بيل لو: مشاكل السّعوديّة الأمنيّة

2014-10-07 - 6:50 م

بيل لو، موقع ميدل إيست مونيتور

ترجمة: مرآة البحرين

دعنا نصرف نظرنا قليلًا إلى وزير خارجية السّعودية سعود الفيصل الذي يشغل هذا المنصب منذ زمنٍ طويل، والذي لا بدّ من أن يسأل نفسه عن ماهية المشاكل التّالية التي ستواجهها المملكة. إذ أنّ ما يُسمّى بالدّولة الإسلامية في العراق والشّام (داعش) لم يعد يُشكّل التهديد الوجودي الوحيد على المملكة، ففي الأيّام القليلة الماضية ظهر تهديدٌ جديد من الخاصرة الجنوبية للسعودية.

تقع حدودٌ تمتد على طول 1،700 كيلومترًا بين السّعودية واليمن، وهي الدّولة التّي ترنّحت من أزمةٍ إلى أخرى منذ تفتُّح الرّبيع العربي. والآن، بضربةٍ خاطفةٍ أذهلت العيون بقدر ما فعلت سيطرة داعش على مدينة الموصل العراقية، أصبحت العاصمة صنعاء في قبضة المتمرّدين الحوثيّين الشّيعة الذين يجوبون الشّوارع ويحرسون المباني التّابعة للبرلمان.

ويذكّرنا مشهد انهيار القوّات الحكومية في العاصمة صنعاء، بشكل مخيف، بما حدث في الموصل، حتّى وإن كانت النتيجة أقل وحشيةً ودمويةً بكثير. إذ لم تُقطع رؤوس الجنود السّنّة ولم تُطبّق أقسى أحكام الشّريعة.

ولكنّ واقع انتصار الحوثيّين على القوّات الحكومية بهذه السهولة الواضحة إنذارٌ صارخٌ بمدى التّغير الكبير في قواعد اللّعبة بالنّسبة إلى السّعودية. والذي يثير قلقًا أكبر هو الفكرة بأنّ إيران، التي يظنّ السعوديون بأنّها تُسلّح حركة تمرّد الحوثيين وتدعمها منذ أكثر من عقد، أصبح لها موطئ قدمٍ في شبه الجزيرة التي تعتبرها السّعودية، بخلاف الدّول الأخرى في الخليج، مُلكًا لها في الغالب.

وقد اعتاد السّعوديون على تخبّط اليمن، على مدى عقودٍ عدّة، في حالة من النزاع والفساد والفوضى الشبه مستمرة. إذ اعتمدت بشكل كبير على سياسة الاحتواء وعدم التّدخّل، غير مبالية بالمعاناة التي عاشها اليمنيّون من أسوأ أشكال الحكم وأعلى درجات الفقر ونِسَب وفيّات الأطفال في المنطقة.

ومع انطلاق حركة الرّبيع العربي، كان جلُّ اهتمام السعودية موجّهًا نحو المساعدة على سحق الانتفاضة الشّعبية في العاصمة البحرينيّة المنامة، صارفةً نظرها عمّا يحدث في اليمن. فأرسلت جنودها عبر الجسر الذي يربط البحرين بشبه الجزيرة في مارس/آذار من العام 2011.

وبالطّبع لم تكن السّعودية سعيدة برؤية حليفها، الرّئيس اليمني، علي عبد الله صالح، مُجبَرًا على التّنحي في العام 2012، غير أنّهم تقبّلوا واقع أنّه لم يعد زعيمًا ذا مصداقية. وفي حال بروز مرشّحٍ مناسب، ستعود البلاد بالتّاكيد إلى حالة شبه الشّلل المعتادة، مع تمركز الحوثيّين في الشّمال، واشتعال التمرد في الجنوب على نار هادئة وعمل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة في الخفاء.

ولم يحسب أحدٌ حساب سيطرة الحوثيّين على صنعاء، كما لم يتوقّع أحدٌ، في العراق أو في أيّ مكان آخر، سقوط الموصل.

والأحداث التالية قد تشكل كوابيس ليلية لسعود الفيصل وبقية الأسرة الحاكمة في السعودية.

وفي الجهة الجنوبية من حدود المملكة السعودية، يسيطر ما يعتقد السّعوديون أنّه قوّات إيرانية بالوكالة، بالكاد على عاصمة دولة تخرج عن السّيطرة بشكل سريع.
وفي الشّمال، لا يزال مقاتلو داعش المتعطّشون للدّماء، عقب الغارات الجوّيّة التي شُنّت عليهم منذ أكثر من أسبوعين، يشكّلون تهديدًا كبيرًا.

وتعتبر داعش أنّ آل سعود جماعة من الفاسدين غير الجديرين بحماية أكثر الأماكن قداسة في الإسلام، وهما مكّة والمدينة. وعلى الرّغم من أنّ داعش لا تزال غير قادرة على شن هجومٍ مباشرٍ على الأراضي السّعودية، فإنّ إمكانيّة حدوث الهجمات الإرهابية التي يخاف منها الغرب، في الحقيقة، في الرّياض أو جدة كإمكانية حدوثها في لندن أو نيويورك أو باريس.

وذلك بسبب وجود دعمٍ كبيرٍ لداعش في المملكة ولدعوتها لإقامة خلافة قد تنتشر في شبه الجزيرة العربية، كما أظهرت وسائل التّواصل الاجتماعي في السعودية (وفي غيرها من الدّول الخليجية) بكل وضوح.

ولعلّ ذلك بسبب غرس النّظام التّعليمي في السّعودية والنّخبة من علماء الدّين، لعقودٍ عدّة، نوعًا فريدًا من الالتزام والتّحجّر الدّيني في عقول الشّباب، غير الموجود في أي مجتمع إسلامي آخر. ولإعطاء الشّباب حقّهم، يمكن القول أنّ الغالبية السّاحقة من الشّباب السّعودي تجاوزت هذه القيود، غير أنّ قلّة قليلة منهم لم ولذلك ليس مفاجئًا التحاق المئات، ووفقًا للبعض، الآلاف من الشّباب السّعودي بصفوف داعش. وسيُشكّل من يعود منهم إلى السّعودية خطرًا إرهابيًّا كبيرًا على المملكة.

والقيادة السّعودية، تمامًا كنظيراتها في بريطانيا والولايات المتّحدة الأمريكيّة وتركيا، غير مستعدّة لإرسال قوات برّيّة في المعركة ضد داعش. إذ وحتى الآن، انضمّت المملكة، ودولة الإمارات العربية المتّحدة إلى الغرب في الهجوم الجوي على الجهاديين فحسب. ولكن، من دون قوّاتٍ برية، لن تُهزم داعش، ومع استمرار الغارات الجوّية، سيستمر التّهديد الداخلي في المملكة السعودية في التّفاقم.

ومن الصّعب تذكّر زمنٍ كانت العائلة الحاكمة السعودية فيه محاصرة بهذا الشّكل. وبالفعل في خلال عهد سعود الفيصل، الذي يشغل منصب وزير الخارجية منذ العام 1975، لم تظهر مرحلة كهذه أبدًا. وحتّى أنّه لا يمكن مقارنة حدوث الثّورة الإيرانية في العام 1979 وسيطرة جماعة من المتعصّبين دينيًّا على المسجد الحرام في العام نفسه، مع الذي يواجهه وزير الخارجية العجوز المكّار الآن، أي تواجد العدّوة اللدودة للسعودية، إيران، في دولة اليمن المنهارة واستمرار موجة الجهاديين في سورية والعراق، والتي يمكن أن تتدفق إلى المملكة في أي وقت.
إنّه حقًّا سيناريو مخيف.

النّصّ الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus