محمد نجم: ويـّا بعض ما نبيكم (هل من يقظة تغير وجه التاريخ؟)

محمد نجم - 2011-09-16 - 11:03 ص




محمد نجم *

يعرض التليفزيون هذه الأيام كليبات صغيرة وسريعة ترد فيها كلمات "ويـّا بعض ربينا ولعبنا وكبرنا ونجحنا" في محاولة للإيحاء بأن كل ما حدث لم يكن سوى نزاع أهلي بين الطوائف وأن النظام هو الرابط الذي يسعى لإعادة اللحمة الوطنية وكان الملك في كلمته الأخيرة في العشر الأواخر قد قال "أدعو شعبي للتوحد" للإيحاء بنفس الفكرة وإظهار النظام بمظهر الراعي والحامي للوحدة الوطنية.
 
و سيفيق البحرينيون ونرجو أن يكون عاجلا لا آجلا بكل مكوناتهم سواء اتخذوا اسم "المعارضة" أم "الموالاة" وسواء تسموا بالفاتح أم الدوار على حقيقة مرعبة ومروعة حد المفاجأة وهي أن العائلة الحاكمة ليس فقط استغلت الموالاة بل المعارضة أيضا وأن الفرقاء السياسيين وإن هم اندفعوا بواعز من الحس الوطني والإخلاص الشعبي كل من جهته، فليس ليصلوا إلى ما يريدون بل ليكونوا أحجار شطرنج في النزاع الذي لم يحسم أبدا بين العم وابن الأخ ليس ابتداء بحرب عيسى بن علي مع عمه محمد بن خليفة قبل نحو قرن من الزمان والذي حسم بتولي الأول وليس انتهاء بحرب حمد بن عيسى مع عمه خليفة بن سلمان اليوم والذي لم يحسم حتى اللحظة بل وصولا إلى نزاع محتمل بين سلمان بن حمد وأعمامه مستقبلا وهو نزاع لن يحسم أبدا، لأن بنية النظام وتركيبته وطريقة توزيع السلطة فيه قابلة دائما لخلق أطروحة Uncle vs Nephew و هو نزاع كان دائما وقوده الناس والحجارة.
 
والناس الوقود كانوا دائما من مختلف الأطياف فهم القبائل العربية مرة مثل آل بن علي أو النعيم أو الفاضل أو الجلاهمة أو غيرهم الذين قاتلوا في الماضي مع أحد الطرفين أوهم القرويون البحارنة الشيعة مرة أخرى أو عرب فارس الهولة مرة ثالثة، وما يختلف اليوم هو فقط تحول النزاع في وسائله وآلياته من الحرب بمفهومها العسكري إلى الاحتراب بمفهومه الاجتماعي.
 
وتغيظ النظام حقيقة تاريخية ساطعة كالشمس لا يستطيع تغييرها، وهي أن كل هذه المكونات كانت موجودة في البحرين إما قبله أو جاءت معه فهو لا يملك عليها أية أسبقية تعطيه رصيدا مميزا في التاريخ.
 
سيفيق البحرينيون على حقيقة أن الطبقة الحاكمة من العائلة "الكريمة" لم تقم في هذه الأزمة إلا بما كانت تقوم به دائما وهو استثمار الناس في صراعاتها وجعلهم يدفعون ثمن هذا الصراع من دمائهم وكرامتهم، لتضحي عند الوثبة بأقرب صديق إرضاء للطرف الآخر وهو ما يحدث اليوم بوقف عدد من الشرطة أو العسكريين بينما تظل هي مصانة بعيدة عن محاسبة أدنى شخوصها ناهيكم عن أعلاها.
 
سيفيق البحرينيون وربما متأخرين كثيرا على حقيقة أن هذا النظام الذي لا يخجل اليوم من تلقين البحرينيين دروس الوطنية وحب الوطن هو أصلا منذ مجيئه في القرن الثامن عشر  وهو يعتبر التحالف مع الأجانب الجيران والأباعد خيرا من احتمائه بشعبه ويوم كانت الدولتان العثمانية والفارسية قوتين كبريين في المنطقة وثالثتهما بريطانيا التي كان نفوذها يتعاظم في مرحلة الأجيال الأولى من عائلة آل خليفة، كان حكام البحرين يتباهون برفع علم إيران الشاهنشاهية على قلاع البحرين وصواريها في سعي للاحتماء من بريطانيا والعثمانيين، بل يقول أحد المؤرخين عن الحاكم السادس من السلسلة الخليفية الشيخ محمد بن خليفة أنه كان لدهائه يرفع علم إيران من جهة وعلم تركيا العثمانية من جهة أخرى ليخطب ود القوتين العظميين آنئذ، لكن لم يفكر أحد منهم في إصلاح علاقته بشعبه وحالما يفكر أحدهم في إصلاحات متقدمة قليلا سرعان ما يتراجع عنها أو يتركها نهبا للمزاج الشخصي والقرار الفردي للحاكم ولا يؤسسها على بنيان مؤسسي راسخ، وهو ما يكشف أن الإصلاح السياسي لم يكن غاية للنظام أبدا في حد ذاته بل كان تعبيرا عن "تداول السلطة" الداخلي في النظام بين أجنحته التي تتنازع رقاب الناس.
 
سيفيق البحرينيون على حقيقة أن حتى أكثر وجوه النظام ليبرالية، مثل الشيخة مي الخليفة لم تكن في كتاباتها المبكرة "المنصفة" تستهدف الإنصاف بل مجرد الدفاع عن جناحها من النظام العائلي الذي غمط حقه من كعكة الثروة والسلطة، لكن وقودها لهذه المنافحة كان شعور الناس البسطاء أو المثقفين.
 
سيفيق البحرينيون "المعارضون" ونرجو قبل فوات الأوان للأسف على حقيقة أن الحاكم الذي أعطى الإذن للمعارضة بالذهاب إلى الدوار وقصر الحكومة وإشهار الثورة – ويعطي الإذن اليوم لمسيرات الجمعة – كان يريدهم أن يموتوا أكثر وكان يراهن على صمودهم هناك لا على انسحابهم من الدوار، ولو أنهم صمدوا لصعد على ظهورهم لينال من عمه على حساب دمائهم، لكنه لن يغامر فيقول لعمه كلمة حق تحمي مشروعه الإصلاحي من التدمير، ولماذا يضحي بذاته في صراعه مع عمه طالما كان هناك من هو مستعد ليضحي من أجله، أما وقد انكسر الدوار وأصبح أثرا بعد عين فهو الآن يراعي عمه ويتودد إلى حواريي عمه من المكونات الأخرى.
 
وسيفيق البحرينيون "الموالون" على حقيقة أن العم العزيز الذي أعطى الدعم الأبوي لانبثاق تجمعهم وتحكم في توزيع هياكله بطرد الإسلاميين شر طردة من قيادة التجمع، يريدهم هم أن يقوموا بالنيابة عنه بمعارضة المعارضة ولن يقول أبدا كلمة يفهم منها صراحة أو ضمنا أنه ضد المعارضة أو ضد ابن أخيه ولماذا يفعل ذلك طالما هناك من هو مستعد ليقاوم المعارضة ويشتمها من أجله، وما أن تستعيد المعارضة شيئا من الزمام حتى يبادر إلى الحديث عن الإصلاح وحقوق الإنسان تاركا "للموالين" الحديث عن انتهاكات المعارضة و"جرائمها" المزعومة.
 
سيفيق "الموالون" على حقيقة أن النظام ضغط منذ البداية ليكون تجمعهم في منطقة الفاتح وتسمية تجمعهم "بالفاتح" لينسب للنظام تبعية هذا المكون، وليجعل منهم وقود الثورة المضادة وأنه ليس راض كل الرضا عن مسمى "الوحدة الوطنية"، بل إن النظام عبر عن مخاوفه وامتعاضه من توسع محتمل لشعبية الشيخ المحمود غداة الإفراج عن سجناء الرأي في بداية الثورة بطلب من الشيخ.
 
سيفيق البحرينيون على إمعان هذا النظام في محاربة نفسه داخليا لكن باستخدام الناس ضد بعضهم البعض حتى أن من يسمون "بالمخلصين" والذين قدموا تقارير عن زملائهم في العمل لم يقم النظام حتى بحماية أسمائهم بل سربها إلى المعارضة لتبقى جذوة الطائفية متوقدة.
بل ترد روايات مؤكدة للضحايا أن غرف التحقيق والتعذيب لم تخل من وجود هؤلاء الزملاء يمارسون التحقيق مع رفاقهم في العمل، وكان المحققون الرسميون، إذكاءً للطائفية يتعمدون بطريقة أو بأخرى جعل السجين يتعرف على صوت أو شكل أو هوية زميله ثم يتصنع الشرطي أنه نسي إحكام غطاء العين على السجين أو غير ذلك من الحيل القذرة.
 
سيتذكر البحرينيون أن الهجمة الأولى على الدوار في 17 فبراير كانت بعد ليلة صعد فيها البوفلاسة وعدد من السنة على منصة الدوار مؤكدين على الوحدة الوطنية، وأن فرض السلامة الوطنية في 15 مارس جاء قبيل مسيرة متفق عليها بين الجميع تخرج من جامع رأس الرمان إلى جامع الفاتح باسم الوحدة الوطنية.
سيتذكر البحرينيون أنه في اليوم الثاني من زيارة الملك حمد إلى منطقة سترة غداة توليه الحكم قام عمه العزيز بزيارة المحرق ليقول لابن أخيه لك الشيعة ولي السنة.
سيتذكر البحرينيون منذ 2005 صعود نجم سلمان بن حمد عبر مشروع مجلس التنمية الاقتصادية الذي منذ إنشائه مثل قلقا للعم العزيز، كونه بمثابة حكومة اقتصادية تنال من هيبة الحكومة الإدارية وسلطتها لكن حقيقة هذا المجلس لم تكن سوى أداة تمكن سلمان أكثر فأكثر من إحكام القبضة على الثروة بعد ما وجد أنه دوره كولي عهد هامشي ومرهون دائما بغياب رأس الدولة.
 
سيفيق البحرينيون يوما ونرجو ألا يكون متأخرا على حقيقة أنهم معنيون بالجلوس معا بعيدا عن مسمياتهم وبسرعة قبل فوات الأوان إلى طاولة واحدة يغيب عنها النظام الحاكم، ليقولوا لبعضهم (شحوال)، يبدو أن النظام يأكلنا معا بغض النظر عن وسيلة الأكل أكانت متحضرة بالشوكة أم بدائية بالسكين، فمتى ستأتي هذه اليقظة؟

* كاتب بحريني.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus