موقع مفتاح: البحرين تعتقل ناشطة في مجال حقوق المرأة

2014-09-30 - 11:03 م

إرين كيلبرايد، موقع مفتاح

ترجمة: مرآة البحرين


لم تَعُد قائمة المتّهمين "بالتشهير" بالنّظام البحريني و"إثارة الكراهة" ضده حصرية. فقد وُجهت أصابع الاتّهام إلى الصحافيين، والمُمرضين، والمحامين، وناشطي حقوق الإنسان، والباحثين، والمُعلّمين، والشّبّان النّاشطين على تويتر، فمنهم مَن اعتُقِل، ومنهم مَن رُحّل، وحتّى منهم مَن تمّ تعذيبه لارتكابهم ما يُزعم أنّها جريمة "تشهير" بالنّظام البحريني.

وكانت غادة جمشير، الناشطة في مجال حقوق المرأة والمناصرة للإصلاح في قانون الأحكام الأسرية، آخر الواقعين في مرمى اتّهامات الحكومة. إذ اعتقلتها السّلطات البحرينية جمشير في 15 سبتمبر/أيلول وأمرت بإبقائها قيد الاعتقال لمدّة سبعة أيّام بتهمة "التّشهير". وقد صرّح مركز الخليج لحقوق الإنسان الخميس أنّ جمشير استُدعيت للتحقيق بخصوص تغريدات نشرتها على تويتر عن "الفساد في مستشفى الملك حمد"، متعلّقة بالإدارة الفاسدة لعائلة آل خليفة الحاكمة لهذه المؤسّسة.

وبالطّبع لم تكن المرّة الأولى الّتي تجهر فيها جمشير بالحديث عن الظّلم في البحرين. فهي مؤسِّسة لجنة العريضة النسائية ورئيستها، التي تضم شبكة من النّاشطات المطالبات بإقرار قانون الأحكام الأسرية في البحرين، وبأن تكون مواد هذا القانون مستمدة من المحاكم المدنية لا من أحكام الشّريعة الإسلامية. قد عملت جمشير على إدخال القضايا المتعلّقة بالمساواة بين الجنسين في القنوات السّياسية، إذ ظهرت في مقابلات مع الناشط البحريني البارز في مجال حقوق الإنسان عبد الهادي الخواجة، وكانت المرأة الوحيدة المُوَقِعة على رسائل مشتركة بُعِثَت إلى وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك هيلاري كلينتون. وفي العام 2006، منحتها "مجلّة التايم"، وأربعة آخرين، لقب "أبطال الحرّيّة في العالم العربي"، ووصفتها مجلّة "فوربس" بأنّها إحدى "أقوى عشر نساء وأكثرهنّ تأثيرًا في العالم العربي."

فما الذي جعل من هذه المرأة هدفًا للاعتقال؟

على مرّ عقد من الزّمن وأكثر، استنكرت غادة جمشير علنًا موقف الحكومة البحرينية السطحي من قضية تمكين المرأة. وكانت من الطّاعنين صراحةً في مجلس المملكة الأعلى للمرأة وولاءه الوحيد لحكومة آل خليفة (ويُصادف أنّ زوجة الملك تترأس المجلس). فللمجلس الأعلى للمرأة تاريخ حافل في منع جماعات نسائية مستقلة- بما فيها لجنة العريضة النسائية التي أسّستها جمشير-من السّعي إلى تحقيق الإصلاح الحقّ، من خلال حرمانهم غالبًا من الحصول على تراخيص العمل. وفي العام 2006، أفادت جمشير في مداخلة كلامية في "مجلس اللوردات" أنّ:

"الصّراع على حقوق المرأة في البحرين بات أكثر صعوبة. وذلك لأنّ [الحكومة الآن] تتظاهر بأنّها حامية لحقوق المرأة من خلال إقرار إصلاحات زائفة وهامشية. [...] قد استخدمت الحكومة حقوق المرأة كأداة لتجميل صورتها على المستوى الدّولي."

ولكن، منذ تأسيسها في العام 2000، طالبت منظّمة غادة جمشير الخاصّة بالإصلاح في القضاء الشّرعي. وقد أدّت حملات الدعم لهذه الجماعة وحملاتها الإعلامية إلى عزل سبعة من القضاة الشّرعيين في محاكم البحرين. ويوجد لدى البحرين نظامان منفصلان من المحاكم الشرعية، أحدهما للمسلمين السّنّة والآخر للشّيعة. قد تمّ عزل قضاة من كلا النّظامين إثر جهود لجنة العريضة النسائية.

وكانت جمشير هدفًا لدعاوى قضائية عدّة منذ بدء العام 2000-وكان يرفعها بعض القضاة المنفعلين أو بعض أزواج موكلاتها السابقين السّاخطين- وقد كانت هناك إمكانية الحكم عليها ب15 سنة في السجن في إحدى هذه التّهم بسبب "التعدي على القضاء الشّرعي". وفي نهاية المطاف، أُسقِطَت كل التُّهم الموجّهة إليها، غير أنّها بقيت تجت رقابة الحكومة الدّائمة. ويُزعَم أنّها تعرضت للتنصت الهاتفي من قبل وزارة الدّاخلية. وقد فرض وزير المحكمة الملكية تعتيمًا إعلاميًّا على أعمالها في مجال حقوق المرأة. وقد حُجِبت مدوّنتها في البحرين منذ العام 2007.

وتُعتبر جمشير تهديدًا للحكومة البحرينية لأنّها فضحت خداعهم وتظاهرهم بحمل راية المساواة بين الجنسين. وعلى الرّغم من أنّ مساعيها ترتكز بشكل بارز على حقوق المرأة وإصلاح قانون الأحكام الأسرية، فإنّ الاتّهامات التي وُجِّهت إليها كانت مشابهة إلى حدٍّ غريب للاتّهامات ضدّ النّاشطين السّياسيّين في المعرضة.

وفي مقابلة لها في العام 2005، حثّت جمشير النّساء الخليجيّات المضطهدات في علاقاتهن على اللجوء إلى أسبانيا، حيث طرح وزير الداخلية مسألة قبول اللّجوء الاجتماعي لكل امرأة مضطهدة في بلادها. وعليه اتُهِمت بمحاولة تشكيل "حركة معارضة خارجية"-ولا يُعد هذا الاتّهام غريبًا بالنسبة لكثير من البحرينيين.

وفي هذا الصدد، قالت: "لم يكن مقصدي إنشاء حركة معارضة خارجية. كل ما قصدته هو أنّ يسعين لحماية أنفسهنّ وللعيش في بلد آمن. إنْ كانت المرأة لا تجد أمانًا في بلدها، ولا عدلًا في محاكم بلدها، ولا في زواجها، فإلى أين المفر؟

إنْ لم تجد قوانين تحميها من الاضطهاد، أو إنْ وُجِدَت هذه القوانين ولكن لم يتم تطبيقها، فإلى أين المفر؟

التغيير الأسري هو الحل، [ولكنّي اقترحت مسألة الهجرة] لأنّ مستوى الاضطهاد الذي نشعر به يدفعنا نحن النّساء إلى الاستسلام. ولا نريد أن يلازمنا هذا الإحساس. نريد بلدنا، ونريد حكومتنا، ونريد شعبنا، ونريد العيش في بلادنا، ولكننا نريد حقوقنا."

وبالطّبع لم تكن جمشير الوحيدة التي اتُّهِمت بإنشاء حركة معارضة خارج الحدود. (على الرّغم من أنّ مساواة الدعم القانوني للّواتي عايشن العنف الأسري بانقلاب خارجي يمكنها، فلنسلم بذلك، التغلب قائمة سخافات حكومة البحرين). وإنّ الإيحاء بأن جمشير تفضل رؤية نساء بلدها يبحثن عن ملاذ لأنفسهنّ دوليًّا، بدلًا من تلقي الدعم من نظام المحاكم في بلدهن، يعكس أيضًا التجربة التي يعاني منها غالبية البحرينيين الذين يُجبرون على العيش في المنفى بسبب مساعيهم في مجال حقوق الإنسان.

وفي محاولة لتشويه سمعة كل مَن يدعو إلى الإصلاح وسلبها من شرعيتها، ينعت النّظام البحريني ناشطي حقوق الإنسان غالبًا "بعملاء للخارج" الذين "يُثيرون الكراهة" من خلال "أجندات طائفية".

وتصف وسائل إعلام الحكومة النّاشطين بالقوى التي تُعيث فسادًا في مجتمعٍ يتّسم بالتّناغم، وبينما تصف كلًا من مريم الخواجة، ونبيل رجب، ورلى الصفار بالنّاشطين الطّائفيين المعادين للحكومة الهادفين إلى هدم "اندماج البحرين الوطني"، تُنعت غادة جمشير بالكافرة الكارهة للرّجال، الهادفة إلى تشويه النّسج الاجتماعي في البحرين.

فقد سألها أحد المحاورين: "هل تواجهين مشكلة مع الرّجال؟"
أجابت جمشير، بعد أن حبست ضحكة استهزاء، قائلة: "...أيّ رجال؟"

فقال المحاور: "أيّ رجلٍ كان. لأنّ الأمر كلّه يبدو وكأنّه مبني على الكراهية."

وأجابته: "أبي رجل. وأخي رجل. وأقربائي رجال. ولما أواجه مشكل مع الرّجال؟"

ويصنف النّقاد المحافظون نشاطات غادة جمشير وعملها في خانة الصراع الجندري، حيث لا يكون الدعم لحقوق المرأة إلّا عبر التّشهير بالرّجال. ولا تختلف هذه النظّرة عن رأي النّقاد الحكوميين (والصحافيين التّابعيين) الذين يسمّون مريم الخواجة "بالنّاشطة الشّيعية"- وكأنّها تُعارض حصول المواطنيين السّنّة على كامل حقوقهم.

ولكن مجال حقوق الإنسان ليس مبنيًّا على معادلة لا ربح ولا خسارة فيها. فإنّ وصف نشاطات غادة جمشير-وكل ناشطي حقوق الإنسان- "بالمضادّة" لأي شيءٍ كان محاولة لحجب شرعية هذه الاحتجاجات. إذ لم تتهجّم جمشير بالكلام على الرّجال، بل انتقدت النّظام الذي يمنح الرّجال حقوقًا أكثر من النّساء في بلدها. وكذلك لم يُؤيّد حسين جواد وزينب الخواجة أي حركة ضد البحرينيين السّنّة. إذ طالب كل منهما بحقوق المواطنين الذين حُرموا منها في البحرين، سواء كانوا شيعة، أو نساء أو أولادًا أو معارضين للنّظام. فغادة، وحسين، وزينب ليسوا "ضد" أي شيء؛ إذ إنّهم يتحدّون نظامًا قانونيًا مبنيًا على انقسام هرمي-وهو انقسام مزيّف- فيما يتعلّق بالجنسين أو الطّائفة.

ولم تبدأ غادة جمشير نشاطها بتظاهرة "مضادّة للحكومة" في أحد شوارع البحرين المستهدفة بقنابل الغاز المُسيّل للدموع أو في دوار اللّؤلؤة في العام 2011، ولم تطالب، على الإطلاق، بإسقاط النّظام". غير أنّ سعيها لتحقيق نظام قضائي عادل ومنصف للنساء يجبرها على مجابهة الحكومة التي تحفظ هذا النّظام.

وليس جديدًا على المملكة الحد من التّعبير عن الرّأي. وللأسف، ليس جديدًا أيضًا اضطهادها لغادة جمشير. فإنّ الحكومة التي تستهدف مناصري حقوق المرأة بالطّريقة نفسها التي تلاحق بها المراهقين الذين يملكون صفحات مضادّة للحكومة على تويتر هي حكومة يائسة، تبذل كل ما في وسعها لبسط سلطتها، وإسكات المعارضة بكل أشكالها. ولكن هل ستنجح في ذلك؟

تقول أسماء درويش، الناشطة البحرينية في مجال حقوق الإنسان، البالغة من العمر 24 عامًا وإحدى المعجبات بعمل جمشير منذ زمن طويل إن "غادة جمشير ناشطة جريئة في حقوق المرأة، ولها تأثير كبير على المجتمع النّسائي في البحرين. وهي مستهدفة من قبل السلطات نتيجة لانتقاداتها القوية والمباشرة للنظام القضائي والملكي. لم ترتكب أي جرم بل عبرت فقط عن أفكارها وآرائها. ولا تنبغي محاكمة أي شخص لمجرد تعبيره عن أفكاره.

هل سيُسكتنا هذا الأمر؟ لا. لن يفعل ولم يفعل أبدًا.

سيُمكّن هذا الأمر المرأة من إعلاء صوتها أكثر والتّعبير عن آرائها على الرّغم من الاضطهاد."


20 سبتمبر/أيلول 2014

النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus