ميدل إيست آي: الضغوط والمخاوف الدولية أدّت إلى تصدّع العلاقة بين الحكومة البحرينية والمؤسّسة الإسلامية السنّية

2014-12-11 - 4:44 م

أليكس ماكدونالد، ميدل إيست آي

ترجمة: مرآة البحرين

لا تزال البحرين تشهد شرخًا بين السنّة والشيعة منذ أمدٍ بعيد. الغالبية في البحرين من الشيعة، ومنذ الاضطرابات التي أشعلتها الاحتجاجات المناهضة للحكومة عام 2011، يبدو أنّ الأقلية السنّية في البلاد لا تزال موحّدة ضد عدوٍّ مشترك.

غير أنّ مزيجًا من الضغوط والمخاوف الدولية حول الطائفية المتفاقمة أدّى إلى تصدّع العلاقة بين الحكومة والمؤسّسة الإسلامية السنّية الراسخة.

مع ترقّب الانتخابات البرلمانية في نوفمبر/تشرين الثاني، تمّت إعادة رسم الدوائر الانتخابية في البحرين، ظاهريًّا، لجعلها "متساوية" من حيث الحجم.

على الرّغم من أنّ المعارضة المدعومة من الشيعة اشتكت من أنّ الدوائر الانتخابية الجديدة تهدف إلى تقليص الدّعم الذي تحظى به، ولكنّ بعض المعلّقين يحتجّون بأنّ إعادة رسم الدّوائر تبدو كخطوة اتّخذت عمدًا لاستئصال السياسيين الإسلاميين السنّة من السّلطة.

إذ تمّ توسيع الدوائر في معاقل تنظيم الإخوان المسلمين-الذي تنتسب إليه جمعية المنبر الإسلامي وجمعية الأصالة الإسلامية السلفية، ممّا يفسح المجال أمام "المستقلّين" الموالين للحكومة للتنافس على المقاعد المضمونة بحسب زعمهم.

رئيس جمعية المنبر علي أحمد صرّح لصحيفة غلف دايلي نيوز، قائلًا: "لا ثقة عندنا بأيٍّ من المناطق التي يتنافس فيها مرشّحونا، غير أنّنا نبذل قصارى جهدنا".

وأضاف رئيس الجمعية: "كنّا في كل عملية انتخابية جرت في الماضي نبذل جهدنا متحلّين بالثقة، ولكن في هذه المرّة الوضع صعب-على الرغم من أنّنا نملك قدرا أكبر من الثقة بمناطق ثلاث، نفضّل عدم الإفصاح عنها."

ويبدو، بالنّسبة إلى البعض، أنّ النتيجة ستسبّب انقسامًا خفيا لكنه أساسي في الوقت نفسه بين الحكومة وحلفائها القدامى.

إذ يقول جاستن غينغلر، وهو من كبار الباحثين في معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية في جامعة قطر "من الواضح أنّ غايتهم هي ذلك" ويضيف أنّه: "لا يخفى أنّ البحرين خاضعة لضغط السعودية وغيرها لحصر نطاق عمل الجماعات الإسلامية وتقليص تأثيرها على السياسة".

وصرّح غينغلر للميدل إيست آي أنّ القلق المتزايد عند الحكّام في الخليج من قوّة هذه الجماعات الإسلامية السنّية-لا سيّما كالتي لها أجندة ديمقراطية معلنة مثل الإخوان-كان عاملًا من العوامل التي دفعت بالبحرين إلى تحاشي حلفائها السابقين.

وقال إنّه "كان مفيدًا منذ عدّة سنوات تعبئة هذه الجماعات لمجرّد أنّها كانت قادرة على خوض معارك الدولة بالنيابة عنها في الشوارع".

وأضاف أنّ ذلك "لم يعد مفيدًا كثيرًا بالنسبة إلى الحكومة اليوم، وليس على المستوى المحلي فحسب، بل على المستوى الإقليمي والدولي أيضًا، إذ أنّها ترتاب من النشاط السنّي الآن أكثر من الشيعي في المنطقة".

لا قرار بشأن الإخوان

في غضون انتفاضات الربيع العربي عام 2011، تظاهر أعضاء جمعية المنبر لاستنكار الاحتجاجات التي كانت غالبيتها شيعية، وعادةً ما كان خطابهم طائفيا وقاسي اللّهجة.

وفي يناير/كانون الثاني 2012، استعان الشيخ محمّد خالد، النّائب عن جمعية المنبر، بموقع توتير واصفًا المتظاهرين بالـ "خونة" و"عملاء إيران" ودعا إلى الاقتصاص منهم بالعنف.

إذ نشر خالد تغريدة على تويتر مفادها أنّه: "إذا رأيت خائنًا يجتاز الشارع، عليك بدهسه ومواصلة سيرك لأنّنا في بلد تسمح لك قوانينه بالنيل من هؤلاء وسحقهم".

وعلى الرغم من قيام دولٍ أخرى في الخليج بحظر نشاط جماعة الإخوان المسلمين وإدراجها في السعودية والإمارات العربية المتحدة ضمن الجماعات "الإرهابية"، كانت البحرين متردّدة في الانضمام إلى هذه الحملة المضادة.

ففي مارس/آذار، أثار وزير خارجية البحرين، الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، جدالًا بعد أن أعلن في مؤتمرٍ صحفي في باكستان أنّ جمعية المنبر لن تدرج كجماعة إرهابية في البحرين، ممّا أدّى إلى اتّهامه بأنّه ينفصل عن حلفائه في الخليج فيما يتعلّق بهذه القضية.

وبعد ذلك بفترة قصيرة، يبدو أنّه أوضح تصريحه، زاعمًا أنّ التشريع ضد الجماعة يعتمد على السياسة الوطنية لكل دولة.

إذ قال: "لم أقل أو أذكر أنّ الإخوان المسلمين ليست جماعة إرهابية".

وفي تغريدة نشرها على موقع تويتر قال الشيخ خالد إنّ: "كل بلد يتعامل معهم حسب ما يبدر منهم تجاهه. مع ضمان الموقف الموحد تجاههم. هذا ما قلته وأعنيه بالأمس في المؤتمر الصحفي في إسلام آباد، وهو واضح ولا يحتمل التأويل".

وبسبب اعتماد البحرين على السعودية، لا سيّما في ما يتعلّق بإيرادات النفط والحماية العسكرية، يصعب عليها كثيرًا اتّخاذ موقف مغاير فيما يخص مسألة الإخوان.

يقول الباحث في جامعة كامبردج، توبي ماتيسن أنّه "لا خيار للبحرين بخصوص الإخوان".

وأضاف: "لعلّ (البحرينيين) لا يمانعون الحفاظ على هذا التحالف لأغراض محلية، ولكن بشكل رئيسي، على المستويين الدولي والإقليمي، هذا ليس ممكنًا، فلا خيار لهم. ومهما كانوا يعملون، عليهم فعل ذلك بكل الأحوال".

وأوضح ماتيسن أنّه من غير المرجّح إطلاق حملة على الطريقة المصرية، التي شملت اعتقالات وقتل جماعي، بل قد يظهر الحظر على شكل إخماد تدريجي لصوت الجماعة على المنابر العامّة.

ألقت جين كينينمونت، وهي من كبار الباحثين في مركز تشاتام هاوس، ألقت الضوء على الخطوة التي اتُّخذت ضد وزير شؤون حقوق الإنسان صلاح بن علي محمّد، وهو عضو في الجمعية الأم للمنبر، جمعية الإصلاح، وأحد الإسلاميين السنّة الاثنين الوحيدين في الحكومة.

وصرّحت للميدل إيست آي أنّ: "وزير شؤون حقوق الإنسان سيخسر منصبه بعد الانتخابات وستُحل وزارته. وإنّ هذه المعلومات من مصادر رسمية، وليست من مصادر المعارضة، لذا أظن أنّه موثوق بها إلى حدٍّ بعيد".

وأضافت، قائلةً إنّ خطوة كهذه "قد لا يكون لها أي علاقة بالحركة الإسلامية"، مشيرةً إلى أنّ أداء الوزارة كان "سيّئًا إلى حدٍّ كبير".

وقالت إنّ "الحكومة ستقوم بهذا الأمر بحذر كبير-ستكون الحكومة والحركات الإسلامية حذرة إلى درجة كبيرة. لا تريد الحكومة أن تقصي الإخوان المسلمين أو السلفيين، خاصّة لأنّ هذه الجماعات كانت ذات قيمة بالنسبة إليها في تصدّيها لانتفاضة المعارضة".

وأضافت أنّه "في الوقت نفسه، تريد جماعة الإخوان المسلمين، بشكل خاص، التزام الهدوء وعدم الإقدام على أي مجازفة أو اتّخاذ خطواتٍ صدامية، بما أنّها تعلم أنّ الدول المجاورة لا تقف في صفها في هذا الوقت".

تجنّب لفت الأنظار

لعلّ شخصيات بارزة في جمعية المنبر توقّعوا أنّ خطوة ستُتّخذ ضدّهم، فنأوا بأنفسهم عن جماعة الإخوان.

وقال رئيس جمعية المنبر علي أحمد يوم الثلاثاء إنّ "كل العيون تحدق بنا، إذ يقولون إنّنا نمثّل الإخوان المسلمين، وهذا ليس صحيحًا".

ثمّ أضاف: "إنّها العقيدة التي نتبعها، ولكن لا وجود لهذه الجماعة في البحرين- ولا نؤيّدها أيضًا. وللأسف، بعد الدعاية السلبية التي تلقّتها الجمعية في البحرين وفي المنطقة، من الضروري أن نتجنّب لفت الأنظار".

ويخاف الكثيرون كذلك أنّ يكون الخطاب الطائفي الذي تستخدمه الحكومة ضد خصومهم الشعية قد خلق شيئا شبيها من وحش فرانكنشتاين.

وقد تمّ اتّهام جمعية الأصالة الإسلامية السلفية مرارًا وتكرارًا بدعم الجماعات الإرهابية في سوريا وتأييد أفعالهم بمنشوراتهم الطائفية المعادية للشيعة.

فقد عرض تقريرٌ على برنامجٍ تلفزيوني تونسي في مطلع العام 2014 مقابلةً مع مقاتلٍ بحريني في سوريا ادّعى أنّه تلقّى تمويل مباشر من نائبين عن جمعية الأصالة، بما فيهما رئيس الجمعية السابق الشيخ عادل المعاودة.

وتوجّه وفد آخر من نوّاب الأصالة إلى سوريا في أغسطس/آب عام 2012 لتوصيل "التبرّعات التي أرسلها البحرينيون" إلى لواء صقور الشام الإسلامي، المنضوي تحت الجبهة الإسلامية.

ولا يُلقي دور البحرين في الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد الجماعات الإسلامية في سورية والعراق إلّا المزيد من الضوء على الانشقاق الحاصل بين الحكومة البحرينية وبعض أفراد المجتمع السنّي.

ويقول غينغلر إنّ "هذه الجماعات في عامي 2011 و2012 كانت ذات أهمّية وحتّى أنّها كانت أساسية للتعبئة الشاملة المضادة التي ساعدوا في تنظيمها. ولكن بما أنّ الأمور خرجت عن السيطرة إلى هذا الحد وبهذه السرعة في ما يتعلّق بالخطاب الطائفي والتوترات المذهبية، فمن الواضح أنّ الحكومة دفعت الناس إلى تجاوز الحد بشكل كبير".

"لذلك، يقاتل مئات البحرينيين في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، إذ أنّهم يفعلون ما طلبته الحكومة منهم وهو محاربة القوّة الشيعية والإيرانية في المنطقة."

ويقول ماتيسن إنّ "هذا تهديد واقعي وتحدٍّ حقيقي. ولكن في الوقت نفسه، كما في السعودية، فالمواقف على مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الرسمي التي تحرّض على الخطاب المعادي للشيعة وإيران هو ما يعتمد عليه داعش بالتّحديد. لذا، يمكن اعتبار هذه البيئة، نوعًا ما، بيئة مثالية لاستقطاب وتجنيد مقاتلين في داعش. بالطّبع لا تريد [الحكومة] أن يتوجّه النّاس إلى سوريا للقتال هناك، غير أنّ خطابهم يغذّي جوّ التّجنيد هذا".

ولكن في نهاية المطاف، قد لا تشكّل إعادة توزيع الدّوائر الانتخابية إلّا صفعة على يد الجماعات السنّية في البحرين.

وعجز الغرفة الدنيا من البرلمان البحريني-بما أنّ الغرفة العليا منه تتألّف بكاملها من سياسيين تمّ تعيينهم من قبل الملك وتتمتّع بسلطة مساوية- يعني أنّ النتيجة قد تكون في النهاية عديمة التأثير.

إذ تقول كيننمونت "لا أعتقد أنّ السلطات البحرينية نفسها قلقة من هذه الجماعات".

وتضيف "أظن أنّ بعضهم من الذين لهم توجّه تجاري كولي العهد قد يفضّل رؤية عدد أكبر من المستقلّين من خلفيّات سنّية وشيعية الذين يمثّلون المجتمع التجاري والذين يتمتّعون بنظرة أكثر تحرّرًا".

لذا، أي خطوة للتقليل من شأن الجماعات السنية الإسلامية في البحرين تعتمد على قوًى خارجية.

إذ توضح كيننمونت أنّ "الإمارات العربية المتحدة والسعودية هما أكثر الحلفاء قربًا من البحرين. إذ تزوّدان البلاد بدعم اقتصادي كبير ويشكّل جنودهما غالبية عناصر قوّات مجلس التعاون الخليجي التي دخلت في العام 2011 [لقمع الاحتجاجات]. فلهاتين الدولتين الكثير من النّفوذ في البحرين، لذا السؤال هنا: هل يعتقدون أنّ الإسلاميين السنّة لهم قدر كبير من القوّة في البحرين؟ أم أنهم يعتقدون أنّها حالة خاصّة؟"

"عادةً يقول النّاس في الإمارات العربية المتحدة أنّ "الأمور مختلفة في البحرين". لست واثقة إن كان الحال لا يزال كذلك".

التاريخ: 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2014

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus