ورطة العلاقات العامة في البحرين: هل تهيئ واشنطن لتغيير النظام في المملكة بسببها؟

2011-09-30 - 10:38 ص

المصالح الأمريكية الحيوية أصبحت في خطر تحت الحكم الخليفي


فينيان كانينغهام – غلوبال ريسيرج (1)
ترجمة مرآة البحرين

إن استمرار الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في البحرين في مقابل القمع الوحشي ربما يؤدي بواشنطن إلى إعادة التفكير في دعمها اللامحدود للحكم الخليفي في هذه المملكة الخليجة ذات الأهمية الاستراتيجية. فهل نحن على وشك أن نشهد تغييراً "شكلياً" في هذا الحكم ليس بالضرورة من أجل الديمقراطية، بل من أجل الحفاظ على المصالح  الحيوية لمريكا في المنطقة؟

إن هذه الجزيرة الصغيرة الواقعة بين السعودية وقطر تشكل قاعدة للأسطول الأمريكي الخامس. وهذا الأسطول الذي يتكون من ثلاثين فرقاطة يشغلها ستة عشر ألف شخص هو قاعدة الانطلاق بالنسبة للعسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط ووسط آسيا. كما يعمل الأسطول على مراقبة الخطوط البحرية في الخليج الذي يمر عبره يومياً ثلاثون بالمئة من النفط المتداول في العالم.

و منذ الاحتجاجات التي غلب عليها الشيعة في شوارع البحرين في الرابع عشر من فبراير الماضي ضد الحكم الخليفي الغير منتخب فقد عبرت واشنطن عن دعمها المتواصل للنظام ووصفته دائماً "بالحليف المهم".

وبالإضافة إلى الأسطول الخامس فإن الولايات المتحدة لديها اتفاقية تجارة مع البحرين وهي تبيع المملكة نحو عشرين مليون دولار من الأسلحة سنوياً، كما أن البحرين تعتبر مركزاً مالياً يعبر خلاله رأس المال الأمريكي و العالمي.

و قد ردت البحرين الجميل للغرب بمشاركتها في تقديم الغطاء الدبلوماسي لواشنطن وحلفائها في الناتو في تدخلهم العسكري في ليبيا لإسقاط القذافي. فقد اصطفت البحرين مع الملكيات الأخرى في الخليج: السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة وراء التدخل الأطلسي بقيادة أمريكا لإظاهرها بمظهر المبادرة الحائزة على الموافقة العربية وبالتالي إبعاد أي اتهامات ضد القصف الجوي الأمريكي على ليبيا بأنه نوع من العدوان الإمبريالي الحربي. و قد أدت ملكيات الخليج نفس الدور في توفير الغطاء الدبلوماسي للعقوبات التي فرضها حلف الناتو على سوريا و تهديداته بالتدخل فيها.

والمفارقة هنا أن البحرين مع دكتاتوريات الخليج الأخرى تلعب دور دعائياً من أجل دعم الفرضية التي تسوقها أمريكا وحلف الناتو بأن تدخلهما في ليبيا وسوريا لم يكن إلا انتصاراً لحقوق الإنسان والحريات الديمقراطية. ولكن هنا تبرز المعضلة. فالبحرين تظهر من بين دول الخليج كنقض صارخ للإدعاءات الأمريكية بشأن تدخلاتها في ليبيا وسوريا. فحقيقة أن أربعين شخصاً قد قتلوا بسبب مطالبتهم السلمية بالديمقراطية والحقوق الإنسانية تشكل إدانة دامغة لهذا النظام المدعوم من قبل أمريكا.

إن التناقض الواضح بين السياسة الخاجية بين السياسة الأمريكية الخارجية تجاه البحرين و بين سياستها تجاه ليبيا و سوريا المفترض أنها مبنية على الاهتمام الإنساني المبدئي بسلامة شعبي هاتين الدولتين، هذا التناقض يجعل من البحرين تحت حكم النظام الخليفي عبئاً حقيقياً على مصداقية الصورة "الإنسانية" للولايات المتحدة.

فمع استمرار الاضطهاد للعاملين الشيعة (فصل أكثر من 3500 عامل)، والاستخدام المشين للمحاكمات العسكرية ضد عشرات الأطباء والممرضات والمدرسين والمحامين والرياضيين، ومع الإدانة الواسعة من قبل مجموعات حقوق الإنسان للحبس غير القانوني والتعذيب، ومع استهداف الصحفيين والمدونين المستقلين، وفصل المئات من الطلبة والأكاديميين – فإن هذا العبئ الذي يشكله النظام الخليفي على الولايات المتحدة آخذ في الإزدياد يوماً بعد يوم.

و بالإضافة إلى هذه الانتهاكات الوحشية ضد المدنيين المسالمين تأتي الغارات اليومية بالغازات المسيلة للدموع على القرى الشيعية  التي تؤيد الحركة المطالبة بالديمقراطية. ففي كل ليلة تختنق القرى بمئات العبوات للغاز المسيل للدموع التي ترميها قوات الأمن على الشوارع و البيوت، فيما يصفه سكان القرى بسياسة "إرهاب تسميمي" و "عقاب جماعي" متعمد.

وقد توفي ثمانية أشخاص على الأقل اختناقاً بالغازات التي أطلقتها قوات النظام على البيوت، وكان آخر ضحية هو جواد أحمد (ستة وثلاثون عاماً) الذي توفي في الرابع عشر من سبتمبر بعد أن تعرض بكثافة للغازات المسيلة في منزله في قرية سترة، وحينها لم يجرؤ أقرباؤه على أخذه للمستشفى خوفاً من أن يتم اعتقاله من قبل قوات النظام - وهو أمر صار معتاداً في البحرين بعد أن أصبحت المستشفيات تخضع للقيادة العسكرية منذ دخول القوات السعودية لقمع الاحتجاجات في مارس. وقبل أيام قليلة فقط من موت جواد أحمد تم قتل الصبي على جواد (14 عاماً) بسبب إصابة مباشرة في الرأس من طلقة مسيل دموع  من مسافة قريبة (2).

إن المعضلة العصية على الحل بالنسبة للنظام تكمن في أن القمع الشرس قد فشل فشلاً ذريعاً في إسكات الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية. فبعد ستة أشهر من إرهاب الدولة فإن الاحتجاجات البحرينية ضد النظام صارت أكثر تصميماً عندما تخرج كل أسبوع في مناطق تمثل ما بين مئتين إلى ثلاثمائة ألف من مجموع عدد سكان البلد الذي لا يزيد تعداده عن ستمائة ألف. 
 
وفي يونيو الماضي وعد الملك حمد بعود الأمور إلى "طبيعتها" مع حزمة من المبادرات التي تمت الإشادة بها، وربما صياغتها، من قبل واشنطن كخطوات إيجابية نحو الإصلاح. و شملت هذه المبادرات رفع حالة الطوارئ وإطلاق عملية "الحوار الوطني" وتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق قي انتهاكات حقوق الإنسان ونقل كل المحاكمات من محاكم عسكرية إلى مدنية.

لكن ولسوء الحظ بالنسبة لهذه المملكة المدعومة من واشنطن فإن هذه المبادرات لم تنل رضا المعارضة التي تستمر في  الاحتجاج في الشارع منادية بإسقاط النظام. وبالتالي فإن النظام تراجع عن مبادراته ورجع إلى القمع الشامل الأمر الذي يقوي بدوره حركة المطالبة بالديمقراطية.

ولهذا فإن النظام البحريني العصي على الإصلاح يمثل مشكلة شائكة لواشنطن، فواشنطن هما لا تبدو فقط بأنها تقف إلى جانب الطغاة في البحرين، لكن دعمها لنظام كهذا يكشف شرخاً في خطاب واشنطن عن حقوق الإنسان في ليبيا وسوريا ومناطق أخرى في الشرق الأوسط. وقد لا تكون البحرين إلا بلداً بالغ الصغر لكن حقيقة إرهاب الدولة والقمع الممارس فيه ضد المدنيين العزل يفتح ثغرة كبيرة في الواجهة الأمريكية التي تدعي حماية حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية.

فهل النظام الخليفي في البحرين يواجه خطر أن يبلغ درجة لا تستطيع الحكومة الأمريكية بعدها تحمل عبئ مساندته لأنه سيصير ديناً محرجاً على منظومة علاقاتها العامة؟ لنتذكر كيف دعمت واشنطن إلى آخر لحظة دكتاتوريات حسني مبارك في مصر وبن علي في تونس ولكن عندما لم تعد تكلفة دعم هؤلاء الطغاة مجدية وصارت تؤذي صورة الولايات المتحدة لم تتاون في التخلي عنهم. فهل نحن على وشك أن نشهد موقفاً مماثلاً فيما يخص البحرين من قبل واشنطن؟  

إن أول علامة لهذه النقلة في الموقف الأمريكي يمكن استشفافها من التغطية السلبية مؤخراً للنظام البحريني من قبل صحيفتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست. فلو أخذنا في الاعتبار أن هذه الصحف، ومعها وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية الأخرى، لم تعط حتى الآن إلا اهتماماً بسيطاً بالانتهاكات الجارية في البحرين، يصير من الملفت أن تخرج هذه المؤسسات العضوية في آلة تفكير الحكومة الأمريكية وتصف بلغة صريحة ما يجري من قمع على أرض هذا "الحليف المهم". ففي الخامس عشر من سبتمبر خرجت نيويورك تايمز بمقالة في الصفحة الأولى بعنوان "البحرين تغلي تحت غطاء القمع" نعت فيه على الحكومة الأمريكية بقولها: "إن الاستعداد الأمريكي لغض النظر عما يجري أظهر واشنطن بمظهر المنافق" قبل أن تسترسل في تعداد سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان: "بمساندة التدخل العسكري السعودي قام الملك حمد بإعلان حالة الطوارئ في مارس، ورغم رفع القانون في الأول من يونيو الماضي إلا أن أصداء القمع ما زالت تتردد في جنبات الجزيرة".

وفي مقال تحريري في العاشر من سبتمبر ذهبت جريدة الواشنطن بوست إلى أبعد من ذلك عندما لمحت إلى قلق القائمين على الاستراتيجية الأمريكية بشأن البحرين: "فشل النظام في إنجاز ما عليه – وها هو الآن تحت خطر اندلاع إنفجار الوضع بما يؤدي إلى زعزعة استقرار ليس البحرين فقط بل ما حولها أيضاً... وإذا انفجرت البحرين فإن مصالح حيوية للولايات المتحدة ستغدو في خطر. إن على إدارة أوباما أن تستخدم نفوذها الآن".

إن المصالح الأمريكية الحيوية أصبحت في خطر تحت الحكم الخليفي الآخذ في فقدان اعتماديته. وتشمل هذه المصالح القيادة البحرية الأمريكية لتجارة النفط في الخليج، وإمكانية انتقال الاحتجاجات الشيعية إى المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط، بالإضافة إلى تقوية نفوذ إيران في المنطقة.

ولكن ما يضاهي هذا المخاطر في الأهمية هو الضرر المتزايد الذي يسببه النظام الخليفي للإدعاءات المصاغة بعناية لواشنطن بشأن الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية في المنطقة، وخصوصاً في ليبيا وسوريا. ولكن ما يجري في البحرين يفضح الكذب في هذه الإدعاءت الأمريكية، ويضع عائقاً في عجلة السياسة الخارجية الأمريكية.
لن نتفاجأ إذاً إذا علمنا يوماً أن القوات الجوية الأمريكية تعد العدة لمغادرة الملك حمد إلى السعودية.  

يقول رالف شومان مؤلف كتاب "التاريخ الخفي للصهيونية": "إن العائلة الخليفية – لمن أراد الإنصاف - ما هي إلا عائلة إقطاعية تزكم سيرتها الأنوف. وقد وصلت طريقة حكمها البربرية إلى نقطة جعلت سادتها الإمبرياليون يبدؤون البحث عن برجوازية بديلة تستلم زمام الأمور وتهدئ العاصفة قبل أن تأخذ الاحتجاجات الشعبية منحىً عنيفاً وتصل إلى حد الثورة. ويواصل شومان: "ورغم ذلك فإن أية محاولة ستقوم بها الولايات المتحدة من أجل إطالة عمر الهيمنة الإمبريالية بإيجاد شخصيات أقل تلوثاً وعرضة للكره الشعبي مع كونها مطيعة في الوقت نفسه لن تفلح إلا بتسريع الهبة الشعبية".

18 سبتمبر 2011

(1) فينيان كاننغهام صحفي يعمل من بلفاست بأيرلندا مراسلاً لموقع غلوبال ريسيرج، وقد طردته السلطات البحرينية من المنامة في 18 يونيو 2011 بسبب كتاباته الصحفية الناقدة، انظر رابط المقال الأصلي
  
(2) Bahrain: US Ally Kills Children… So When Is NATO Intervening?   HYPERLINK


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus