» رأي
الدولة الوحش
عادل مرزوق - 2011-10-02 - 3:46 م
عادل مرزوق*
"صدقني يا عادل: صورة سيارات قوات الشغب والآلات العسكرية في القرى لم تعد تخيف أحد، بل تدعو للشفقة"
صحافي بحريني في محادثة عبر سكايب
لم يعد مجدياً أن نصف الأوضاع في البحرين أنها مجرد انتهاكات أو اعتداءات أو تجاوزات أمنية، أو أنها أحكام جائرة لقضاء فاسد. أو سياسات تمييز، أو إقصاء، أو حتى دعايات طائفية لنظام يبذل ما في وسعه ليمانع إجراء إصلاحات سياسية حقيقية. ما يحدث في البحرين منذ 15 مارس الماضي هو انتقال تاريخي منظم ومدروس نحو نظام ديكتاتوري، رجعي، بربري الطباع، أساسه التطرف، ولا يقيم وزناً او اعتباراً لأي حق من حقوق الإنسان.
وقبالة هذا التحول وهذه النظام في لباسه الإرهابي، على المجتمع الدولي أن يحدد خياراته، وأن يتحمل مسؤوليته كاملة في حماية هذا الشعب المسالم الذي يتعرض أبناءه وبناته لسياسة إبادة وتهجير وتعذيب لا تقيم وزناً لأي من المواثيق والمعاهدات الدولية.
ثمة إجماع من التنظيمات السياسية المعارضة داخل البحرين وخارجها على أن ما يحدث قد تخطى حدوداً ما كان لأحد أن يتخطاها، وأن النظام قد بلغ به غروره ما جعله غير مكترث لضمان حقوق أيٍ من مواطنيه، أو الوفاء بأي من التزاماته القانونية أو الأدبية، أو حتى تقبل أي انتقاد أو نصيحة تخرج أو تختلف عن تبرير وتبني هذه الوحشية التي تمارسها الدولة تجاه الأبرياء العزل.
الأزمة اليوم في البحرين ليست أزمة سياسية وحسب، هي أزمة وجود وبقاء أمام بربرية لا تفهم لغة سوى لغة الرصاص والقتل والتعذيب وانتهاك الحرمات والأعراض. وهي أيضاً، ليست أزمة هذا الشعب منفرداً، بل أزمة المجتمع الدولي والإنسانية كلها، أزمة العالم إذ يرى ويشاهد عن كثب تفاصيل بربرية النظام، وفساد مؤسساته، وقضائه، ومسلسل الانتهاك اليومي للحريات والحقوق.
لا يزال هذا الشعب محتفظاً بسلميته ومتمسكاً بسمو المبادئ التي قامت عليه ثورة الرابع عشر من فبراير، ولا تزال التنظيمات السياسية والشبابية تقدم كل يوم معطيات وافكاراً خلاقة في التظاهر السلمي، المعبر عن تحضر هذا الشعب، وسمو مطالبه. وقبالة هذا التحضر والسمو والخطاب المدني المسؤول، لا تزال السلطات السياسية والأمنية في البلاد تنتهك حقوق المتظاهرين السلميين، وتصدر الأحكام القضائية الباطلة والمسيسة ضد النشطاء السياسيين والأطباء والنخبة البحرينية في المعارضة، ضاربة بعرض الحائط الانتقادات والملاحظات التي قدمتها الهيئات والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، بالإضافة للمناشدات التي أطلقها الحليفان التقليديان للنظام الولايات المتحدة وبريطانيا.
إن التطورات التي شهدتها الساحة البحرينية خلال الأسبوعين الماضيين، والتي شملت تعمد حرق المتظاهرين في منطقة السنابس، والاعتداء على النساء المتظاهرات في أحد المجمعات التجارية في قلب العاصمة المنامة في مشهد روع البحرينيين وأذهلهم، وكذلك صدور الأحكام القضائية الجائرة بالإعدام لمتظاهر وأحكام السجن المطولة للطاقم الطبي من أطباء وممرضين ومسعفين، كلها تطورات أماطت اللثام عن عنجهية هذا النظام، وعن المستوى الذي وصلت له الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان في البحرين. يأتي ذلك في وقت لا تزال فيه الخلافات في مؤسسة الحكم محتدمة بين من يرى الاستمرار في هذا النهج الامني والتعسفي من جهة، وبين القوى المعتدلة التي تؤمن بأن ميزان الخسارات يتراكم ويتضاعف كل يوم.
يعاني النظام اليوم أزمة مستفحلة في شرعيته، وفي قدرته على فرض هيبته واحترامه محلياً وإقليمياً ودولياً. وفيما تتزايد الضعوط السياسية إقليمياً ودولياً على النظام تمعن القوى المتطرفة في مؤسسة الحكم على إعمال الآلة العسكرية وتوظيف القضاء الفاسد نحو تعقيد خيوط القضية بهدف الإجهاز على أي تسوية محتملة. وتؤمن هذه القوى المتطرفة – واهمة - أن العنف وفرض سياسة الأمر الواقع هو الحل الكفيل بإعادة البحرين لما كانت عليه قبل الرابع عشر من فبراير. لكن الحقيقة التي تغيب عن النظام والممسكين بالقرار فيه، هي أن الدولة التي تنتهك حقوق مواطنيها وتنتهك حرماتهم تفقد شرعيتها أبداً، وحين تفقد الدولة شرعيتها تتحول لوحش مجنون، لا عقل له، ولا حدود يقف عندها. وحين تفعل ذلك، فهي لا تستعيد شرعيتها، لكنها تقتل نفسها، لأنها تصبح الطرف الأضعف، والعاجز. فعلاً، الدولة الوحش لا تخيف، بل تدعو للشفقة.
تؤكد المعطيات في الشارع البحريني اليوم أن سياسات النظام الحالية لن تزيد الشارع إلا إيماناً بعدالة هذه القضية، وأهمية الثبات والمثابرة والتحمل لنيل هذه المطالب الديمقراطية. لقد قدم البحرينيون في الأشهر الستة الماضية أنفسهم وأولادهم وأموالهم للدفاع عن عدالة قضيتهم، وضربوا للعالم أروع وأسمى صور التحضر والرفعة والسمو في السلمية والتكافل والتراحم والتكاتف. وليست هذه المواقف الثابتة على هذه المبادئ السامية إلا دلالة على عدالة هذه القضية وسمو رسالتها. وهي أيضاً، الرسالة التي تبقى في وجه النظام مهما زاد بطشه وتوحشه، ولن تتغير.
تحية لأبناء وطني الصابرين على الوجع، للممسكين بأيدي بعضهم البعض في هذه المحنة، للمضحين، للباذلين أرواحهم في سبيل حريتهم وكرامتهم. للمتعففين عن لقمة الذل والمهانة، للمتمسكين بعدالة قضيتهم، للصابرين على ظلم ذوي القربى وإخوة الدم والوطن، للصامدين الصارخين بهتاف العزة والكرامة في وجه الذل والخنوع والقهر.
* كاتب بحرين.
اقرأ أيضا
- 2024-11-23التعايش الكاذب وصلاة الجمعة المُغيّبة
- 2024-11-20دعوة في يوم الطفل العالمي للإفراج عن الأطفال الموقوفين لتأمين حقهم في التعليم
- 2024-11-18النادي الصهيوني مرحبا بالملك حمد عضوا
- 2024-11-17البحرين في مفترق الطرق سياسة السير خلف “الحمير” إلى المجهول
- 2024-11-13حول ندوة وتقرير سلام تعزيز الديمقراطية.. أمل قابل للتحقيق