الوفاق: تعديلات قانون الإرهاب 4 ديسمبر تعيد "أمن الدولة"

2014-12-12 - 12:47 ص

مرآة البحرين: قالت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية بأنها في غمرة احتفالات العالم بالذكرى السنوية لحقوق الإنسان، تسجل قلقها المتنامي من تدهور حقوق الإنسان في البحرين، والمترشح للتصاعد، سيما بعد تعديل قانون حماية المجتمع من الهجمات الإرهابية، بموجب المرسوم بقانون رقم (68) لسنة 2014، ضمن حزمة القوانين التي أصدرتها السلطة مؤخراً، حيث قرر التعديل إنشاء نيابة خاصة تسمى "نيابة الجرائم الإرهابية"، وخصص لها التعديل إجراءات خاصة في تعيين أعضائها، بأن جعل التعيين فيها بأمر ملكي بناء على عرض النائب العام، بعيداً عن المجلس الأعلى للقضاء ، مع ما على تشكيل المجلس من ملاحظات بينتها الوفاق في رؤيتها لإصلاح السلطة القضائية.

وأضافت الوفاق بأن اللافت في هذا التعديل (4 ديسمبر/ كانون الأول 2014) أنه أعطى هذه النيابة أن تصدر بقرار من المحامي العام أو من يقوم مقامه، قرارات بالحبس التحفظي على المتهمين لمدة أو مدد متصلة تصل إلى ستة أشهر. تعديلاً على النص الذي كان يحدد المدة القصوى بستين يوماً. وتعتبر هذه المدة هي المدة القصوى للحبس الاحتياطي لكل من النيابة والمحكمة الصغرى والمحكمة الكبرى منعقدة في غرفة المشورة بعد سماع النيابة العامة والمتهم. بينما يأتي هذا التعديل ليقرر حبس المتهم لمدة أو مدد متصلة تصل إلى ستة أشهر، بما ينافي قرينة البراءة.

بل أن التعديل الجديد أعطى لقوات الأمن أن تحجز حرية مواطن لمجرد تقييمها الذاتي المطلق وغير الخاضع للرقابة القضائية لمدة 28 يوماً دون إحالته للنيابة العامة، في توسيع لصلاحيات الأجهزة الأمينة بعد أن كانت المدة 5 أيام تمدد إلى 10 أيام بقرار مسبب من النيابة العامة، والتعديل بالمدة التي قررها يتجاوز حتى المدة المسموح بها لعضو النيابة العامة في الأوضاع العادية، دون أن يكون لها ما يبررها. بل أضاف التعديل حكماً جديداً يعطي للجهات الأمنية أن تقرر سرية المعلومات المتعلقة بالجريمة، بما يفقد المحاكمة أهم عناصر عدالتها المتمثلة في المواجهة، فيحظر على المتهم ومحامية حتى معرفة المعلومات التي تم على أساسها الاعتقال، ما يعتبر بذاته انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان.

يضاف على ذلك أن هذا القانون أعطى للجهات الأمنية تفتيش الأشخاص، وأمتعتهم، ومركباتهم، وحظر الانتقال، والإقامة، بقرارات ذاتية منها، دون أن تلجأ في ذلك للقضاء، في ردة واضحة لأبسط المبادئ الدستورية.

وقالت الوفاق بأن التعديل بصورة وأخرى، يعيد حقبة قانون أمن الدولة سيء الصيت، ويقرر إعادة تطبيق مرسوم السلامة الوطنية، على حالات طوارئ غير معلنة، متى ما أرادت السلطات ذلك، تحت ذريعة حفظ الأمن العام، ولا يوفر أي ضمانات تمنع انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة التي صاحبت هذه الفترات، رغم تسليم السلطات بوقوعها بإقرار ملك البلاد تقرير اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق. مع علو نبرة من مسئولين في السلطة في أعلى الهرم بأن حماية حقوق الإنسان لا يجب أن تحول دون تحقيق الأمن الذي يعتبر مقدماً على حقوق الإنسان، وكأن حماية الأمن والاستقرار تتنافر مع حماية الحقوق والحريات، خلافاً لما تقرره البشرية من أن حماية الحقوق والحريات هي التي تكفل الأمن والاستقرار.

وأضافت الوفاق، بأنها مع تأكيدها أهمية التصدي للإرهاب، وحماية المجتمع من أي أعمال إرهابية، إلا أن صدور هذه التشريعات يبرر القلق من المزيد من تدهور حقوق الإنسان في البحرين للأسباب التالية:

1 - مدة الحبس الاحتياطي تناقض قرينة البراءة، وأي ادعاء بحفظ حقوق الإنسان، فإنه لا يتوافق مع تقرير الحبس الاحتياطي لمدة ستة أشهر، لمجرد الشبهة. بل أن الأنظمة القانونية التي تقوم على كفالة حقوق الإنسان ذهبت إلى تحقيق المقاصد من الحبس الاحتياطي بأساليب أخرى لا تحجز حرية المتهم، وتقرر الحبس الاحتياطي لأضيق الحالات، بينما نجد السلطات في البحرين تنحو لمزيد من انتهاك الحقوق والحريات بزيادة مدة الحبس الاحتياطي. بل أن النص لم يضع حداً أعلى لمدد الحبس الاحتياطي التي يقضيها المتهم، متجاوزاً بذلك قانون أمن الدولة الذي حددها بثلاث سنوات، بينما النص الجديد يجعل التساؤل مفتوحاً عن مصير حكم المادة 148/إجراءات جنائية بخصوص هذه القضايا.

2 - تغيب أي مبررات لهذا التعديل، غير أنه مقصود لاستخدامه لأغراض سياسية موجهة إلى المعارضين السياسيين، حيث تقتضي طبيعة الجرائم الإرهابية في جميع العالم سرعة التعامل مع هذه الجرائم، واستكمال التحقيقات فيها، للخلوص بوجود أدلة الاتهام، أو الإفراج عن المتهم، وهذه السرعة يقصد منها تفادي الآثار السلبية للجرائم الإرهابية ما يتطلب سرعة التحقيق فيها، وإعطائها الأولوية، وليس التراخي في ذلك.

3 - يراعى أن السلطات البحرينية قد استخدمت القانون بشكل غير متكافئ، وقد قرر تقرير تقصي الحقائق، وتقرير هيومن رايتس ووتش "لا عدالة في البحرين" بأن القانون لا يطبق بشكل متساو، وإنما يستخدم بشكل انتقائي سياسي، ولمعاقبة وردع المعارضة السلمية، وقد عجزت جميع السلطات في البحرين عن الرد على هذه الحقائق في التقارير المعتبرة،

ولذا فإن مثل هذا التعديل لا يفهم إلا أنه في سياق قمع الحراك الشعبي، ولعل ما قررته السلطات ذاتها قبل فترة من سطو مسلح على أحد المصارف، وقبضها على أشخاص بحوزتهم أسلحة نارية، والمتهمين في ذلك لم يتحدث مسئول عن غرض إرهابي، مع حيازة كمية كبيرة من الأسلحة المتطورة، بينما اعتبرت سكاكين الطعام في مستشفى السلمانية الطبي حيازة أسلحة بغرض إرهابي!!

4 - يعزز القلق من المزيد من تدهور حقوق الإنسان في البحرين بمناسبة صدور هذا التعديل أن السلطات البحرينية تستخدم الحبس الاحتياطي عقاباً للمعارضين السياسيين، ولا يقصد منه أي أمر آخر، والتطبيق غير المتكافئ للقانون يؤكد ذلك، فبينما يتقرر حبس متهم لمجرد تغريدة على تويتر، لا يتقرر الحبس الاحتياطي لحالات أخرى يكون المتهمين فيها من الموالين للسلطة. ويؤكد هذا الأمر أن الحبس في غالب الأحيان يقرر للمدة القصوى، ولذا فليس من المستغرب أن تصدر القرارات بالحبس لمدة واحدة مقدارها ستة أشهر، دون أن تقوم السلطات خلالها بأي تحقيقات جادة، عدا أن يكون المتهم رهينة لدى السلطة.

5 - تؤكد التقارير الدولية، وعلى الأخص تقرير هيومن رايتس ووتش "لا عدالة في البحرين" الذي جاء بعد تقرير لجنة التقصي، بأن النظام القضائي في البحرين لا يوفر متطلبات المحاكمة العادلة للمتهمين، وقد سجلت هذه التقارير لإخفاق النيابة العامة، والمحاكم في تحقيق حق المتهم في الدفاع عنه نفسه، أو كفالة أبسط حقوقه، وجميع التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة في الأفعال التي تكيفها على أنها إرهابية تمر على نسق واحد تبدأ بعزل المتهم عن العالم الخارجي، وإخفاءه قسرياً لمدد طويلة، تقطعها باتصال يتيم بعد القبض على المتهم بعبارة بسيطة "أنا بخير" دون أن يسمح له بالإفصاح عن مكانه أو التهم الموجهة إليه أو تمكينه من إجراءات الحصول على محام، والمشورة القانونية المناسبة، ويتعذر على المحامين الالتقاء بالمتهمين في غير أول جلسة للمحاكمة في الكثير من الأحيان، وجاء التعديل ليقرر مدة الحبس لستة أشهر للمحامي العام أو من يقوم مقامه، دون أن تحسم الجدل القانوني الذي يثار أمام القضاء من وجوب أن يكون للمتهم محام يدافع عنه بدء بمرحلة جمع الاستدلالات والتحقيق، ولذا فإن الممارسة العملية هو أن هذا التعديل إنما يقرر عزل المتهم عن العالم الخارجي لمدة تصل إلى ستة أشهر، حيث لا يمكن المحامون من الحضور في هذه التحقيقات، ولا شك أن هذا التعديل إنما يعطي مؤشراً على التعذيب الممنهج في البحرين، إذ اعتبر تقرير تقضي الحقائق، أن عزل المتهم عن العالم الخارجي تعتبر نوعاً من أنواع التعذيب.

6 - يعتبر التعديل رداً على من يدعي تنفيذ السلطات البحرينية لتوصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق برئاسة المحامي الدولي السيد/ بسيوني، ذلك أن توصيات اللجنة كانت تصب في تقليل مدة الحبس الاحتياطي، ونذكر الفقرة 1701، والتوصية الواردة في الفقرة1251، والفقرة 1722/د، بينما يقرر التعديل المزيد من الحبس الاحتياطي، ليكون بذاته عقوبة، وبتأكيد عزل المتهم عن العالم الخارجي.

7 - رغم أن تقرير تقصي الحقائق قرر بصورة واضحة في التوصية الواردة في الفقرة 1253 من قلب عبء الإثبات في موضوع التعذيب، فإن السلطات البحرينية تتجاهل هذه التوصية بشكل متعمد، بل أن الواقع العملي يشير إلى ادعاءات متكاثرة من المتهمين في القضايا التي تصنف على أنها إرهابية، بخضوعهم للتعذيب، إلا أنه لا توجد إجراءات فاعلة لمنع التعذيب، على النحو الذي قرره تقرير هيومن رايتس ووتش "لا عدالة في البحرين"، ما يعني أن صدور هذا التعديل دون قلب عبء الإثبات، كما قرر تقرير التقصي، إنما هو بمثابة ضوء أخضر لاستمرار التعذيب المنهجي الذي قرره تقرير التقصي.

8 - لقد قرر التعديل للجهات الأمنية صلاحيات واسعة جداً، ثبت بشكل قاطع تعسف هذه الجهات في استعمال صلاحياتها، وعدم وجود حدود تحد منها، مع ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب، وغياب المساءلة، ما ينذر بالمزيد من التعسف في مصادرة الحقوق والحريات بالحبس لمدد تصل إلى 28 يوماً، وإعلان حالة الطوارئ بالتفتيش للأشخاص والأمتعة والمركبات دون إذن قضائي، والحد من حرية الانتقال في صورة تباشرها هذه الجهات في الواقع العملي دون أن تنتظر قانوناً يعطيها هذه الصلاحيات، إضافة إلى أن التعديل شرع بصورة قانونية مرحلة أسوأ مما وصلت إليه بعض الدول الأفريقية المعروفة بانتهاكاتها الواسعة لحقوق الإنسان، من ظهور "الشاهد المقنع"، وسيكون المتهمون بهذا التعديل أمام "الشاهد الشبح" الذي يدانون لمجرد تقاريره، دون أن يكون لهم حق المواجهة، بمعرفة الشاهد، وماهية مضمون شهادته، ولا مثوله للشهادة أمام القضاء، طياً لمرحلة "المصادر السرية" التي لا توفر ضمانات المحاكمة العادلة، لمرحلة أسوأ، بعد أن قرر القانون سلطة مطلقة للجهات الأمنية لتقرر سرية مصادرها وحفظها لدى النيابة المستحدثة، وإخفائها عن المتهم والمدافعين عنه، في مرحلة تعتبر الأسوأ ربما من الإجراءات المقررة لمحكمة أمن الدولة.

وختمت الوفاق بيانها، بأنه للأسباب أعلاه، ولأسباب أخرى كثيرة، فإن التعديل إنما سيعني المزيد من المعاناة لضحايا حقوق الإنسان في البحرين، وبغطاء قانوني، لا يوفر لهم الآليات التي تمنع خضوعهم للتعذيب، أو تجعل من مساءلة من يقوم بالتعذيب فعلاً حقيقياً يشهده الضحايا، ويخاف منه المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، مؤكدة بأنها لو وجدت في القانون ما يبرره من الواقع والتجارب، فإنها مع حماية المجتمع من الهجمات الإرهابية، إلا أن الواقع يشير إلى استخدام القانون إنما يقصد منه قمع المعارضة السلمية.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus