"الوفاق" ترد على "التظلمات": تقريرها السنوي يناقض ما جاء في تقرير "بسيوني"

2014-08-14 - 8:38 م

مرآة البحرين: أعادت جمعية "الوفاق" الوطني الإسلامية نشر ورقتها الكاملة حول "الأمانة العامة للتظلمات" رداً على بيان الأخيرة المنشور اليوم الخميس في الصحف.

واشتكت "التظلمات" مما أسمته "الهجوم الممنهج الذي تتبناه "الوفاق" ضد الأمانة العامة للتظلمات"، معتبرة أنه "ينبع من موقف الجمعية المبدئي الرافض لوجود أي نموذج مؤسسي ناجح". وهو ما ردت عليه "الوفاق" بإعادة نشر ورقتها التقييمية الكاملة التي أصدرتها الاثنين (11 أغسطس/ آب 2014)، بمناسبة مرور عام على تأسيس الأمانة العامة.

فيما يلي النص الكامل لها:

ورقة تقييم بمناسبة مرور عام على تدشين الامانة العامة للتظلمات بوزارة الداخلية

أنشأت الأمانة العامة للتظلمات بوزارة الداخلية في العام 2012، بموجب المرسوم الملكي رقم (27) للعام 2012([1])، بوصفها تنفيذا للتوصية رقم (1717) والتوصية رقم (1722/د) من تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، حسب ما تعرف الأمانة عن نفسها([2])، وفي 7/8/2012 صدر المرسوم رقم 29/2012 بتعيين السيد/ نواف محمد المعاودة أميناً عاماً للتظلمات، وفي 16/4/2013 صدر المرسوم رقم 23/2013 بتعيين السيد/ أسامة أحمد العصفور نائب الأمين العام للتظلمات، وكلاهما كانا عضوين في النيابة العامة لم يعرف لهما نشاطاً عاماً سابقاً خارج وظيفتهما، في مجال حماية حقوق الأنسان، يظهر بأن أي منهما كان منشغلاً بمحاربة انتهاكات حقوق الإنسان، ولم يعرف لهما أيضاً أي دور بارز في مكافحة انتهاكات حقوق الانسان التي تنسب لأجهزة الأمن أثناء مباشرته لمهامه بالنيابة العامة.

ودشن العمل الفعلي للأمانة في 2/7/2013م، بحسب ما أعلنته الأمانة في حفل تدشينها الذي جرى في ذلك اليوم، أي قد مر عام على مباشرة الأمانة مهامها بشكل فعلي، بنحو يجعل تقييم أدائها أمراً لازماً، وذلك لغرض:

· قياس مدى فاعلية وتأثير هذا الجهاز على المواطنين، وعلى الجهات التي يشترك معها، ودوره في التأثير على التزام الحكومة بمبادئ الشفافية و العدالة واحترام حقوق الإنسان.

· تسليط الضوء وتحليل اتجاهات عمله.

· قياس مدى ثقة الجمهور به، إذ أنه، وبلا شك، فإن أية ثغرة من قبيل ضعف الثقة بالجهاز؛ لعدم قدرته على اتخاذ قرارات مؤثرة تعني في النهاية تعطيل مصالح الناس في الحصول على الإنصاف، أو على التعويض، وضياع للوقت والجهد، إذ أن الثقة في دور الأمانة العامة للتظلمات لن تتولد من كون أن المواطنين يشعرون بالرضا لوجود جهاز يتلقى شكاواهم، ويتبع إجراءات معينة بشأنها، وإنما أن ستتولد لشعورهم بالرضا لتحقيق هذه الإجراءات نتائج عادلة، فلا فائدة من إجراءات تطبق على الجميع بدون نتائج عادلة بينهم، فهذا هو السبيل الوحيد لتلافي الفساد في الإدارة.

لذلك، فإن دائرة الحريات وحقوق الانسان بجمعية الوفاق تقدم في هذه الورقة تقييماً مختصراً للأمانة العامة للتظلمات بوزارة الداخلية، بناءً على ما تمكنت من جمعه من وقائع ومعلومات، بحسب ما اتيح لها من ظروف وامكانات، وذلك على النحو التالي:

أولاً : الخلل البنيوي في الأمانة العامة للتظلمات:

في تقريرها السنوي الأول الصادر في 25/5/2014 بينت الأمانة العامة للتظلمات بأن مرسوم إنشائها كفل لها استقلالها الإداري والمالي عن وزارة الداخلية، وفي مقابلة أجرتها صحيفة الوسط البحرينية ونشرتها في عددها رقم 4313 الصادر في 26/6/2014م رد السيد/ نواف المعاودة على سؤال بشأن تعليق الأمانة على الانتقادات الموجهة لها بشأن استقلالها وحيادها، بأن استقلال وحياد الأمانة مسألة محسومة ويؤكد عليهما الاطار المرجعي للأمانة، كون المراسيم المنظمة لعمل الأمانة تنص على أن نظام عمل الأمانة يجب أن يحقق الاستقلالية والحيادية، ويقر موازنة تخصص للأمانة كبند مستقل في ميزانية وزارة الداخلية يملك أمين التظلمات سلطة التصرف فيها.

في مقابل ذلك، تشير دائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق بداية إلى أن إثبات الحيدة والاستقلال، لا يمكن أن تكون محسومة بناءً على نصوص نظرية، إذ الفيصل هو الممارسة الحقيقية على أرض الواقع، وليس النصوص النظرية التي وجودها مهم كشرط مسبق لا يمكن تحقيق هذا الحياد والاستقلال دونه، إلا أنها ليست بحد ذاتها ضمانة قاطعة على تحققه، ولكن حتى النصوص النظرية التي تركن لها الأمانة للتدليل على أن التنظيم التشريعي يكفل لها الحيدة والاستقلال هي قاصرة عن ذلك، إذ أن التنظيم التشريعي لهذه الأمانة لم يجارِ أفضل الممارسات الدولية في تنظيم مثل هذه المؤسسات، وعجز عن توفير البنية التشريعية اللازمة كشرط مسبق لضمان تحقيق هذا الحياد والاستقلال.

و على سبيل المثال، فإن طريقة تعيين المسئول الأول عن أي جهاز إداري تشكل أمراً جوهرياً في ضمان استقلال وحيدة هذا الجهاز، فهي الاساس الذي يمكن القياس منه امكانية قيام جهاز مستقل ومحايد، من عدمه، فإذا كانت الجهة التي ينبغي أن يتمتع بالاستقلال عنها والحياد في التعامل معها متحكمة في هذا التعيين، يغدو التفكير في إمكانية تمتع هذا الجهاز بالحياد والاستقلال مجرد أحلام، وواقع حال الأمانة العامة للتظلمات هو أن اللائحة الداخلية للمؤسسة الدولية لمكاتب أمناء التظلمات (IOI)، والتي تتفاخر الأمانة بانضمامها لعضويته، تنص على أن الأمين العام للتظلمات ينبغي أن يكون مختاراً من السلطة التشريعية، أو أي هيئة أخرى تتشكل بالانتخابات من الشعب، وفي الحد الأدنى أن تأخذ موافقتها على تعينه([3])، بينما المرسوم (27) لسنة 2012 في المادة (2) ينص على أن تعيين الأمين العام يكون بمرسوم يصدر من السلطة التنفيذية بناء على توصية وزير الداخلية، والسلطة التنفيذية سلطة غير منتخبة في البحرين، وهي السلطة التي ينبغي أن يكون مستقلا عنها ويتعامل معها بحياد، فوزارة الداخلية جزء من السلطة التنفيذية. وإلى جانب ذلك فإنه لا يوجد أي دور للسلطة التشريعية في اختيار الأمين العام للتظلمات وتعيينه.

كذلك تنص اللائحة المشار إليها أعلاه على أن عزل الأمين العام للتظلمات ينبغي أن يكون من قبل السلطة التشريعية، أو أي هيئة أخرى تتشكل بالانتخابات من الشعب، بينما المرسوم (27) لسنة 2012 في المادة (7) ينص على أنه يعفى من منصبه أيضاً بمرسوم من السلطة التنفيذية، بناءً على توصية وزير الداخلية.

وفي المجمل يكتنف البنية الهيكلية للأمانة العامة للتظلمات عوار كبير، نابع من كونها تابعة لوزارة الداخلية، حتى ولو ادعت في تصريحاتها بالاستقلال الإداري والمالي للأمانة، وهو أمر يخالف مبادئ باريس التوجيهية التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها 48/134 لعام 1993، فالأمانة العامة للتظلمات مهمتها الاساسية هي تلقي الشكاوى بحق منتسبي وزارة الداخلية، فكيف لجهاز تابع لوزارة الداخلية أن يحقق في الشكاوى ضد منتسبي وزارة الداخلية الذين قد يكون من بينهم الوزير الذي ساهم في تعين الأمين عام ونائبه ويساهم في عزله؟ حيث يبدو هناك كم كبير من المصالح المشتركة التي قد تتضارب وقد تتحد في آن واحد، وبهذا المفهوم فإن أي توصية أو أي تقرير يجب أن يعرض على وزارة الداخلية، وليس على جهات رقابية مستقلة كما سيتم التفصيل لاحقاً.

ثانياً : الشفافية:

في تقريرها السنوي الأول بينت الأمانة العامة للتظلمات بأن أحد مبادئها الأساسية الخمسة التي تباشر عملها في اطارها هو الشفافية، وأن اصدار هذا التقرير يأتي كتفعيل لمبدأ الشفافية، إلا ان الواقع العملي بعد مرور سنة على مباشرة الأمانة عملها هو بخلاف ذلك، فدائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق في تقريرها الحقوقي السنوي الذي أصدرته في 5 يونيو 2014 مهدت لكلامها عن الأمانة العامة للتظلمات بشأن الدور الذي لعبته في مكافحة التعذيب بالتأكيد على أن رصد نشاط الأمانة كان صعبا عليها ((وذلك بسبب اقتصار نشاط الأمانة على التحرك بناءً على شكاوى تردها من الضحايا، وعدم نشرها خلال العام 2013 لأي بيانات أو إحصاءات بشأن طبيعة الشكاوى التي قدمت لها ونتائج تعاملها معها.)).

وجاء التقرير السنوي الاول للأمانة بنفس النمط الذي اختطته الأمانة لنفسها، فقد تضمن احصائيات عن سير التحقيقات التي باشرتها الأمانة، وبين أن عددها خلال الفترة من يوليو 2013 وحتى نهاية ابريل 2014 بلغ 242 حالة، منها 94 يفترض بأنه تم اتخاذ إجراء بشأنها، و39 عالقة قيد التحقيق، و109 حالة رفضتها الأمانة أو تم تسويتها دون أي إجراء منها، ثم استعرض التقرير في القسم الثاني منه نماذج لبعض التحقيقات، وبلغت 6 نماذج، وجميعها كانت في خانة 94 حالة، لكنه لم يعرض حالة من الحالات 109، واستعراض بعضها فقط في القسم الخاص بحالات تحقيق الوفاة، ويبدو أن هذا الاستعراض كان لا مفر منه، إذ القسم خصص لحالات الوفاة، وبالتالي يجب عرض كل هذه الحالات.

الشفافية غايتها الاساسية تمكين الأخرين من مراقبة اداء الجهاز الإداري، وتمكن أفراد المجتمع من مراقبة أداء الأمانة بشكل حقيقي وقياس حيادها واستقلالها يقتضى استعراض هذه الحالات التي رفضت لفهم أسباب الرفض ومدى سلامتها، باعتبار أن هذه الحالات هي المحك الأساسي لأداء الأمانة وليست تلك الحالات التي تنتقى لغرض رسم صورة ايجابية للأمانة، وعلى الأخص في ضوء أن عدد حالات الرفض يقارب نصف الحالات التي تصدت لها الأمانة خلال فترة الاحصاء، وهي أكثر من الحالات التي اتخذت بشأنها إجراء ما. كما أن الشفافية تقتضي بالإضافة لذلك أن تظهر الأمانة ماذا كانت قد قامت في الشكاوى التي رفضت، بتوجيه الأطراف الشاكية إلى جهات أخرى ذات علاقة.

أن أفضل الممارسات الدولية التي يفترض في تقرير أي أمانة عامة للمظالم أن يتوافر عليها بحسب حلقة العمل الدولي الأول للمؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان في باريس والمنظم من قبل الأمم المتحدة في أكتوبر 1991، تتضمن بشكل اساسي:

1. التزام التقرير بإبراز ما حققته الأمانة من مكانة كسبيل سهل للوصول للعدالة جنبا إلى جنبا مع القضاء العادل وأساليب وآليات حل الشكاوى.

2. إبراز ما حققته في سبيل ضمان أن تلعب دورها كصمام أمان ضد وقوع الانتهاكات، وتكرارها، ومنظمة مراقبة مؤثرة.

3. إبراز ما حققته الأمانة في سبيل زرع الثقة في نفوس الضحايا لتقديم الشكاوى والابتعاد عن عزلة الشعب وعزلة الحكم.

4. إبراز ما حققته الأمانة كجهاز يسعى لعمل تسويات ودية، وإبلاغ أصحاب الشكاوى بحقوقهم وكيفية الحصول على التعويض، وسماع الشكاوى، أو إحالتها إلى السلطات المختصة، وتقديم توصيات من أجل حل المشاكل المتعلقة بحقوق الإنسان بما في ذلك القوانين المعدلة أو غيرها من الأعمال التي تعرقل حرية ممارسة الحقوق.

5. وإبراز نتائج متابعة تنفيذ توصياتها مع الأجهزة المعنية.

فحص التقرير السنوي الاول للأمانة يظهر بأنه بعيد عن هذه الممارسات، إذ على سبيل المثال، هذه الممارسات توجه ليس لإبراز عدد الحالات المتلقاة بشكل مجرد، وإنما توجه إلى إبراز تعامل الأمانة مع هذه الحالات، إذ هذا ما يمكن المراقب لعمل الأمانة من قياس مدى تمكنها من اقتراح حلول لها تصب في خانة "الإصلاح" المتوخى من التوصية الواردة في تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق (BICI) ، بطريقة تقود إلى تقليص العدد مستقبلاً، وهو المرجع الحقيقي في قياس نجاح الأمانة من عدمه. وتود دائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق التأكيد على أن الممارسات الدولية الفضلى تتجه إلى أن الشكاوى التي يتم قبولها لا بد أن تكون ذات مردود إيجابي على الشاكي وفقاً لمبدأ عدم تعليق الشاكي على أمل.

ثالثاً : تكوين الثقة المجتمعية:

في تقريرها السنوي الأول بينت الأمانة العامة للتظلمات بأنها اهتمت بالتوعية المجتمعية بنشاطها، وفي مقابلته مع صحيفة الوسط التي نشرت بعددها في 26/6/2014م ذكر السيد/ نواف المعاودة بأنه يستخلص من بلوغ عدد الشكاوى التي تلقتها الأمانة خلال أقل من سنة 242 شكوى، تنامي ثقة الجمهور بها، وتشير دائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق إلى أن الواقع الذي تلمسه هو بخلاف ذلك، فهي تنصح الضحايا الشاكين في المواضيع التي تصل اليها ضد منتسبي الاجهزة الامنية بالتقدم بشكاوى للأمانة العامة، ولكنهم غالباً يبدون عدم الرغبة في ذلك، كونهم لا يتوقعون أي جدية منها في التعامل مع شكاواهم؛ لعدم شعورهم باستقلاليتها وحيادها عن السلطة التنفيذية. يجدر التنويه إلى أن تنامي الثقة لا يكون بزيادة عدد الشكاوى، وإنما على العكس من ذلك، يجب أن تسعى أمانة التظلمات إلى تقليص حالات الشكاوى وزيادة حالات التصدي لها باقتراح الحلول وخطط العمل التي تسري على الكافة.

وتشير دائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق إلى أن ما تذكره الامانة بشأن اهتمامها بالتوعية المجتمعية بنشاطها لا وجود له على أرض الواقع، وبفحص نشاطاتها الإعلامية والتعريفية المنشورة على موقعها الإلكتروني يمكن تلمس أن هذه النشاطات في الأغلب هي بقصد الترويج إلى أن البحرين اتخذت خطوة في إطار إصلاح المنظومة الأمنية، فهي أنشطة تركز على الالتقاء بالوفود الاجنبية الغربية والسفراء الغربيين واللقاءات الصحفية، ولم يكن من بينها على سبيل المثال أي جولة تعريفية في السجون ولقاء مع المعتقلين، رغم أن السجون من المفترض أن تكون أحد أكبر مصادر الشكاوى التي سترد لها، والاحصاءات التي عرضتها في تقريرها تدلل على ذلك، فمن 242 شكوى كان هناك 107 شكوى تخص السجون، ووفقاً للمعلومات التي استقتها دائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق من بعض المحامين، فإنها وجدت بأن معظم المعتقلين لا يعرفون بوجود الأمانة العامة للتظلمات وما هو دورها، ولا يتمكنون من الوصول اليها الا عبر اهلهم الذين يتقدمون بشكاواهم نيابة عنهم..

كما أن الأمانة حتى تاريخه لم تقدم أي خطة أو أفكار لبناء الثقة في المنظومة الأمنية من قبل الضحايا الذين تعرضوا لاستهداف طائفي ممنهج كشف عنه تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق (BICI)، ولا أي خطة للمصالحة والتعايش واحترام الحقوق.

بل أنها لم تتخذ خطوات لتسهيل آلية التقدم بالشكوى لها من المعتقلين، إذ أن الآلية المعمول بها من ناحية عملية معقدة؛ نظراً للظروف الواقعية التي تحيط بالمعتقل، وليس كما يتم تصويرها من ناحية نظرية، فعلى سبيل المثال، يستلزم لتقديم شكوى من الممثل القانوني للضحية وجود توكيل رسمي، وهذا الأمر بحد ذاته يحتاج أن يتقدم المحامي بطلب الى النيابة العامة التي تحيله إلى جهة الإجراء في وزارة الداخلية، ومن ثم تقوم الوزارة بالإيعاز إلى مركز الشرطة أو الجهة التي قامت بإلقاء القبض بتمكين الضحية من إجراء التوكيل، وعادة ما تستغرق هذه العملية الإدارية المعقدة أسابيع طويلة، مما يعيق عملية الشكوى، كذلك فإن الضحايا عندما يطالبون من رجال الامن في محبسهم بتمكينهم من التظلم والتقدم بشكاوى ضد رجال الأمن، فإنهم يقابلون بالرفض، بما يجب على الأمانة العامة للتظلمات أن تخلق آليات تولد الثقة لدى هؤلاء المعتقلين بجديتها في استلام شكاواهم.

رابعاً : الجدية في استخدام أدواتها:

في مقابلته مع صحيفة الوسط التي نشرت بعددها في 26/6/2014م رفض السيد/ نواف المعاودة تقديم أي تفسير لارتفاع عدد الشكاوى المقدمة ضد الإدارة العامة للمباحث الجنائية وفقاً للإحصاءات التي عرضتها في تقريرها السنوي الأول، فقد بلغت خلال العشرة الأشهر التي يغطيها هذا التقرير 38 حالة من 242 حالة، أي سدس الشكاوى تقريباً، وفي المرتبة الثالثة بعد سجن جو ومركز الحبس الاحتياطي بالحوض الجاف، وعلل رفضه بأن الأمانة ليس من مهامها تفسير أسباب الزيادة أو النقصان في الشكاوى، وهي ليست جهاز لتقييم الأداء، وإنما جهاز لاستقبال الشكاوى بهدف ضمان المساءلة وتقديم التوصيات.

وتعقيباً على ذلك تشير دائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق إلى أن المادة (12) من المرسوم رقم 27/2012 المعدل بموجب المرسوم رقم 35/2013 ينص على أن الأمانة العامة للتظلمات لها ((مباشرة مهامها بغير شكوى في حالة وقوع فعل مؤثم يؤدي إلى تأثير سلبي على ثقة الجمهور في منتسبي وزارة الداخلية.))، أي أن الأمانة من واجبها اتخاذ ما يلزم لضمان استمرار ثقة الجمهور في وزارة الداخلية، وهي تملك التحرك من دون شكوى أصلاً فيما يخص ذلك.

وبالتالي فإن تعامل الأمانة العامة للتظلمات المجرد مع الأرقام دون النظر فيما يعكسه تواتر الشكاوى بشأن سلوك محدد أو جهة محددة من وجود مؤشرات على مشكل منهجي، يعكس عدم جدية من الأمانة في استخدام أدواتها وفي تحقيق الهدف من إنشائها، وهو مواجهة الخلل الممنهج في المنظومة الامنية الذي عكسه تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق (BICI)، إذ أن هذه المؤشرات يجب أن تدفعها لفحص الوضع بشكل معمق، والمساءلة عن ما يثبت لديها من خلل منهجي، وتقديم التوصيات بشأنه، لا القول بأنها ليست جهاز تقييم للأداء، وعلى الأخص بأن هناك شكاوى متواترة من أسر المعتقلين لأسباب متصلة بالحراك السياسي المعارض، بتعرضهم أثناء التحقيق معهم في الإدارة للتعذيب أو المعاملة السيئة أو الحاطة بالكرامة الإنسانية أو المهينة في حدها الأدنى، وهو الأمر الذي يعدم أي ثقة في قوات الأمن بشكل كامل.

كذلك يلاحظ بأن التقرير يظهر بأن الأمانة اهتمت بالحالات الفردية، وتناست توجيه جهودها لعلاج المشاكل الممنهجة في المنظومة الأمنية بما يخدم الغاية الأساسية من انشائها، أو اتخاذ ما يلزم للتأكد من عدم وجود مثل هذه المشاكل، كاستحصال معلومات عن جميع مراكز الاحتجاز والسجون من أجل إنشاء قاعدة بيانات، واستحداث بروتوكولات عمل تخدم المجتمع، أو السعي للتعاون مع المفوضية البرلمانية لنظام السجون أو على الأقل تطبيق قواعد بانكوك كأساسٍ لنظام إدارة السجون، وعلى الأخص بالنسبة للنساء مسلوبات الحرية، كما لم تعلن الامانة عن أي خطة إصلاحية لمنع وقوع حالات فساد أو تعذيب أو أية انتهاكات في السجون وملاحقتها والإبلاغ عنها إذا وقعت.

كذلك، لم تتعاطى بشكل جدي وعلني بالاستناد للمادة (12) من المرسوم، مع تواتر الشكاوى في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من الضحايا وأسرهم، وصدور بيانات عن الاطراف المشتغلة بالنشاط الحقوقي في البحرين والعمل السياسي، عن الاختفاءات القسرية للمعتقلين لأسباب متصلة بالحراك السياسي المعارض، وعن تعسف رجال الأمن في استخدام سلطاتهم أو استخدامهم للقوة غير المبررة، ولم تقم بفتح تحقيق حول أخلاقيات الشرطة في التعامل مع النساء اثناء اعتقال بعض أفراد أسرهم لأسباب متصلة بالنشاط السياسي المعارض، رغم تكاثر الحديث عن وقوع انتهاكات في هذا الشأن وما تمثله من مدخل حتمي لانهيار أي ثقة قد تكون موجودة في المنظومة الأمنية، ورغم ما ذكره تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق (BICI) تفصيلاً من نمط محدد لدخول المنازل واعتقال المطلوبين، ذكر التقرير ذاته بأنه سلوك منهجي، ناتج عن تدريب تلقاه رجال الأمن، بقصد إشاعة الذعر والخوف والهلع.

وفي مجال الاستخدام المفرط للقوة من قبل الشرطة أو رجال الأمن، فإن الدول التي تتبع أفضل الممارسات في شأن عمل أمين التظلمات تقوم بالتركيز على هذا الجانب، والقيام بتحقيق شامل عند تحقق هذه الحالة، أو عند إساءة استعمال الأسلحة أو أجهزة فض الاحتجاجات أو استخدامها في غير موقعها، كونها تحمل خطرا أكبر، فلا بد من استخدامها في موضعها استخداما سليما بضوابط وآليات للحد من فرص أو مخاطر سوء الاستخدام.

وتجد دائرة الحريات وحقوق الإنسان بالوفاق أهمية الإشارة إلى أن وزارة الداخلية عبر بعض مسئوليها أصدروا أحكاماً، وقاموا بتحقيقات تتصل بمخالفات منسوبة إلى منتسبي وزارة الداخلية، ورغم ما أورده تقرير تقصي الحقائق من عدم جدية التحقيقات التي تجريها وزارة الداخلية في المخالفات المنسوبة لمنتسبيها، وهو الأساس الذي قررت لجنة التقصي إنشاء جهاز بتلقي الشكاوى مستقل، فإن الأمانة العامة، وفق ما يتضح من تقريرها، اعتمدت التحقيقات والأحكام والقرارات التي أصدرها المسئولون بوزارة الداخلية، دون أن تقوم بالتحقق من كفاءة التحقيقات، وسلامة الأحكام، بل والمنازعة في أن مثل هذه التحقيقات يجب أن يكون عن طريقها، وليس عن طريق وحدات الوزارة الإدارية.

وعلى سبيل المثال، ورغم أهمية وخطورة الحادثة المتعلقة بقيام قوت الأمن بإطلاق مسيلات الدموع داخل مأتم سار (وهو دار عبادة)، وأثناء قراءة القرآن الكريم، في عزاء أحد المتوفين وفقاً للعادات المرعية في البلاد، وذلك في 23 فبراير 2014، فإن رئيس الأمن العام قد أعلن يومها تكليف الشئون القانونية للتحقيق في الواقعة، وذلك عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)[4]، وقد أصدر الوكيل المساعد للشئون القانونية بوزارة الداخلية تصريحاً رسمياً يشير فيه إلى نتيجة التحقيق بثبوت الواقعة، وتبريرها على أساس أن (عدداً من مثيري الشغب، قاموا باللجوء إلى محيط إحدى دور العبادة (مأتم) بالمنطقة محل الواقعة، الأمر الذي دعا القوة إلى تحذيرهم وإنذارهم للخروج من المكان)[5]. وبمطالعة تقرير الأمانة العامة للتظلمات، ورغم التأثير الخطير من هذه الحادثة على ثقة المجتمع بقوات الأمن، الذي أظهر صورتهم في تعديهم على إحدى دور العبادة، فإن الأمانة العامة اختارت الصمت تجاهها، ولم تصدر بياناً أو تنشر خبراً، أو تضمن تقريرها ما يفيد اعتراضها على مصادرة اختصاصها في نظر الواقعة، ولم تبد رأياً في جدية هذه التحقيقات، ومناسبة الإجراءات المتخذة بشأنها، وهو ما جعل الأمر يتكرر بلجوء المسئولين الأمنيين إلى تجاوز دور الأمانة العامة، دون أن يكون لها دور في نكران ذلك.

وعلى أساس ما سبق، يتضح بأن الأمانة لم يكن لديها جدية في استخدام أدواتها، وفي تأدية دورها الذي لأجله أنشأت، وأن عملها بعد مرور سنة، لم يمنح الأشخاص مزيداً من الضمانات فيما يتعلق بالتمتع الفعلي بحقوقهم، و التحقق من توافق القوانين والممارسات الإدارية والسياسات العامة مع المعايير الدولية لحماية حقوق الإنسان.

خامساً : مراجعة أداء الأمانة العامة للتظلمات بناء على بعض الحالات التي استعرضتها في تقريرها السنوي:

‌أ. نماذج التحقيقات التي عرضتها الأمانة في تقريرها:

1. عرضت الأمانة في تقريرها في النموذج (2) ضمن القسم الثاني من التقرير، كيفية تعاملها مع ما أثير بشأن مشكلة حصول المعتقلين بمركز الحبس الاحتياطي بالحوض الجاف على الملابس الشتوية، وذكرت بأنها تأكدت من خلال الاستماع للمسئولين بالمركز وعينة عشوائية من المعتقلين، بأن المعتقل يتسلم الملابس خلال 24 يوما من استلام الإدارة لها، وأوصت بضرورة توقيع أهالي المعتقلين بتاريخ وساعة تسليم الملابس وكذلك توقيع النزيل بتسلمها في السجل المخصص لذلك.

