» رأي
بصراحة: هل تعبنا؟
عادل مرزوق - 2011-09-06 - 12:42 م
عادل مرزوق*
كل الخيارات صعبة. يحمل الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان على ظهره الحمل وحيداً. في الكف الأولى ثقل تمثيل قادة المعارضة المعتقلين وتصلب الشارع المجروح الرافض لأنصاف الحلول، وفي الأخرى تسوية الحكم التي لا تليق بما يأمله الناس وبما قدموه من تضحيات. قد يبدو رفض التسوية المعروضة - تتضمن تعديلا دستورياً محدوداً وبعض الإجراءات والمراسيم والإفراج عن المعتقلين - الخيار الأسهل، لكن السؤال الأهم: ماذا بعد الرفض؟ هل يستطيع الشارع فرض إرادته وتقديم المزيد من التضحيات لنيل مطالبه؟ وهل سيبقى الغطاء والضغط الدوليان قائمين؟ الخيارات صعبة، والتفرد بالقرار مسؤولية كبرى خلاف الخوض والانغماس في التفاصيل اليومية للأحداث وتبعاتها. هل يستطيع علي سلمان أن يبقي ظهره مستقيماً بين مطرقة الناس وسندان السلطة؟
أقول، ويقول كثيرون إن الأزمة ستطول، لكننا نغفل حقيقة مهمة: وهي أن لحركات التحرر والثورات نهايات تقف عندها وتنتهي. وعليه، لا يمكن لثورة اللؤلؤة أن تستمر الى ما لا نهاية، ولا يمكن أن نكتب ونعلق على الأحداث بعد عام من الآن على أنها امتداد لثورة اللؤلؤة،.كان امتداد الحركة الشعبية في التسعينات لسنوات وسنوات السبب الرئيس في رجحان تسميتها بـ "الحركة المطلبية" لا "الثورة". وعليه، نحن نكتب نهاية الثورة ونهاية الحكاية اليوم بالتحديد، وليس غداً. لكن، ما هو خيار الشارع اليوم؟ هل هو تصعيد الاحتجاجات والاستمرار بما يتخطى توزيع مراكز القوى الحالية؟، أم هو تسليم ورقة التسوية للفصيل الأكبر في المعارضة - جمعية الوفاق – ليقرر سقف التنازلات وملامح التسوية المقبلة. وبصريح العبارة: هل تعب الشارع وخارت قواه؟!، أم لا زال قادراً على المواجهة والتحدي؟
مع هذه المقدمة تبدو الخيارات صعبة، وهي كذلك بالتأكيد. لكننا نحتاج لمصارحة أنفسنا دون مكابرة أو مزايدة، بدأ الشهيد علي مشيمع في الرابع عشر من فبراير هذا العام رحلة مفصلية في تاريخ البحرين، تبعه المؤمن وخضير وكوكبة الشهداء الكرام من أبناء البحرين بمطالبات وأحلام تلقفناها بإيمان وصدق وعزيمة، وسار قرابة 350 ألف مواطن في هذا الخيار، وهذا الحلم. كان الشارع بإرادته ورغبته وقناعته من اختار هذه المواجهة وقرر الدخول في هذا التحدي، خصوصاً بعد ما أدخلته الثورتان التونسية والمصرية في خلجاته من آمال وطموحات في إنهاء الحالة المترددة في البلاد بين الإصلاح السياسي التي تجمد في العام 2004 إذ عادت السياسات التمييزية ونظام الإمتيازات الطائفي في البلاد للواجهة من جديد.
اليوم، نعلم جميعاً، أنه لا يمكن لهذه التسوية التي تحاول السلطة تمريرها من خلال لجنة بسيوني والتعديل الدستوري المحدود أن تكون الخاتمة المأمولة من هذه الثورة، ونعلم جيداً، أن التسوية ستكون مجحفة مهما تصلب قادة القوى السياسية في المعارضة تجاهها. وهنا سؤال جديد يحتاج لإجابة: هل فوض الشارع فعلياً جمعية الوفاق وباقي الجمعيات السياسية المعارضة أن تقبل أو أن تسعى لإنضاج هذه التسوية مع السلطة؟، أم لا؟ أنا لا أدعي القدرة على إجابة هذا السؤال إجابة قاطعة. يؤكد الزخم الذي يعود للمواجهات بين المتظاهرين وقوى الأمن كل اسبوع وبوتيرة تصاعدية أن ما يمنع الناس عن العودة لدوار اللؤلؤة هو الرصاص، ولا شيء آخر سوى الرصاص. وهو ما يشي للجمعيات السياسية وبوضوح، أنها ليست معنية أو مجبرة على إنضاج أو إقرار أي تسوية تتضمن أية تنازلات عن اقرار الملكية الدستورية التي تؤسس لدولة مدنية تساوي بين مواطنيها في الحقوق والواجبات.
إذن، لابد للشارع أن يكون سيد قراره، ولسيادة القرار كلفة باهضة، علينا أن نتحملها. لن تستطيع الدولة الاستمرار في حلها القائم على العسكر والبندقية، لقد خسرت الكثير من هيبتها وسمعتها وستخسر أكثر وأكثر ما بقى الحل السياسي الحقيقي مختطفاً ومستبعداً من قائمتها. ويستطيع الشارع إن حافظ على صموده وإيمانه بقضيته وشجاعته في المواجهة أن يقلب المعادلة من جديد، وبما يتخطى المشهد السياسي بتفاصيله القائمة اليوم، ليس المقصود من ذلك التقليل من ضخامة شارع الوفاق أو جمعيات المعارضة أو حتى الطعن في مصداقيتها، لكنها هي الحقيقة ملاحظة تهدف لضرورة أن تعود المعادلة لما كانت عليه في دار اللؤلؤة تماماً، الشارع كله تجاه السلطة كلها.
هذه المقالة مهووسة بالأسئلة؟، لماذا لا استكمل تفاصيل القراءة الأخرى؟، وهي أن الشارع يسير في رتم متباطئ للقبول بأي تسوية، وأن قواه تنهار كل يوم أكثر وأكثر. ساكتفي بالتعليق: هذا هو رهان السلطة، من الخطورة فعلاً أن نتوقف اليوم، أو أن نترك التسوية لتكون على الأرض نتائج مرئيات الحوار الوطني مع بعض التنازلات. لقد مشى هذا الشعب أكثر من نصف الطريق، ومن واجبه أن يكمله. فالعودة لنقطة البداية أصبحت أكثر كلفة. العودة بهذا الوطن بما قبل الرابع عشر من فبراير دون نتائج ليست خياراً، بل انتحارا. وللحديث بقية.
*كاتب بحريني.