برنامج الموالاة السياسي يساوي صفراً: ليس لنا مطالب
2014-10-28 - 1:32 ص
مرآة البحرين (خاص): عندما قلنا أن البرلمان المقبل فاشل قبل أن يبدأ، لم يكن هذا ضرب من المماحكة السياسية. يكفي أن تلقي نظرة على طموحات جمعيات الموالاة وبرامجها الانتخابية، لتدرك أن البرلمان ليس سوى صفر على الشمال.
من بين جمعيات الموالاة التي لم تعلن عن برامج انتخابية حتى اللحظة، أعلنت جمعية المنبر الوطني الإسلامي وهي الجمعية الممثلة لتيار الإخوان المسلمون في البحرين، عبر بيان رسمي برنامجها للانتخابات النيابية لعام 2014.
وبدا لافتاً غياب أي مشروع سياسي أو حتى مشروع بلديّ حقيقي، تقدمه جمعيات المولاة وأبرزها: الأصالة السلفية، والمنبر الاسلامي، وتجمع الوحدة الوطنية، والوسط العربي الاسلامي، والميثاق.
وهذا الأمر ينطبق على جمعية المنبر الاسلامي الذراع السياسي لتيار الاخوان المسلمين في البحرين. أما جمعية الأصالة فيمكن النظر لبرنامجها الانتخابي في انتخابات العام 2010 لمعرفة محاوره، فهي حددت محورين لها في 2010 وهما : التمسك بمباديء الشريعة، وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، لذلك لن تزيد الأصالة على هاذين المحورين سوى محاور مثل تأييد الوحدة الخليجية، والضرب بيد من حديد على أيدي المطالبين بالحرية والانعتاق من الحكم الاستبدادي القائم. مع الإشارة إلى أن (علي المقلة) المرشح عن الأصالة في الدائرة السابعة في المحرق قال إن إلغاء الـ 900 دينار كشرط للخدمة الإسكانية هو أبرز سمات البرنامج الانتخابي للأصالة.
تدقيق
وبالعودة إلى جمعية المنبر الاسلامي، قالت إن برنامجها الانتخابي يضم ستة عناوين ومحاور، ذكرت أنها «تتعلق بالوطن والمواطن ورؤيتها للإصلاح والتطوير في شتى المجالات، وسبل تحسين ظروف المواطنين المعيشية وتحسين الخدمات وآليات دعم الاقتصاد الوطني، وتقويم أداء الحكومة ومكافحة الفساد المالي والإداري والأخلاقي، وإجراء تعديلات دستورية وتشريعية لإعطاء صلاحيات أكثر للمجلس المنتخب ليتمكن من تحقيق طموحات وتطلعات المواطنين، ودعم الأمن المجتمعي والهوية البحرينية والوحدة الخليجية، وقضايا الأمة والتصدي للمشروعات الطائفية التي تقودها إيران في المنطقة وتستهدف أمن واستقرار البحرين».
ملاحظة 1:
تقول «المنبر الاسلامي»، إنها تريد نشاء محكمة خاصة للفساد لتسريع عملية مقاضاة الممارسات التي يتم ضبطها في تقارير ديوان الرقابة، لكن برنامجها لا يحمل حرفاً عن إصلاح القضاء، بدءاً من طريقة تعيين القضاة ومعايير اختيارهم، وكذلك لا يشير إلى ما تعيشه النيابة العامة من خلل وتخلٍ عن كل مباديء العمل القضائي المهني النزيه، ولا كيفية تعيين أعضاء النيابة العامة، ومعايير الاختيار فيها. وكذلك سكوت المنبر عن أهم المطالب بخصوص ديوان الرقابة المالية، فالمفترض في حال أي اصلاح سياسي، يتم فك الارتباط بين ديوان الرقابة المالية وبين الديوان الملكي، وأن يكون ديوان الرقابة تابعاً للمجلس النيابي المنتخب، لكن المنبر الاسلامي من رافعي شعار «الله لا يغيّر علينا».
في محور زيادة الرواتب، بدا كلام المنبر الإسلامي مهلهلاً، خصوصاً فيما يتعلق بتوحيد مزايا المتقاعدين، إذ أن مشروع توحيد المزايا بين المؤمّن عليهم في القطاعين الخاص والعام مرّ عليه ست سنوات دون أن يتم تطبيقه، وكتلة المنبر وغيرها من الكتل الموالية لم تقدم استجواباً واحداً بشأن هذا التجاوز القانوني من قبل الحكومة.
ملاحظة 2:
في المحور السياسي تقول جمعية المنبر الاسلامي، إنها تتبنى توسيع صلاحيات المجلس المنتخب، وتقول ما نصه أن «العملية التشريعية تكبلها عدد من القيود والإجراءات التي تنتقص من سلطة المجلس النيابي المنتخب ولائحته الداخلية، وهو ما أدى إلى تكدس العديد من الاقتراحات وبقانون ومشاريع القوانين التي تم تقديمها من كتلة المنبر وغيرها من النواب ووافق عليه مجلس النواب بأغلبية كبيرة ولكن تم تعطيلها بوضعها في أدراج مجلس الشورى، ومن أمثلة ذلك: قانون حظر المسكرات، قانون دعم المتقاعدين، والعديد من المشاريع الأخرى».
ومن أجل حل هذا الاشكال ترى «المنبر الاسلامي» أهمية إجراء تعديلات دستورية، ومفاد هذه التعديلات بحسب بيانها «ضرورة انعقاد المجلس الوطني مرة واحدة سنويا على الأقل لنقاش اقتراحات مشاريع القوانين المعطلة،(كاقتراحات دعم المتقاعدين ومكافحة انتشار الخمر وغيرها مما اختلف عليه المجلسان وتعطل ولم يبت فيه منذ سنوات لعدم انعقاد المجلس الوطني). وتعديل دستوري يقضي باعتماد القوانين التي يوافق عليها ثلثي أعضاء مجلس النواب أو أكثر من دون عرضها على مجلس الشورى، وذلك لزيادة صلاحيات المجلس المنتخب وتعزيز مبدأ التوافق وتحديد فترات محددة وقصوى للحكومة للرد على أسئلة النواب، والاقتراحات برغبة، وتحديد فترة لمجلس الشورى للرد على مشاريع القوانين التي أقرها مجلس النواب».
يمكن وصف ما تقترحه جمعية المنبر الإسلامي من تعديلات دستورية، بأنه «خربشة على جدار»، فالتعديلات تركز على تمرير القوانين سريعاً من مجلس الشورى، ويوجب على الحكومة الرد بشكل أسرع على نوعين من الأداء النيابي: الأسئلة، والمقترحات برغبة، لكن المنبر تتعمد القفز على تحديد وقت أسرع لرد الحكومة على المقترحات بقوانين وصياغتها وإرجاعها للمجلس، وهذا الأمر هو لبّ ما يؤخر العملية التشريعية برمتها.
ففي برلمان 2002، مرّ عامين كاملين أي نصف عمر البرلمان دون أن يصدر قانوناً واحداً، ومن أهم أسباب هذا الخلل الفادح والفاضح، هو المادة 92 الفقرة (أ) من الدستور، التي تنص على أنه: «في حال قبول المجلس الاقتراح يحال إلى الحكومة لوضعه في صيغة مشروع تعديل للدستور أو مشروع قانون، على أن تقدم الحكومة هذا المشروع إلى مجلس النواب في الدورة نفسها أو في الدورة التي تليه». ما يعني استطاعة الحكومة تعطيل الاقتراحات لمدة عامين، وهو الأمر الذي أوغلت السلطة التنفيذية في استخدامه، ويمكن الإشارة هنا إلى مقترح تعديل المادة العاشرة من قانون النقابات العمالية، دليلاً على التأخير المتعمد إذ كان المطلوب حينها تعديل مادة واحدة فقط.
طوال عامين قدم برلمان 2002 التي كانت «المنبر الاسلامي» أهم كتله بنحو ثمانية نواب، أكثر من 40 مقترحًا بقانون، لم ير أغلبها النور مع نهاية عمر البرلمان.
المادة 92 الفقرة (أ) من الدستور، غير متسقة مع مبدأ فصل السلطات بشكل واضح جداً لأصغر مبتدأ في القانون، بل هي تكرس تداخل السلطات، وتجعل يد السلطة التنفيذية هي العليا في عملية التشريع، حتى أن الحكومة في ذلك العام أعطت نفسها حق الإضافة والتعديل وعدم التعديل على المقترحات النيابية، وهو الأمر الذي أثار زوبعة وفضيحة كبيرة كان بطلها الوزير محمد المطوع، خصوصا في مقترح تعديل اللائحة الداخلية، وتدخل الديوان الملكي ليرمم تلك الفضيحة بوعده للنواب بتحريك محمد المطوع من منصب وزير شؤون مجلسي الشورى والنواب.
ويمكن هنا التذكير بعنوان شهير، نشرته صحيفة الوسط في 23 أكتوبر 2004 هو:
بعد عامين من العمل وإنفاق أكثر من 12 مليون دينار ... عدد القوانين الصادرة عن البرلمان = صفراً.
جمعية المنبر الإسلامي شاركت في كل الحوارات السياسية التي انطلقت منذ العام 2011، ولكنها لم تقترح تعديل المادة 92 (أ) بالطريقة التي تجعل التشريع أسرع، فقد تم تعديل هذه المادة بعد حوار أغسطس 2011 الذي سمي بحوار التوافق الوطني، لتصبح المهلة المتاحة للحكومة لصوغ القانون وارجاعه هي نصف عام أي ستة أشهر، وهي فترة لن تنهي مسألة التأخير في التشريع، فضلاً عن تداخل السلطات، فمقترح القانون حتى يقره المجلس النيابي ويتوافق عليه يحتاج ثلاثة أشهر في الحد الأدنى، وإذا أخرته الحكومة لمدة ستة أشهر، وبقي بعد عودته شهراً أو اثنين في المجلس النيابي، ثم رحل مجدداً لمجلس الشورى ونام كما هناك كما هي العادة في الأدراج.
هذه الرحلة للقوانين التي يقترحها المجلس النيابي، ستزيد عن عام كامل بكل تأكيد، وهي فترة طويلة أيضاً، فإذن أين الاصلاح الذي تم وأين التطوير؟، ويبقى عدم دفع جمعية المنبر الاسلامي في برنامجها الانتخابي لتقليص هذه الفترة يعني عدم رغبتها بأي اصلاح تشريعي ولو جزئي بمقدار ما يعنيه تعديل هذه المادة، وهذا الأمر يعني أن ما نشرته الجمعية في برنامجها الانتخابي حول التعديل الدستوري هو مجرد خربشة.
فعلى الرغم من تقليص المدة المحددة للحكومة لارجاع مقترحات القوانين مصاغة، إلا أن ذلك لا يمنع المنبر الاسلامي - في الحد الأدنى- من اقتراح تقليصها مجدداً، خصوصا ً أن المذكرة التفسيرية للتعديلات الصادرة على الدستور في عام 2012، أعطت مرونة للحكومة لكي لا تلتزم بمدة الستة أشهر وتتملص منها، إذ تقول المذكرة التفسيرية نصاً «وتعتبر المواعيد التي حددتها هذه المادة (92 أ) مواعيد تنظيمية لا يؤثر عدم الالتزام بها على شرعية التعديلات الدستورية أو القوانين التي تصدر». فإذا لم تلتزم الحكومة بموعد الستة أشهر لن يحدث شيء، هذا ما تقوله المذكرة التفسيرية، ليس هناك أية مخالفة دستورية، أو خلل في مقترحات القوانين المُصاغة، هذا مخرج جاهز أعطته المذكرة التفسيرية للحكومة، وما أخذه المتحاورون باليمين من السلطة، أعطته المذكرة التفسيرية التي صاغتها هيئة التشريع والافتاء باليسار للحكومة.
ومن عجبٍ أن يتضمن برنامج «المنبر الاسلامي» أن يتم «تحديد فترات محددة وقصوى للحكومة للرد على أسئلة النواب، والاقتراحات برغبة»، في حين أن الاقتراحات برغبة تم تعديل المادة 68 الخاصة بها في تعديلات 2012، بتحديد فترة ستة أشهر لرد الحكومة علي المقترحات برغبة التي يقدمها النواب، فكيف إذاً ترغب الجمعية الاخوانية بتسريع الرد الحكومي على المقترحات برغبة وهي التي تعتبر «مناشدات» فقط وغير ملزمة للحكومة بشيء، وتترك مسألة تسريع التشريع وهي أساس وجود المجلس النيابي.
هنا لا يمكن القول بأن لجمعية المنبر الاسلامي العذر بتركها تطوير المادة 92 (أ) لأنه تم تعديلها في العام 2002، بينما هي ترغب في تطوير المادة 68 التي عدلت في العام نفسه.
الأمر الأهم، هو أنه كان للمنبر الاسلامي (لو طمحت للصالح فعلاً)، أن تضمّن برنامجها حق المجلس النيابي في صوغ المقترحات بقوانين مباشرة دون أية وصاية من الحكومة، فأي برلمان هذا الذي لا يصوغ قوانينه؟
حينها فقط يمكن أن تحل العقدة الأهم وهي تحقيق مبدأ فصل السلطات، والغاء تكريس تداخل السلطات، وإنزال يد السلطة التنفيذية عن كونها اليد العليا في عملية التشريع، فالتشريع حق للنواب بنص الدستور.
ملاحظة 3:
أما إشارة البرنامج الانتخابي لممثلي تيار الإخوان المسلمين في البحرين، بأن برنامجهم يشمل «مناهضة محاولات الهيمنة الطائفية على المملكة والمشاريع الإقليمية التي تستهدف الهوية البحرينية، وتجريم التعدي على الأنبياء والرسل وآل البيت والصحابة وأمهات المؤمنين، وحظر رفع الأعلام الأجنبية وشعارات الدول المعادية، والعمل في المحافل البرلمانية على مناهضة محاولات الهيمنة الإيرانية على مملكة البحرين، ودعم الأمن ومناهضة العنف. كما يرى ضرورة إنشاء صندوق دعم ضحايا الإرهاب والعنف، تغليظ العقوبات على العنف السياسي وارهاب المواطنين»، فهو تأكيد على أن كل هذا البرنامج = صفر سياسياً، وأنه برنامج منعدم الوزن، ديماغوجي مع مزايدة قذرة، غرضه مراضاة الديوان، ودغدغة مشاعر فئات انتخابية يمكن التأثير عليها عبر التحريض المتواصل منذ العام 2011 حتى الآن.
ملاحظة 4:
يكفي لأي متابع، معرفة أن «المنبر الاسلامي» وهي من جمعية سياسية تناصر النظام السياسي القائم في البحرين، تدخل تحالفاً انتخابياً مع أربع جمعيات سياسية موالية هي: تجمع الوحدة الوطنية، الميثاق، والوسط العربي الإسلامي، دون برنامج انتخابي مشترك، لتتضح خلاصة أن هذه الجمعيات ما هي إلا درع وجدار مضاد للديمقراطية بناه النظام وصرف عليه ما صرف من ثروات، فعن أي إصلاح تتحدثون؟!.