تشير دائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق إلى أن الأمانة ذكرت بأنها اختارت عينة عشوائية من المعتقلين، ولكنها لم تبرر سبب إعراضها عن الاستماع للمعتقلين الذين أثير الموضوع في الصحف بناءً على كلام أسرهم، في ضوء أن الأمانة أكدت في التقرير بأنها تحركت بناءً على كتاب من المؤسسة الوطنية لحقوق الانسان يستعلم عن صحة الشكاوى التي نشرت في الصحف، وهي كانت تمس معتقلين سياسيين، والأولى الاستماع لهم، حتى لو أنكر المسئولون الشكاوى، وأظهر معتقلين آخرين موقفاً آخر، إذ في الحد الأدنى ينبغي افتراض أن يكون هناك تعمد من الإدارة، أو بعض العاملين بالمركز في القيام بذلك باتجاه هؤلاء، أو اتجاه فئة من المعتقلين، كعقاب مبطن خاص بهم، ويؤكد هذه الاحتمالات ما قررته التوصية التي قدمتها الأمانةـ والتي تثبت بأنه لا يوجد نظام منضبط أصلاً لإثبات تواريخ وأوقات الاستلام والتسليم، بما لا مجال معه لاستبعاد هذا الاحتمال من حسابات الأمانة العامة للتظلمات.

كذلك تشير دائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق إلى أن المعلومات المتوافرة لديها من حالتين اثيرتا إعلاميا، تظهر بأن الموضوع ليس بهذا التبسيط الذي سرده التقرير، إذ أن المشكلة تنبع أصلاً من تحكم الإدارة في استلام الملابس من الأسرة، فضلاً عن أن الإدارة تتبع نظاماً غريباً لاستلام الملابس من الأسر، يقوم على قاعدة (استلم وسلم)، فهي بشكل عام لا تستلم من الأسر الملابس الجديدة إلا إذا كان المعتقل قد سلم مسبقاً للإدارة ما لديه من ملابس يرغب في استبدالها، فالأسرة تستلم هذه الملابس من الإدارة وتسلم الملابس الجديدة، وبالتالي فإن الملابس الجديدة لا تدخل أصلاً في حساب المدة التي تتحدث عنها الأمانة في تقريرها إلا حينما تستلمها الإدارة، وإذ رفضت استلامها دون أي مبرر أو لحين أن يسلم المعتقل ما لديه من ملابس حسب قاعدة (استلم وسلم)، فهي لن تظهر في السجلات أصلاً، وفي نفس الوقت تحدد الإدارة الأطقم التي يمكن للمعتقل أن يحتفظ بها باثنين فقط، وليس من السهل على المعتقل والأسر، إذا اخذنا في النظر تأثير نظام الاتصالات والزيارات المطبق، ضبط عملية تبديل الأطقم بهذا العدد المحدود غير المفهوم وغير المنطقي، إذ يتطلب أن يودع المعتقل أحد الطقمين لدى ادارة المركز ويبقى بطقم واحد بانتظار حصول عملية التبديل، فضلاً عن أنه إذا لم يكن لدى المعتقل إلا طقم واحد فعليه أن يدبر أمره إما بالبقاء عاريا أو باستعارة ملابس من الأخرين، أو بالبقاء دون ملابس جديدة، أو حتى الانتظار بأن ترأف به الإدارة، فتتنازل عن قاعدة (استلم وسلم)، بل تطور الأمر إلى الإلزام بأن يكون شراء الملابس من محل مبيعات في السجن.

كذلك تشير دائرة الحريات وحقوق الانسان بجمعية الوفاق إلى ان إحدى الحالات التي تم تداولها إعلامياً كانت أسرة المعتقل واضحة في التأكيد على أنها لمدة شهر ونصف تحاول إدخال الملابس له، ولكن لم تتمكن من ذلك.

ما سبق يظهر بأن الامانة لم تفحص هذه المشكلة بشكل معمق، إذ هي أعرضت عن التأكد عما إذا كانت إدارة السجن تستلم كل الملابس التي تردها من الأسر أو لا، وما إذا كانت ترفض الاستلام بطريقة تحكمية، دون أن تثبت ذلك في سجلاتها، واكتفت بقياس ما إذا ما كان هناك وقت بين الاستلام من الأسرة والتسليم للمعتقل، أو ملابس استلمتها الإدارة ولم تسلم للمعتقل، كما أنها أعرضت عن التأكد مما إذا كانت الإدارة تمنع أو تؤخر الملابس الشتوية كعقاب مبطن ضد المعتقلين الذين اثاروا الأمر في الاعلام أو فئة من المعتقلين.

2. عرضت الأمانة في تقريرها في النموذج (4) ضمن القسم الثاني من التقرير، كيفية تعاملها مع الحالة الخاصة لمعتقل كفيف، وذكرت بأنها التقت به واستمعت له ولأفراد أسرته، وأوصت على أثر ذلك إدارة مركز الحبس الاحتياطي بالحوض الجاف بالمتطلبات الأساسية التي يحتاج إليها، والتي منها استثناءه من شكل الزيارة المعتادة التي تتم من خلف حاجز زجاجي، وأن الإدارة استجابت لهذه التوصية، وأن الإدارة قامت على إثر الزيارة بحجز موعد طبي للمعتقل الكفيف في مستشفى السلمانية لعرضه على طبيب مختص، وأكدت أنها ستواصل المتابعة مع الإدارة من أجل ضمان حصوله على معاملة انسانية بما تتضمنه من رعاية صحية.

وفقاً للأوصاف التي ذكرها التقرير، رجحت دائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق شخصية هذا المعتقل، وهو سجين سياسي وتم حبسه احتياطياً دون أي محاكمة لمدة عام كامل وبعض الايام.

التقرير سرد وقائع الموضوع بما يوحي بأن الأمانة هي من بادرت لتصحيح أوضاعه مراعاة لحالته الانسانية، إلا أن هذا العرض يظهر عدم التزام الأمانة بالشفافية في عرضها، فهو لم يتضمن بيان ما شكى منه المعتقل، وما هي طلباته وموقفها منها، وذلك ليتعرف القارئ على وضع المعتقل، وما قد يكون تعرض له من انتهاكات، تسمح بتقييم مهني تعامل الأمانة مع الحالة.

وفق المعلومات المتوافرة لدى دائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق، فإن المعتقل طلب تزويده بالعصا التي يستخدمها المكفوفين للحركة، وذلك لتسهيل تنقلاته البسيطة في السجن، لكن الأمانة لم تشر لهذا الطلب، حتى يفهم أي مراقب كيف تعاملت هي مع هذا الطلب، ولماذا تم رفضه أو التغاضي عنه، سواء من الأمانة العامة للتظلمات، أو من المسئولين عن السجن، كذلك هي لم تشر إلى أن السماح له بالالتقاء بأفراد عائلته أثناء الزيارة دون الحاجز الزجاجي كان بسبب شكوى مباشرة منه هو للأمانة، ولم تكن ملاحظة تكونت لدى الأمانة بشكل ذاتي، كما لم يشر التقرير إلى أنه بعد تمكينه من الالتقاء مع أسرته بدون الحاجز، شكى لاحقاً من أن الزيارة تكون له وهو مقيد، رغم انه مكفوف، كما أن الزيارة تتم تحت الرقابة، ولا يمكن تصور احتمالية الهروب لتكون مبرراً لتقييده، رغم أن هذا الوضع يسبب أذى معنوي لوالدته دون مبرر. كما استمتعت دائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق لشهادة محامٍ شاهد صدفة هذا المعتقل في مبنى المحكمة، وهو مقيد ومحاط بأربعة من رجال الأمن وهم يجرونه جراً، كونه غير قادر على أن يبصر طريقه بشكل ذاتي.

في موضوع العلاج، قالت الأمانة في تقريرها بأنها أكدت بأنها ستواصل المتابعة مع الإدارة من أجل ضمان حصوله على الرعاية صحية، ولكن المعلومات المتوافرة لدى دائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق هي أن المعتقل ظل يشكو من عدم تمكنه بشكل منتظم من تلقي العلاج من إصابة سابقة في الوجه، وهو الأمر الذي يتطلب منه مراجعة أطباء استشاريين، وظل كذلك حتى خروجه من الحبس الاحتياطي، فضلاً عن أن التقرير ذكر بأن الإدارة استجابت للأمانة، وحجزت موعدا له في مستشفى السلمانية لعرضه على طبيب مختص، دون أن يبين التقرير أو يثير التساؤل عن سبب عدم قيام إدارة السجن بذلك مسبقاً رغم وجود المبررات اللازمة، وموقف الأمانة من هذا السلوك، وما إذا كان يتضمن إخلالاً من الإدارة بواجباتها فيما يخص المعاملة الواجب تقديمها للمعتقلين، وما إذا اتخذت الأمانة إجراءات لمحاسبة من تسبب في هذا الإخلال إذا كان وقع، فالتقرير يمر على هذه النقطة مرورا دون أي مبالاة بها.

‌ب. حالات الوفاة المتصلة بالمعارضة السياسية:

1. عرضت الأمانة في تقريرها في الحالة (7) من حالات الوفاة ضمن القسم الثالث من التقرير، حالة الوفاة التي وقعت في 26/2/2014 لأحد المعتقلين السياسيين، ويلاحظ أن التقرير لم يشر تماماً إلى أن عائلة المتوفى تمسكت بأنه توفي متأثراً بتعذيب شديد وقع عليه أثناء فترة التحقيق معه، تسبب هذا التعذيب أو المعاملة السيئة في حدها الأدنى في تدهور حالة المتوفى الصحية، وأدخل للمستشفى بسبب ذلك. وبدلاً من ذلك، ذكر التقرير بأن الموضوع يتضمن شقين، شق جنائي، ويبدو أن المقصود به هو التعذيب، وقد أحيل هذا الشق للوحدة الخاصة بالنيابة العامة، وشق يتصل بمستوى الرعاية الصحية التي تلقاها الصحية، تولته الأمانة.

لن تناقش دائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق في هذه الورقة موضوع مستوى الرعاية الصحية التي يتلقاها المعتقلين، ليس من باب التسليم بصحة ما ذكرته الأمانة من أن الضحية كان يتلقى الرعاية الصحية المناسبة أثناء فترة تواجده في مركز الحبس الاحتياطي بالحوض الجاف، فموضوع الرعاية الصحية موضوع واسع سبق وأن أثيرت شكاوى عديدة بشأنه، أبسطها أن تقدير نقل المعتقل إلى عيادة السجن من عدمه، أمر موكل للضابط المسئول، وليس لطبيب متخصص، ويشكوا المعتقلين من استخدام هؤلاء الضباط لسلطتهم التقديرية هذه بشكل تحكمي ومؤذ لهم دون مراعاة لأوضاعهم الصحية.

ولكن ما يهم في هذا الجانب التساؤل عن سبب إخفاء موضوع التعذيب عند سرد تفاصيل الحالة، والأساس الذي بموجبه عنون التقرير الحالة تحت عنوان الوفاة بسبب الاهمال في العلاج، بينما يفترض بأن الأمانة على علم تام بأن هناك شق جنائي يتصل بالتحقيق في تعرضه للتعذيب بطريقة أدت لتدهور حالته الصحية ودخوله المستشفى ومن ثم وفاته، وأن التقصير في مواجهة أعراض نوبة فقر الدم المنجلي (السكلر)، إذا صح وقوعه، لا ينبغي أن يحجب السبب الحقيقي للوفاة، فالقاعدة في القانون الجنائي تقرر أن وقوع خطأ أثناء تشخيص أو علاج من وقع عليه الفعل المجرم الذي ينتج الوفاة لا ينفي امكانية قيام المسئولية الجنائية لمن تسبب في هذا الفعل، حتى وإن كان هناك من سيحاسب على الخطأ في التشخيص أو الخطأ في العلاج، وبالتالي فان سبب الوفاة بحسب سياق التقرير هو لازال محل تحقيق، وما ذكر لا ينسجم مع الشفافية التي تقول الأمانة بأنها تتبعها، إذ هي لم ترسم الصورة الكاملة للواقعة وانتقت جانباً منها، بحجة أن هذا ما يخصها، والجانب الاجر هو بعهدة جهة اخرى، ثم قررت هي النتيجة.

كذلك يهم دائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق أن تشير في هذا التقرير إلى أن المعلومات المتوافرة لديها تظهر بأن الأمانة العامة لم تتواصل مع العائلة قبل اتخاذها مثل هذا القرار، ولم تسمح للعائلة بأن تتشارك معها هذه المعلومات والتقارير التي تتحدث بأنها صدرت من الهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية والطبيب الشرعي، بنحو يمكن العائلة من أن تدلي برأيها بشأن توجه الأمانة فيما يخص النتيجة التي انتهت لها، وأن التواصل الذي تم كان بمبادرة من العائلة بعد سماعها عن نتائج تحقيقات الأمانة العامة من الصحف.

2. عرضت الأمانة في تقريرها في الحالة (6) من حالات الوفاة ضمن القسم الثالث من التقرير، حالة الوفاة التي وقعت في 11/2/2014 لسيدة أثناء مداهمة منزلها من قوات الأمن العام فيما يتصل بمحاولة اعتقال سياسي، والتقرير لم يشر إلى أن العائلة تمسكت بأن الضحية تدهورت صحتها بسبب حالة الفزع التي لحقت بها على إثر مداهمة قوات الأمن لمنزلها بطريقة مفزعة، ودون إبراز إذن قضائي أو استئذانهم للموافقة على تمكين قوات الأمن الدخول. وبدلاً من ذلك، ذكر التقرير بأن العائلة قررت بأنها سمعت ضوضاء بسطح المنزل ثم طرقاً على الباب، وبفتحه دخلت قوات الأمن المنزل بغرض تفتيشه بحثاً عن أحد المطلوبين، وبعد انتهاء التفتيش سقطت الضحية مغمى عليها، وهذا السرد الذي اتبعه التقرير فرغ أقوال العائلة من جوهرها، لينتهي القارئ إلى أنه لم يكن للعائلة ملاحظة على تصرفات رجال الأمن أثناء دخولهم للتفتيش.

وتشير دائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق، بأن المعلومات المتوافرة لديها، تظهر بأن عائلة الضحية تتمسك بأنها تفاجأت بدخول قوات الأمن من السطح بعد قفزهم من البيت المجاور، ومن باب كراج السيارات في المنزل، أي ليس من الباب فقط، أي أن العائلة كانت في واقع الحال أمام اقتحام للمنزل، وليس دخولاً بعد الاستئذان، كما تشير المعلومات إلى أن العائلة تتمسك بأن الحوار الذي دار بين افرادها وقوات الأمن كان عند الباب الداخلي للمسكن الموجود في الطابق الأول، وليس أمام مدخل المبنى في الطابق الارضي، أي بعد دخول قوات الأمن فعلاً لداخل المنزل من السطح ومن باب كراج السيارات بالقوة، وأن هذا الحوار دار على إثر محاولتهم كسر الباب الداخلي بالقوة، فتدارك أحد أفراد العائلة الأمر، وطلب منهم التوقف عن ذلك كونه سيفتح الباب، أي بحسب ذلك لم يكن الأمر طرقاً للباب ودخولاً بالإذن، فهم دخلوا الجزء الداخلي بما يتضمنه من غرف المعيشة عنوة، و من دون إبراز إذن او استئذان احد، وبطريقة مفزعة تضمنت الصراخ وتكسير الابواب، وأن الضحية سقطت بعد ثلاث دقائق تقريبا من دخولهم بهذه الطريقة المفزعة، في حين أنهم - أي قوات الأمن - لم يفصحوا أصلاً عن غرضهم من الدخول للمنزل وما يقومون به، كما أن رواية عائلة الضحية تؤكد بأن قوات الأمن لم تطلب سيارة الاسعاف لنقل الضحية، وإنما قام بذلك أحد الجيران بعد مضي مدة، رغم أن قوات الأمن زعمت بأنها هي من قامت بذلك، وأن أحد افراد الأسرة طلب مساعدته ليقوم هو بنقلها دون انتظار للإسعاف، لكنه لم يتلق مساعدة من قوات الأمن.

قالت الأمانة في تقريرها بأنها انتقلت إلى منزل الضحية، وأنها بمعاينتها له ترى إمكانية تصور الواقعة، وهذه الواقعة التي تتصورها هي أن الشخص الذي كان مطلوباُ القبض عليه قفز من المنزل المجاور إلى منزل الضحية، وتتساءل دائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق في هذا الصدد : إذا سلمنا بحصول هذه الواقعة، فهل كانت هي الواقعة المهمة التي كان ينتظر من الأمانة العامة البت فيها في مثل هذه الحادثة؟؟!!، أم أن الوقائع المهمة هي أن دخول المنزل تم بدون إذن قضائي حسبما يسلم به الطرفين، وقوات الأمن تقول بأنها دخلت المنزل بعد موافقة صاحبه، فيما العائلة تقول بأنه لم يتم استئذانها، وأنه عندما دار أول حوار بينها وبين قوات الأمن كانت الأخيرة قد دخلت المنزل فعلاً من باب السطح ومن باب الكراج، وأنها كانت تهم بكسر الباب الداخلي، وأنها دخلت للجزء الداخلي عنوة ودون إذن من أحد افراد العائلة، وأن هذا الدخول والطرق على الباب الداخلي ومحاولة كسر الباب وما تم من تفتيش كان بطريقة مفزعة، وأن العائلة لم تتلق مساعدة من قوات الأمن بعد وقوع الضحية، وساهمت في تأخير نقلها للمستشفى لتلقي الاسعاف هناك.

يعنون التقرير هذه الحالة بأنها وفاة طبيعية، ويشير إلى أنه حسب تقرير الطبيب الشرعي، فإنه لا شبهة جنائية في حالة الوفاة، وهو ما يظهر بأن الأمانة حسمت موقفها من هذه الحالة، وانحازت لرواية قوات الأمن، لكنها تستر هذا الموقف تحت القول بأن الأمانة أرجأت اتخاذ إجراء بشأن هذه الحادثة بانتظار نتائج التحقيق الذي تجريه وحدة التحقيق الخاصة.

ودائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق في هذا الصدد تلفت الانتباه إلى حالة الشهيدة عزيزة حسن خميس التي توفيت في 16/4/2011، ووثق حالتها تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق (BICI)، وصنفها ضمن حالات الوفاة بسبب الاستخدام المفرط للقوة من قبل رجال الأمن، وسرد بعض التفاصيل بشأن ظروف وفاتها في الفقرات 1074 و1075، أهمها بأن أسرة الضحية أكدت اقتحام منزلها من قبل قوات الأمن بالقوة بنحو مفزع، وبأن الضحية كما أفرد أسرتها، لحقهم فزع جراء ما شاهدوه من اعتداء عنيف على جار الضحية الذي كانت تبحث عنه قوات الأمن ووجد مختبئا في منزلها، وكذلك الاعتداء الذي وقع على شقيقها، وجراء المعاملة المهينة التي تعرض لها كل أفراد الأسرة أثناء الاقتحام، وأن حالتها الصحية تدهورت مباشرة على أثر ما شعرت به من فزع.

ووفقاً للمعلومات المتوافرة، فإن الشهيدة عزيزة كانت في وضع صحي مقارب لوضع الضحية، فقد كانت تعاني من مرض السكري المزمن، وتحتاج لاستخدام الانسولين، وأن اقتحام منزلها تم بالقوة ودون أي استئذان او إبراز لوجود إذن قضائي بالاقتحام، بعدد غير قليل من رجال الأمن، وعلى نحو مفزع، تسبب في تعرضها لانتكاسة صحية بسبب حالة الفزع التي أصابتها على إثر هذه المداهمة العنيفة، فعانت من هبوط حاد للسكر في الدم، وتوفيت بسبب ذلك بعد فترة قصيرة.

وتشير دائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق بأن موقف الامانة العامة للتظلمات مطابق للطريقة غير السليمة التي تعاملت معها جهات التحقيق في حالة الشهيدة عزيزة، إذ أغلق التحقيق في قضيتها بمبرر عدم وجود شبهة جنائية، كون الوفاة كانت جراء توقف القلب والتنفس والإصابة بمرض السكري، ولعدم وجود أي إصابات في جثتها سببت الوفاة، دون أي يتم النظر الجاد في وجود مؤشرات واضحة بأنها من ضحايا المعاملة اللاإنسانية والمهينة وفقاً لمفهوم اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية او المهينة.

إن طريقة تعامل الأمانة مع هذه الحالة يثير التساؤل حول انسجام نشاطها مع المعايير الحقوقية الدولية، والتي منها مفهوم المعاملة القاسية واللاإنسانية حسب اتفاقية مناهضة التعذيب، وحول طبيعة دورها في حماية الضحايا من أي سلوك عنيف غير قانوني تمارسه قوات الأمن من خلال منع الإفلات من العقاب وتفعيل المحاسبة الجدية، وعدم استخدام ما يرد في التقارير الطبية من أسباب نهائية للوفاة، كمبرر لاعتبار أن الوفاة طبيعية لحالة مرضية سابقة، للهروب من طرح الاحتمالات التي تنسجم مع روايات أسر الضحايا بشأن ما قاد لوقوع هذه المضاعفات الصحية لحالة المرضية السابقة في ذللك الوقت على وجه التحديد.

‌ج. تقرير الامانة بشأن زيارة مركز الاصلاح والتأهيل (سجن جو):

التقرير بشأن زيارة سجن جو هو أول تقرير نشرته الأمانة بشأن نشاط قامت به، وعند تفحصه يتولد شعور بغياب الفهم العميق لانتهاكات حقوق الإنسان لدى الأمانة، بنحو يفقد الثقة في قدرتها على أن تمثل ذلك الجهاز المستقل، الذي يمارس رقابة فعالة على كل عمليات التوقيف، الذي أشارت إليه توصية تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق رقم (1722/د). فمثلاً، يمر التقرير، بشكل خاطف، وهو يسجل ملاحظاته عن حصول النزلاء في السجن على معاملة إنسانية من عدمه، فيذكر أنه يوجد اكتظاظ في غالبية الزنازين، وأن هذا الاكتظاظ أدّى إلى ضعف مستوى شعور النزلاء بالراحة خلال تواجدهم في معظم الزنازين والعنابر، وأن هذا الاكتظاظ يتراوح من بسيط إلى شديد، وأن هناك قصور واضح في ترتيبات وعمليات صيانة المرافق الموجودة في المكان، ولا توجد أسرة كافية لكل النزلاء، بسبب العدد الذي يفوق القدرة الاستيعابية للمكان، ثم تأتي التوصيات لتكتفي بالدعوة لاتخاذ الإجراءات العاجلة لتلافي مشكلة اكتظاظ الزنازين، وصيانة وتجديد العنابر والمرافق الموجودة بالسجن بشكل دوري، دون أن تتحرك لاتخاذ ما يلزم لمحاسبة من تسبب في ذلك بشكل عمدي أو نتاج تقصير، وحتى دون أن تعطي توصيفاً شديداً لهذا الواقع، الذي يمثل بحد ذاته نمطاً من أنماط سوء المعاملة([6]).

وعند مقارنة هذه التعبيرات التي وردت في تقرير الأمانة بما ورد في الفقرة رقم (1237) من تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق (BICI) التي ذهبت إلى تصنيف مجرد تسبب قوات الأمن في خلق معاناة لأهل المعتقل لعدم إخطارهم عن مكان وسبب اعتقاله انتهاكاً لحظْر المعاملة أو العقاب القاسي أو اللاإنساني أو الحاط بالكرامة، تزيد الشكوك بشأن غياب الفهم العميق لانتهاكات حقوق الإنسان لدى الأمانة([7]).

سادساً : استنتاجات :

كان المؤمل للأمانة العامة للتظلمات إن هي التزمت المبادئ وأفضل الممارسات في عمل الأمبودسمان (الامين العام للتظلمات) في الأنظمة المقارنة، ذات السجل الحقوقي المتطور، أن تكون ناقدة لبعض التصرفات الصادرة من قوات الأمن، وتحدد المشكلات على نحو واضح، سيما أن سبب إنشاءها المدعى كان بسبب تقرير تقصي الحقائق، الذي كشف انتهاكات منهجية في حقوق الإنسان، وتعرض لبعض صورها على أنه أنماط شائعة من انتهاكات حقوق الإنسان، وعلى سبيل المثال، فإن التقرير في الفقرة 1179، و 1180 أكد بوجود نمط سلوكي منهجي لقوات الأمن في تنفيذ القبض من المنازل، وأن هذا السلوك الممنهج سببه الإخفاق في إجراء تحقيق فعال في هذه الممارسات، والفشل في اتخاذ التدابير الوقائية الملائمة لمنع الانتهاكات، وهو بحد ذاته يعتبر أساساً لتحمل القيادات العليا للمسئولية.

وفي شأن ادعاءات التعذيب، فرغم أن تقرير لجنة التقصي قد أثبت شيوع هذه الممارسات، وأصبحت حقيقة دامغة يتعين على الأمانة العامة للتظلمات البحث في المسئولين عنها، واتخاذ التدابير اللازمة لإنهاء هذا النوع من الانتهاك الجسيم لحقوق الإنسان، والذي اعتبره تقرير لجنة التقصي في الفقرة 1243 إلى وجود مشكلة منهجية، لا يمكن معالجتها.

وما حمله التقرير، إنما جاء ليناقض ما خلص إليه تقرير لجنة التقصي، فيشير إلى أن بعض الممارسات تقع بصورة فردية، وتجاوزات محدودة، ابتعد عن التعرض لموقف القيادات الأمنية، و لم يتعرض إلى أي مشكلة ذكرها تقرير لجنة التقصي على أنها مشكلة مزمنة، ومتفشية، ولم يظهر من التقرير حتى تجاوز التوصيف، ووصف العلاج الذي يحقق التخلص من المشكلات التي ذكرها تقرير لجنة التقصي، بل قدم في ختامه توصيات عامة، لا تلامس جوهر المشكلات المثارة أمامه، فضلاً عن المشكلات الممنهجة التي أثارها تقرير لجنة التقصي.

تقرير الأمانة العامة للتظلمات السنوي الصادر في مايو 2014، ودورها خلال العام، أظهر جانب العلاقات العامة في القفز على الحقائق في الواقع، وتصوير الأمور بغير ما يراها المراقبون لوضع حقوق الإنسان في البحرين، ولم يظهر بعد كجهاز ناقد، وجهة للانتصاف لضحايا الانتهاكات الجسيمة التي ذكرها تقرير لجنة التقصي.

سابعاً : رؤية الوفاق لنظام تظلمات فاعل:

ترى الوفاق أن نظام الأمبودسمان قد حقق نجاحاً في الدول التي استوفت المعايير الدولية المقررة في مثل هذه الأنظمة، وأن تنظيماً جاداً يبتعد عن الاشتغال بالعلاقات العامة، وعن العمل على ترويج صورة معينة للدولة، دون التفات لما عليه الواقع، وينال ثقة المجتمع، يتطلب ما يلي:

- تحقيق الاستقلال الفعلي على المستوى الواقعي للأمانة العامة للتظلمات، ويكون مقياس هذا الاستقلال جرأة الأمبودسمان (الأمين العام للتظلمات) على النقد الموضوعي، والجدية في استعمال الآليات المتاحة لديه، بما يكسب ثقة المجتمع، وهذا ما يتطلب ألا يكون تابعاً عضوياً أو شكلياً أو هيكلياً إلى وزارة الداخلية، ولا يستلم تعليماته من أي جهة أخرى غير القانون، وأن يكون تقريره للجمهور، وللهيئات المنتخبة التي تمثل الشعب تمثيلاً حقيقياً.

- اختيار الأمين العام ونائبه، بناء على مواصفات معينة، فنظام أمين المظالم يعتمد بشكل كبير على اختيار الفرد المناسب للمكتب، و يفضل أن تكون له خبرة عملية مع بعض منظمات حماية حقوق الإنسان غير الحكومية وأن يكون مشهوداً له بالحصافة والمهنية والإنصاف، وأن يكون تاريخه المهني يشهد على دفاعه عن حقوق الإنسان. ويكون تقدير توافر هذه الشروط من مؤسسة منتخبة تمثل المجتمع تمثيلاً حقيقياً، ليكون الأمين العام حائزاً ثقة الشعب في الحفاظ على حقوقهم، والدفاع عنها، وذلك كما هي تجارب ألبانيا - الأرجنتين- ارمينيا- البرتغال- جورجيا ومالطا- إيرلندا - بلجيكا - الدنمارك - فنلندا - السويد - آيسلندا - مقدونيا - ليتوانيا

- يجب أن يمتد دور أمانة التظلمات إلى التحقيق المكثف في الاستهداف الممنهج والمستمر للانتهاكات، وليس لمجرد تلقي الشكاوى وحفظ نتائج التحقيق، وإبلاغ الداخلية أو النيابة بالإجراءات، فلا بد من عرض أي تحقيق ونتائجه للعموم؛ سيما إذا كانت الشكوى تمس الحق العام. ولذا لا بد من وجود تنظيم يسمح وينظم رقابة المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني على عمل الأمانة العامة للتظلمات، شبيه باللجان الاستشارية في الولايات المتحدة وكندا.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus