صحيفة الأتلانتيك: خطاب أوباما الجديد واستثناء البحرين

2011-09-23 - 3:02 م



ماكس فيشر - صحيفة الأتلانتيك

ترجمة: مرآة البحرين

في خطابه اليوم في الأمم المتحدة، دافع الرئيس باراك أوباما عن تشديد  السياسة الخارجية للولايات المتحدة على دعم الحركات المطالبة بالديمقراطية، متحققاً من دعم الولايات المتحدة للثورات الشعبية في ليبيا وسوريا وكوت ديفوار وحتى اليمن. وقد عرض الرئيس (بأثر رجعي إلى حد ما) الدعم للثورات الديمقراطية الناجحة في تونس ومصر. كما وجه الدعوة لإيران، كما هو معتاد، وإن كانت دعوته موجزة وهو ما ليس بمعتاد، لتحسين وضع حقوق الإنسان فيها. لكن لهجة أوباما تغيرت حينما تحدث عن الجزيرة الصغيرة الغنية بالنفط الواقعة في الخليج العربي وهي جزيرة البحرين، حيث يتعرض النظام الملكي الحليف للولايات المتحدة، الذي يقوم بقمع المتظاهرين السلميين بعنف، لاحتجاجات شعبية قليلة في الولايات المتحدة. 

من الصعب إغفال تغير لغة أوباما ولهجته حين انتقل في خطابه من إيران وسوريا واليمن إلى البحرين. لم يذكر آلاف البحرينيين الذين يتظاهرون سلميا، ويقفون صامتين في الشوارع، ويموتون لنفس القيم التي يفترض أن تدافع عنها هذه المؤسسة". كما فعل مع سوريا. كما إنه لم يدعو إلى الانتقال السلمي للسلطة، والتحرك باتجاه انتخابات حرة ونزيهة في أٌقرب وقت ممكن" كما فعل مع اليمن. لم يؤنب النظام البحريني على رفض الاعتراف بحقوق شعبه كما فعل مع إيران. أوباما رفض أن يعلن أن "موازنة الرعب انتقلت من الحاكم إلى أولئك الذين يحكمهم" كما فعل مع تونس. ولم يطالب على الإطلاق بالتحرك نحو انتخابات حرة ونزيهة في أقرب وقت ممكن".
عند ما تحدث عن البحرين، بدت كلماته تشبه بشكل كبير الخطابات الرئاسية الأميركية حول السياسة الخارجية التي كانت تلقى قبل الربيع العربي، ندعم حليفنا، وندعوه لقيادة الإصلاح، ولكن لا نرغب في مناقشة حكمه الاستبدادي أو استخدامه للعنف ضد المتظاهرين.

في البحرين، تم اتخاذ خطوات في اتجاه الإصلاح والمساءلة، ولكن ما هو مطلوب أكثر من ذلك. أميركا صديق مقرب من البحرين، وسوف نواصل دعوة الحكومة وكتلة المعارضة الرئيسية، الوفاق، الى السعي لإقامة حوار هادف يؤدي إلى إحداث تغيير سلمي يستجيب لمطالب الشعب. ونحن نعتقد أن الروح الوطنية التي تربط البحرينيين معا يجب أن تكون أقوى من أي قوى طائفية يمكن لها أن تمزقهم.

إن اختياره الأكثر فتورا للصفات، وعدم الإشارة للقمع الوحشي والاستبداد المترسخ، وحتى استخدامه لصيغة المبنى للمجهول كلها أصداء لأسلوب الخطاب الأميركي القديم حول الإصلاح في الشرق الأوسط. يبدو الأمر فظيعاً، على سبيل المثال، سياسة الولايات المتحدة تجاه الرئيس المصري حسني مبارك منذ العام 2000 حتى بدايات العام 2011، حين ضغطت الولايات المتحدة على حليفتها المقربة لتتجه نحو الدمقراطية، لتحقيق نتائج فعلية قليلة سواء للعلاقات الأميركية المصرية أو للشعب المصري. لكن ما هو متنافر في التزام أوباما لهذه الطريقة القديمة حين يتعلق الأمر بالبحرين هو أن إدارته قامت خلال الشهور التسعة الماضية من الربيع العربي، بتغيير مسارها بصورة شرعية. في إبريل، رفعت الولايات المتحدة دعمها عن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، وهو حليف مقرب وقديم للولايات المتحدة ونقلته للمتظاهرين السلميين الذين يطالبون بالإطاحة به. ولم تكتف الولايات المتحدة بدعم حركات المعارضة الديمقراطية التي تتحدى أعداء أميركا، كما بدا من إشارة أوباما، ولكن أولئك الذين يتحدون حلفاء أميركا أيضا.

لماذا إذن يتمسك أوباما بملك البحرين حمد آل خليفة، الذي شن نظامه ما أسمته صحيفة النيويورك تايمز "حملة قمع شرسة ضد الانتفاضة الشعبية، ضربت الأغلبية الدينية في البحرين في حملة قمع تشبه تلك التي قام بها نظام الفصل العنصري، ويخشى كثيرون أنه لن ينتصر أي طرف". هناك موقف متفائل وموقف متشائم وموقف ساخر وموقف شديد السخرية وهناك السعودية التي تحكم كل المواقف.   الموقف المتفائل يقول إن أوباما لا يريد عرقلة الجهود التي تتم وراء الكواليس للتوصل إلى تفاوض يعمل على حل الأزمة السياسية والشروع في إصلاحات ديموقراطية، على غرار النظام الملكي المتحرر الآن في المغرب. وربما ستساعد الولايات المتحدة في قيادة هذه الجهود، وربما الأمم المتحدة. ولكن، عدا عن التلميحات العرضية الخاصة التي تصدر من مسئول أميركي أو شخص مقرب منهم، فليس هناك دليل كاف بأنه حتى لو كانت هناك جهود دبلوماسية من هذا القبيل، فإن هناك أملا كبيرا في نجاحها. لا يزال النظام البحريني يعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة، التي ترسي أسطولها الخامس في الجزيرة، وعلى الأقل  سوف يتظاهر النظام بالاستماع إلى جهود السلام الأميركية.

أما الموقف المتشائم، فيرى أن الولايات المتحدة لم تقم فعلا بتغيير سياستها التي كانت تنتهجها قبل الربيع العربي في دعم الدكتاتوريين من حلفاء أميركا الموثوقين، سواء أكان مبارك في مصر أو آل خليفة في البحرين. والانقلاب ضد الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، بحسب هذا الخط من التفكير، جاء فقط لأن أوباما وجد أن سقوط صالح أمر لا مفر منه وآمل أن يشارك في اختيار حركة المعارضة التي كانت ستفوز في نهاية المطاف بكل تأكيد. الفكرة الشائعة بشكل كبير في بعض أجزاء العالم العربي لا تزال متشككة من النفوذ الأميركي، وهي تتناسب مع قراءة معينة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة ذات دوافع واقعية، ولكن يمكن أن يكون من الصعب أن تنسجم مع قرارت أوباما منذ فبراير.
 
الموقف الساخر يعتقد أن الولايات المتحدة غيرت سياستها الخارجية بالفعل كما يزعم أوباما وكما تشير ردوده حول الربيع العربي في هذا العام، لكنه قام بعمل استثناء للبحرين. ليس من الصعب تصور سبب تغاضي الولايات المتحدة عن البحرين الصغيرة، التي لم تحرك قضيتها المشاعر في أنحاء العالم العربي أو في الولايات المتحدة كما فعلت الانتفاضات في مصر وليبيا وفي سوريا الآن. المعارضة البحرينية هي ذات أغلبية شيعية، ولكن معظم العرب (ومعظم المسلمين، لهذا السبب) سنة. ملك البحرين آل خليفة ليس قريبا أبداً من الأعمال الشائنة كما هو مبارك والقذافي والرئيس السوري بشار الأسد. وربما قررت الولايات المتحدة بأن أرباح "القوة الناعمة"  لدفع البحرين للإصلاح ليست موجودة.
 
أما الموقف الشديد السخرية، والموقف السعودي الحاكم، فيعتبر البحرين رهينة محزنة للاعبين الرئيسين الأكبر في الشرق الأوسط. البحرين جعلت نفسها لفترة طويلة عميلة للمملكة العربية السعودية وللولايات المتحدة، وهو أمر يسبب لها مشاكل الآن، إذ إن هاتين القوتين الإقليميتين في صراع حول الربيع العربي. النظام الملكي السعودي، وبسبب كونه ملكياً، قلق من الحركات الديمقراطية ويعمل بصمت لقلب العديد منها، خصوصا في البحرين، حيث أرسلت المئات من الجنود للمساعدة في حملة القمع. ملوك السعودية يرون أن إخوانهم السنة في المملكة البحرينية هم حلفاء طبيعيون،  ويخشون من أن توصل الديمقراطية هناك الأغلبية الشيعية إلى الحكم ومن المرجح أن تتحول البحرين نحو العدو الأكبر للسعودية وهو إيران ذات الأغلبية الشيعية. الولايات المتحدة، حذرة من إثارة غضب المملكة العربية السعودية أكثر مما فعلت، يمكن أن تكون قلقة بأن الدفع باتجاه الإصلاح في البحرين يمكن أن يشكل خطراً على التحالف السعودي الأميركي، الذي تضرر بالفعل من نشاط الولايات المتحدة نيابة عن الموجة الديمقراطية المنتشرة في المنطقة والتي يعارضها النظام السعودي. 

الأنموذج
ربما تكون الحقيقة مزيجاً من تلك المواقف الأربعة، ولكن أيا كان السبب، فإن خطاب أوباما في الأمم المتحدة أوضح بأنه، بالنسبة للغته الخطابية المتزايدة حول الديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولجميع الإجراءات الأميركية الحقيقية التي دعمت هذا الخطاب، فإن الولايات المتحدة سوف لن تحقق الكثير على  طريق الديمقراطية أو الحديث عنها في البحرين في أي وقت قريب.




التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus