ترايثلون "ناصر بن حمد" بين "رضاعة الطغيان" وبراغماتية "الشعوب الخاضعة": هل نشهد تحولا دراماتيكيا في "العقل الموالي"؟

2014-12-08 - 1:23 ص

"هناك ثلاثة أصناف من الطغاة: من يمتلك الحكم عن طريق انتخاب الشعب ليستبدوا به بعد ذلك، أو من يملك بقوة السلاح، أو بالوراثة المحصورة في سلالتهم، وهؤلاء عادة ولدوا وأرضعوا على صدر الطغيان، يمتصون جبلّة الطاغية وهم رضّع، وينظرون للشعوب الخاضعة لهم نظرتهم إلى تركة من العبيد، ويتصرفون في شئون المملكة كما يتصرفون في ميراثهم"

إيتيان دو لا بويسي، خطاب في العبودية الطوعية

مرآة البحرين (خاص): هي ليست المرة الأولى التي يغضب فيها ناصر بن حمد قواعد النظام الشعبية، أو ما يصطلح عليه بتيار "الموالاة" في البحرين. ربما كانت المرة الأولى قبل عام من الآن حين دعا نجل الملك البحريني إلى حملة تبرعات شعبية للمتضررين من سقوط الأمطار!

إذا كانت حملة "ناصر" تلك ليست مهينة ومستفزة بالقدر الكافي، فربما كان "ترايثلونه" اليوم، كافيا ليثير سخط كثيرين من جمهور "الموالاة"، ويخرجه إلى العلن بشكل غير مسبوق، بلغ حد المطالبة بمحاكمته!

الشخصية "الخفيفة" و"غير المتزنة" لـ"ناصر بن حمد"، تجعله دون غيره عرضة للسخرية والسخط. وصورة "الولد المدلل"، أو "الأمير البدوي"، أو "الشاب رقم 1"، هي صور منبوذة جدا في أوساط كثيرة بين تيار الموالاة، ممن لا تروق لهم هذه "الخفّة"، حتى لو كانت من نجل الملك نفسه.

أما أن تصل "خفّة" ناصر، وحماقاته، إلى خط التماس: شوارعهم وبيوتهم ومصالحهم، ومع إدراكهم بأن النظام في أمس الحاجة إليهم اليوم، سيكون هناك متّسع من المجال لتصعيد نبرة السخط والتهكّم.

رغم التساؤلات المنطقية حول مدى جدّية هذا النقد، وما إذا كان يمكن أن يمثّل تحوّلا، إلا أنه لا يمكن إنكار الزخم الكبير الذي حظيت به حملة الأمس العفوية، والخوف الذي كان واضحا على الحكومة من تبعاتها، حتى أنها يبدو قد أثّرت على كفاءة "الشاب رقم 1" ومزاجه، ليخسر السباق، ويحل في المركز الرابع بين فئته!

لكن ناصر، ورغم موجة الاحتجاجات النادرة هذه، والموجّهة إلى شخصه مباشرة، لم يكف عن الاستخفاف، والاستسخاف، ورغم أن مقطع الفيديو الذي التقط له بعد نهاية السابق أظهره في حالة منكسرة، إلا أنّه حاول بسذاجة أن يقلب الموضوع، ويظهر الحدث بأنّه اختناق مروري حدث لهؤلاء الذين جاؤوا للتشجيع ومشاهدة السباق!

وفي اليوم اللاحق، كانت رسالة ناصر مختلفة، وبدا أنه قد تأذّى جدا من فرط هذا الهجوم، هو لم يتعوّد أبدا أن يسمع هذا من "جماعته". لغته كانت كالعادة غير مقنعة، وغير دبلوماسية، ببساطة كان أخرقا، لكنّه كان يريد أن يكون حديثه قريبا لجماعته، وعلى الإنستغرام، بعث برسالة استدراك وخلط للأوراق بقدر الممكن "من قاموا بالفتنة جعلوكم توافقونهم الرأي السلبي حول أنجح سباق في العالم"... و"هل تعرفون كم نسبة ارتفاع الاقتصاد المحلي؟ 20 مليون مشاهد للسباق، وآلاف الزائرين!!"

في الواقع، فناصر بن حمد هو أكثر شخصية في النظام ينطبق عليها المثل "وين ما يضربها عويه"، فرغم كل ما يفعله والده له مع بريطانيا من أجل إعادة الاعتبار لصورته، إلا أن قضيّة اتّهامه بالتعذيب ستتحرّك أمام المحاكم البريطانية بلا أدنى شك، وزاد الطين بلة أن شعبيته في الداخل اليوم في الحضيض، بعد أن بات أوضح مثال على "رضاعة الطغيان".

تماما كما يعبّر المفكّر الفرنسي  إيتيان دو لا بويسي، ينظر ناصر بن حمد، إلى الموالين، كشعوب خاضعة، نظرته إلى تركة من العبيد، ويتصرف في شئون البلاد كما لو كان يتصرّف في ميراثه. لا يهم إن أغلق كل الشوارع على الناس، وجعلهم لا يخرجون ولا يدخلون، لا مستشفى، لا مطار، لا عمل، لا نوم، ولا حتى مقبرة!

يقول أحدهم، قلت للشرطي، لدينا جنازة وأريد الذهاب للمقبرة، فقال له "ارجع البيت، هناك سباق والشارع مغلق"!!! هي تركة ناصر بن حمد، وهم في نظره هؤلاء العبيد، الشعوب الخاضعة.

ثمّة ما عرّى "الطاغية" في هذا "الولد" أمام الجميع يوم أمس. وإذا كان هناك من لا يزال يخاتله الشك في ذلك، فهو حتما من هؤلاء الذين جبلوا أنفسهم على "العبودية الطوعية".

يوم أمس، علا صوت ثمة أشخاص آخرين. لا نعرف لماذا ولا كيف، ولا ما يعني، ولكن صوتهم علا على أية حال.

في أبسط المقارنات قال هؤلاء إنه لا فرق بين إغلاق الشوارع بالإطارات المحترقة وبين الشرطة التي أغلقت شوراعهم من أجل سباق رياضي، ووصف الشيخ إبراهيم بوصندل ناصر ومن معه بـ"المتلاعبين بمصالح الناس لرياضتهم" مطالبا بمحاسبته شخصيا.

لم يكن بوصندل وحده، كان هناك مئات التغريدات الصاخبة، اتّخذت زوايا متعددة للسخط والسخرية:

 

   

 

ومغردي المعارضة كان لهم تعقيب، حول هذا القياس أيضا:

 

 

تغريدات أخرى أظهرت أن هناك كثيرين يعرفون كيف يعمل "رضاع الطغاة":

 

 

 

 

 

 

 

 

وكان لزاوية السخرية حضورها القوي أيضا:

وامتدّت السخرية لموضوع "الشاب رقم 1" الذي يفوز دائما (وهي صفة لطالما سخر منها الجميع وضحكوا عليها واعتبروها جهالة، ولكنّها نادرا ما تخرج بشكل علني من المحسوبين على تيار الموالاة):

 

 

 

وبالطبع، لم يخل الجو من أولئك الذين يعتبرون ناصر بن حمد وعائلته خطوطا حمراء، و"تــابـــو"، لا يجوز كسره. تدخّل هؤلاء، ووضعوا الكثير من علامات التعجّب والاستغراب من هذه الحملة، وشكّكوا في ولاء المحتجّين وحبّهم للوطن، وأعلنوا تخوينهم صراحة، لكن صوتهم كان نشازا في غمار هذا الزحام، فظهر على استحياء، وقوبل مقدّما بالكثير من الهجوم من داخل تيار الموالاة، تحت هاش تاغ #غرد_كأنك_طبال:

 

 

 

 

ومن اللافت جدا، أن بعض المغرّدين، وصل بهم الأمر أن يتوهّموا في لحظة، أنّ المخابرات تراقبهم الآن، وقد تلاحقهم!!

 

 

وبالمناسبة... كان هناك هاش تاغ آخر، صاحب بعض التغريدات في حملة يوم أمس هو #بسيكلك_تقدر (بدراجتك تستطيع)، وهو يقصد السخرية من شعار الانتخابات الأخيرة (بصوتك_تقدر)، وهو تطوّر مضحك إلى حد ما.

كما أن البعض (من الموالين) عبر عن اعتقاده بأن الشعب (سنّة وشيعة) اجتمع أخيرا على فكرة واحدة على الأقل، وهي أنهم جميعا يقعون في آخر اهتمامات هذه الحكومة (الجديدة القديمة):

 

 

 

 

ولكن، كان لكثير من مغردي المعارضة، رأي مختلف:

 

 

 

لا يبدو أن هناك أحد اليوم، من جماهير المعارضة، لا زال يحلم بوقوف الموالاة معه في مطالب التحول السياسي، وإنهاء الاستبداد. ينبغي الاعتراف بأن الانقسام الحاد الذي ضرب المجتمع، والموقف اللامبالي إن لم يكن المشترك، في التنكيل بجماهير المعارضة، جعل من الصعب جدا عليهم انتظار أي موقف إيجابي من تيار الموالاة، أو حتى أفرادها.  

لماذا اختفى هذا الرأي وهذا النقد الحاد جدا، من قضايا سياسية كبرى مسّت حياة البعض إلى حد القتل والسجن والتعذيب وقطع الأرزاق وهدم دور العبادة. هل لأنّ هذه المظالم تخص جماعة دون أخرى؟ أم لأنّ هذه المظالم ليست قابلة للتصديق؟ أم لأن السياق البراغماتي لا يخدم الوقوف ضد ذلك على كل حال، وربما قد يستوجب دعمه وتأييده، كما فعل سابقا بعض المغردين أنفسهم، الذين تلوا خطابا لاذعا يوم أمس ضد النظام، دون خوف ولا تردد؟!

إذن، حتى لو كان "ناصر بن حمد"، قد رضع جبلّة الطغاة، هي ليست دائما "العبودية الطوعية"، ما تفرض على جماهير الموالاة، الحفاظ على ولائها له ولعائلته، واستعدادها للدفاع عن جبروتهم واستبدادهم. هناك المصالح والامتيازات، وهناك الآيدلوجيا الدينية، وهناك الانتماء الوهمي للجماعة أو الطائفة أو التيّار، وهناك فئة قليلة جدا لا يتملّك تفكيرها نظام سياسي مقنع، وفي نفس الوقت تخشى تكرار نسخة أنظمة أخرى، تنخر الطائفية بلدانها.

مع بالغ الاعتذار، فكل هذه التبريرات، لا تبدو تبتعد كثيرا عن "العبودية الطوعية"!

لقد استجابت الحكومة للحملة التي شنّها هؤلاء، وفتحت الشوارع حتى قبل انتهاء السباق، ولكن الرد كان استهزاء آخر "مكرمة _فتح_الشوارع".

تتعامل القبيلة الحاكمة مع أصحاب "العقل الموالي" بحذر شديد، لأنهم هم من تبقى من أهل العبودية الطوعية، ولذلك فإنّها تكظم غيظها منهم دائما، وتتعامل معهم بمنتهى درجات اللين والرفق، فتتيح المجال، على سبيل المثال، لتركي البنعلي بأن يتنقل حيث يشاء، حتى وإن كان سيصبح لاحقا أحد أعمدة التنظير في تنظيم "داعش" الإرهابي الخطير، وتتعامل في الأخير بكامل الرفق حتى مع منتقديها الذين سجنتهم من تيار الموالاة، مثل الناشط يعقوب سليس، أو العقيد السابق محمد الزياني، ثم توزّر أحد أفراد القبيلة التي بدأت تهجر البلاد إلى قطر (الجلاهمة)، ولكن كثيرا من هؤلاء يجهلون أن سر "قوتهم" المزعومة، هو أن النظام يريد أن يبقيهم بصمتهم "مأموني الجانب" ويريد أن يحافظ عليهم "تركة" و"شعوبا خاضعة"، ويرى بأنه لم يأت اليوم الذي يعاملون فيه بالعصى بعد!

وبعد أيام، لا يوجد أدنى شك، بأننا سنشهد "هاش تاغات" يومية، لأن أهم مبرر لبقاء هؤلاء صامتين، سيزول قريبا جدا، وهو الدعم الاقتصادي، الذي يشكّل أساس النظام الريعي الذي يدير البلاد. ستخفض الحكومة الدعم عن الكثير من السلع، وعلى رأسها الكهرباء والبترول، في مقابل زيادة الرسوم والغرامات (البديل اللطيف لكلمة ضرائب). ليس أمام الحكومة إلا هذا الحل، أو أن تعلن إفلاسها، فماذا سيكون أمام هؤلاء، الذين اختاروا "أن لا يختاروا"!

وفي حين تغرق البلاد في الديون، يـصرف ناصر بن حمد نصف مليون دولار كجوائز لسباقه الأثير!!!  

لم يعد هناك وقت كاف لاستفزاز الموالاة، ولن ينفع تحريض ولا تحذير من لا يفكر إلا بعد أن يسقط في الظلام. هؤلاء الأشخاص وغيرهم لم يرضوا باتهام ناصر بالتعذيب، لكنّهم طالبوا بمحاسبته على "ألعاب صبيانية"، لم يقولوا كلمة حق من أجل آلاف الضحايا والمعذّبين، ولم يقفوا في وجه الظالم يوما، بل راحوا يسوقون له المبررات والذرائع، بل ويشمتون هؤلاء "الآخرين"، الذين يعذّبهم، ويهمّشهم، ويقصيهم!

لا يهمنا في الواقع أن نفهم كل ما في عقول تيار الموالاة، لقد بات هذا أيضا آخر اهتماماتنا. من يدرك منهم أن تياره تشكيل هلامي عبثي لا يجب أن يكون من الأساس، فسيجد طريقه بنفسه، كما فعل الضابط السابق في الجيش محمد البوفلاسة، وكما كان ولا يزال يفعل أعضاء جمعية وعد، الذين لم تفرّق بينهم الخلفيات الطائفية وظلّوا في خندق المطالبين بالحرية، وعلى رأسهم المناضل الكبير إبراهيم شريف.

اليوم، لم يعجبكم ناصر، وكان خارج الذوق والأدب والاحترام. ولكن في الواقع، أنتم بحاجة إلى أن تكتشفوا كل ما لا يعجبكم فعليا، أو كل ما "لن" يعجبكم. قد تجبرون قريبا، كما اليوم، على تقبل ما لا يعجبكم، فلماذا لا تفكرون لحظة من اللحظات في مراجعة قائمة هذه الخيارات، حتى وأنتم بين مقاعد "جماعتكم"؟!!

وعموما، يبقى هجوم مغردي المعارضة على أمير التعذيب، ناصر بن حمد، ذا لون مختلف:

 

 

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus