سيرة عزاء قرية الدير: من حلقة 18 إلى حلقة 6

2014-11-04 - 7:15 ص

مرآة البحرين (خاص):

البحرين - سيد سلمان الموسوي

كان شكل عزاء قرية الدير في منتصف السبعينيات وما قبلها بإجماع الذين عاصروه على شكل حلقات، بلغ عددها أكثر من ثماني عشرة حلقة عزائية، تسلك خط سير واحد، إذ يبدأ العزاء انطلاقًا من مأتم محمد علي المشهور بالمأتم الشمالي أو المأتم الكبير كما يسميه الأهالي، ويمر عبر مآتم النساء والأشهر منها حسينيتان هما حسينية بيت سيد سعيد سيد يوسف وحسينية أخته معلمة القرآن السيدة شريفة بنت سيد يوسف وزوج سيد سلمان سيد إبراهيم، كان يقدم للمعزين الشاي بالحليب، ثم يقفل العزاء عائدًا إلى المأتم الكبير، وهذا الطريق يستوجب المرور في الأزقة الضيقة جدًا.

يتراوح عدد المشاركين في كل حلقة بين أربعين وخمسين معزيا بالنسبة للحلقات الكبيرة ولا يقل عن خمسة عشر شخصا بالنسبة للحلقات الصغيرة، وسبب قلة الأعداد من المعزين كان كثرة عدد الحلقات بالنسبة لعدد الأهالي، وأيضًا طبيعة العزاء وعدم وجود مكبرات صوت في الستينيات إلى منتصف السبعينات، يُقال إن الحاج باقر بن مهدي (والد كل من منصور وأحمد وإبراهيم وجعفر) هو أول من اقتنى مكبرًا للصوت، وقد منعته من استخدامه فتوى الشيخ إبراهيم آل مبارك التي حرم فيها استخدام مكبرات الصوت.

ومن أهم الحلقات العزائية وأقواها حلقة الحاج حسن بن إبراهيم (والد الأستاذ إبراهيم حسن إبراهيم) ، إذ كانت حلقته تضم مجموعة من الرجال طوال القامة، ولم يكونوا يستسيغون وجود القصار بينهم. أيضًا حلقة الحاج سلمان النصوح، وكانت تضم عمال بابكو، وحلقة السيد محمد (المعروف بالحبوبة) وقد مسكها فيما بعد الشباب بقيادة (ميرزا مدن) نهاية السبعينات، وحلقة الحاج باقر بن مهدي وأيضًا من الحلقات المشهورة وكان القائم عليها هو المؤسس الفعلي لعزاء الدير الحديث من الستينيات إلى نهاية السبعينيات. وهناك حلقة الحاج عبدالله درويش، صاحب الصوت العذب والشاعر والمهتم الأكبر بالعزاء على مستوى القرية، إذ كان يعمل على إضاءة طريق العزاء عن طريق مصابيح الكيروسين (الفنر)، وقد عاصرت حلقته فترة مد اليسار، وكانت إحدى الشيلات قد أشارت إلى ذلك " يا محمد سنتك رفضوها، فاطمة الزهرا فدك غصبوها، غصبوا الزهرا ونسوا يوم الغدير، وقادوا ملبب أمير المؤمنين، والحسن خلوا عليه ينحب حسين، والديانة بالفكر سووها" والجملة الأخيرة هي بيت القصيد. وقد ضم الحاج عبدالله درويش في حلقته شاعرًا آخر وهو الحاج عبدالله المهندس، وقد شاركهم الدكتور علي أحمد هلال شاعراً ورادوداً.

كان الفن العزائي السائد في تلك الفترة هو فن الهوسة، وتتطلب لحمة المعزين وتراصهم وملامسة أجسادهم ببعض إذ يضع كل واحدٍ منهم يده على كتف الآخر وقد يجذبه إليه أثناء حماس التهويس، تكون بداية الهوسة ردًا لشطرٍ من بيت يكرره الرادود ويكرره وراءه المعزون دون الأشطر الباقية وهم يرفعون أيديهم وبإشارة معينة قد تكون صرخة "حيدر" أو مجرد حركة أو حساب عدد مرات التكرار، يبدؤون اللطم بثلاث لطمات تصحب كل لطمة كلمة يا الله أو يا علي أو يا حسين أو يا شهيد يا غريب يا مظلوم، ثم يبدأ الرادود بترديد أبياته ويرد المعزون الشطر الأول منها وهم يتابعون اللطم بصورة منتظمة، أسرع من الأولى حتى تختتم بثلاث لطمات كالأولى. وكانت الأبيات التي تطرح لا تعدو أصابع اليدين في الهوسة إذ كانت تردد حتى أثناء المشي بإيقاع اللطمة الواحدة أو اللطمتين، وبعد ذلك وبانتشار التسجيلات العزائية العراقية وكتب الشيلات العزائية العراقية، تم الاستغناء عن الهوسات كشيلات أثناء المشي، مع ظهور الوقفات كقصائد قصيرة ونتف شعرية لا تصلح للمشي، فصار العزاء يتكون من هوسة ووقفة وقصيدة المشي في نهاية السبعينات.

كان لبس الإزار وتعرية القسم العلوي من الجسد هيئة المعزين في ذلك الزمان متعارفاً عليه، وكان لأهل الدير قصة طريفة مع تعليق للشيخ إبراهيم آل مبارك، إذ رآهم شبه عراة وقد ظهرت بعض النسوة لمشاهدة العزاء فقال ما معناه عدم جواز رؤية النساء لهم وهم شبه عراة!! فما كان من البعض ممن اتخذوا من الشيخ مرجعًا إلا الامتناع عن العزاء فضعف العزاء عما كان عليه وكاد ينقرض لولا بروز دور بعض الرواديد والشعراء من أمثال الحاج عبدالله درويش والحاج عبدالله المهندس والحاج عيسى الحمر و ثلة من المعزين، فبرز دور الشباب أكثر وظهرت مجموعة من الرواديد كمثل علي إبراهيم مدن(ميرزا مدن) وأخيه جعفر والشيخ عيسى بن الحاج رضي المؤمن (قبل ذهابه لقم لتلقي العلوم الدينية) في حلقة كانت امتدادًا لحلقة السيد محمد (الحبوبة) وبدعم من الرادود الحاج عيسى الحمر الذي كان يتنقل بين الحلقات من جانب، ومن جانب آخر برز، امتدادا لحلقة الحاج عبدالله درويش والحاج عبدالله المهندس شباب مثل أحمد عبدالله (اسمع منّي)، وعلي حسن الغيص بعد ذلك.
تقلص عدد الحلقات إلى حلقتين فقط، لكنهما مازالتا تسلكان الطريق نفسه، وظهرت حلقة للصغار أيضًا بقيادة الشيخ حسن بن الحاج عبدالله درويش وكان ذلك في نهاية السبعينات من القرن العشرين، وبحسب بعض رواديد تلك الفترة، أن العزاء انقطع في ذكرى الأربعين على أثر كلام الشيخ إبراهيم السابق ذكره ولكن الشباب أخرجوه مرة أخرى بقيادة الرادود علي مدن (ميرزا) واستهل العزاء بقصيدة "زور يا شيعي زيارة الأربعين، كان في قلبك محبة للحسين" واعتبر بذلك صاحب حلقة السيد محمد إذ أصبح دور الأخير شرفيًّا وصارت الحلقة معروفة ب(حلقة ميرزا) وقام بجلب مكبر صوت استخدم لأول مرة في الدير في يوم الأربعين في عام 1977م.

مع مطلع الثمانينات والثورة الإسلامية الإيرانية، والأحداث التي تلتها من استشهاد الصدر الأول وأخته بنت الهدى في العراق، ساد الجو الثوري وأعقب ذلك اعتقال أحد النشطاء في القرية وهو الشهيد محمد حسن مدن، الذي قضى تحت التعذيب في الرابع عشر من فبراير 1981م، فانتفضت الدير وخرجت في مظاهرات كبرى وصلت للشارع العام، مما كان له الأثر البالغ في تسييس المسيرة العزائية، وقد أدى ذلك لتغيير مسار العزاء ليكون في الشوارع الكبيرة بدلا من مروره في البيوت والأزقة، وجاء ذلك باقتراح من الشيخ حمزة الديري في مجلس الحاج إبراهيم بن مدن حيث كان يجتمع القائمون على العزاء، وكان محرم 1401هـ/ سبتمبر 1980م، مليئا بالقصائد السياسية التي تدعو للقيادة الدينية وترثي الشهيد الصدر، ومن تلك القصائد قصيدة رددها الشيخ عيسى رضي المؤمن، يقول فيها: "يا شهيدًا على درب الهداة هذا ديني، ديني الاسلام لا لن أنتمي ليسارٍ أو يمينِ، والفقيه العادل انرشحه قيادة" لكن آخر محرم سلك أهل القرية طريق الأزقة ومآتم النساء.

استمر العزاء بحلقتين في مطلع الثمانينات إذ برز رواديد مثل الشيخ حسن درويش وأخوه علي وعبدالكريم في (حلقة ميرزا مدن) بعد أن أصبحت تعرف باسم (حلقة جعفر مدن) لكثرة غياب ميرزا بسبب عمله في الإمارات، وشاكر عبدالله الأستاذ في حلقة أحمد عبدالله (اسمع مني) والتي أصبح هو رادودها الأول بعد وفاة الحاج عبدالله درويش وبروز الحاج عبدالله المهندس كشاعر، إذ تطورت القصيدة في هذه الفترة تطورًا اتجهت فيه نحو المعالجات، فقدظهر نجم رواديد وشعراء بحرينيين طوروا في القصيدة، أخذ رواديد الدير عنهم، فمزجوا بين الاقتباس بالكلمات والألحان أو اقتباسهما معًا.

أسس بعض الشباب ومنهم حسن أحمد ربيع (الزكرت) وموسى النهام ونفر قليل حلقة ثالثة بدأت بما يشبه تجريب الصوت في مكبرات عزاء الزنجيل حتى قاد الحلقة الشاب محمد عيسى جاسم بقصيدة "شعلة كربلا خالدة تتحدى الفناء، إنها شعلة من إمامي الحسين أشعلتها الدماء" في محرم 1404هـ. ونسبة لقلة عددهم مقارنة بغيرهم أطلق عليهم مسى (six boys) وظل هذ الاسم الشعبي ملتصقا بهذه الحلقة، حتى بعد أن استبدل بمسمى آخر هو حلقة الزهراء، وقد مر على هذه الحلقة رواديد عدة منهم؛ حمزة وعبدالشهيد الطعان، خليل إبراهيم عبدالنبي، سيد إسماعيل سيد محمد، حسن خليفة صالح وسيد خليل سيد علي، وجليل المتين الذي سيطر على الحلقة لزمن طويل، وبعدها أشرك معه أخاه عبدالحسين المتين.وكانت هذه الحلقة الجديدة تمتاز بأمور منها عدم الطرح السياسي، والتزام قصائدها بالتراثية البحتة واعتمد رواديدها على الاقتباس، وهذا ما جعلها تتمكن من استقطاب كبار السن، وكذلك استقطبت المراهقين، بأمزجتهم التي لم تناسب الحلقة الأولى والثانية.

 

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus