رواية بسيوني ستكون حمّالة أوجه.. تُميّع الفضاعات وتحيلها انتهاكا محتملا

عباس بوصفوان - 2011-10-19 - 2:21 م



عباس بوصفوان*


 
ليست النقطة الرئيسية فيما إذا كان تقرير بسيوني سيدين السلطات البحرينية أم لا، ذلك أمر يبدو محسوما منذ تشكلت اللجنة في يوليو الماضي، بأمر ملكي، تضمن بالضرورة إقرارا بالإدانة لنهج السلطة الأمني.
 
إن الأسئلة حول التقرير تتركز حول:

1.  الانتشار، أي مدى حجم/ رقعة/ اتساع دائرة الانتهاكات التي سيكشف عنها التقرير، والتي بدأت  في الرابع عشر من فبراير حين قتل علي مشيمع برصاص انشطاري، وبلغ الاستهداف للمواطنين العزل حدا استثنائيا بالهجوم الأول الدامي على دوار اللؤلؤة في 17 فبراير الماضي.
ودخلت الانتهاكات مرحلة غير مسبوقة في تاريخ البحرين الحديث، مع إعلان قانون السلامة الوطينة منتصف مارس الماضي، وطالت قطاعات واسعة من الجمهور المشارك والمتعاطف مع الحركة الاحتجاجية.

ويقدر أن التقرير لن يتمكن من حصر كافة الانتهاكات، وسيكون تبرير لجنة التقصي في ذلك أن الوقت المتاح لها ضيق جدا، وأنها ملتزمة بكتابته ضمن المواعيد المحددة، ما يجعلها غير قادرة على رصد كافة الانتهاكات والقطاعات المستهدفة.
ويخشى أن يساء استخدام ذلك. إذا ما أرادت اللجنة ـ أو أريد لها ـ غض البصر عن نوع معين من الممارسات، وقطاع من المستهدفين.
 
2.  الدرجة، أي مدى عمق/ شدة الانتهاكات. ويرجح أن تسجل لجنة التقصي انتهاكات على درجة عالية من الخطورة، بما في ذلك إدانة السلطة بسبب قتل مواطنين وتعذيبهم وفصلهم من أعمالهم والتعدي على البيوت، وهدم المساجد.

وحتى بذكر سياق يوحي بأن النظام كان على وشك السقوط، ما يتوقع منه ـ كما قد تسرد اللجنة ـ رد فعل حكومي عنيف، فإن درجة الانتهاكات الموثقة ستظل تلامس الخطوط الحمراء في القانون الدولي الإنساني، دون أن تُعطى صفة المنهجية والتعمد و"سبق الإصرار والترصد".
 
3.  المسئولية: التقديرات ألا يتم إدانة قيادات عسكرية وسياسية رفيعة المستوى، خصوصا قائد الجيش المشير خليفة بن أحمد، المسئول المباشر عن قتل الجيش متظاهرين سلميين في 17 و18 فبراير. والمسئول المباشر عن تنفيذ عمليات ذات طابع "تطهيري" أبان تطبيق قانون السلامة الوطنية. (انظر مقالي: المشير قد يكون متهما مرتين في انتهاكات حقوق الانسان)
 
وهناك نقاط أخرى غير الانتشار والدرجة والمسئولية، بيد أني أظن أن من بين أهم ما سيحققه التقرير المرتقب من نتائج للسلطة أنه سيدخل الانتهاكات في منطقة الجدل والأخذ والرد.كيف؟

لقد مارست السلطة استراتيجية الجدل كجزء رئيسي من احتواء الاحتجاجات المطلبية، بالزعم بأنها خرجت عن دائرة السلمية، وذات صبغة طائفية، ومدعومة إيرانيا

وبالتأكيد لن تتمكن السلطة من تسجيل نتائج حاسمة ونهائية تقنع الرأي العام الدولي بصحة زعمها، وقد يكون مرضيا لها أن يشير بسيوني في تقريره إلى أن تلك العناصر الثلاثة تلقي بظلالها على الحركة المنادية بالديمقراطية.

وفي مثال آخر: يبدو جليا أن قرارا سياسيا يقف خلف تعذيب الأطباء وإحالتهم إلى المحاكم العسكرية، عقابا لهم لمعالجتهم جرحى الاحتجاجات السلمية.. بيد أن تقرير بسيوني قد يضع علامات استفهام حول أداء الكادر الذي كان يسعف الجرحى، وفيما إذا كان عمله ذا طابع مهني بحت.

ومجددا، ليس في ذهن الحكومة أن يقتنع الرأي العام بأن الأطباء احتلوا مستشفى السلمانية، مثلا، بقدر ما يكفيها إشارة التقرير إلى أن الأطباء قد يكونوا خرجوا عن النمط المتوقع منهم كأصحاب مهنة إنسانية! وبذا يدخل بسيوني ظلامة الأطباء دائرة الشك والريبة والمساءلة.

وهكذا قد يتعامل التقرير مع قضية الفصل التعسفي لأكثر من 2500 شخص، بأن يرميها في دائرة "الجدل"، حين يتحدث عن احتمالات تسييس العمل النقابي.
وقد يدخل التقرير هدم المساجد في دائرة الأخذ والرد حين يشير إلى روايات الحكومة عن إعادة البناء وإشكالات التراخيص!.ولن يكون مفاجئا أن يقدم التقرير المرتقب روايات متعددة لمختلف الأحداث، يسمح بإدخال العديد من الانتهاكات البينة والجلية في دائرة عدم اليقين.
لنلحظ أن السلطة ما زالت تجادل بأن قتل الشهيد أحمد القطان تم بالشوزن الذي تستخدمه قوات الشغب!، وأن قتل الطفل جواد الشيخ تم بطلقة من مسيلات الدموعَ! وإن زينب آل جمعة قضت مختنقة بغاز المسيل للدموع الذي رمي في منزلها!

وأدرك أن السلطة لن تنجح بالضرورة في إزاحة تهم قتل الشهداء عنها، لكنها ستجعل تقرير بسيوني يطرح الفرضيات الحكومية البالية والمتهافتة على أنها جديرة بالنقاش. وهذا قد يعني أن جرائم القتل البينة والواضحة التي قام بها رجال الجيش والشرطة تحتاج إلى مزيد من التقصي!

إذا، سيعفي بسيوني السلطة من:
أولا: العديد من الجرائم حين لا يرصدها جميعها.
ثانيا: كما سيعفيها من الطابع الممنهج للجرائم.
ثالثا: ثم أنه سيدخل بعض أفعال السلطة المجرمة قانونا والواضحة دلائلها في محيط ربما ويحتمل.
 
وسيؤدي بسيوني بذلك خدمة جليلة للسلطة بأن يزيد من حجم النقاش حول ما يتوجب على السلطة فعله وهي ترى الدولة تنهار. وسيلقي مفخخات حين يكثر من استخدام كلمة "لكن" في سرده للانتهاكات، خصوصا تلك التي قام بها الجيش، وسيفتح أبوابا لانعدام اليقين في نوع الانتهاكات وحجمها بإيراده قصصا/ روايات متعددة لحدث واحد.

إنه بذلك يحكي رواية غير موثوقة، ولا متواترة. حمالة أوجه، ومختلف بشأنها، وقد يؤدي ذلك إلى تمييع عدد من الانتهاكات ويحيلها انتهاكا محتملا. ومع ذلك، سيكون صعبا توقع أن تكون السلطات مرتاحة من محتويات تقرير بسيوني.

سيكون تقريرا مزعجا لها، في كل الأحوال، وسيظل علامة سوداء في سجل النظام في مجال حقوق الإنسان، ذلك أن الانتهاكات المروعة التي مارستها السلطة لا يمكن أن يخفيها. باب حديدي أو ملايين الدنانير التي صرفت لشراء الذمم.
 
 *صحفي بحريني.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus