» رأي
رسالة للسفير الأمريكي في مملكة البحرين السيد/ توماس كراجسكي
أنور الرشيد - 2011-09-28 - 2:03 م
أنور الرشيد*
عزيزي سعادة السفير توماس كراجسكي يشرفني أن أرسل لك هذه الرسالة راجيا أن تصل لك و للإدارة الأمريكية والرئيس أوباما المحترم، فهذه الرسالة هي رسالة من مواطن خليجي أرّقه ما يحصل في مملكة البحرين الشقيقة من معالجة أمنية لمشكلة سياسية، وأيضا تحمل هذه الرسالة هموم وتخوفات شعب خليجي يتطلع لمستقبل أفضل وهذا من حقنا والذي لن نتنازل عنه مهما كانت الظروف والتحديات التي سنواجهها في ظل الربيع العربي.
سعادة السفير بكل تأكيد ستتساءل لماذا تم اختيارك أنت بالذات وهناك خمسة سفراء بدول مجلس التعاون الخليجي يمثلون الولايات المتحدة الأمريكية وأنت سادسهم، وهذا من حقك وسوف نوضح لك بكل تأكيد لماذا تم اختيارك أنت بالذات لكي نشرح لك ما يجول بخاطرنا من هموم وتخوف على مستقبلنا، أن اختيارك يا سعادة السفير جاء بناء على ما يحدث يوميا في مملكة البحرين من انتهاكات لحقوق الإنسان بشكل صارخ والتي تراها من نافذة مكتبك بكل تأكيد يوميا ولم تعد خافية عن الشبكة العنكبوتية، وما استفزني للكتابة لك مباشرة هو مشهد الأم البحرينية التي أطلقت عليها قوات مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع، ومشهد ذهولها وهي تحاول إنقاذ طفلها من الاختناق بداخل سيارتها، رغم أنها بكل تأكيد لم تطلق رصاصة أو تقذف الجنود المدججين بالسلاح والعصي الكهربائية والأقنعة الواقية من الغازات والسترات الواقية من الرصاص، بكل إنسانية وضمير أقول لك إنه كان مشهدا تقشعر له الأبدان وترتجف له قلوب أعتى قساة العالم ناهيك عن إدانة كل شعوب الأرض لهذا التعامل البشع وغير الإنساني .
سعادة السفير أنا أدرك بأن ما يحدد العلاقات بين الدول هي المصالح ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية اليوم تتعرض لخطر حقيقي وماثل أمامنا، لذا أتعجب من أنك لم تشعر بهذا الخطر الذي يهدد المصالح ليس الأمريكية فقط وإنما يهدد استقرار مجتمعات المنطقة بأسرها. نعم تلك المعالجات التي تراها بأم عينك وبكل تأكيد تنقلها لك عيونكم المنتشرة بكل قرية من قرى البحرين من السنابس وسترة والدير والدراز، فأنتم بكل تأكيد تعلمون بأن تلك القوات تلقي قنابل المسيلة للدموع بوسط البيوت وتعلمون بأن تلك القوات تقوم بتكسير مركبات المواطنين بشكل متعمد وتعلمون كل شيء وترون ما يحدث بأم أعينكم من انتهاك واضح لكل القيم الإنسانية، ولكنكم مع الأسف الشديد تسكتون لأمر ما، وعلى ما يبدو عجزت عقولنا عن استيعابه، لا تقول لنا بأن ما يحدث أمر داخلي لا يحق لكم أن تتدخلوا به، فهذا الأمر لن نقبله فعلى أقل تقدير تلك الأسلحة والغازات التي تستخدم أو التي استخدمت ضد تلك المرأة التي حاولت أن تنقذ طفلها، هي من صناعتكم وأنتم من سوقها لتلك القوات التي لم تراعِ حق طفل ولا حرمة امرأة. نعم يا سعادة السفير أن الأسلحة التي يستخدمونها هي من صناعتكم وعلى أقل تقدير اطلبوا من مستخدميها بأن يتم استخدامها بأمور تستحق وليس ضد كل ما هو متحرك على الأرض حتى إن الطيور والدجاج لم يسلموا منها ناهيك عن الأطفال، فأين الالتزام الأخلاقي والإنساني يا سعادة السفير؟ ولا أريد أن نقول الالتزام القانوني.
إنني يا سعادة السفير، أخاطب فيك توماس الإنسان، توماس الذي لديه من الأبناء والذي يرتجف عليهم قلبه عندما ترتفع درجة حرارتهم بنزلة برد عادية، ويسارع بحملهم بين راحت يديه، لكي يذهب بهم إلى أقرب طبيب، أخاطب فيك الإنسان الذي لديه أسرة وزوجة تنتظر عودته من عمله، أخاطب فيك ضمير الأب الذي يجلس على الأريكة ليفتح كتابا ليقرأ لابنه قصة تدور أحداثها عن إنسان كان يرى الحق ويغمض عينيه عنه، عن أب كان يرى ابنه وامرأة ترى طفلها وأخ يرى أخاه وأخت ترى أخاها وعم يرى لبن أخيه وخال يرى ابن أخته وجار يرى ابن جاره يقتل بدم بارد، لا لشيء سوى أنهم قالوا نريد حرية وديمقراطية أسوة بباقي البشر بالعالم، سيتساءل ذلك الطفل وهو يسمع القصة بشكل تلقائي، ويقول لأبيه لماذا لم يتحرك ذلك الإنسان لمنع قتل طفل الأم وابن الأب ويكمل الأب القصة ويرد على ابنه لأن ذلك الإنسان ليس لديه قلب يشعر به وعقل يفكر به فهو آلة جماد لا تشعر بمشاعر الآخريين، ليتضح بنهاية القصة بأن ذلك الإنسان الذي يرى كل هذا القتل والدمار وتحطيم الأسر، ما هو إلا إنسان آلي اخترعه الإنسان.
الشعب البحريني يا سعادة السفير، لم يطلب لبن العصفور، كما يقال المثل العربي، وإنما كل ما طلبه هو الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وقدم في سبيل ذلك العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى والآلاف من المفصولين من أعمالهم في حرب حقيقة ضد حقوق الإنسان تدخل في نطاق جرائم حرب ترتكب بحق هذا الشعب البطل الذي يعتاش اليوم على الكفاف ويشرد بالمنافي في كافة أصقاع الأرض .كل ذلك في سبيل ألا يتطور الوضع القائم منذ مئات السنين أقول يتطور ولا يتغير، يتطور بسياسته يتطور بمعاملته لشعبه الذي ضحى كثيرا وصبر طويلا. ما أخشاه يا سعادة السفير أن يولد كل هذا الضغط الانفجار وهو أمر طبيعي وهذا الانفجار لن يقف عند حدوده الطبيعية، وإنما سيمتد لخارج حدوده. وستجد ما تخشون منه ساعتها فرصته التاريخية التي لن يعوضها التاريخ مرة أخرى، فالوضع الداخلي قد تهيأ نتيجة للضغط الشديد وأعداد المظلومين قد ارتفع والضحايا حتى من الأطفال والنساء وكل ذلك نتيجة لقنابلكم وسكوتكم ومن ثم تتساءلون لماذا يكرهنا العرب؟ أليس هذا التساؤل الذي طرحتموه عندما قام معتوه من جانبنا بالإغارة عليكم بعقر داركم بغزوة أسماها غزوة مانهاتن!؟ فابن لادن لم يقم بما قام به إلا نتيجة للشحن العاطفي والجراح التي نمت بين أضلعه اتجاه أمريكا نتيجة لسياساتها ومواقفها والتي كان يسمعها من محيطه وهو صغير بالسن حتى انطبعت بذهنه وعمل على محاولة تصحيحها من وجهة نظرة وبطريقته الخاصة التي يعتقد بأنها هي الطريقة المثلى لكي تشعروا بما نشعر به كبشر.
يا سعادة السفير، تخيل معي الصورة التي انطبعت بذهن ذلك الطفل الذي أسرعت أمه بنقلة خارج السيارة بحركة هستيرية لم يدرك معناها بطبيعة الحال، ولكن من المؤكد بأنه قد شعر بها بوجدانه ألا تعتقد بأن هذه الصورة لم ولن تطبع بعقله الباطن طوال حياته وسيرويها لأحفاده في يوم من الأيام (إن لم يتحول لابن لادن جديد) وسيتساءل أحفاده من أين أتت هذه القنال ويجيب بأنه قد سمع والدته وهي تنقله بهستيرية من بين ذلك الدخان القاتل، تقول إنها قنبلة غاز مسيلة للدموع صناعة أمريكية.
أنا أدرك بأن هناك متسع من الوقت لمعالجة تلك الجراح و لكني أخشى أن ينفد ذلك الوقت ونصل لنقطة إلا عودة وتتعمق الجراح ويصاب الجسد بالغرغرينا التي لا ينفع معها أي علاج إلا البتر.
Zwayd2007@Gmail.com
* الأمين العام للمنتدى الخليجي لمؤسسات المجتمع المدني
**ينشر بالتزامن مع منتدى حوار الخليج