الإندبندنت: بناء قاعدة بحرية بريطانية في البحرين "اختيار رمزي" لغاية غير واضحة

2014-12-09 - 10:50 م

وجهة النظر العالمية: المملكة المستبدة التي يعذّب فيها الأطبّاء مكانٌ غريب لاستثمارٍ قيمته 15 مليون جنيه إسترليني

باتريك كوكبيرن، الإندبندنت

ترجمة: مرآة البحرين

يقدّم القرار البريطاني بصرف 15 مليون جنيه إسترليني على إنشاء قاعدة بحرية في ميناء سلمان في البحرين على أنّه صفقة "رمزية" لتعزيز الاستقرار في المنطقة، وتأمين الحماية ضد تهديدات غير معلنة، وتوطيد الشراكة بين بريطانيا ودول الخليج.

ستُظهر الاتفاقية أنّ بريطانيا قوّة استعمارية قديمة تدعم بشدّة الحكم الملكي السنّي في البحرين، الذي سحق، بلا رحمة، مطالب الغالبية الشيعية في المملكة بتحقيق الديمقراطية والحقوق المدنية خلال الربيع العربي عام 2011. وحتّى أنّه بمعايير ذلك الوقت، كان القمع فادحًا. إذ تم هدم المساجد ودور العبادة الشيعية. وتمّ تعذيب الأطّباء الذين عالجوا المتظاهرين الجرحى في المستشفى الرئيسية في البحرين، فتمّ إجبارهم على الوقوف لأيّامٍ متواصلة من دون نوم. وقد هدّد المحقّقون معتقلين آخرين بالتّبوّل في أفواههم إذا لم يمدحوا الملك ويتغنّوا به.

وفي قلب الأزمة التي تزعزع هذا الجزء من الشرق الأوسط، صراع سنّي شيعي، وقد اختارت بريطانيا أن تقف إلى جانب الطرف الأوّل. وليس بالضرورة أن يكون هذا الاستثمار مفيدًا على المدى الطّويل. فإجمالي عدد السكّان في البلدان المطلّة على الخليج يبلغ حوالي 145 مليون نسمة ويصل عدد الشيعة منهم إلى 110 ملايين على أقل تقدير. مخطئٌ من ظنّ أنّ الشيعة في سائر الشرق الأوسط لا يلاحظون أو لا يهمّهم ما يحدث لإخوانهم في الدين في البحرين. مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أصبحوا فرق مغاوير للمجتمعات السنّية في العراق وسورية، ولكن قد يؤدي فكرهم المتطرف وعزلتهم الدولية إلى هزيمة السنّة في كلا البلدين.

ولا ريب في أنّ سجل حقوق الإنسان في البحرين مروّعٌ. فقد سجّلت لجنةٌ مستقلة في العام 2011 الانتهاكات التي ارتُكبت وعلى الرّغم من إعطاء وعودٍ بالإصلاح، يستمر مسلسل التّعذيب والإساءة. وحتّى أنّ الخارجية الأمريكية، التي تتوخّى حذرها عادةً عندما يتعلّق الأمر بإلقاء الضوء على نقاط فشل الممالك السنّية في الخليج، صرّحت، في العام الماضي، أنّ الانتهاكات في البحرين تشمل: "عجز المواطنين عن تغيير حكومتهم بطريقة سلمية؛ واعتقال المتظاهرين على خلفية تهم مبهمة وسجنهم، وفي بعض الحالات تعذيبهم وهم قيد الاعتقال؛ وغياب مراعاة الأصول القانونية في محاكمات الناشطين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان."

ومنذ أسبوعٍ فقط، تمّ الحكم على النّاشطة في مجال حقوق الإنسان زينب الخواجة بالسجن لمدّة ثلاث سنوات بتهمة "إهانة الملك" بسبب تمزيقها لصورة له. وكانت الخواجة قد أنجبت مؤخرا طفلها الثاني، وهي حاليًّا خارج السجن بكفالة مالية بانتظار الاستئناف. ويقضي والدها، عبد الهادي الخواجة، الآن حكمًا بالسجن المؤبّد لدوره في التّشجيع على تظاهرات الربيع العربي.

وقد تمّ اعتقال نبيل رجب، وهو أحد أبرز النّاشطين البحرينيين في مجال حقوق الإنسان، في 1 أكتوبر/تشرين الأول لأنّه "أساء إلى المؤسّسات الوطنية" بتعليقاته التي نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي. لقد انتقد السيد رجب استخدام الحكومة لقوانين مكافحة الإرهاب لملاحقة الناشطين في مجال حقوق الإنسان، واتّهم قوى الأمن البحرينية بالتشجيع على المعتقدات المتطرفة العنيفة كالتي يؤمن بها تنظيم داعش.

وأشار إلى أنّ ضابطًا سابقًا في وزارة الدفاع البحرينية، محمّد عيسى البنعلي، انضمّ إلى داعش وناشد عناصر الأمن العاملين في وزارة الداخلية بالاقتداء به. وتقول إحدى التغريدات التي نشرها السيد رجب على موقع توتير: "إنّ الكثير من الرّجال في البحرين الذين انضمّوا إلى الإرهاب وداعش أتوا من أجهزة الأمن وتلك الأجهزة هي الحاضنة الأولى لهذه العقيدة". وغالبًا ما تأتي أجهزة الأمن البحرينية بعناصرها من دول سنّية أخرى مثل باكستان والأردن، الذين يتم منحهم الجنسية البحرينية لاحقًا. إذ يقول شيعة البحرين إنّ هناك حملة في البلاد، لا تزال مستمرة، لحرمانهم من الوظائف في كل القطاعات ولتغيير التوازن الديمغرافي في الجزيرة لصالح السنّة.

لطالما كانت ادّعاءات الولايات المتّحدة الأمريكية وبريطانيا بأنهما داعمتان للديمقراطية العلمانية والحقوق المدنية في دولٍ مثل ليبيا وسورية مطعّمة بدرجة كبيرة من النّفاق. إنهم يفعلون ذلك بالتحالف مع الممالك ذات الحكم الديني السنّي المستبد كالسعودية، والكويت، وقطر، والبحرين، والإمارات العربية المتّحدة، الدول التي، كما هو معلوم، لا رغبة لها في نشر الديمقراطية العلمانية في أي مكانٍ كان. وفي العام 2011، قالت الإمارات العربية المتّحدة إنّها ترفض الانضمام إلى الائتلاف ضد الرئيس الليبي معمّر القذّافي إن تمّ توجيه انتقاداتٍ للبحرين حول القمع.

إنّ الشخصية التي يشاع أنّها الأكثر نفوذًا في البحرين ليست الملك حمد بن عيسى آل خليفة بل رئيس الحكومة، خليفة بن سلمان آل خليفة، الذي لا يزال يشغل هذا المنصب منذ العام 1970. وكانت الدعوات المطالبة باستقالته من المطالب الأساسية التي أعلنها المتظاهرون منذ ثلاثة أعوام، غير أنّه لم يتوان عن رفض التّنحي عن منصبه.

كانت البحرين محمية بريطانية ابتداءً من القرن الـ 19 إلى عام 1971، حكمتها سلالة آل خليفة التي لطالما استعانت ببريطانيا كدرعٍ واق لها من الردود الدولية على القمع التي تمارسه في الداخل. ومن منتصف الستينات، كان إيان هندرسون مسؤولًا عن الأمن في الجزيرة وهو الذي أدّى دورًا في قمع ثورة الماو ماو في كينيا في خمسينات القرن الماضي. وقد تمّ التّعامل بقسوة مع الاحتجاجات التي حدثت في فتراتٍ متعاقبة. ومنذ العام 2011، أدّت بريطانيا دورًا في إسكات الردود الدولية على قمع الاحتجاجات من خلال التأكيد على استمرار الحوار والمباشرة بتطبيق إصلاحات، على الرغم من أنّه لم تظهر أي إشارة على التّقدم. كما أنّها أيّدت مزاعم الحكومة البحرينية بأنّ إيران تدير المعارضة الشيعية في الجزيزة على الرغم من أنّه لا دليل على ذلك.

وقد اشتدت الضغينة الطائفية بين المجتمعين السنّي والشيعي في البحرين خلال السنوات الثلاث الأخيرة، في ظل تهميشٍ للشيعة أكبر من أيّ وقتٍ مضى. وقد حصلت انقسامات داخل الأسرة الحاكمة حول كيفية التعامل مع المعارضة. إذ سعى الملك وولي العهد إلى المساومة بينما عارض رئيس الحكومة وفرع من أسرة آل خليفة المعروف بـ "الخوالد" مشاركة أيٍّ من مناصب الحكم مع الغالبية. ولكن يبدو أنّ هذه الاختلافات انتهت بانتصار الطرف الأخير الذي يستمر في تجاهل احتجاجات الشيعة التي تقتصر على القرى ومشارف العاصمة، المنامة.

وليس من الواضح لماذا تحتاج بريطانيا إنشاء قاعدتها البحرية الثابتة الأولى في الشرق الأوسط منذ العام 1970 في البحرين، فيما عدا حقيقة أنّ ذلك ممكن. لقد أدّى التّدخل البريطاني في العراق في أعقاب العام 2003 إلى ظهور قوّة مشاة في البصرة، ولكنّها كانت محدود جدًّا فلم يكن باستطاعتها السيطرة على المدينة وريفها المحيط بها. وقد فشلت، على المستوى السياسي، في إدراك مدى العداء الشعبي والمقاومة التي كانت ستواجهها هذه الوحدة. وقد حدث الأمر نفسه تقريبًا في ولاية هلمند في أفغانستان بعد العام 2006، عندما كان عدد الجنود البريطانيين أيضًا غير كافٍ للسيطرة على المنطقة ولكنّه كان كافيًا لإثارة معارضة محلّية. سيتم استخدام القاعدة في البحرين لدعم عمليات السلاح الجوّي الملكي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، ولكنّ هذه العمليات محدودة جدًّا وفقًا للمقاييس ولن تؤثّر كثيرًا على حصيلة الحرب ضد داعش. إنّ أكثر كوارث بريطانيا في الشرق الأوسط على مرّ القرن الماضي نبعت من رغبتها في لعب دور أساسي في المنطقة، مع التقليل، في الوقت نفسه، من شأن الموارد الضرورية لتحقيق ذلك.

التاريخ: 7 ديسمبر/كانون الأول 2014

النص الأصلي    


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus