بول روجرز: بريطانيا في البحرين بعيون مغلقة جيدا!

2014-12-18 - 11:44 م

بول روجرز*، أوبن ديموكراسي

ترجمة: مرآة البحرين

أعلنت الحكومة البريطانية في 6 ديسمبر/كانون الأول عن توسيعها استخدام مرافق ميناء سلمان في البحرين ليصبح قاعدة بحرية كاملة، غير أن هذا الخبر لاقى صداه في شوراع البحرين حيث خرجت مظاهرات من الأغلبية الشيعية في مملكة الخليج وطالب الكثير بطرد سفير المملكة المتحدة، إيان ليندزي.

وهناك جدال قوي يدور الآن حول أن الحكومة التي تسيطر عليها الطائفة السنية تدفع معظم تكاليف القاعدة الجديدة كجائزة منها لبريطانيا على خلفية غض نظرها عن انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، خاصة ًبعد اندلاع الاحتجاجات فيها في أوائل أشهر "الربيع العربي". ولطالما انتقدت منظمة بحرين ووتش وغيرها من جماعات حقوق الإنسان البحرين، ولكن كان لها تأثير بسيط على سياسة الحكومة البريطانية.

هذا ولن تكون القاعدة البريطانية كبيرة مقارنةً مع مقر القاعدة الأمريكية لأسطولها الخامس الموجود على طول الساحل. ومع هذا، ما زالت تعتبر هذه القاعدة الجديدة مهمة باعتبارها أول وجود دائم "شرق السويس" منذ انسحاب البريطانيين من المنطقة في العام 1971. وتعتبر رمزية هذه القاعدة، بطريقتها الخاصة، مهمة، على الرغم من أن مثل هذه الالتزامات العسكرية في الخارج لا تعكس الرأي العام.

وأفادت صحيفة الفايننشال تايمز أن "القاعدة التي من المقرر أن تُفتتح في العام 2016 ستتضمن مكان إقامة للطواقم وتسهيلات لدعم السفن وتموينها ودعم للانتشار طويل الأجل لفرقاطات ومدمرات" (انظر إليزابيث ديكنسون، "القاعدة البحرية في البحرين تؤمن لبريطانيا حضور أقوى في الخليج"، فايننشال تايمز، 7 ديمسبر/ كانون الأول 2014)

ونشرت البحرية الملكية كاسحات ألغام صغيرة خارج البحرين لعدة سنوات، ولكن عندما تستخدم المدمرات وسفن أكبر أخرى ميناء سلمان، ينام طواقمها على متنها، وهناك بعض المنشآت البحرية للسفن الأكبر الموجودة على الشاطئ. وفي ظل هذه القاعدة البحرية الكاملة، سيصبح بالإمكان نشر سفن حربية بانتظام من هذا الموقع.

وستستخدم حاملة الطائرات "الملكة إليزابيث" التي تزن 70000 طنًا ميناء سلمان، وإمكانية أن تجوب هذه السفينة البحار وعلى متنها طائرات ستعيد بريطانيا إلى عهد الستينيات عندما كان للبحرية أسطول ناقلات ينفذ عملياته في المحيط الهندي وغرب المحيط الهادئ.

قوة بحرية من سفينتين

تتذرع بريطانيا أن القاعدة ستمكنها من المساهمة في إرساء الأمن في المنطقة في الوقت الذي تتهدده قوات مختلفة بما فيها، الدولة الإسلامية والطموحات الإيرانية. ويتطلّب الغموض الذي يسود المشهد دولًا "ناضجةً" مثل بريطانيا لتساعد في الحفاظ على الاستقرار، وفي المقابل ستستفيد بريطانيا من ميزة أخرى هي تحسين إمكانية الوصول إلى سوق الأسلحة المربح في دول الخليج؛ الأمر الذي يثير القلق في موضوع حقوق الإنسان. وتعود زيادة الوجود البريطاني العسكري في وقت تخشى فيه السعودية وإمارات محلية من التأثير المتزايد في المنطقة، خاصة في العراق، بفوائد على النخب السياسية والتجارية من كلتا الجهتين.

إن تبرير وجود القاعدة، من الجهة البريطانية، يتجنب أي ذكر لخفض إنتاج نفط بحر الشمال واحتمال زيادة اعتماد بريطانيا على نفط الخليج، مما يعكس نوعًا من الخداع حول هذا الرواية. وهناك أيضا جهد متواضع لمعالجة الانفصال مع رأي الأغلبية التي تعارض التدخل العسكري في الخارج، وخاصةً الحروب في أفغانستان والعراق (على الرغم من أن ذلك يمكن أن يرتبط بدعم القوات المسلحة، والجنود على وجه الخصوص). إن الرأي السائد هو أن سياسة الدفاع البريطانية يجب أن تقوم على الدفاع عن البلد أكثر من العمليات الكبرى في الخارج والتي تتناقض بشكل ملحوظ مع سياسة مؤسسة الدفاع. وتظن هذه المؤسسة أن بريطانيا يجب أن تستعيد دورا عالميا كدولة رائدة، على الأقل عبر الحفاظ على قدرتها على "إسقاط السلطة".

حلل تقرير معهد جنوب وزيرستان للدراسات الاستراتيجية الذي نشر في أكتوبر/ تشرين الأول 2014 سياسة البحرية البريطانية الحالية مشيرًا إلى أن نسبة كبيرة من قوة البحرية الكاملة كانت في طريقها للحصول على حاملتي طائرات ضخمتين وأكبر سفن حربية تبنى على الإطلاق من أجل البحرية الملكية فضلًا عن غواصات جديدة لقوة "ترايدنت" النووية (راجع "دفاعًا عن العظمة: بطولة حاملات بريطانيا" 12 بتاريخ مايو/ أيار 2012). هذا التزام ضخم، خاصة في موضوع ميزانية الدفاع ككل.

وفي الواقع، لا يوجد ضمانة أنه سيتم نشر كلتا الناقلتين، ولكن إن تم نشرهما، سيُختصر دور البحرية بقدرتها على الحصول على حاملة طائرات واحدة وغواصة صواريخ باليستيه لتكون جاهزة للانتشار في أي وقت.

لا تعمل غواصة الصواريخ ولا الحاملة بمفردها، فالغواصة تتلقى الدعم مما يسمى "دعم الردع" الذي يتضمن غواصات تعمل بالطاقة النووية ودعمًا من سفن حربية (في لغة الغواصات: "كاشطات"). وستعمل حاملة الطائرات وسط مجموعة ذات مهام أساسية، تتضمن مدمرة واحدة أو اثنتين، أو فرقاطة واحدة أو اثنتين، وناقلة وغواصة هجومية وسفينة ناقلة وأخرى للدعم. يحتاج الأمر لنشر حامية، مثل مدمرة أو فرقاطة في شرق السويس ثلاثة سفن: واحدة في المحطة وواحدة تبحر من وإلى منطقة الانتشار وواحدة للصيانة والتجديد. (راجع "دفاع بريطانيا: كله في البحر" 12 يوليو/ تموز 2006).

عمومًا، إن القاعدة الجديدة هي جزء من تحول في البحرية الملكية إلى بحرية تقوم على سفينتين أساسا، مع عدم توفر معدات إضافية للقيام بمهمات أخرى. لا يبدو أن الأمر يهم في حال يمكن لبريطانيا أن تعطي على الأقل انطباعًا عن كونها قوة بحرية رئيسية بغض النظر عما كانت الحقيقة وراء هذه الحركة.

هدية للأعداء

لاحظ موظف مدني يعمل في وزراة الدفاع منذ مدة طويلة وصادف أن شهد أيام سفينة جلالة الملكة إيغيل وحاملات أسطول أخرى أن دور ناقلات الطائرات البريطانية بعد العام 1945 أصبح يتمحور حول تمّلك سفينة كبيرة تكفي للفرقة الموسيقية التابعة للبحرية الملكية للعزف خلال الانسحاب السريع عند الغروب من مرفأ استوائي في حين يشاهدها زوجات الضباط وكبار الشخصيات المحلية بينما يحتسون شرابهم (المحسن بالفاكهة الاستوائية المحلية). وقال الموظف إنه كان على الناس أن يفهموا ذلك.

قد تكون هذه وجهة نظر انتقادية ومتعالية، ولكن من المعتاد أن تكون لملاحظات الخدمة المدنية عنصر من الحقيقة. وحتى الآن، ما زالت عناصر المنشأة البريطانية تتوق إلى أيام الإمبراطورية وهناك أثر لهذا التوق في القاعدة الجديدة في الخليج (راجع "بريطانيا في الشرق الأوسط: عدنا"، الايكونومست، 13 ديمسبر/ كانون الأول 2014).

وعلى الرغم من ذلك، فإن المسألة الأكبر هي أن المبادرة البحرينية تجعل بريطانيا أكثر مركزية في صراع الشرق الأوسط. قد تعتبر القاعدة في لندن حركة إيجابية في دعم المصالح البريطانية، وبالأخص في الوقت الذي تتمركز فيه الولايات المتحدة حول منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ولكن ستنظر أكثر المناطق إلى هذه القاعدة على أنها مثال آخر للتدخل الغربي.

سيكون هناك عما قريب اندماج مدهش في وجهات النظر بين الأعداء، فالجماعات الإسلامية السنية المتطرفة مثل الدولة الإسلامية ستصور ميناء سلمان كدليل على الدعم البريطاني لنخبة القيادات السنية غير المقبولة، وسترى فيه إيران نوعًا من تقديم الدعم للأسرة البحرينية الحاكمة في الوقت التي تضطهد فيه الأغلبية الشيعية المهمشة. إنه لإنجاز بحق أن تستطيع مناقضة الرقة وطهران في الوقت. وبالنتيجة، إن سعي بريطانيا لاستعادة درجة من المكانة، إن لم تكن درجة من الإحساس بالعظمة، سيكلفها كثيرًا.

*بول روجرز هو أستاذ في قسم دراسات السلام في جامعة برادفورد، شمال إنكلترا ومحرر الأمن الدولي لموقع أوبن ديموكراسي. وهو كذلك يكتب عمودًا أسبوعيًا حول الأمن العالمي منذ 28 سبتمبر/ أيلول 2001 وملخصًا شهريًا لمجموعة أكسفورد للبحوث. من بين كتبه "لماذا نخسر الحرب على الإرهاب" و "فقدان السيطرة: الأمن العالمي في القرن الحادي والعشرين".

 

17 ديمسبر/ كانون الأول 2014
النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus