مركز كارنيغي: انتخابات البحرين ستثير مزيداً من الاحتجاجات بدلاً من تشكيل وسيلة لتوجيه الحراك المعارض واحتوائه

2014-11-22 - 4:15 م

مرآة البحرين: قال مركز "كارنيغي" إن قرار المعارضة البحرينية بمقاطعة الانتخابات جاء انطلاقاً من اعتبارها هيكليات السلطة بما فيها البرلمان والآلية الانتخابية، في صلب الخلافات السياسية التي تعاني منها البلاد.

وأضاف المركز في تقرير نشره على موقعه الإلكتروني مساء أمس الجمعة 21 نوفمبر/تشرين الثاني أن "المعارضة سعت إلى فرض ضوابط على النظام الملَكي وانتزاع مزيد من الصلاحيات للنوّاب المنتخبين، لكن الحكومة تأمل بأن تتمكّن من احتواء المطالبات بتغيير سياسي أكثر جذرية عبر توفير مساحة يستطيع فيها النواب التأثير في التشريع، بيد أن تركيبة البرلمان الحالية تفتقر إلى المصداقية لدى أكثرية السكان. ولذلك فالانتخابات المقبلة ستثير مزيداً من الاحتجاجات المعارِضة بدلاً من أن تشكّل وسيلة لتوجيه الحراك المعارِض واحتوائه".

وأردف المعهد أن آخر انتفاضة شهدتها البحرين كانت في التسعينيات عندما طالبت حركة احتجاجية واسعة النطاق النظام الحاكِم بإعادة العمل بالبرلمان الذي أنشئ بعد الاستقلال، تحديداً في العام 1973، ولم يُعمِّر طويلاً إذ حُلَّ بعد عامَين. وقد عمد الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى تعديل الدستور في العام 2002 بما يتيح لجم صلاحيات النواب المنتخبين من خلال قيامه مباشرةً بتعيين عدد موازٍ من النواب.

وقد أدّى التلاعب الانتخابي والدعم غير الرسمي الذي قدّمه النظام لبعض المرشّحين المستقلين بالاسم فقط، إلى ضمان وصول أكثرية موالية للنظام حتى بين الأعضاء المنتخَبين. بعد عقدَين من الزمن - بوجود برلمان أقل نفوذاً من مجلس 1973 ووسط تصاعد حدّة التشنّجات - تعتبر المعارضة أن المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة تشكّل تنازلاً كبيراً من جانبها، وقد ارتأت أن الأمر لايستحق العناء في غياب تنازلات مماثلة من قبل الحكومة، فقد جرّبت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية التي تُعتبَر الحركة المعارضة الأبرز في البلاد، والعديد من المجموعات المعارِضة الأخرى، مقاطعة الانتخابات التشريعية في العام 2002، ثم جرّبت أيضاً المشاركة فيها في العامَين 2006 و2010.

لكن كلا المقاربتين لم تساهما في تحقيق تغيير سياسي أساسي، مقارنةً بالآثار الأكثر دراماتيكية للتوريث السياسي في العام 1999 أو الانتفاضة الجماهيرية في العام 2011. تسعى مجموعات المعارضة البحرينية خلف شيء مختلف يمكن أن يؤدّي من جديد إلى تغيير قواعد اللعبة وإنهاء المأزق السياسي، سواء من خلال عملية انتقالية تتم عن طريق التفاوض (والتي يُحتمَل أن تؤدّي إلى صعود نفوذ ولي العهد وإضعاف أصحاب السلطة الأكثر محافظة في الأسرة الحاكمة)، أو تغيير حاسم في السياسة الدولية حيال البحرين، أو انتفاضة ثورية داخلية.

وقال المركز أن ولي العهد الأمير سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة وأنصاره يحضّون المعارضة على التقيّد بقواعد اللعبة الحالية. فهم يعتبرون أن مجلس النواب هو الهيئة الشرعية المخوَّلة التفاوض مع الحكومة حول الإصلاحات السياسية، وأنه سيكون بالإمكان توسيع صلاحياتها من الداخل بصورة تدريجية. على سبيل المثال، في أيار/مايو 2013، جرى تعديل الدستور بما يُجيز لمجلس النواب طرح الثقة بالحكومة (مع العلم بأنه لايزال غير قادر على سحب الثقة من رئيس الوزراء أو استجوابه)، لكن المعارضة تعتبر أن هذه التغييرات عديمة الجدوى، وأن الطريقة التي صُمِّمت بها المنظومة تجعل من المستحيل تغييرها من الداخل. واقع الحال هو أن طبيعة النظام السياسي تضمن سيطرة السلطة التنفيذية على مقاليد الحكم. فالملك يتولّى تعيين جميع الوزراء، وفي هذا الإطار يعهد بالحقائب الوزارية الأهم إلى أفراد من أسرته، كما أنه يُعيّن مجلس الشورى (الذي يملك أعضاؤه الأربعون ثقلاً موازياً للنواب المنتخبين وعددهم أيضاً 40)، والقضاة. من المستبعد أن يتخلّى الملك تدريجاً عن سلطاته.

وأضاف المركز أن ولي العهد عقد اجتماعات مع كل المجموعات السياسية في البحرين، المعارِضة والموالية للنظام على السواء، من أجل مناقشة مطالبها الإصلاحية. لكن التضارب في التوقعات كان كبيراً جداً. ففي أيلول/سبتمبر الماضي، أعلن ولي العهد عن "إطار عمل للحوار" حدّد من خلاله خمسة مجالات للإصلاح الواسع النطاق كي تتم مناقشتها في البرلمان العتيد. وقد اعتبر أنصاره أن هذا الإطار هو بمثابة تعهّد خطي بأن التغييرات ستحصل حكماً. لكن جمعية الوفاق أرادت شيئاً أكثر موثوقية من تعهّد ملَكي كي تقدّمه لقواعدها الناخبة، ولاسيما ضمانةً بأن مجلس النواب المنتخب سيتمكّن من إقرار التشريعات من دون أن يفرض مجلس الشورى المعيَّن فيتو عليها. بيد أن ولي العهد وأنصاره يعتبرون أنهم أجروا إصلاحات سخية، لاسيما بالمقارنة مع السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر في الجوار.

ويعتقد المركز بأن سعي وزارة العدل إلى حظر جمعية الوفاق على خلفية اعتبارات تقنية تقويضاً لثقة المعارضة بالإصلاحات رغم عدول الوزارة عن حظر الوفاق، تحت تأثير الضغوط الدولية على. وعلى الرغم من أن الوفاق استمرت في المشاركة في المجالس البلدية بعد الخروج من مجلس النواب في العام 2011، عمد البرلمان (الخالي حالياً من المعارضة) في الصيف المنصرم إلى حل المجلس البلدي في المنامة الذي يتألف بمعظمه من أعضاء في جمعية الوفاق، بعدما قرّرت السلطات أنه يخصّص وقتاً أطول من اللازم "للسياسة". وكذلك بعد الاستقالة من البرلمان في العام 2011، اعتُقِل بعض نواب الوفاق السابقين وسُجِنوا، وسُحِبت الجنسية من اثنين منهم.

ويقول المركز أن الوفاق تأمل الآن بأن تُرغِم الضغوط الدولية الحكومة على إجراء إصلاحات أوسع نطاقاً، حيث تشنّ الجمعية، إلى جانب مجموعات معارضة ومنظمات أهلية بحرينية أخرى، حملات مكثّفة لدى السلطات في واشنطن ولندن (حيث يعيش ثلاثة من نوابها السابقين في المنفى) وبروكسل ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف. وفي هذا الإطار، ترتدي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أهمية خاصة نظراً إلى الدور الذي تضطلعان به تقليدياً في ضمان أمن البحرين. لكن صنّاع السياسات الغربيين يشعرون بخيبة أمل لأن الوفاق لم تشارك في الانتخابات التي يعتبرون أنه كان من شأنها أن تمنح الجمعية على الأقل أدوات وحمايات مثل الحصانة النيابية والتواصل الروتيني مع الدبلوماسيين الأجانب، والتي كان بإمكانها استخدامها في حملتها الأوسع من أجل التغيير السياسي. في المقابل، طُرِد مساعد وزير الخارجية الأميركي طوم مالينوسكي من البحرين في تموز/يوليو الماضي بعد لقائه ممثّلين عن الوفاق وسواه من المجموعات المعارضة.

ويرى المركز أن الوفاق تولي مزيداً من الاهتمام لقاعدتها الشعبية في الداخل، والتي يُرجَّح أن تظلّ مصدراً للاضطرابات والتململ. وتمثّل الوفاق شريحة واسعة من الأكثرية الشيعية في البلاد، ويتحدّر أنصارها من مجموعة كبيرة من الخلفيات الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك الأقلية الشيعية الثرية، إلا أنهم معرّضون بطريقة غير متكافئة للبطالة والتمييز والإقامة في مناطق ذات مستوى متدنٍّ من البنى التحتية، وينبع استياؤهم من الحكومة من التمييز الذي تعرّضوا له على امتداد تاريخهم، ومن شعورهم بالاضطهاد الذي يعود إلى ماقبل انتفاضة 2011، لكنه تفاقم بعد حملة القمع التي أعقبت الانتفاضة والتي استهدفت شيعة البحرين بطريقة تعسّفية عبر اعتقالهم وسجنهم وتعذيبهم وطردهم من وظائفهم. وقد شُنَّت حملة بروباغندا واسعة مدعومة من الدولة ضد الانتفاضة بغية تصوير المعارِضين الشيعة بأنهم عملاء إيرانيون خونة، ماأدّى إلى تعاظم الشعور لدى عدد كبير من شيعة البحرين بأن النظام يفترض تلقائياً أنهم خونة بسبب انتمائهم الديني.

ويضيف المركز أن هذا الخلاف السياسي المستفحل يتسبب في الجنوح نحو التشدّد، حيث تسعى الوفاق، وهي حركة إسلامية معتدلة، إلى الحصول على حصة أكبر من السلطة في ظل نظام ملكي دستوري. لكنها تواجه منذ العام 2011 منافسة من تيارات معارضة أكثر طموحاً تطالب بإطاحة النظام الملكي، ومنها ائتلاف شباب ثورة 14 شباط/فبراير (الذي تأسّس بعد انتفاضة 2011)، وحركتا حق ووفاء (اللتان تضمّان أعضاء كانوا ينتمون إلى جمعية الوفاق سابقاً وانسحبوا منها بعد مشاركتها لأول مرة في الانتخابات في العام 2006)، وحركة أحرار البحرين التي تتخذ من لندن مقراً لها، فضلاً عن مجموعات شبابية مجزّأة ومحلية الطابع تنظّم احتجاجات روتينة في القرى الشيعية. من الأسباب الأساسية خلف مقاطعة جمعية الوفاق للانتخابات الحفاظ على حد أدنى من الوحدة داخل المعارضة، وذلك خوفاً من خسارتها الدعم واستقطاب العداء المباشر من المجموعات الأخرى في حال انضمامها إلى البرلمان الخلافي، مع تنازلات ضئيلة أو من دون أية تنازلات مباشرة من الحكومة كي تتباهى بها. خلال العقد المنصرم، كان مصدر الانقسام الأساسي داخل المعارضة يتمحور حول ماإذا كان يجب التعاون مع السلطات أو مواجهتها. أما الآن، ومع مقاطعة الوفاق وسواها من المجموعات المعارِضة الانتخابات، فيبدو أنها تسلك مساراً أكثر صدامية في تعاطيها مع النظام.



التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus