الهافنغتون بوست: لا تلوموا الحريات الجديدة على التطرّف الديني العنيف

2014-10-30 - 10:34 م

نيل هيكس، الهافنغتون بوست

ترجمة: مرآة البحرين

تساهم الأنظمة الديكتاتورية في صناعة التّطرّف الدّيني العنيف والمحافظة عليه بنسبة تفوق أي مساهمة قامت بها الأنظمة الليبرالية أو ستقوم بها على الإطلاق، وهذا مخالفٌ لما ورد في عنوان تقرير نيويورك تايمز بقلم ديفيد كيركباتريك، الذي أرسله من تونس، والذي يزعم فيه أنّ "الحريّات الجديدة في تونس تحفز على دعم داعش".

إنّه لأمر مقلق أن يشكّل التّونسيّون عددًا كبيرًا غير متجانس من مقاتلي داعش. ولكنّ الخصائص الديمغرافية والجغرافية والسّياسيّة توضح أسباب هذا الأمر أكثر من الحرّيّات التي ظهرت في تونس عقب الإطاحة بنظام الرئيس الدّيكتاتوري بن علي في يناير/كانون الأوّل عام 2011.

ويوجد في تونس طبقة كبيرة من الشّباب المتعلّم ولكنّهم يعانون من البطالة الجزئية، مّما يعني أنّها تحوي مجموعة كبيرة من الشّبّان النّاقمين الذين يعدّون مرشحين أساسسيّين لمُجنِّدي الجهاديين. وبالطّبع تنتشر حشود العاطلين عن العمل في كل أنحاء أفريقيا الشّمالية.

ولكن الكثير منهم في مصر والمغرب، على سبيل المثال، يعانون من الفقر المدقع، وغير متعلّمين، وحتّى أمّيين. وهمّهم الأساسي هو رفض الحياة الهامشية في ظل اقتصاد السوق السّوداء، لا السّفر إلى سورية.

ومن النّاحية الجغرافية، تعتبر تونس بلدًا صغيرًا نسبيًّا. وبخلاف ليبيا والجزائر ومصر، لا تتضمّن مساحات شاسعة من الأراضي الخارجة عن حكم الدّولة، أو التي لا يطبّق فيها القانون بشكل كامل، حيث تتمكّن الجماعات المتطرّفة المحلية من العمل بعيدًا من متناول السلطات المركزية. فبالنسبة إلى الشّاب التّونسي، الانضمام إلى جماعة دينية متطرّفة منظّمة يعني ضرورة مغادرة تونس بالنسبة له.

أمّا من النّاحية السّياسيّة، وكما يلحظ مقال النيويورك تايمز، فقد كانت حركة النّهضة السياسية السائدة متساهلة كثيرًا في البداية مع السلفية المتطرفة. وقد فشل السّعي إلى دمج السّلفيين في مشروع النّهضة في أعقاب بعض الأحداث العنيفة البارزة، لا سيّما الهجوم على السّفارة الأمريكية وإحدى المدارس في سبتمبر/أيلول عام 2012. ولكنّ السّلطات التّونسية الآن تعامل السّلفيين بقسوة، وقد أدّى ذلك إلى نتيجة غير مقصودة تتمثّل في دفع بعض السّلفيين إلى مغادرة البلاد للقتال مع داعش. وقد شدّ عامل الجذب الاقتصادي عند الجماعات السّلفية المموّلة بشكل كبير، والتي تتلقى دعمًا من حلفاء الولايات المتّحدة الأمريكية في الخليج، أنظار الشّبّان العاطلين عن العمل، والذين لا فرص كثيرة أمامهم.

غير أنّ الدّعم الذي يحظى به التّطرّف الدّيني العنيف في تونس، في نهاية المطاف، هو ميراث عقودٍ من الحكم الاستبدادي، الذي ضيّق الخناق على المعارضة السّياسية السلمية وسعى إلى استغلال التّطرّف الدّيني العنيف من أجل مصلحته السّياسيّة الخاصّة.

فقد كان نظام بن علي الدّيكتاتوري متساهلًا نسبيًّا مع الحركة السّلفية، لأنّه كان يُنظَر إليها كتهديد سياسي أقل خطورة من حركة النّهضة الأكثر اعتدالًا. وككثير من الحكّام المستبدّين في العالم العربي، كان من المناسب لبن علي تصوير معارضته الإسلامية على أنّها متطرفة بأكبر قدر ممكن (كما يناسب ذلك بشّار الأسد في سورية، وكما ناسب مبارك في مصر). وبالتّالي، يصبح بإمكان الدكتاتور أن يحتج، بنحوٍ أكثر قابلية للتصديق، أنّ بديل طغيانه أسوأ بكثير، وعليه يستغل خوف شعبه ليكسب دعمه ودعم المجتمع الدّولي.

أمّا الجماعات الإسلامية السلمية المعتدلة، كحركة النّهضة في تونس، فهي مستعدّة للمشاركة في العملية السّياسية والمساومة مع الأحزاب السياسيّة الأخرى التي عانت لزمنٍ طويل من القمع الشّديد في كل أنحاء العالم العربي.

ويظهر الدعم الذي يحظى به الحكّام المستبدّون الذين أعيد تمكينهم- كالرئيس المصري السيسي أو عائلة آل خليفة المالكة في البحرين- والملتزمون بإلغاء وقمع الحرّيّات التي سعت لها حركات الرّبيع العربي الاحتجاجية عام 2011، أنّ التّطرّف الدّيني والقمع السّياسي يحظيان بتأييدٍ متبادل. فهما الدّافعان الأساسيّان لظهور الجماعات الدّينية المتطرّفة العنيفة كتنظيمي داعش والقاعدة.

وإن لم تجد الولايات المتّحدة الأمريكية وحلفاؤها سبيلًا لمكافحة التطرّف الدّيني العنيف مع المطالبة بحقوق الإنسان وحمايتها في آن واحد فسيخسر الجميع. إذ لا توجد حلول سريعة للضرر الذي لحق بالمجتمعات العربية نتيجة عقودٍ من الدكتاتورية. لذا يُشكّل التّقدّم التّدريجي نحو تشكّل حكومات تحظى بالتّمثيل بناءً على المساومة السّياسية، والتّسامح، والحماية القانونية لحقوق الإنسان التي أظهرتها تونس على مرّ السّنوات الثلاث الماضية أفضل طريق نحو الأمام على الإطلاق.

23 أكتوبر 2014

النّصّ الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus