"جهاديون" يبتزّون تركي البنعلي: لم تقل كلمة في "طاغوتك" قط... وعادل الحمد داعية للجهاد الخارجي لكن "مع الملك"

"داعش" بيننا: من ألعوبة بيد الدولة إلى التمرّد عليها «2»

- عبدالعزيز الجودر
- عبدالعزيز الجودر

2014-11-18 - 2:00 ص

لتحميل الحلقة الثانية "داعش" بيننا: من ألعوبة بيد الدولة إلى التمرّد عليها «2» PDF

مرآة البحرين (خاص): استقطبت البحرين أنظار المتابعين مع توالي أنباء سقوط مواطنين لها في تيار الأحداث المشتعل في الشرق الأوسط الذي تُوّج هذا العام باستيلاء تنظيم "داعش" على أراض واسعة في العراق وسوريا. فخلال العام الجاري 2014 قتل حوالي 7 بحرينيين في صفوفه إلى جانب 6 آخرين لقوا حتفهم في العامين 2012 و2013 في معارك مع تنظيمات متشددة رديفة مثل "جبهة النصرة"؛ لترتفع بذلك حصيلة القتلى البحرينين منذ بدء تدفق موجات الجهاديين الأجانب1 إلى ساحات المعارك في سوريا والعراق إلى ثلاثة عشر2 .

وبدا لافتاً ما ذكرته مواقع جهاديّة من أن أحد البحرينيين الذي قتل في غارة أميركية استهدفته في العراق (14 أكتوبر/ تشرين الأول 2014)، وهو أحمد عبدالرحمن شهاب أحمد شهاب الملقب بعبدالرحمن الشرقي والذي سبق للولايات المتحدة أن أدرجته في العام 2012 على قائمتها السوداء للإرهابيين، كان يشغل موقعاً قيادياً مرموقاً في تنظيم "القاعدة"، وهو عمله مسئولا للعمل الخارجي للقاعدة في أفغانستان، أي بمثابة "وزير الخارجية". فيما كشفت وثائق صادرة عن وزارة الخارجية الأميركية عن اسميّ الداعيتين البحرينيين، شوقي بن عبد الرحمن المناعي وعادل بن علي الشيخ ضمن قائمة وضعتها لـ 131 أكاديميا وناشطا ورجال دين من 31 دولة، قالت إنهم يوفرون "الدعم الشرعي للحركات الجهادية والمجاميع المسلحة".

أحمد شهاب 2

أحمد شهاب، مسئول العمل الخارجي في تنظيم 

 القاعدة بأفغانستان

وفي 28 فبراير/ شباط من هذا العام احتفت حسابات الجهاديين على الشبكات الاجتماعيّة بوصول البحريني تركي البنعلي (30 عاماً) إلى سوريا عن طريق العراق بعد أن ألقم في حسابه على موقع "تويتر" تصريحاً يقول إنه "نفر للجهاد في الشام".

وما هي إلا أسابيع حتى تبين أنه يحتلّ أيضاً منصباً قيادياً رفيعاً في البناء الهرمي لتنظيم "داعش"؛ حيث يشغل حالياً واحداً من أضلاع "المثلث الشرعي" الذي يتولّى عمليّة الفتيا للتنظيم، إلى جانب أبي بكر القحطاني (سعودي) وعثمان آل نازح العسيري (سعودي). وقد وصفه كول بونزل، طالب الدكتوراة بجامعة "برينستون" بأنه "أكثر أصوات الدولة الاسلامية فعالية".

وتأكدت الحظوة التي يحتلّها البنعلي الذي يتحدر من قبيلة مقرّبة من العائلة الحاكمة البحرينية وهاجرت معها من الزبارة إلى البحرين في العام 1783، في أوساط التنظيم المتشدد، لدى ظهوره (يوليو/ تموز 2014) في شريط فيديو في أحد المساجد بمحافظة "الرقة" السورية التي سيطر عليها التنظيم، وهو يلقن المصلين نصّ البيعة للبغدادي الذي أعلن عن تنصيب نفسه "أميراً للمؤمنين"3.

فيما راجت بكثرة مؤلفات للبنعلي بيّنت حجم تأثيره في الشبكة الفكرية للتنظيم، منها على سبيل المثال: "مدّ الأيادي لبيعة البغدادي" (2013)، "موجبات الانضمام للدولة الاسلامية في العراق والشام" (2013)، "القيافة في عدم اشتراط التمكين الكامل للخلافة" (2014)، "اللفظ اللساني في ترجمة العدناني: منجنيق الدولة الإسلامية" (2014)، "تبصير المحاجج بالفرق بين رجال الدولة الإسلامية والخوارج" (2014)، "مختصر العبارة في حكم طلب الإمارة" (2014)، وغيرها من المؤلفات التي باشر بوضع كثير منها بعد وصوله إلى سوريا.

ولفت تأثيره الفكري الضافي في الصف الجديد من الجهاديين المنتمين لـ"داعش" أنظار منظرين بارزين في التيار السلفي الجهادي كأبي قتادة الفلسطيني وشيخه عاصم البرقاوي المعروف بأبي محمد المقدسي وعمر الحدوشي وهاني السباعي وطارق عبد الحليم وأبي بصير الطرطوسي وآدم غدّن وإياد قنيبي، الذين قابلوا صعود نجمه بالتحفظ. ونشروا رسائل في أوقات متفرقة من هذا العام تطعن فيه كما تعلن التبرؤ منه؛ إذ يحملونه كثيراً من ممارسات "داعش" التي يرون أنها "شوّهت صورة الإسلام والجهاد".

إلا أن أيّاً منهم لم يستطع الحد من نفوذ البنعلي الذي يبدو أنه قد قطع جميع أواصر الصلة مع شيوخه السابقين في "الأيديولوجيا الجهاديّة" منحازاً إلى نسخة جديدة يرتقي هو مقام التأصيل لها.

وقد "حبّر" ردوداً عليهم اتسمت بالاعتداد بالنفس4  والصلف الشديدين كما يمكن رؤية ذلك في رده على أبي قتادة في مؤلفه الموسوم "الإفادة في الرد على أبي قتادة" (29 أبريل/ نيسان 2014). ويقول تعقيباً على وصف الأخير لمقاتلي داعش بـ"كلاب أهل النار"، "أرى أن يُعامل الشيخ أبو قتادة الفلسطيني بعد تصريحاته هذه -إن ثبتت عنه- معاملة المختلطين من الرواة (...) فهو اختلط من وقت دخول السجن، فتقبل فتاواه -الموافقه للحق- قبل الاختلاط ولا تقبل بعده".

كما ردّ أيضاً على شيخه المقدسي الذي يعود له الفضل في تنصيبه مفتياً في "منبر التوحيد والجهاد" وخليفة له في "لجنة الإفتاء"، بحسب زعمه، قائلاً في الرسالة الموسومة "شيخي الأسبق هذا فراق بيني وبينك" (31 مايو/ أيار 2014)، "أنت اليوم تطعن بي وتتبرأ مني دون سبب. إن أبا سفيان اليوم هو أبو سفيان الأمس، وأما نصرتي للدولة الإسلامية فليست وليدة الساعة (...) ولكن موقفكم منه تغير، فما عدا مما بدا".


"جهاديون" تحت التحكم

12

- أبو لادن البحريني مستعرضاً قيامه بقطع الرؤوس


لطالما تفاخرت السلطات الأمنية البحرينية أمام الدبلوماسيين الأجانب بقدرتها على التحكم في الأيديولوجيا السنية المتطرفة التي تعتمد عليها في إضفاء جدار من "التفتت الإثني" لصد المطالبات بالتغيير الديمقراطي.

وتمثل أحداث 14 فبراير/ شباط 2011 ورشة مثالية لاختبار مدى نجاعة الحكم في استثمار سياسات التحكم والبرمجة لـ"المجموعات السنية المتطرّفة". ولدى الرجوع إلى العام 2011 لفحص مواقف ضلعيّ "الحركة الجهادية" على الساحة البحرينية، أحدهما تركي البنعلي نفسه والآخر هو الشيخ عادل حسن الحمد، يتبيّن حجم الاستجابة لسياسات "التحكم" التي اعتمدتها السلطات. ونحن هنا نستبعد من هذا الفحص التيارات السنية التقليديّة، كالأصالة السلفية والإخوان وتجمع الوحدة الوطنية.

صاغ البنعلي موقفاً من أحداث 14 فبراير/ شباط يتصادى في جزء كبير منه مع الدعاية الحكومية. ويبيّن شريط فيديو له يعود إلى 15 مارس/ آذار 2011 قبل يوم من قيام السلطات مدعومة من قوات درع الجزيرة الخليجية بإخلاء دوار اللؤلؤة من المحتجّين، مدى انخراطه في تجمعات موالي الحكومة الذين شكلوا حاميات حراسة في البسيتين، وهي معقل يتركز فيه السنة شرقيّ المنامة، عشية ما عرف بـ"حادثة فتاة البسيتين". كان نشطاء قد بثوا شريط فيديو أظهر قيام فتاة موالية للحكومة بدهس متظاهر في حي المرفأ المالي. وعمدت وسائل الإعلام التابعة للحكومة على نشر دعاية مفادها بأن الشيعة ينوون الانتقام.

ورداً على ذلك ارتقى البنعلي منبراً في تجمع للموالين الذين حملوا صور الملك حمد إضافة إلى السيوف والعصيّ، وراح خاطباً فيهم "من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم".

ومضى يقول في كلمة مرتجلة حملت عنوان "ترشيد وتسديد لأهل السنة والتوحيد" وسط صرخات التكبير والهتافات المحتفية بمسئولي الدولة "إننا إذا دافعنا عن أعراضنا وعن أموالنا وعن دورنا وعن أنفسنا فإننا نفعل ذلك رضا لله تعالى".

ورغم وضع البنعلي بياناً عدّ فيه "الحكومة مشركة في الحكم والقضاء" على السواء مع "الروافض المشركين في العبادة والنسك" إلا أنه لم يجد مانعاً من تأييد إجراءاتها الأمنية ضدّ معارضي الحكم؛ بل وتوبيخها على ما يعتقد أنه تساهل بحقهم في مقابل غلظتها على "الحسيب والنسيب"، في إشارة إلى السنة.

إذ يقول في مقال تحت عنوان "بين آيات القرمزية والآيات القرآنية" نشره على منتدى خاص بقبيلة "آل بن علي" (14 يوليو/ تموز 2014) وضمنه احتجاجاً شديد اللهجة على قيام السلطات بالإفراج عن الشاعرة آيات القرمزي التي زج بها 3 أشهر في السجن بسبب قصيدة سخرت فيها من رئيس الوزراء "بتنا اليوم نرى ونشاهد: أن الأحكام تنفذ على أشراف الناس من أهل الصلاح والدين، ويُعفى عن سقطة الناس من الأوباش والأوشاب الأرذلين".

وأضاف في السياق نفسه "الوضيع الرقيع يطعن في من يشاء، متى يشاء، بما يشاء، دون رقيب أو حسيب، بينما العيون مسلطة على النسيب الحسيب. فقيود الحديد لأهل السنة والتوحيد، وأما بنو قرمز، وأحفاد كسرى وهرمز فلهم العفو والعافية، والعلاقات الودية الصافية"، على حد تعبيره.

ويقر البنعلي بـ"توافق المصالح" مع الحكومة فيما إذا كان الطرف المتضرر هم الشيعة "نتركهم يقتص الله من ظالم على ظالم".

ويقول في البيان الموسوم "إرشاد الأسود الرابضة فيما إذا اقتتل الحكام والرافضة" (2011) "لا ننصر الروافض على الحكام المرتدين، ولا ننصر الحكام المرتدين على الروافض، نتركهم يقتص الله من ظالم على ظالم، إلا أن يدير أحدهم فوهة بندقيته على عامة أهل السنة، فعند ذلك ندفعهم وإن كان ذلك في مصلحة الطرف الآخر، لأن هذا من قبيل توافق المصالح مع اختلاف الرايات".


"جهادي" لم يذكر "طاغوته" قط

. من اليمين تركي

 من اليمين تركي البنعلي وعلي الرويعي المكنى بـ"أبي حمزة البحريني"

شكل عزوف البنعلي عن إبداء أية انتقادات علنية للحكومة خلال فترة إقامته في البحرين دافعاً لنبزه من واسطة منظري "القاعدة" المحسوبين على الظواهري، ورسم الشكوك حول أسباب غضّ السلطات البحرينيّة النظر على تنقلاته، على الرغم من مزاعمه بتعرضه إلى الملاحقة.

ويقول الداعية المتشدد طارق عبدالحليم (30 أبريل/ نيسام 2014) "أين صدع هذا الطويلب المتطاول، بملة إبراهيم، وهو إلى يومنا هذا لم يتحدث بلفظة واحدة في حق طاغوته وولي أمره ملك البحرين". ويضيف "البنعلي يسافر في مشارق الأرض ومغاربها، آمنا في سربه، مطمئنا على نفسه. كيف لا، وهو لم يذكر، باسمه ورسمه، طاغوته إلى اليوم، إلى هذه الساعة، بكلمة سوء، حتى بعد أن استقوى بحرورية الشام"، وفق تعبيره.

الحقيقة أن تتبع كشاّف الرحلات للبنعلي الذي سبق له العمل مدرّساً لمادة التربية الدينية في مدارس البحرين الحكومية (مدرسة عمر بن عبد العزيز في مدينة الحالة)، في خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، يؤكد بوضوح بأن تنقلاته كانت تتم بسلاسة.

وقد سافر إلى ليبيا عقب سقوط نظام القذافي. إذ تظهر عديد من الفيديوهات المرفوعة على موقع "يوتيوب" لقاءه بجهاديين في مدينة "سرت" وإلقاءه فيهم سلسلة من المحاضرات. كما سافر إلى المغرب للدعوة، وإلى "أبين" في اليمن التي كان يتواجد فيها لحظة سيطرة مقاتلي القاعدة على بعض مناطقها. وسافر إلى سوريا مرتين على الأقل منذ اندلاع الأحداث فيها آخرها في أغسطس/ آب 2013، كما يتضح من رسائله المنشورة في الأشهر الأولى من العام 2013 والتي كان يختمها بتوقيعه مع عبارة "أرض الشام المباركة".وقد عاد منها إلى البحرين قبل أن يعلن عن الهجرة النهائية إلى "دولة الخلافة" في فبراير/ شباط 2014.

وحتى مع منعه من دخول بعض الدول العربية في السنوات السابقة، كتونس ومصر والكويت والإمارات وقطر والسعودية، إلا أنه ظلّ يتمتع بحرية التنقل من وإلى البحرين لغاية مطلع هذا العام 2014.

ولا يقتصر الأمر على حريته في التنقل؛ بل حتى نشاطه الدعوي الذي أبدى فيه غير مرة بوضوح ميوله للقاعدة. ويعترف البنعلي نفسه في مقال تحت اسم مستعار5  يحمل بصمته (20 أكتوبر/ تشرين الأول 2013) رداً على جملة من الاتهامات التي طالته بأنه "على صعيد دول الخليج فإن البحرين والكويت فيها نوع من الحرية لا توجد في الإمارات والسعودية". ويضيف في شرح الدواعي لتغاضي السلطات عن نشاطه "منذ أن قامت ثورة الشيعة في البحرين، قامت حكومة البحرين بتوجيه سهامها وجهدها على الشيعة، وغضت الطرف عن شباب المنهج في البحرين ومنهم الشيخ تركي البنعلي، وهذا ما لا يفهمه البعض".

وهو تعليل يتسق تماماً مع حقيقة إحجام السلطات عن مساءلته لدى ظهوره في تجمعات رفعت فيها أعلام تنظيم "القاعدة" وصلاته الوثيقة بقادة "الحركة الجهادية العالمية" التي يتحدّث عنها بصراحة في مؤلفاته.

ويروي البنعلي في إحدى رسائله حادثة بالغة الدلالة عن قيامه بالشفاعة لمسيحي في السعودية وقع أسيراً لدى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، بعد طلب تلقاه من شيخه المقدسي. ويقول بهذا الصدد "والله لو كلمني شيخي في جيش من النصارى لتركتهم له. فقام أمراء التنظيم هناك بإطلاق سراحه لأجل ذلك".

وفي حادثة أخرى فقد ظهر البنعلي خطيباً في اعتصام لموالي الحكومة (14 سبتمبر/ أيلول 2012) أمام مقرّ السفارة الأميركية بالمنامة احتجاجاً على فيلم أنتجه مواطن أميركي من أصول مصرية "قبطي" واعتبر مسيئاً للرسول. وألقى كلمة في المعتصمين الملثمين الذين رفعوا رايات "القاعدة" وراحوا يهتفون: "يا أوباما يا أوباما كلنا اليوم أسامة". وقال البنعلي متوعّداً "لا يصح أبداً أن يزعم الزاعم أنه ينتقد ما يقوم به الأميركان بالإساءة للنبي، ثم بعد ذلك لا يحكّم شريعته" على ما جاء في فيديو مصوّر للاعتصام. 

وفي 2012 استضاف البنعلي في منزله بالبسيتين في إطار حركة جمع التبرعات للمقاتلين الأجانب في سوريا، الداعية حجاج العجمي الذي أدرجه كل من مجلس الأمن الدولي ووزارة الخزانة الأميركية هذا العام أغسطس/ آب 2014 ضمن قائمة ممولي الإرهاب في العراق وسوريا.

بل أن صحيفة "الحياة" المقربة من العائلة الحاكمة السعودية كشفت في تقرير بشكل مبكر (25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013) بأن "أحد أهم قادة تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية هو شخص بحريني الجنسية يعرف بكنية أبي همام الأثري". هذا في وقت لم يكن فيه قد أعلن هجرته من البحرين بعد.

ولا يظهر أن البنعلي قد تعرّض للمساءلة الأمنيّة بشأن أي من هذه الأنشطة. فآخر تحقيق معه باعترافه هو في إفاداته يعود إلى العام 2007 فيما عرف بـ"خلية السقيفة" التي اتهم فيها بممارسة التكفير، قبل أن يتمّ إطلاق سراحه بعد سلسلة محاورات نظما له مسئولو السجن مع شيوخ سلفيين مقرّبين من المؤسسة الدينيةالسعودية.


عادل الحمد: أنا وأنتم مع الملك

- الشيخ عادل الحمد

- الشيخ عادل الحمد


يشكل الداعية الشيخ عادل حسن الحمد الذي يلقي خطاباً إسبوعياً في جامع "النصف" بالرفاع، الضلع الآخر الممثل للنشاط الجهادي المحلي؛ وهو يعطي دليلاً أشدّ وضوحاً على انصياع رموز التيار الجهادي في البحرين لسياسات التحكم التي ترسمها الدولة.

لاتظهر عمليّة تتبع مطارحات الحمد بشأن الأزمة البحرينية منذ العام 2011 افتراقاً جذرياً عن المقاربة التي ثمّرها البنعلي، وبالتوازي المقاربة التي أقامتها الحكومة لتطويق الاحتجاجات وسخرت لها الإعلام الرسمي على مدار الساعة. لكنه يظهر أشدّ اندكاكاً في الطرح السلطوي لفوارق "منهجية" بين الاثنين في الأيديولوجيا الجهادية - نشرحها في الحلقة المقبلة -.

افترض الحمد بشكل مبكر أن "هناك أصابع خارجية تدير هذا الحدث". ويقول في خطبة (13 فبراير/ شباط 2011) قبل يوم من اندلاع شرارة الأحداث إن "الهدف هو إسقاط نظام الحكم (...) ليست قضية مطالب سياسية وإنما القضية تصفية السنة وإحداث فتنة". ويختتم خطبته بالدعاء إلى أجهزة الأمن "أن يوفقهم الله ليضربوا بيد من حديد هذه المرة حتى لايرفع مُبطل رأسه بعد اليوم"، وفق تعبيره.

ويضيف في خطاب آخر 27 فبراير/ شباط 2011 "أتقدم بالشكر الجزيل لرجال الأمن الذين قاموا بواجبهم في القضاء على أهل الفتنة. هؤلاء هم في الحقيقة درعنا ومن يحموننا جميعا أمام المفسدين في الأرض، وهؤلاء عادة التقدير لهم قليل وهم أحوج الناس إلى التقدير والتثبيت والدعاء لهم".

ويكشف تقدّم الأحداث عن تقدّم موازي في تبنّي الحمد لكامل طقم المفردات التي يصدّرها الخطاب الرسمي، حاله حال الجماعات السنية الحكومية الأخرى. بما في ذلك تبنّي خطاب اقتلاعي لمواجهة المحتجين وفصل العاملين والمعلمين وتجريد الشيعة من الحقوق وهدم المساجد والمآتم بطريقة يضاهي فيها الدولة تطرّفاً، كما تكشف عن ذلك متوالية من الخطب ألقاها تعليقاً على الأحداث.

ويقول في خطبة 4 مارس/ آذار 2011 "إذا أراد ملكنا دوام ملكه فليعز أهل السنة لأنهم هم الشعب وما عداهم فأهل فتنة. الملك لايستطيع أن يفعل شيئا لوحده، لابد من وقوفكم معه. يلزم من ذلك أن يسعى الشعب وهم أهل السنة في حماية دولتهم من السقوط".

ويضيف في خطبة أخرى 18 مارس/ آذار 2011 "الحدث هو مواجهة بين الحق والباطل، بين أناس لم تتغير طبيعتهم من العداء إلى أهل السنة. العداء مع هؤلاء عقائدي بينما بعض الناس ما يزال يعيش في وهم أن هؤلاء الأراذل هم أكثرية".

ويتابع في خطبة 25 مارس/ آذار 2011 "يتساءل الناس في هذه الأيام وبعد أن نكس الله رؤوس أهل الفساد وبدأوا يرجعون مذلولين إلى أعمالهم، كيف نتعامل معهم". ويقول "حتى نتعامل معهم لابد أولا من تصنيفهم (...) هم مشركون نعم، ولكن أصدق ما يصدق عليهم أنهم من المنافقين، وحديثنا عن الدرجة العليا من النفاق. هؤلاء من أعلى درجات المنافقين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر".

ويواصل موضحاً "المنافقون يُجاهدون بالسيف والسلاح (...) لايصلح أن نرأف بهم وإنما يُغلظ عليهم. من فقه التعامل معهم أنهم لايدخلون الجيش أو أي قطاع عسكري بل لايعطون أي منصب يَعلون به على المؤمنين، هذه ليست قضية سياسية وإنما هذا الشرع"، مستدركاً "أما المآتم فما بنيت إلا لتفريق المسلمين، لو كانت هذه الدولة ناصرة للتوحيد، فلن تبقي لهم داراً. مساجدهم ومآتمهم ضرار ومصيرها الهدم. الكنائس لانهدمها، ولكن المآتم تهدم لأنها بنيت لهدم الدين"، على حد تعبيره.

4

- عبدالرحمن، نجل الداعية الجهادي عادل الحمد في صورة له 

قبل مقتله بسوريا

ويقول في خطبة أخرى 1 أبريل/ نيسان 2011 "إذا أردنا أن نواجه الرافضة في بلدنا وندفع شرهم فلابد أن تكون معالجتنا لقضيتهم وفق أصول الدين. أكثر العلاقات الموجودة هي علاقات الصحبة معهم في المدارس والجامعات والأعمال، وهذا لايجوز. الرافضي أكثر من فاسق، في الجملة الشرك عندهم ظاهر". ويمضي قائلاً "إذا كنا فعلاً قد اكتشفنا المخطط وألقينا القبض على بعض قيادات الرافضة فلا يعني هذا أن المشكلة قد انتهت (...) المطلوب منا أن نستمر في محاربتهم وفق ما يملي علينا الشرع".

ويتابع في نفس السياق عبر خطبة في 15 أبريل/ نيسان 2011 "يقولون مواطنين. لا يا أخي، هؤلاء لايسمون مواطنين أبداً، هؤلاء أعداء وإن عاشوا معنا على نفس الأرض.لاترتبط العداوة بالتغير السياسي أبداً، هذا مرتبط بدين"، مضيفاً "أيا كانت مواقعهم في السجن أو خارجه. هؤلاء مكانهم الوحيد تحت الأرض مع الدود يأكلهم النمل الأسود".

تلقي هذه الشواهد الضوء على مدى نفاذ تكتيكات البرمجة الموجهة للدولة التي استقتلت منذ البداية على تصوير الاحتجاجات بأنها "قصة شيعية"، ورواجها حتى في خطاب داعية جهادي "في الساحات الخارجية" يحاول تمييز نفسه عن جماعات الحكم والتورع عن نظام المصالح الذي يتمتع بمزاياه أقرانه في التيار السلفي التقليدي. تبعاً لذلك، لن يتورع الشيخ الحمد من تطويع النصوص الدينيّة على نحو براجماتي في خدمة "المبرمج". كما لو أن الدولة البحرينيّة تنوب مكان دولة طالبان التي ترتفع في خطابه إلى منزلة اليوتوبيا المنشودة "لم يحكم الإسلام في دولة إلا مع طالبان حين حكمت بالإسلام".

لكن التجارب الماثلة أمامنا تدلل بوضوح على أن سياسات التحكم في الجماعات المتطرّفة لا يمكن أن تستمرّ لفترة طويلة. ويكشف الفيديو الذي صوّره أربعة من المتشددين البحرينيين المنتمين إلى "داعش" هذا العام (28 سبتمبر/ أيلول 2014) تحت عنوان "رسالة إلى أهل السنة في البحرين" عن أحد أمثلة التمرّد على علاقات التحكم.

ويقول محمد عبدالله البنعلي الملقب باسم "أبو عيسى السلمي"، وهو ضابط منشق من وزارة الداخلية البحرينية في خطاب اختار أن يوجهه إلى رفاقه "لتعلم أيها الجندي، أنك أنت من تحميهم وتوطّد حكمهم الكفريّ، شئت أم أبيت أنت شريكهم في الطغيان على عباد الله". ثم ينهي حديثه بدعوة العاملين في أجهزة الأمن إلى التوبة "ليكن قدوتكم ركب التائبين قادات الموحدين كأبي عمر البغدادي، وأبي حفص المصري، وأبي سفيان الأزدي".

ورداً على توعّد السلطات البحرينية في 28 مارس/ آذار 2014 بإسقاط جنسيات مواطنيها الضالعين في معارك بالخارج، علق سلمان تركي، وهو مقاتل بحريني أيضاً في صفوف "داعش"، متحدياً "يا أيها المساكين، أما علمتم أننا في دولة الإسلام بالعراق والشام ركلنا جناسيكم، أما علمتم أننا تبرأنا منها، أما علمتم أنكم أنتم وجناسيكم وقوانينكم ودساتيركم وتهديداتكم تحت أقدامنا"، وذلك حسب النص الحرفي لكلمته المصوّرة (17 مايو/ أيار 2014).

لكنّ المغزى الأبرز ذي المعنى العميق هو الذي تركه عبدالرحمن ابن الشيخ عادل الحمد نفسه في تعليق على صفحته بشبكة التواصل الاجتماعي "تويتر" قبل أسابيع من مقتله. قال "أنا مع الثورة الخليجية المقبلة". وراح يدلي بمطالعات بيّنت مدى كرهه الشديد للعائلتين الحاكمتين في البحرين والسعودية. الحال أنه، وكما دّلت تجارب أفغانستان من قبل وسوريا والعراق فإنك تستطيع التحكم في الجماعات المتطرفة بعض الوقت، لكنّ عليك ألا تبالغ في الثقة كثيراً: إن تمردها مسألة وقت فقط.

 

اقرأ في الحلقة المقبلة: 

- انقسام المتشددين البحرينيين في "الحرب الأهلية الجهادية" وولاءاتهم بين رايتين "جولانية" و"بغدادية"

- رحلة الجهاديين البحرينيين من "النصرة" إلى "داعش" وتوافق الهوى الغلاّب "مع الملك" ما دام يقتل الشيعة

- التمرد على علاقات "الجهاد" القديمة.. و"الظواهري" منبوذاً من قبل "البنعلي" بعد مطالبته وقف استهداف الشيعة

- "الحمد" مختلفاً مع "دولة الخلافة" وباقٍ على الهوى القديم لـ"القاعدة".. و"الجهاد"... استعدوا له في البحرين

 

اقرأ أيضاً: "داعش" بيننا: تحوّل نوعي في تكتيكات "الأصالة" «1»

 

 

النسخة الانجليزية

________________________________

الهوامش :

1.لاحظنا أن استخدام لفظ "جهادي" لتمييز السلفيين المتشددين مثير للجدل. بعض المحللين يشعرون بتنازل للسلفيين المتشددين إذا صدّقوا على استخدام لفظ "الحركة الجهادية" الذي يعجب الجهاديين وله وقع حسن في الإسلام. لذا من المفيد التوضيح هنا أننا نتبنى الرأي الذي ساقه مؤلفو كتاب "أطلس الأيديولوجية المتشددة" ومنه اقتبسنا هذا الهامش؛ حيث يوعز الكتاب استخدام المصطلح للأسباب التالية. أولاً: يستخدم كثيراً في المجتمع الغربي المكافح للإرهاب. ثانياً: البدائل المقترحة إما غير دقيقة أو مشحونة سياسيا ولن تكون مفيدة من الناحية التحليلية. ثالثاً: لفظ "جهادي" يشير إلى مركزية الحرب الدينية في النظرة السلفية المتشددة. رابعاً: استخدام هذه التسمية يجعل الجهاديين مسئولين عن تشويه المعنى لعدم الارتقاء إلى مستوى عال من السلوك المرتبط بالجهاد. أخيراً: يستخدم هذا المصطلح في وسائل الإعلام العربية المعادية لهذه الأيديولوجية بشداً. لذلك اللفظ ليس جديداً أو غربياً.

2. قائمة القتلى البحرينيين لغاية أكتوبر/ تشرين الأول 2014: عبدالرحمن عادل الحمد، عبدالعزيز العثمان، عبدالرحمن العثمان، عبدالمنعم علي، إبراهيم محيي الدين خان، علي الرويعي الملقب بـ"أبي حمزة البحريني"، عبدالله جمال المهيزع الملقب بـ"أبي الزبير البحريني" و"أبو جميل"، يوسف جميل البحريني، أبو المعتصم البحريني، عبدالرحمن الشرقي المعروف بـ"أحمد شهاب"، إبراهيم العوضي، نواف سيف ومحمد مبارك.

3.نص البيعة: "نبايع أمير المؤمنين وخليفة المسلمين أبا بكر إبراهيم بن عوّاد القرشي الهاشمي الحسيني على السمع والطاعة في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وعلى أثَرةٍ علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله إلا أن نرى كفراً بواحاً عندنا فيه من الله مُهان، والله على ما نقول شهيد".

4.تكشف رسائل البنعلي (مواليد 1984) اعتداداً كبيراً بنفسه وتتخلل سطورها أنا فائضة. بل أنه وحسب ما يروي عنه أحد جهاديي "القاعدة"، تحت اسم أبو عبيدة السلفي المرواني «كان يُسأل عن أبي همام الاثري فيزكيه ويمدح علمه ويوصي بمؤلفاته وفي نهاية المطاف «تبين أن أبا همام الأثري، هو نفسه تركي البنعلي. 

5.أحصينا لأغراض إعداد هذا التحقيق عديداً من الأسماء المستعارة التي استخدمها تركي البنعلي على فترات متفاوتة. وقد كشف عن معظمها هو بنفسه، مثل:

أبو سفيان السلمي، أبو همام الأثري، أبو حذيفة محمد بن عبد الرحمن البحريني، أبو حزم السلفي، أبو الحسن الأزدي، حاتم المقبل، أبو الفداء، أبو ضرغام وغيرها من الأسماء. ويقول حول ذلك في كتابه "زبالة الملل والنحل": "وليُعلم أن مسألة استخدام الكنى أو الأسماء المستعارة للتخفي عن الطغاة أو الظلمة لا شيء فيها شرعاً (...) فقد لزمت المعاريض والتورية لمن يسألني عن حقيقة الاسم، فكنت أقول: "أنا تركي بن مبارك البنعلي، وكنيتي: أبو سفيان السلمي"؛ والأمر كما قلت: فهذا اسمي الذي سماني به والداي، وهذه كنيتي التي اخترتها لنفسي". ويشار هنا إلى أني في استخدامي لتلك الكنى والأسماء لم انتسب قط لغير والدي، وحاشا! فمرة قلت: "ابن عبد الرحمن"، ومرة قلت: "ابن عبد العزيز"؛ وكل إنسان عبد لله طوعاً أو كرهاً. ومرة قلت: "البحريني"؛ وأنا بحريني الولادة والنشأة، ومرة قلت: "الأثري"؛ وأنا من مدرسة الأثر المهتمة بآثار الصحابة والتابعين ومن بعدهم. ومرة قلت: "حاتم المقبل"؛ ومقبل جدي الأكبر، وهو فخذ من الأفخاذ العريقة في قبيلة البنعلي".


 

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus