بيل لو: البحرين: تهديد داعش الدّاخلي

2014-10-15 - 9:07 م

بيل لو، موقع ميدل إيست آي

ترجمة: مرآة البحرين

تواجه البحرين حاليًّا لحظة خطيرة في التّاريخ، إذ يكمن لها ما يسمّى بتنظيم الدّولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في جهازها الأمني الخاص، الذي وجّه تهديدات مباشرة إلى الأسرة الحاكمة.

وقد أكّد فيديو نشره التّنظيم مؤخّرًا هذا التّهديد الدّاخلي الذي تواجهه أسرة آل خليفة الحاكمة في البحرين في أجهزة الأمن الخاصّة بالمملكة.

وللوهلة الأولى، لا يُعتبر الفيديو استثنائيًّا بالتّحديد، فهو مجرّد فيديو آخر ضمن سلسلة طويلة تندرج في أسلوب البروباغندا الحذق الذي يستخدمه داعش. ويتم افتتاح الفيديو بلقطة تصوّر أربعة شبّان جهاديّين يصعدون عمدًا على تلّة من تلال الصّحراء، ويحمل كلٌّ منهم سلاح رشّاش من طراز كلاشينكوف في يديه. ولكّن جوهر الموضوع يكمن في ماهية جنسيّة هؤلاء الجهاديين. فكلّهم بحرينيّون.

لقد تمّ نشر الفيديو في آخر سبتمبر/أيلول ويظهر فيه ضابطٌ سابقٌ في وزارة الدّاخلية البحرينية يدعو الضّباط الآخرين في جهازي الشّرطة والجيش إلى الانشقاق. ويشجب فيه بحريني آخر جالس إلى جانب الضّابط السّابق آل خليفة، حكّام مملكة البحرين المضطربة.

لقد حكمت هذه العائلة المسلمة السّنّيّة البحرين، ذات الغالبية الشيعيّة، لأكثر من 200 عام.

وفي أعقاب الانتفاضة الشّعبية التي تمّ قمعها بوحشيّة في العام 2011، لا تزال المملكة إلى حدّ كبير منقسمة طائفيًّا، حيث أنّ الشّيعة على خلاف مع حكّامهم السّنّة.

وقد تمّ القضاء بالقوّة على الحركة السّلمية إلى حد كبير، والتي سيطرت على الدّوار المركزي في العاصمة المنامة في فبراير/شباط من العام 2011. فتمّ قتل العشرات، واعتقال الآلاف، وطرد آلاف الآخرين من وظائفهم. وكانت الغالبية السّاحقة من الشّيعة.

ولكن بالنّسبة لمتطرّفي داعش، يُعدّ آل خليفة الآن بقدر سوء الشّيعة الذين يسودون عليهم. إذ يدعو الفيديو السّنّة في البحرين إلى "الانشقاق عن آل خليفة، لأنّهم لا يحكمون بالشّريعة، ما يعني أنّهم اعتبروا أنفسهم آلهة مع الله."

وهذا بمثابة نعت الأسرة الحاكمة "بالكفّار". وبالنّسبة لداعش، مصير الكفّار القتل، ومن المفضّل أن يكون بحد السّيف.

وكان الفيديو ردًّا على قرار الحكومة البحرينية بالانضمام إلى الائتلاف ضد داعش.

ويقال إنّ البحرين "تشارك في الغارات الجوّيّة" ولكن عندما تمّ الضغط على الحكومة، كان وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة متكتّمًا حول ما يقوم به البحرينيّون فعلًا- بينما تملّق لحلفائه الغربيين بأقل ما يمكن. ولوصف حالهم بطريقة أخرى، يمكن القول إنّ البحرينيين يتجنّبون لفت الأنظار.

وقد غاب الفيديو أيضًا بشكل كبير عن السّاحة الإعلامية المحلّيّة الخاملة إلى حدًّ كبير، على الرّغم من/أو ربّما لأنّه يُشكّل تهديدًا مباشرًا للعائلة الحاكمة ويُسلّط الضّوء على الإقرار العلني الأوّل بانضمام ضابط بحريني إلى داعش.

ولكن هذا لا يعني أنّ آل خليفة لا يشعرون ببعض القلق. فقد قال لي مصدرٌ حكومي إنّ "التّهديد حقيقي، والقضية خطيرة جدًّا. فهؤلاء الأشخاص أتوا من أجهزة الأمن، والشرطة، والجيش. ولدينا أشخاص يريدون ضمّ البحرين إلى الخلافة الجديدة. ويرون في آل خليفة أعداء لهم."

وزعم المصدر، الذي وافق على التّصريح بشرط البقاء مجهول الهوية، أنّ اختراق عقيدة داعش لأجهزة الأمن البحرينية أصبح أسهل من ذي قبل بسبب السياسة التي تتّبعها الحكومة باستمرار وذلك عبر توظيف ضبّاط شرطة سنّة من اليمن وسورية والأردن وباكستان، يؤمنون، وفقًا للمصدر، بالعقيدة ذاتها.

ويحصل الذين يُسمّون "البحرينيين الجدد" على الجنسية بأسرع وقت مممكن ويُدفع لهم رواتب أعلى بكثير من تلك التي يحصلون عليها في بلادهم ويتم تأمين مساكنَ لهم قبل تأمينها للسّكّان المحليّين. إنّهم في الواقع مرتزقة، تجنّدهم الحكومة لحماية مصالح العائلة الحاكمة.

وعندما تمّ قمع انتفاضة عام 2011، تمّ ارتكاب أكثر الأعمال وحشيّةً، بما في ذلك ضرب ثلاثة معتقلين حتّى الموت، على أيدي البحرينيين الجدد.

وفي ذلك الوقت، قال لي أحد النّاشطين المطالبين بالديمقراطية بلوعةٍ إنّه "لا علم لهم بثقافتنا، وحتّى أنّ البعض منهم لا يتكلّمون بالعربية ومع ذلك يُسمح لهم بضربنا، وقتلنا، والزّج بنا في السّجن."

ولكن من الممكن أن ينحرف هؤلاء المرتزقة، وقد طرح المصدر سؤالًا مثيرًا للاهتمام:

"ما هي الضّمانة التي يؤمنها كون آل خليفة محميين من قبل الشرطة إن كان عناصرها غير بحرينيين بل سوريين وأردنيين ويمنيين؟ ما الذي يضمن أنّ أفراد الشّرطة أنفسهم ليسوا متطرّفين؟"

وعندما سُئل المصدر ما إن كان آل خليفة يواجهون تهديدًا مباشرًا، أجاب بالقول إنّ "كل شيء ممكن. وهذه المرّة الأولى في تاريخ البحرين التّي يتم نعت آل خليفة فيها بالكفّار علنًا."

الآن، تمّت إضافة طبقة جديدة من الشّك إلى وضعٍ معقّدٍ ومضطرب في الأصل.

وفي الفيديو الذي نشره داعش، تم التعرف إلى الضّابط محمّد عيسى البنعلي

وفي 5 سبتمبر/أيلول، نشرت وزارة الداخلية تغريدة على تويتر مفادها أنه تم فصله من وظيفته لغيابه المتكرر من دون إذن. وحصل هذا بعد حوالي ثلاثة أشهر من انضمامه إلى داعش.

ولا ينبغي أن تتفاجأ السّلطات من انشقاقه. فقريبه تركي هو رجل دين بارز في داعش، وهو الذي دعا العام الماضي، في بيان وُزّع على الإنترنت، المؤمنين الحقيقيين إلى الاعتراف بأبو بكر البغدادي، زعيم داعش، على أنه خليفتهم.

وكان فرد آخر من القبيلة، وهو علي بن يوسف البنعلي، قد قُتِل في سوريا في شهر مايو/أيار من هذا العام. وعائلة البنعلي هي عائلة كبيرة ذات سلطة، ولها ممتلكات تجارية كبيرة وعلاقات وثيقة مع آل خليفة.

وقد يُفسّر هذا عدم تصدي الحكومة والشرطة لتظاهرة في العام الماضي أمام السّفارة الأمريكية في العاصمة المنامة، بقيادة تركي البنعلي المتغطرس مع ظهور أعلام سوداء إسلامية ترفرف وراءه.

وكان رجل الدين قد حرّك إحساسًا ينتاب عددًا من السّنة بأنهم تعرضوا للخيانة من قبل الأسرة الحاكمة. ويعتقدون أنّه لم يتم تقدير دعمهم لآل خليفة في خلال انتفاضة العام 2011 ولا مكافأتهم عليه. ويظنون أيضًا أنّ الحكومة، عبر قيامها بإصلاحات مترددة، قد تساهلت مع البحرينيين الشّيعة.

ويظهر إحباطهم جليًا في شوارع المنامة حيث نرى غالبًا أعلام داعش ترفرف في السّيارات. وهذا مقياس لمدى حساسية القضية حيث أنه لا يتم إيقاف السّائقين أو اعتراضهم من قبل الشّرطة.

وفي العام الماضي فقط، نشر اللواء طارق الحسن، وهو رئيس الأمن العام في البلاد، صورة على موقع تويتر، تظهر فيها رصاصة مصقولة مع الشعار المتطرف، ومعهما اقتباس من كلام عمر، الخليفة الثالث في الإسلام.

وسرعان ما أزيلت التّغريدة، لكن ناشطًا معارضًا للحكومة، تمّ سجنه عدة مرات وطلب عدم الإفصاح عن اسمه، وصف قائد الشرطة بأنّه "رجل عملي لا يدعم داعش مباشرة، ولكن يحب أن يظهر بصورة مؤيدة لأن الكثير من مؤيدي داعش هم عناصر في الشّرطة وقوّات الأمن. وكان يحاول كسب حلفاء له."

وقال النّاشط إنّ قائد الشّرطة "غضّ الطرف عنهم وسمح لهم (أي المتطرفين السنة) بالتّجمع ومغادرة البلاد والوعظ وإنتاج الكتب الدّينية وتوزيعها."

وفي الواقع، أخبروني أنّه في قلب المنامة، يمكن شراء كتب دعائية من مكتبة الفاروق لتركي البنعلي، الذّي وُصِف بأنّه "إمام الدّولة الإسلامية". وقد غادر البحرين في صيف العام 2013.

وفي يوليو/تموز من العام الحالي، حذّر اللواء طارق الحسن البحرينيين من دعم الجماعات الإرهابية، وتعهّد بـ"عدم التّسامح مع الانتهاكات التي قد تمس بأمن البحرين." ولكن هذا لم يأتِ إلا بعد سلسلة من التّغريدات، وبعضها من قبل سياسيين بارزين، الذين رأوا إن انتصارات داعش في العراق ليست إرهابًا بل نوعًا من التّمرد السّني ضد نظام شيعي قمعي.

وبعد شعورهم بخطورة الوضع، بسبب السّنة المتشددين الذين يدعمون داعش من جهة، وبسبب ضغط حلفائهم الغربيين للانضمام إلى الجهود ضد الجهاديين من جهة أخرى، تردد آل خليفة، كما هو متوقع، إلّا عندما تعلق الموضوع بنبيل رجب.

وحين غرّد نبيل رجب -وهو ناشط بارز في مجال حقوق الإنسان وكان قد أُطلِق سراحه مؤخرًا من السّجن- في 28 سبتمبر/أيلول عن أن وزارتي الدفاع والدّاخلية هما "الحاضنة الفكرية الأولى" للبحرينيين المنضمين إلى داعش، تم اعتقاله فورًا. وفي 9 أكتوبر/تشرين الأول، اتُّهِم رسميًا بإهانة المؤسسات الحكومية. وفي حال إدانته، سيواجه عقوبة بالسّجن ثلاث سنوات.

وبالطبع، ليست البحرين الوحيدة بين دول الخليج التي تواجه خطر داعش من الدّاخل. فقد شهدت السعودية المُجاورة موجة دعم للجهاد على الإنترنت و عُرِض عدد من الفيديوهات عن انضمام عناصر في قوات الأمن إلى داعش على مواقع التواصل الاجتماعي.

وما يميز البحرين هو تجنيد "البحرينيين الجدد" في الشّرطة. ولا تعلن الحكومة البحرينية عن أعداد السّنة الأجانب في قوات الأمن، ولكن يُعتَقَد أنّها بالآلاف.

وفي حال تم اختبار ولائهم، وفقًا لأقوال الإمام الداعشي تركي البنعلي، يبقى السؤال مفتوحًا حول كيفية رد بعض هؤلاء العناصر، وهو أحد الأسباب التي تجعل آل خليفة حذرين في تعاملهم.

وتشكل قبيلة البنعلي سببًا آخر. فعلى مدى عقود، كان يُنظَر إليهم على أنهم أصدقاء وحلفاء آل خليفة. أما الآن، فقد تحول ولاء بعض أفراد العائلة إلى الجهاديين.

وكما قال المصدر، "هذه فترة خطيرة جدًا بالنسبة للبحرين."

التاريخ: 14 أكتوبر/تشرين الأول 2014

النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus