجاحهم في توظيف الأوساط الإعلامية، القديمة منها والحديثة، لسحق الانتفاضة ووضع حد، على الأقل حتى الآن ، للتهديد الذي يطال النخب المُحصنة التي تدير البلاد وتستفيد من نظامها السياسي والاقتصادي.

ومن العناصر الرّئيسية لحملة الحكومة الإعلامية تأمين رواية طائفية عن حركة الاحتجاج. وكان من الأساسي للزّمرة المهيمنة أن تقدّم أسرة آل خليفة كمحور مركزي للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية للجزيرة، وكحكم محايد وسط الجماعات العرقية والدينية وغيرها من الجماعات الاجتماعية. وقد حرّضت المشاعر الشّيعية الطّائفية حتمًا المتظاهرين: أرادوا منح السّلطة للشّيعة وحرمان السّنّة من حقوقهم. وقد تكون الأسرة الحاكمة، المدعومة من السعودية، منقذًا للتوازن الطائفي الهش وللتّنوع في الجزيرة.

غير أن حركة الاحتجاج لم تنطلق في الواقع كحركة طائفية، ورغم التقارب في العمل السياسي الإسلامي الشيعي، فإن الضّغط من أجل الإصلاح قوي من قبل الجماعات المهمشة اقتصاديًا واجتماعيًا ومن قبل النّاشطين من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان . ومع تواطؤ قوة بريطانيا الاستعمارية، القديمة منها والجديدة، عارض آل خليفة منح السّلطة للبحرينيين في عملية قمع تاريخية عرقية ودينية واجتماعية.

وفي السّبعينيات، عندما كانت المجموعات اليسارية والقومية العربية قوية، وضع آل خليفة النظام البرلماني جانبًا، أما الآن فتسيطر مجموعة إسلامية سياسية شيعية، من خلال جمعية الوفاق، على الساحة السياسية. ويحدث أن أغلب أولئك المحرومين من حقوقهم هم من الشيعة وقد أيد معظمهم الوفاق في الإنتخابات. ولم تكن الوفاق قادرة على فرض السيطرة على العناصر الأكثر تطرفًا في حركة الاحتجاج ، الذين كانوا يطالبون بجمهورية؛ أو، بالأحرى، لم تكن تنوي ذلك،  وقد فتح هذا الأمر الباب للنّظام لجعل الصراع طائفيًا.

وقد انقسم الرأي الإقليمي والّدولي. اتهم تقرير البسيوني النظام بالتعذيب والمبالغة في التدخل الأجنبي الطائفي ولكنه قبل المعايير الرسمية بالإصلاح التدريجي من خلال التّفاوض. كما عرضت الحكومات الغربية درجات متفاوتة من الدعم للنظام مع الإشارة في حديثها إلى الحاجة إلى تغيير الوضع الراهن. وصبّ  الإعلام الدولي اهتمامًا بالغًا في فبراير/ شباط ومايو/ أيار 2011 على البحرين حيث بقيت محل اهتمام حتى فبراير/ شباط 2012، أي الذّكرى  السّنوية الأولى للانتفاضة، ولكنه تناقص بشكل سريع بعدها. وقد رضخت التغطية الإعلامية للسّرد الطائفي إذ صورت أنّ النّزاع يدور بين نظام الأقلية السنية ومعارضة الأغلبية الشيعية. واعتراض الحكومة الوحيد  على هذا الأمر كان بسبب وصف الزّمرة الحاكمة بالـأقلية فقاتلت الإعلام الأجنبي بشراسة (الأمر الذي شهدته بنفسي في عدة شجارات مع هيئة شؤون الإعلام ووزير شؤون الإعلام).

مع ذلك،  ما زال النظام يدرك خطرًا في  إصرار الإعلام على تسليط الضوء على البحرين طالما يحتفظ موضوع "الربيع العربي" بطابع رومنسي، لذلك يقوم النظام باستهداف الصحافيين الذين يعملون في البحرين أو من أجلها من خلال حملة تشويه  مفادها بعث رسائل شكوى لمحررين في وسائل إعلام أجنبية ووضع تعليقات تافهة في الإعلام المحلي (من تجربتي الشخصية، اتهمت مرة بأني من "أنصار ولاية الفقيه"). مع ذلك، عمل الإعلام في الإطار المعرفي  الذي رغبت به السلطة من خلال الرواية السنية-الشيعية  المُبَسّطة للغاية. وأي محاولة من قبل أي صحافي للكتابة خارج هذا الإطار سينسفها محرر في لندن.

وفي الوقت الذي تراجع فيه اهتمام الإعلام والحكومة، يبقى الصّراع، فلندن وبعض العواصم الأجنبية الأخرى مليئة بالبحرينيين المبعدين، ويوجد بينهم عدد غير قليل من الصحافيين. ولكن عند عودة الاهتمام الدولي إلى البحرين، سيكون الانقسام الاجتماعي والسياسي في المجتمع البحريني قد ساء أكثر، ما يجعل القرار، سواء كان سلميًا أو من خلال العنف، أكثر صعوبةً.

* أندرو هاموند هو زميل سياسة قديم في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وعمل سابقًا كصحافي لإذاعة راديو بي بي سي العربية وهو عضو مؤسس لمجلة القاهرة تايمز. أمضى أندرو عشرة سنوات كمراسل لوكالة رويترز وكرئيس مكتب رويترز في الرياض منذ العام 2006 إلى 2009. وقد غطى انتفاضات الربيع العربي في كل من مصر وتونس والبحرين واليمن والمغرب ونقل أحداث العراق قبل سقوط صدام حسين وبعده.

 

2 يناير/كانون الثاني 2015

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus