فورين بوليسي: آلاء الشهابي: لماذا تصدّر البحرين التّطرّف؟

2014-11-11 - 3:10 ص

آلاء شهابي، موقع فورين بوليسي

ترجمة: مرآة البحرين

الحكومة البحرينية تبذل جهدًا إضافيًّا لقمع الحركة المطالبة بالديمقراطية. ولكن ما موقفها من أتباع داعش؟

في مشهدٍ خلّاب من الطّبيعة الخضراء على ضفاف نهر الفرات، يصعد أربعة شبّان، يمشون في حركة بطيئة، على هضبةٍ حاملين أسلحة رشّاشة، ورافعين العلم البارز للدّولة الإسلامية (داعش). ويخبرنا صوتٌ (مسجّل على الفيديو) أنّ "مجاهدي العقيدة" هؤلاء ينفّذون "مهمّة نبيلة" هي "تطهير العراق". مخاطبين الكاميرا، يبعث الأربعة برسائل إلى "عائلتهم السّنّية" في البحرين. وبغض الطّرف عن مناشدتهم المتوقّعة للجهاد، فإن الغاية الأساسية من الفيديو هي تشجيع أبناء وطنهم المنتسبين إلى جهاز الأمن على الانضمام إلى داعش. كما دعوا إخوانهم البحرينيين إلى مقاطعة انتخابات نوفمبر/تشرين الثّاني البرلمانية.

وهذا الفيديو دليل واضح على أنّ البحرين تواجه مشكلة متفاقمة مع التطرّف السّلفي.

وقد تنامى الدّعم الذي تحظى به الجماعات المتطرّفة في الوقت الذي تقوم فيه الحكومة بقمع المعارضة غير العنيفة المطالبة بالديمقراطية. وكان رد النّظام على الفيديو، الذي حصد ما يقارب 100,000 مشاهدة وتم تحميله على ما يبدو في سبتمبر/أيلول، التزام الصّمت، على الرّغم من اعتراف المسؤولين بانضمام 100 بحريني على الأقل إلى داعش وبمقتل البعض منهم. وهذا العدد صغير ولكنّه ذو أهمية. ليس هناك فقط العلاقة المباشرة بين داعش وجهاز الأمن البحريني (كما يشير الفيديو)، بل تشمل الكتيبة البحرينية في داعش أيضًا تركي البنعلي، وهو من أكثر الدّعاة المتطرّفين نفوذًا في التّنظيم.

ويتناقض موقف البحرين الرسمي من الحرب ضد داعش بشدّة مع عدم اتّخاذها للتدابير المناسبة على أراضيها. إذ سعت المملكة إلى إظهار نفسها كرائدة في جهود مجلس التّعاون الخليجي ضد داعش. وفي مستهل الحملة الجوّية ضد التنظيم، والتي شنّتها الولايات المتّحدة الأمريكي ومجموعة مختارة من الحلفاء في سبتمبر/أيلول، كان لوزير الخارجية البحريني، الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، ظهور بارز في الإعلام الغربي، بما في ذلك ظهوره على قناة الـ "بي بي سي" والـ "سي إن إن"، للإعلان عن انضمام البحرين إلى الائتلاف العسكري للولايات المتّحدة. وتحدث الوزير حتّى عن ضرورة إجلاء هذه "الجماعة المنحرفة" عن المنطقة.

وقد يتساءل بعض البحرينيين، متى كان يُنظَر إلى هذه الجماعة على أنّها "منحرفة". ففي يونيو/حزيران، بدا أنّ تغريدات وزيرة الإعلام سميرة رجب على موقع تويتر كانت متعاطفة مع التقدّم الذي أحرزته داعش في وقتها، مشيرةً إلى أنّ هذا قد يمثّل " ثورة ضد الظلم والقهر الذي ساد العراق لأكثر من عشر سنوات"-وهي وجهة نظر ردّدها الكثير من الشّخصيّات البارزة في البحرين.

ولم تعطِ السّلطات انطباعًا بأنّها تعالج التّهديد الدّاخلي للتجنيد في داعش بشيءٍ من الجدّيّة التي تستخدمها "لاجتثاث الخونة"-وهذه إشارة إلى النّاشطين المطالبين بالديمقراطية الذين ما زالوا يتظاهرون طلبًا للإصلاح منذ العام 2011. وحتّى الآن، لم يتم تحديد إلّا هويّة شخص واحد من الذين ظهروا في فيديو داعش-وهو ضابط سابق في جهاز الشّرطة البحريني يدعى محمّد عيسى البنعلي-على الرّغم من أنّه من الصّعب التّصديق أنّ اكتشاف هوية الثلاثة الآخرين أمرٌ شاق في بلدٍ يحوي على ما يقل عن 600,000 نسمة.

وبخلاف الخطابات السّياسية الرّنّانة المستخدمة ضد المعارضة السّياسية، تميل السّلطات إلى اعتبار التّطرّف نتيجةً لـ "انحراف" مجموعة من الشباب "المضلّلين". وليس هناك اعتراف بأنّ الكتب المنشورة والموزّعة من قِبل الجيش البحريني نفسه روّجت للفكر التّكفيري الذي يستند إليه تنظيم داعش والجماعات المتطرّفة الأخرى. ولم يتم اعتقال عادل جاسم فليفل، وهو ضابطٌ سابق في جهاز الأمن اتّهم بممارسة أعمال تعذيب، وكان يلقي علنًا خطابات طّائفية محرضة على الكراهية، إلّا مؤخّرًا-ولكن لم تتم إدانته إلّا بتهم أقل جرمًا وهي ارتكاب مخالفاتٍ مالية. وقبل اعتقاله هذا الصّيف، أمضى فليفل ثلاث سنوات يدعو صراحةً إلى أفكار متطرّفة في المحرّق، التي تعد ثالث أكبر مدينة في البحرين.

وحتّى الآن، لا يبدو أنّه هناك أي محاكمة موثّقة لأي شخص وُجِّهت إليه تهمة الضّلوع في نشاطات إرهابية متعلّقة بالنشاط الإرهابي لتنظيم داعش، على الرّغم من أنّ الحكومة توعّدت بتعقّب نشاطات التنظيم ورصدها. وقد عرضت الحكومة عفوًا مدته أسبوعان عن الجهاديين السابقين في مارس/آذار من هذا العام. (وردّ مقاتلٌ بحريني في داعش على ذلك بتمزيق جواز سفره البحريني في فيديو نُشر على موقع يوتيوب). ويتبجّح المعلّقون على المواقع الإلكترونية البحرينية الدّاعمة لتنظيم داعش بالحرّيّة التي يتمتّعون بها في المملكة، مقارنةً بالدّول الأخرى في الخليج كالإمارات العربية المتّحدة.

وعلى النّقيض من ذلك، قمعت الحكومة الحركة السلمية وغير الطّائفية، إلى حدٍّ كبير-والتي قادها ناشطون كنبيل رجب، وهو رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان المحظور-والذي لا يزال يقاتل من أجل المساواة، والحرّيّة، وحقوق الإنسان. وقد تمّ اعتقال رجب مجدّدًا في 1 أكتوبر/تشرين الأوّل بسبب نشره لتغريدة على موقع تويتر تقول "إنّ الكثير من الرّجال في # البحرين الذين انضمّوا إلى الإرهاب وداعش أتوا من أجهزة الأمن وتلك الأجهزة هي الحاضنة الأولى لهذه العقيدة". وقد وُجِّهت إليه تهمة "الإساءة إلى المؤسّسات الوطنية"، وهي جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدّة قد تصل لثلاث سنوات. (ومن المفترض أن يتم الحكم عليه اليوم، 29 أكتوبر/تشرين الأوّل). وقد أمضى سابقًا سنتين في السّجن بتهمةٍ تشمل توجيه انتقادات لرئيس الحكومة، ولم يتم الإفراج عنه إلّا مؤخرًّا في مايو/أيّار.

وعلى مدى ثلاث سنواتٍ، أقدم النّظام على هدم المساجد الشّيعيّة، وممارسة التصنيف الطّائفي، و"تطهير" المؤسّسات الحكومية في حملة قمع أدّت إلى اعتقال ما يقارب 15,000 شخصًا؛ وبقاء 3,000 شخص تقريبًا في السّجن. رواية الحكومة لـ"الطائفية" - والتي مفادها أنّ النّظام السّنّي ومواليه مهدّدون من الشّيعة، الذين يشكّلون ثلثي عدد السّكان المسلمين- هي النّموذج الذي استعانت به للنيل من الانتفاضة البحرينية المؤيدة للديمقراطية منذ البداية. المعارضة تشمل بالفعل الشّيعة، الذين اضطُهدوا حقًّا على مر عقودٍ من الإقصاء، ولكنها تتضمّن أيضًا الكثيرين غيرهم من الذين طالبوا منذ حين بالملكية الدستورية وحقوق الإنسان والحقوق المدنية.

وفي الشّهر الفائت، كشفت المنظّمة غير الحكومية، بحرين ووتش، التي شاركتُ في تأسيسها، النقاب عن لائحة من 77 شخصًا مستهدفًا من قبل وكالات الاستخبارات البحرينية باستخدام تكنولوجيا بريطانية للمراقبة. وكانت اللائحة تحوي بكاملها تقريبًا أسماء محامين، وناشطين، وصحافيين من الذين يدعمون الإصلاح السّياسي. هذا التفسير لما يشكّل "تهديدًا للأمن الوطني" يعطي مثالا على الرؤية العالمية المشوّهة التي يعتمدها النّظام البحريني-وهي أنّ المعارضة السلمية تمثّل تهديدًا أكبر من تهديد الجرائم والإرهاب.

غير أنّ المساهمة البحرينية الكبرى في داعش لم تكن على شكل دعم بالمقاتلين أو بالتّمويل فقط. بل كانت من خلال دعم أيديولوجي ومعنوي أيضًا، لا سيّما من عالم الدين البحريني المتطرّف تركي البنعلي، الذي يقيم الآن في الموصل ويمثّل [المرشد] المذهبي الرّوحي لتنظيم داعش، والذي شدد في كتاباته على أن أبو بكر البغدادي هو الأحق بالخلافة، ويتوجّب على المسلمين مبايعته. ويمكن مشاهدة خطاباته في البحرين، وليبيا، وتونس على موقع يوتيوب. وقد كان يسافر ويلقي الخطب بحرّيّة حتّى نهاية العام 2013 على أقل تقدير، إن لم يكن في وقتٍ لاحق. (وفي الصورة أعلاه، يترأّس البنعلي صف إرهاب في الموصل). وفي العام الماضي، قاد البنعلي تظاهرة أمام السّفارة الأمريكية في العاصمة البحرينية المنامة، بلا أي أثر للغاز المسيل للدموع أو السيطرة على الحشود، الذي يطبّق بشكل اعتيادي خلال التّظاهرات المطالبة بالديمقراطية، على الرّغم من أنّ المتظاهرين كانوا يحملون أعلام القاعدة وصورا لأسامة بن لادن.

وعلى مدى سنوات عدّة، كان تركي البنعلي ينشر نفوذه في البحرين ويجنّد أتباعًا لقضيته دون أي تدخلّ من قبل السلطات، أو بتدخّل بسيط. والمجتمع البحريني صغير ومترابط، وقد يفسّر هذا سبب تمتّعه بالحصانة لفترة طويلة. ويعتبر آل البنعلي عائلة مهمّة في البلاد نظرًا لعلاقاتهم القبلية التاريخية الوطيدة بأسرة آل خليفة الحاكمة. (وهناك صلة قرابة بين تركي البنعلي ومحمّد البنعلي، المسؤول المنشق عن جهاز الشّرطة).

وبالطّبع، كان بعض الدّعم المقدّم إلى داعش مدفعوعا في الأصل من مشاعر صادقة للتّضامن مع الإخوان العرب الذين يعانون من اضطهاد النّظام في سوريا، بالقدر الذي كان مدفوعا أيضا من الأيديولوجيا السلفية. ولكنّ الحكومة البحرينية كانت تغذّي وتنمّي أيضًا هذه الجماعات المتطرّفة وعقيدتها الطّائفية لمواجهة "التّهديد الشّيعي" المزعوم، الذي تمثّله الانتفاضة المطالبة بالديمقراطية. وعلى مدى عقودٍ من الزّمن، كانت الحكومة تبعد الشّيعة عن المراكز الحسّاسة، وهي سياسة إقصاء تضمّنت تزويد أجهزة الأمن بمرتزقة من اليمن، وسوريا، والعراق، وباكستان، وبلوشستان. وسريعًا تمّ تجنيس الكثير من هؤلاء "البحرينيين الجدد". وتُظهر الشّعبية التي تحظى بها عقيدة داعش بين صفوف قوّات الأمن البحرينية بوضوح كيفية انقلاب هذه السّياسة عليهم.

غير أنّ داعش كان بعيدًا كل البعد عن إظهار امتنانه لهذا الدّعم، إذ ندّد بالأسرة الحاكمة ونعتها بالـ "الكافرة" لسماحها للأمريكيين بشن ضربات جوّيّة على الجهاديّين في سورية والعراق من قاعدة الأسطول الأمريكي في البحرين. ويهاجم تنظيم داعش الأسرة الملكية أيضًا لسماحها ببيع الخمر ولـ"تنصيبها نفسها آلهة مع الله."

وفي الوقت نفسه، تعطّلت المفاوضات بين النّظام والوفاق، الجمعية المعارضة الأساسية، وقرّرت الوفاق مقاطعة الانتخابات البرلمانية المُقررة في نوفمبر/تشرين الثاني. وقد قدّم الملك تنازلاتٍ، ولكنّها كانت دنيا، نظرية، وغير كافية لإقناع الوفاق بالمشاركة. (من بين مطالب الجمعية: نظام انتخابي عادل، حكومة منتخبة، وقضاء مستقل ومنصف). وفي الواقع، من المستحيل الحصول على بيانات محايدة عن الانتخابات في البحرين، ولكن يشير جو مواقع التواصل الاجتماعي إلى أنّ المقاطعة تحظى بتأييدٍ كبير. وردًّا على ذلك، أمر أحد القضاة بحظر الجمعية لمدّة ثلاثة أشهر. وهذه الخطوة الخطيرة بتجريم النّشاط السّياسي كلّيًّا ستدفع بالحركة الدّيمقراطية إلى اعتماد النشاط السري واستخدام العنف.

وبما أنّ البحرين "في حربٍ" الآن، فقد تم إدراج الحديث عن الإصلاح والانتخابات في آخر اللائحة. حلفاء المملكة الغربيون أيضًا قلقون أكثر بشأن تزايد بشاعة الموقف في قلب العالم العربي بدلًا من القلق بشأن البيئة التي زرعت هذا الأمر وغذّته.

ولكنّ هذا خطأ. فالمسألة الكبرى التي لا بد من معالجتها في منطقة الخليج هي كيفية محاربة التّطرف الذي شكّل البيئة المادّيّة و"الأيديولوجية الحاضنة" لتنظيم داعش. ولا تكفي محاربة العدو بالوسائل العسكرية من دون استئصال جذور التّطرّف والبيئات والثّقافات التي نشأ منها. لذا على النّظام البحريني، أوّلًا، تفكيك النّظام الذي يشجّع على التّطرّف، ويعزّز سياسات الإقصاء، ويخدم القمع.

وقد يرى حكّام البحرين أنّ دور البلاد في التحالف ضروري لحفظ ذاتهم. فإذا ما فقدوا حلفاءهم في الغرب، وإذا ما انشقّت قاعدتهم الصغيرة من السّنّة الموالين للانضمام إلى المتطرّفين، قد لا تكون الشعيرات التي تقف عليها شرعية النظام قوية بالقدر الكافي لإبقاء السلالة في الحكم. يأمل النّظام تقليص الضّغط الخارجي لإحداث تغيير ديمقراطي من خلال تحالفه مع الغرب. غير أنّه لا ينبغي أن يسمح حلفاؤه، وفي مقدّمتهم الولايات المتّحدة الأمريكية والمملكة المتّحدة، بأن تكون مشاركة النظام في الهجوم العسكري بمثابة تعويضٍ عن تجنّب تحقيق التغيير الديمقراطي الحقيقي.

والحقيقة هي أنّ البحرين، كغيرها من الدّول العربية، بحاجة ماسّة إلى الوحدة الوطنية التي لا يمكن تحقيقها إلّا من خلال صياغة عقد اجتماعي حول الدساتير الديمقراطية التي تمثّل إرادة الشّعب. فالديمقراطية هي الأمل الوحيد لمنطقة تغرق في مستنقع أقذار التّطرّف والاستبداد.

وحتّى الآن، لا تعرف النّخبة الحاكمة في المنطقة إلّا الردّ بمنطق القوّة، بمساعدة المعونات الاقتصادية التي توفّرها الدّول الأخرى الأكثر ثراءً في الخليج. ويعتقد الكثيرون أنّ المستقبل يقع في صفقة بين الولايات المتّحدة، والسّعودية، وإيران، ولكن ليس جليًّا لأحد أبدًا إن كانت الديمقراطية تشكل رهانًا في هذه الصّفقة.

 

29 أكتوبر/تشرين الأوّل 2014

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus