السلطة تسمم مواقف رجال الدين المعارضين عبر منابرها: كل موقف سياسي هو فتوى دينية

2014-10-25 - 9:21 م

 

 

 

مرآة البحرين (خاص): في جهل ساذج، وتجهيل خبيث، تمارس السلطة عبر أدواتها (مسؤولين رسميين ومنابر إعلامية ودينية) الخلط بين كل من "الموقف السياسي" و"الفتوى الدينية".

الموقف السياسي هو "قرار يتخذ" إزاء سياسة النظام الحاكم أو فعله السياسي أو إزاء حدث سياسي يحركه هذا النظام. هذا القرار يكون مشفوعاً بمبررات وقراءات واقعية ومنطقية ملموسة. أما الفتوى الدينية فهي "أمر يصدر" بوجوب أو تحريم شرعي لفعل ما، مشفوع بأدلة نصيّة، لا تقديرات سياسية. الأول يمكن مخالفته وفق القراءة السياسية التي يراها الآخرون، أما الفتوى الدينية فهي قاطعة.

في البيانات التي صدرت عن علماء شيعة معارضين، أعلنوا موقفهم الرافض للانتخابات التشريعية المقررة في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. كان هناك تشديد على إبراز الموقف السياسي، وقد حرص هؤلاء -بوعي سياسي- على تجنيب تحميل هذا الموقف السياسي هذا أي فتوى دينية من بعيد أو قريب.

ففي البيان الصادر عن عالمي الدين البحرينيين الشيخ عيسى قاسم والسيد عبد الله الغريفي في 18 أكتوبر الجاري، أوضحا فيه موقفهما السياسيبأنهم لا يريان أي وجه في المشاركة في الانتخابات النيابية القادمة، وإنه لا مبرر للدخول فيها، مؤكدين أنه لا يرتقب من هذه الانتخابات إلا تكريس الوضع السابق الحاضر الظالم المؤلم. وقالا في بيان توضيح موقفهما: "لقد كان طموح الشعب والعلماء أن تكون الانتخابات النّيابية القادمة مقدّمة جديّة لإنقاذ الوطن من أزمته التي طالت وأنهكته وخسرته الكثير، وأن تصحح الأوضاع بما يُربح الوطن، ويربح الجميع، ولكن جاءت الصورة التي خُطّط للانتخابات أن تكون عليها، والنتيجة المتوقعة لها حسب هذا التخطيط مخيبة للآمال، ولا يرتقب منها إلاّ تكريس الوضع السابق الحاضر الظالم المؤلم".
وفي تنبيه لعدم تحميل الموقف السياسي أبعد من مداه السلمي، أكد البيان: "ننبه على لزوم التجنب من جميع الأطراف عن أي مظهر عدواني وأي عنف ومهاترات وتشاتم".

السيد الوداعي بدوره، أصدر في اليوم التالي بيانا (19 أكتوبر) أعلن فيه تأييده التام والمطلق لما جاء في بيان كل من قاسم والغريفي

لا يحتاج البيان السابق إلى متحذلق ساذج ليفهم مضامينه السياسية، وأن يرى خلوه أي ملمح لفتوى دينية أو تحريضية، وأنه إعلان موقف سياسي واضح وصريح، ضد واقع سياسي مأزوم، وضد تكريس للاستبداد تفرضه السلطة وتصر على المضي فيه رغم أنف المطالب الشعبية العادلة والمحدودة. وأن التنبيه فيه على تجنب المظاهر العدوانية ضد المخالفين واضحة وصريحة أيضاً.

الموقف من المختلف في الموقف السياسي، أكده قاسم مرة أخرى في خطبة الجمعة يوم أمس 24 أكتوبر، حين دعا إلى احترام الآراء المختلفة بشأن الانتخابات، وقال "كما أطالب أن يُعترف لي بحق إبداء الرأي، عليّ أن أعطي الآخر حقه في إبداء رايه في المشاركة أو المقاطعة".

وأضاف: "أما الإرهاب من هذا الطرف أو ذاك الطرف، والتعدي على المقابل، والإرهاب والتعدي أنواع فرأينا فيه حاسم جازم متكرر، وعبرنا عن ذلك بالإنكار والشجب والتنديد وبيان المفسدة والمضرة"، لكنه اشار إلى ورقة الترهيب التي يمكن بها التلاعب لضرب المعارضين بقوله: "وأي تفجير أو حرق لسيارة أو غيرها لأي من الناس من معارض للانتخابات أو لأحد محسوب على السلطة، لتشويه المعارضة فهو أثم فاحش وزعزعة لأمن البلد. وكما يمكن لذاك يمكن لهذا".

كل من الناطقة الرسمية باسم الحكومة ومنابر خطباء السلطة وصحفها الرسمية، لا يريدون أن يقرؤوا هذا التأكيد الجازم ضد عدم الاحترام والعنف أو يسمعوه، فهم (مكلّفون) بتضليل الرأي العام وتدليس الحقيقة، وعليهم أن ينفذوا ما يملى عليهم ولو أظهروا أنفسهم في شكل المهرج البائس. لهذا ستجد خطباء الجمعة الموالين للسلطة يهبّون بخطاب واحد يوم أمس، يحمل المضامين ذاتها التي أقرتها الناطقة الرسمية، وكذلك صحف السلطة وكتبتها.

صحيفة أخبار الخليج وبدون قصد منها، أكدت في افتتاحيتها لهذا اليوم 25 أكتوبر، كيف أن خطباء السلطة يتحركون بورقة واحدة في خطبهم، جمعت خلاصة خطبهم في فقرة لا تتجاوز عدّة أسطر، لكنها تبين مستوى التطابق في الخطاب المنبري الرسمي لخطباء الجمعة، قالت على لسان جميع خطباء الجمعة: " أكد خطباء الجمعة أن الأعمال الارهابية التي يتعرّض لها عدد من المترشحين هي نتيجة بعض الفتاوى الدينية والخطب المنبرية"، ثم كررت السابق بتأكيد قاطع.

خطيب جامع الخير صلاح الجودر قال: "الأعمال الإرهابية التي وقعت دافعها الأساسي تعطيل العملية الانتخابية"، معتبراً "حرق بلدية جدحفص، والتعدي على الممتلكات الخاصة لبعض المترشحين أعمالاً إرهابية "ترويع بعض المترشحين ودفعهم الى الانسحاب".

ونسب ما حدث إلى "بعض الفتاوى الدينية والخطب المنبرية، فهناك محرضون على تلك الأعمال لإعاقة الانتخابات، لذا لا بد من التصدي لكل من يدعو الى الحرق والعنف والتخريب والتدمير بتطبيق القانون عليه، يجب أن يطبق القانون على كل مجرم"، معتبراً ما وقع في الأيام الماضية "هدفه الأساسي إشعال نار الفتنة الطائفية والصراع الأهلي كما هو الحال في العراق وسوريا واليمن"، داعياً المواطنين للتعاون في "اجتثات الإرهاب"!

بهذا الجزء الأخير من خطبة الجودر، والتي أسقط فيها بشكل سطحي ومضحك، المواقف السياسية من الانتخابات في البحرين، على ما أسماه الفتنة الطائفية والوضع السياسي في العراق وسوريا واليمن، تتضح لعبة السلطة جيداً، وهي ليست بالأمر الجديد ولا الأخير: تحريض السذج والبسطاء من الشارع الموالي ضد المعارضين، وتلبيس الارهاب للمعارضة ولرجال الدين الشيعة على مواقفهم السياسية المزعجة للسلطة، وهي جزء من مشروع طويل للسلطة في "اجتثاث المعارضة" لا "اجتثاث الإرهاب".

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus