» رأي
عادل مرزوق: الحاج أوباما والعقدة البحرينية
عادل مرزوق - 2011-09-22 - 12:34 م
المعارضة (الحقة) كما تفهمها الموالاة!
عادل مرزوق*
الذي فات تجمع الوحدة الوطنية في بيانه - متباكياً تجاهل الرئيس الأمريكي له – الخفيف، الركيك، والمبتذل، هو أن يتهم باراك حسين أوباما بالخيانة العظمى، أو الصفوية، أو الانطواء تحت الأجندة الايرانية وولاية الفقيه!، فاته أيضاً أن يستبدل تسميته، من "الرئيس" إلى "الحاج" أوباما. و"الحاج" هو توصيف متداول للعديد من القيادات السياسية والعسكرية في تنظيم حزب الله اللبناني.
لا يبدو أداء "الحاج أوباما" مرضياً بالنسبة للسلطة السياسية في البحرين أو منتوجها: تجمع الوحدة الوطنية، فلقد تعمد المستشارون في مكتب الرئيس الأمريكي تخريب نشوة زيارة الملك للولايات المتحدة، وكذلك دلالاتها في أن الغطاء الامريكي للسلطة السياسية في البحرين مستمر ودون حدود. وبالسرعة المطلوبة، أوعزت الدولة لتجمع الفاتح (الوحدة الوطنية) أن يبادر في إصدار وجهة نظر الدولة التي تتحفظ ولا تريد من الولايات المتحدة المزيد من التصريحات المؤيدة لأقطاب المعارضة في البحرين. والتي لا تريد أيضاً، ان تكون (الوفاق) - تحديداً - مفردة من مفردات الحاج أوباما في تعليقه على الشأن البحريني، فضلاً عن مطالبته في اجتماع أممي إشراك الوفاق في الوصول لتسوية حقيقية تعالج تفاصيل الأزمة التي تعصف بالبلاد.
لم يقدم الرئيس الأمريكي جديداً، الأمريكيون ومنذ بدء الأزمة أكدوا على أن الغطاء الأمريكي للنظام مستمر، ولا شك فيه. وأخال أن جميع من زار المنامة من المسؤولين الأمريكيين والسفارة الأمريكية في المنامة قد أرسلوا العديد من الرسائل الواضحة للديوان الملكي لتأكيد هذا الموقف. لكن هذا الدعم لا يعني أن يمتد الغطاء الأمريكي للقبول بالهمجية، وقتل المتظاهرين السلميين الأبرياء، والتعذيب في السجون والمعتقلات، وانتهاك الحقوق والحريات، وتزايد الاستهدافات الطائفية، واعتقال وتعذيب الأطباء والمدرسين والإعلاميين، وشتى مظاهر حفلة (الزار) التي أدارتها قوة دفاع البحرين والأجهزة الأمنية والإعلامية في السلطة منذ إعلان حالة الطوارئ في 15 مارس الماضي وحتى اليوم. كانت تصريحات المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين في الغالب، تحث على الوصول لتسوية سياسية تضمن إصلاحات حقيقية تقبل بها الأغلبية المعارضة من جهة، وتبقي على نظام الحكم والأسرة الحاكمة وفق توازنات القوى الإقليمية وبما يرضي الجارة الكبرى (السعودية)، من جهة أخرى.
قد لا يعلم الرئيس الأمريكي باراك أوباما الكثير عن البحرين، لكنه بات يدرك جيداً أن هذه الجزيرة الصغيرة هي مشكلة كبيرة، ترتبط بملفات أكثر تعقيداً وصعوبة في منطقة الشرق الأوسط التي لا تحتاج الى المزيد من التعقيد. يدرك الرئيس الأمريكي أن دعواته للحوار والتسوية السياسية في البحرين لن يسمعها أحد، فالنظام بعد أن قام بتدويل القضية بات الطرف الأضعف بين أطراف الصراع التي تتحكم بتفاصيل المشهد البحريني بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
في البدء، أراد الأمريكيون اللعب بالورقة البحرينية ضمن جوقة الملفات الإقليمية (الإيرانية، العراقية، السورية، واللبنانية) دون جدوى، فالتوازنات الإقليمية فرضت سيطرتها وبات الملف البحريني ملفاً قائماً بذاته. وإن صدقنا – جدلاً – أن الأمريكيين لم يكونوا على علم بتوقيت دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين في الثالث عشر من مارس الماضي، فإن ذلك لا يعني أنهم لم يحاولوا التدخل بعد ذلك، وأن تلك التدخلات لم يكن لها أي تأثير. وفي المحصلة، يقبع الأمريكيون أمام رأي عام مناصر للقضية البحرينية ولمطالب الشعب البحريني التي يعلم الأمريكيون تفاصيلها وأسبابها وأفاقها. وبين مصالح استراتيجية واقتصادية - إقليمياً - تقتضي أن يكون الضعط الأمريكي على السلطة السياسية في البحرين ناعماً، محدوداً، مقيداً، وبما لا يزعج تلك التوازنات والمصالح القائمة في واحدة من أكثر المناطق المُصدرة للطاقة دول العالم حساسية وأهمية.
ما يزعج الأمريكيين اليوم هو استمرار السلطة السياسية في البحرين تقديم نفسها للعالم بصورة لا تليق بحليف وصديق حقيقي للولايات المتحدة، ففي الوقت الذي لا تدير أميركا علاقاتها الدولية ومصالحها الإستراتيجية من منظور أخلاقي، إلا أنها أيضاً لا تستطيع أن تتخلى كلية عن مسؤولياتها الدولية في دعم الديمقراطية والحريات، ولا شك أن في داخل الولايات المتحدة اليوم مؤسسات سياسية وإعلامية تتبنى قضية البحرين وتضع البيت الأبيض في موقف محرج مع هذا الحليف سيء الصيت والسمعة.
ما يزعج الأمريكيين أيضاً، هو بقاء أسطولها في الجفير على مقربة من اضطرابات سياسية وأمنية قد تأخذ منحى أكثر حدة وبما يتصل بإشعال الإقليم كله، وهو ما قد يورط المنطقة والعالم في أزمة غير محمودة العواقب. ولا يبدو للإدارة الأمريكية أن اللعب بالنار في هذه المنطقة مأموناً، خصوصاً مع اشتداد الموقف في المشهد السوري والتدخلات الإقليمية فيه.
ما يزعج الأمريكيين أيضاً، هو أن النظام البحريني بات قريباً جداً من تحويل هذه الجزيرة الصغيرة التي عرفت تاريخياً بانفتاحها وتعدديتها إلى وكر جديد من أوكار تنظيم القاعدة. وليس بجديد أن نؤكد تحفظ بعض دول الخليج – الكويت وعمان – وكذلك الولايات المتحدة على عمليات التجنيس السياسي في البحرين والتي استهدفت بالدرجة الأولى مواطني دول ومناطق عُرفت في السنوات العشر الماضية باعتبارها مفارخ للإرهابيين والمتطرفين حول العالم.
ألم يرفع بلطجية النظام – قوات أمنية بزي مدني استهدفت المتظاهرين – خلال عمليات تمشيطهم الطائفية لمدن وقرى البحرين علم القاعدة؟!، ألم يتبن النظام ومؤيدوه من القوى الإسلاموية المتطرفة إعلانات ودعوات تعليق المشانق لإعدام المتظاهرين؟!. فأي شواهد جديدة تحتاجها الولايات المتحدة ويحتاجها العالم لفضح هذا النظام الذي يحذر من الديمقراطية باعتبارها نظام ولاية فقيه مفترض، فيما يبرهن هو بأدلة ملموسة ومادية كل يوم أنه يتجه بخطى حثيثة لبناء إمارة وريثة لنظام طالبان أو تشييد مركز جديد لتنظيم القاعدة. وللحديث بقية.