ماذا وراء صمت الداخلية المريب عن حرق بلدية جدحفص ومحطة بنزينها؟
2014-10-23 - 4:26 م
مرآة البحرين (خاص): غموض يحيط مجموعة من الأحداث الغريبة التي وقعت خلال النصف الثاني من شهر أكتوبر وسط سكوت مريب من السلطة. السلطة التي يعلم الجميع أن سكوتها ينطوي على شرٌّ يدبّر في الظلام.
الحدث الأول هو حرق بلدية جدحفص في 16 أكتوبر، في ذلك اليوم أعلنت الداخلية على حسابها في موقع التواصل الاجتماعي أن "الدفاع المدني يباشر عمليات إخماد حريق اندلع في بلدية منطقة جدحفص" دون أن تدلي بأية تفاصيل لاحقة. في اليوم التالي، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو تسجيل كاميرا المراقبة لعملية حرق مبنى البلدية، أظهر 3 ملثمين يدخلون المبنى ويسكبون البنزين بطريقة احترافية داخل المكان وفوق أجهزة الحاسوب، ثم يغادر الجميع قبل أن يتم إلقاء شعلة نار من الخارج تلتهم المكان.
مجموعة من الغوامض أحاطت بهذا الفعل، الأول هو نشر الفيديو الذي التقطته كاميرات المراقبة الأمنية داخل مبنى البلدية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وليس عبر الداخلية، في حين أنه لا أحد يمكنه الوصول إلى هذا التسجيل غير الداخلية التي طوقت المكان وأخمدت الحريق قبل أن تباشر العمل على معرفة كيفية وقوع الحادث. أي أن أحداً غير الداخلية لا يمكن له أن يتواجد في المكان بعد الحادث. فمن أين خرج تسجيل الكاميرات الأمنية؟ ولماذا لم تنشر الداخلية الفيديو في موقعها الرسمي كما هي عادتها؟ ولماذا لم تعلّق الداخلية عبر بيان لها أو حتى تغريدة لاحقة على هذا الفعل بعد استخراجها لتسجيل كاميرات المراقبة؟
الغامض الآخر هو عدم وجود سبب لاستهداف بلدية جدحفص وحرقها، إذ لا أسباب يمكن توقعها حتى لدى المحتجين الأكثر حدية تجعلهم يقومون بهذا الفعل. بل أن هناك أماكن أخرى قريبة، هي -بالنسبة لهم- الأولى بهذه الخطوة فيما لو فكروا القيام بهذا الفعل، مثل بيت الشباب في السنابس الذي تحول إلى وكر تعذيب، أو بلدية كرزكان، أما بلدية جدحفص فليس هناك شيء خاص بشأنها.
الغامض الثالث، أنه لم تعقب هذا الحدث أية ضجة رسمية كما عودتنا أجهزة الدولة وصحافتها، ولم تعقّب بأي توضيح أو تفصيل عن الحادث. في الوقت الذي تحرص فيه في كل مرة يقوم فيها محتجون بحرق إطارات سيارات، بذكر ذلك على صفحتها واصفة إياه بالعمل التخريبي، فكيف بحرق بلدية!
اكتفت الصحف الرسمية الثلاث الأيام والبلاد وأخبار الخليج، بنشر خبر موحد كما وصلها دون تغيير أو إضافة، جاء في نص الخبر في الصحف الثلاث "تعرضت بلدية جدحفص لعملية حرق وتخريب من قبل مجهولين، في الساعة العاشرة والنصف من ليل الخميس"، ونقل الخبر عن بيان لوزارة شئون البلديات استنكرت فيه هذا العمل التخريبي، وقالت إن "الاعتداء أسفر عن تلفيات كبيرة حيث أقدم المجهولون على رمي زجاجات المولوتوف على محتويات المبنى مما أدى الى تضرر المبنى بالكامل واحتراقه بما يحويه من موجودات ومعدات وآليات"، علماً أن الفيديو أظهر خلاف ذلك.
الحدث الآخر الغريب، هو الفيديو الذي نشر على مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً لمحاولة حرق محطة بترول جدحفص، يرينا الفيديو المسرّب من خلال الكاميرات الأمنية 3 ملثمين يشبهون الثلاثة الذين حرقوا بلدية جدحفص، يقتحمون المحطة بأيد عزلاء ويتجهون نحو خراطيم البنزين، لكننا نفاجأ بعمال المحطة ورجال أمنها يفرون دون أية مقاومة، بل يلقون بخراطيم البنزين على الأرض للملثمين ويهربون. الملثمون بدورهم لم يبد عليهم أي ارتباك أو تخبّط، فقد كانوا يعرفون ماذا يريدون ويتحركون بخفة وثقة وخلال ثواني كانت شعلة النار قد تسللت إلى المحطة.
هذا الحادث لم تشر له الداخلية على موقع حسابها الرسمي، ولم نجد في الصحف الرسمية إشارة إليه، فيما عدا صحيفة الوسط التي نشرت يوم أمس 22 أكتوبر، خبراً يعتمد على الفيديو المنتشر، لا على بيان منشور من قبل الداخلية، يشير إلى أنه كادت محطة التزويد بالبنزين الواقعة بمنطقة جدحفص أن تحترق فجر أمس (الثلثاء 21 أكتوبر)، وذلك إثر تعرضها لعمل تخريبي من قبل شخصين ملثمين.
وتبقى غرائبيات هذا الحادث لا تقل عن سابقه، فلماذا لم تشر إليه الداخلية رغم خطورته بالنسبة إلى الحوادث التي تحرص أن تعلن عنها في صفحتها والصحف الرسمية مثل حرق إطارات السيارات أو حرق سيارة مترشح في سترة؟ ولماذا يُنشر الفيديو للمرة الثانية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وليس عبر جهة رسمية علماً أن أحداً لا يمكنه الحصول على الفيديو غير الجهات الأمنية؟ خصوصاً بعد إرسال الداخلية إلى العديد من المحلات رسالة تدعوهم فيها للتعاون والتسجيل في كاميرا الفيديو. ولماذا لم تنفجر المحطة بعد اشعال النار على البنزين في حين أنها الأسهل للانفجار من أي مكان آخر؟ ولماذا فر العامل ورجل الأمن دون أي مقاومة رغم أن الملثمين لم يكونوا يحملون في أيديهم أي سلاح؟ بل ما جدوى حرق محطة بترول في هذه المنطقة وهي المزود الرئيسي لسكان كل من السهلة وطشان وجدحفص والمناطق المحيطة بها وأهل المنطقة هم المتضرر الأكبر من حرقها؟
تبدو محاولة حرق محطة جدحفص عبثية ولا تنم عن شيء، إلا أن الفيديو المسرّب يريد أن يقول شيئاً يعرفه الجميع، لكن لماذا الصمت الرسمي مقابل التسريب؟ لا إجابة معروفة حتى الآن.
أحداث الحرق التي أبرزتها وزارة الداخلية عبر حسابها خلال النصف الثاني من شهر أكتوبر هي التالية:
16 أكتوبر: الدفاع المدني يباشر عمليات إخماد حريق اندلع في بلدية منطقة جدحفص.
17 أكتوبر: عمل تخريبي تمثل بحرق صراف آلي بالكامل وذلك بمنطقة سلماباد، والجهات المختصة تباشر إجراءاتها.
20 أكتوبر: عمل تخريبي تمثل في حرق سيارتين بالكامل بمنطقة سترة وتضرر 4 سيارات، والجهات المختصة قامت باتخاذ اللازم
20 أكتوبر: عمل تخريبي تمثل بحرق إطارات بشارع الشيخ سلمان بالقرب من منطقة الخميس، والجهات المختصة بالموقع.
22 أكتوبر: عمل تخريبي تمثل بحرق إطارات بشارع الشيخ سلمان باتجاه سلماباد، والجهات المختصة تباشر إجراءاتها بالموقع.
ويبقى السؤال الغامض، لماذا تجاهل أبرز وأخطر عمليتي حرق خلال هذه المدة، والاستعاضة عن ذلك بتسريب تسجيلات الفيديو؟
يذكرنا تسريب مقطعي الفيديو السابقين، بتسريب متعمّد من كاميرا أحد الفنادق قبل اعتقال المعذّب السابق والتكفيري الحالي عادل فليفل، بدا الأمر غريباً وغير مفهوماً، حتى أعلن توقيف الأخير بتهم اختلاسات مادية. ورغم أنه لا يوجد ما يثبت توقيفه في السجن حتى الآن أو ما إذا كان تم تهريبه إلى الخارج كما حدث في بداية الألفية الثانية، إلا أن هذا المقطع المسرّب عمل على إيصال رسالة لمحبيه وتابعيه الذين صدّقوا مظهره الديني الذي لبس فيه ثوب "الداعية الاسلامي". كانت الرسالة أن هذه صورة الداعية ما هي إلا غطاء، وأنه لا زال يرتاد المبارات والملاهي كما هو معروف عنه في السابق. الأمر الذي خفّف ردود الفعل تجاه اعتقاله في وسط اتباعه والمؤمنين بـ(إيمانه). يبقى السؤال الآن: ماهي خطة الداخلية بعد حادثتي البلدية والمحطة بعد أيام من حرق 10 صرافات آلية؟
هل الأمر فقط متعلّق بإرسال الرسائل المعتادة للخارج بأن المعارضة التي تنادي باسم الديمقراطية تقود أعمال عنف وتخريب في محاولة إفشالها للانتخابات؟ أم هو (مطبخٌ) أكبر من ذلك؟ هذا ما ستكشفه لنا الأيام القادمة.