لعبة المحاصصة الطائفية إلى أين؟
يوسف مكي - 2014-07-29 - 6:28 م
يوسف مكي*
تكثر هذه الأيام التصريحات من قبل المعارضة الرسمية والمتعلقة بإيجاد حلول سياسية للأزمة السياسية، تتمثل في المحاصصة الطائفية في هذا البلد المنكوب أصلًا بالقبلية والتمييز الطائفي، وهي تصريحات أشبه بمقترحات مقدمة من قبل النظام لحل الأزمة. وهذه المقترحات مرة كمقترح ثلاث ستّات؛ أي تشكيل حكومة تتكون من 6 من الشيعة و6 من السنة و6 من آل خليفة، ومرة مقترح مشابه مع اختلاف بسيط يتمثل في 8 وزراء من الشيعة و8 من السنة و4 من آل خليفة.
في مقابل تصريحات المعارضة، هناك نفي من قبل النظام جاء على لسان وزيرة شؤون الإعلام، بأنه لا يوجد مقترحات من هذا القبيل، وأن النظام ضد المحاصصة الطائفية.
وبصرف النظر عن حقيقة هذه المقترحات، فإن الحكم في البحرين، ومنذ الاستقلال، أرسى عرفًا أو تقليدًا بأن تكون الحكومة محاصصة إلى حد كبير بين الشيعة والسنة وآل خليفة، مع تغليب كفة آل خليفة في بعض الأحيان، أو السنة في أحيان اخرى خاصة في أوقات الأزمات.
لذك فإن نفي النظام مبدأ المحاصصة ليس له معنى، بل إن الوقائع والتاريخ وعقلية النظام القبلية تؤكد عكس ما ذهبت إليه وزيرة الإعلام، ويبدو أنها في واد ومن يقرر في الحكم في واد آخر، بمعنى أن النظام مع المحاصصة من حيث البنية والجوهر حتى ولو نفى ما ذكره الشيخ علي سلمان.
إن النظام فيما أرى يبحث عن حلول لا شك في ذلك، لكنها حلول التفافية، وأشبه بالفخ للمعارضة، وهي حلول تمس شكل النظام دون بنيته، بحيث يظل آل خليفة هم من يقرر في النظام وليس 6 وزراء من الشيعة أو مثلهم من السنة. يضاف إلى ذلك أنه في حالة الموافقة على المحاصصة سيتم اقتسام المناصب الوزارية بشكل نهائي، وسيقنن لها بذلك دستوريًا، بحيث تكون الوزارات الأهم والسيادية من نصيب آل خليفة، والمهمة من نصيب السنة، والثانوية من نصيب الشيعة؛ قسمة ضيزى.
إن آل خليفة يلعبون لعبة مزدوجة مكشوفة وغير مكشوفة في الوقت نفسه. فهي مكشوفة لأنها محاصصة طائفية، أي توزيع المناصب الحكومية طائفيًا، وغير مكشوفة لأن نتائج اللعبة ستظهر بعد اللعبة أو بعد ما هو مكشوف أو معروف، كما حدث من نتائج لم تكن لصالح المعارضة بعد التصويت على الميثاق، وما ترتب عليه من دستور قد تم إخراجه وترتيبه مسبقًا بما يتناسب والعائلة الحاكمة وليس مع من اتفق مع النظام أو صوّت على الميثاق.
أعتقد أن ما يطلقه النظام هو من باب استدراج المعارضة الرسمية بالدخول في تسوية سياسية قد تبدو أنها الممكنة في اللحظة الراهنة، لكنها مضرة بها وبخيارات وقضية الشعب البحريني، ومفيدة في التحليل الأخير للنظام للخروج من ورطته السياسية ودون أن يخسر شيء، وفي الوقت نفسه يجدد شرعيته المتآكلة.
أظن أن النظام لديه تجارب في استدراج المعارضة والرأي العام منذ الاستقلال حتى الآن، بحيث يقدم حلولًا شكلية سرعان ما يرتد عليها أو ينقلب عليها ليعود إلى سيرته الأولى.
في المجمل، خرج الناس في 14 فبراير 2011 احتجاجًا على سياسات النظام التي من ضمنها المحاصصة والتمييز واستئثار الحكم بثالوث الأمن والسلطة والثروة وليس على عدد من المناصب هنا أو هناك. لذك فإن طرح المحاصصة، الموجودة أصلًا، هو نوع من الضحك على المعارضة من جهة، واستخفاف بمطالب الشعب من جهة أخرى، وفي حال قبول المعارضة لمثل هذه المقترحات فهي موضوعيًا تكون ضد نفسها وضد من تدعي تمثيله (الشعب).
وعليه فإن طرح المحاصصة هو مناسب للنظام بكل تأكيد، فهذه من طبائعه، وفي نفس الوقت الهروب من الحلول الأصيلة المتمثلة في تغيير بنية وميكانزمات عمل النظام وليس في مناصب الحكومة، فهذا من المفترض أنه آخر شيء تفكر فيه المعارضة.
وكما أقدّر أن الحل السياسي الديمقراطي التعددي المدني لمفاصل النظام هو الحل المناسب للوضع في البحرين، وهو حل يتجاوز لعبة المناصب الوزارية ليشمل التغيير الجوهري في بنية النظام ومن يقرر في النظام، وبالتالي في الحد من هيمنة واستئثار القبيلة بكل مقدرات البلاد. والمشكلة في البحرين ليست في الحكومة إنما في النظام بمختلف عناصره وتكويناته ومقوماته؛ إرادة قبيلة أم إرادة شعب، هذا هو السؤال الجوهري الشاخص والذي ينبغي الإجابة عليه.
لم يخرج الشعب البحريني من أجل المحاصصة الطائفية، بل خرج من أجل العدالة والحرية والديمقراطية وبناء نظامه السياسي المناسب. إذن لعبة المحاصصة الطائفية ليست هي البديل لناء حكم رشيد أو نظام عصري.
مرة أخرى، هل ستنطلي لعبة النظام على المعارضة الرسمية أم ستكون واعية لما يحيكه النظام من طوامير سياسية؟ هذا ما ستكشفه القادمات من الأيام والأحداث.
*سوسيولوجي وكاتب بحريني.