ملف القضاء في البحرين، الجنائية الرابعة: على خطى محاكم السلامة الوطنية (6)

2014-07-14 - 9:11 م

مرآة البحرين (خاص):

"مشكلة البحرين لا تكمن في نظام عدالة لا يعمل بشكل جيد، بل في نظام ظلم يعمل بشكل جيد تمامًا".
"جو ستورك"، نائب مدير منظمة رايتس ووتش لشؤون الشرق الأوسط

في الحلقة السابقة، أوضحنا كيف أُنشأت المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة، لخدمة القرار السياسي المتمثّل بـ"تشديد العقوبات" و"اجتثاث" الحراك الاحتجاجي بتقديم أكبر عدد من النشطاء والمحتجين إلى المحاكمة تحت قانون الإرهاب، وإصدار أحكام قاسية ومشدّدة تجاههم، مع تسريع المحاكمات وإصدار الأحكام القضائية في فترة قياسية.

في هذه الحلقة، سنعرض نموذجاً آخر لقضية هي ثالث ما به دُشّنت جلسات المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة، وسوف لن يتطلب الكثير، لشدّة فقاعة الخروق القانونية التي تضمنت الجلسات، التأكد من طبيعة الدور المنذور لهذه المحكمة القيام به.

القضية، هي المعروفة بـ «خلية 14 فبراير»، ادعت السلطة كشفها في 12 يونيو 2013. خمسون مواطناً بحرينياً تمت محاكمتهم دفعة واحدة في (11 يوليو/ تموز 2013) تحت هذه القضية، شملت عدداً من النشطاء السياسيين والحقوقيين المعروفين.

النيابة العامة وجّهت إلى المتهمين مجموعة من التهم، أُحيلت وفق الأغراض التي ذُيِّلت بها إلى قانون الإرهاب. تضمّنت التهم تأسيس جماعة على خلاف القانون (الغرض) منها الدعوى إلى تعطيل أحكام الدستور والقانون، وتدريب وإعداد عناصر لممارسة العنف والقيام بأعمال التخريب والاعتداء على الأشخاص والممتلكات العامة، والتعدي على رجال الأمن، وكان الإرهاب من الوسائل المستخدمة في تحقيق هذه الغاية، والتخابر مع دولة أجنبية".

بدى واضحاً منذ الجلسة الأولى، النظام الذي ستسير عليه المحاكمة. تجاهلت المحكمة متمثلة في رئيس الجلسة القاضي علي الظهراني الإستماع إلى مزاعم التعذيب التي أدلى بها المتهمين. الناشط الحقوقي ناجي فتيل قام بنزع قميصه لتظهر آثار التعذيب الواضحة على جسده، لكن القاضي علي الظهراني سرعان ما نقل فرصة الحديث لمعتقل آخر. بدورها تحدثت المعتقلة ريحانة الموسوي عن تعريتها خلال فترة احتجازها وتهديدها بالاغتصاب والصعق الكهربائي على يد ضباط من الذكور، اكتفى القاضي بأن أمر بتدوين أن ريحانة تلقت "معاملة معنوية غير لائقة" في محضر الجلسة. أما المعتقل حميد عباس الصافي الذي تعرّض إلى ضرب رجال الشرطة له بالهراوات في أماكن متفرّقة من جسده خلال اعتقاله، وكانت الآثار واضحة على يده ورجله، فقد رفض القاضي تدوين ذلك في محضر الجلسة. كذلك فعل باقي المعتقلين مثل محمد السنكيس الذي حضر المحكمة ويده متدلية إضافة إلى شج واضح في رأسه وآلام في الرقبة كان لا يزال يعاني منها، والمعتقل عيسى الغيص الذي رفض أن تقوم محاميته بتقديم شكوى تعذيب خشية أن يتم تعذيبه من جديد، لكنه تجرأ أمام المحكمة وتحدث عن نزر يسير مما تعرض له قبل أن يقاطعه القاضي الظهراني ويضطر للسكوت.

عقب هذه الجلسة، عقدت هيئة الدفاع مؤتمراً صحفياً بينت فيه العديد من الخروقات القانونية التي شابت جلسة المحاكمة:

الخرق القانوني الرقم
قضية خلية إئتلاف 14 فبراير هي القضية الأولى التي تحال للمحكمة مباشرة بعد 60 يوم من التوقيف. 1
المتهمين في القضية 50، حضر منهم في المحكمة 9 و12 منهم خارج البحرين وآخرون في سجن جو المركزي. 2
تم طرد ذوي المعتقلين والمراقبين والمدافعين عن حقوق الإنسان ومنعهم من حضور المحاكمة وكأنها محكمة سرية على غرار محاكم السلامة الوطنية 3
من ضمن التهم التي وجهت للمتهمين تعطيل العمل بأحكام الدستور وحل البرلمان –الذي يرأسه والد القاضي علي الظهراني- وهو ما يشكل تضارب مصالح. 4
من ضمن التهم التي وجهت للمتهمين السعي لإسقاط نظام الحكم المتمثل بالعائلة الحاكمة آل خليفة –التي ينتمي لها عضو اليمين حمد آل خليفة- وهو ما يشكل تضارب مصالح. 5
لم يستمع القاضي لإفادات المعتقلين التي يتحدثون فيها عن تعرضهم للتعذيب. 6
لم يستمع القاضي لإفادات المحامين وتعقيبهم على إفادات المعتقلين ولم يسمح للمحامين بالحديث. 7
لم يدون القاضي الطلبات كما جاءت على لسان المحامين. 8
تضييق القاضي على المعتقلين عند حديثهم عن تفاصيل التعذيب الذي تعرضوا له، لا يترك أكثر من دقيقتين، وعند التدوين يكتب اختصارات عامة ويصف التعذيب بالتهديد. 9
القاضي لم يوجه التهم للمعتقلين مباشرة واكتفى بتحديد أرقام المتهمين والتهمة المنسوبة لكل رقم. 10
رفضت المحكمة إية إدانة يوجهها المعتقلون للنيابة العامة ولم يوافق القاضي الظهراني على تدوين هذه الشكاوى في محضر الجلسة. 11
المعتقلون التسعة الذين مثلوا أمام المحكمة لم يتم ابلاغهم بتهمتهم وهي الانتماء لخلية إئتلاف 14 فبراير، وتفاجئوا بضمهم للقضية ونشر صورهم على أنهم أعضاء في إئتلاف شباب 14 فبراير. 12
القضايا لا تتوفر لها دعوة مشكلة بشكل صحيح ويخشى أن يتم استغلال المحامين ليكونوا مجرد شهود على قضايا كبيرة وشكل تدعي به الحكومة التزامها بتوفير محامين للمتهمين. 13
لم يتم التحقيق في شكاوى التعذيب التي تقدم بها معظم المعتقلين في قضية خلية إئتلاف شباب 14 فبراير 14
لم يسأل القاضي المعتقلين عن وجود محامي لهم ولم يتحدث بالتالي عن انتداب محامين في الجلسات القادمة، كما حدث مع ريحانة الموسوي التي لم يُسمح لها بتوكيل محام منذ اعتقالها. 15


تم تأجيل الجلسة إلى 25 يوليو/تموز 2013 دون الموافقة على طلب المحامين بالحصول على أوراق القضية.

وفي الجلسة التالية، شهدت المحكمة صراخاً من قبل المتهمين بسبب رفض القاضي الاستماع لهم. كتبت المحامية منار مكي على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي تويتر إن "القاضي صادر حق المتهمين بالإدلاء بأي دفع وذلك انتهاك لقانون الإجراءات الجنائية الذي ينص على أن المتهم آخر من يتكلم".

بعدها قامت هيئة الدفاع بتقديم مذكرة شارحة إلى هيئة المحكمة طالبة منها الرد، كما سلمت المجلس الأعلى للقضاء نسخة من طلب رد هيئة المحكمة، إلا أن المحكمة تجاهلت الطلب المقدّم وقامت برفع الجلسة وتأجيل القضية حتى 5 سبتمبر/ أيلول للاستماع لشهود الإثبات.

أوردت هيئة الدفاع تجاهل الطلب في نصّ الخطاب الموجه إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وأشارت إلى عدم صلاحية القضاة (علي الظهراني وحمد آلخليفة) لنظر الدعوى، وذلك لوجود تضارب مصالح استناداً لنص المادة (211) من قانون الإجراءات الجنائية البحريني. وطالبت بـ"إحالة ملف الدعوى لمحكمة أخرى تستقل بنظرها".

في 3 سبتمبر أصدر المتهمون بياناً أعلنوا فيه قرار مقاطعتهم حضور جلسات المحكمة، وأوضحوا أن قرارهم مبني على ظروف الاعتقال غير القانوني، وتجاوزات المحققين أثناء التحقيق معهم وتلفيق التهم ضدهم، وأكدوا في بيانهم "أن النيابة العامة غير مستقلة، وثبت لنا ذلك من خلال إجبارنا على الإقرار بالتهم الملفقة ضدنا في التحقيقات من قبل رئيس النيابة "أحمد بو جيري"، مشددين على أن "ظروف المحاكمة في الجلسات أكدت عدم استقلالية القضاء".

وخلص المعتقلون إلى القول أن "الأحكام معدة مسبقا وأن المحاكمة ليست سوى غطاءا شرعيا لهذه الأحكام"، رافضين أن يكونوا "جزءا من مسرحية يراد منها إيهام الرأي العام باستقلالية القضاء"، كما دعا المعتقلون هيئة الدفاع إلى "عدم اتخاذ أي اجراء بمنأى عن إرادتنا".

لم يلق طلب هيئة الدفاع أي رد من أي من الأطراف، ولم يحرّك قرار المتهيمن بمقاطعة الجلسات ساكناً، استمرت المحكمة برئاسة القاضي الظهراني في عقد جلساتها، في 5 سبتمبر لم يحضر أي من المتهمين والمحامين وشهود الإثبات، أربعة من المحامين حضروا قبل بدء الجلسة، وأخبروا أن موكليهم يرفضون المثول أمام المحكمة، خصوصاً أن هيئة الدفاع تقدمت بخطاب للمجلس الأعلى للقضاء تطالب فيه بتغيير الهيئة التي تنظر القضية.

لم يكن ذلك ليعني المحكمة في شيء، فمهمتها واضحة تماماً وهي ماضية فيها بأسرع ما يمكن من وقت وجهد، والجلسات تعقد وفق تسلسل مفروض عليها: جلسة القاء الاتهامات، ثم جلسة شهود الإثبات، ثم شهود النفي، ثم جلسة الدفاع، ثم النطق بالحكم المطلوب.

أتمت المحكمة جلساتها دون متهمين، مدّة شهرين كانت كافية لإنجاز مهمّة اصدار الحكم، في 29 سبتمبر أدانت المحكمة الـ 50 متهماً جميعهم، قضت بسجن 16 منهم لمدة 15 سنة، و4 لمدة 10 سنوات، كما أدانت 30 من بينهم السيدة البحرينية الوحيدة ضمن "الخلية" وسجنهم لمدة 5 سنوات. وقالت المحكمة إنها عاقبت المتهمين بـ"قانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية والمرسوم بقانون رقم 14 لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب".

أما عن الدلائل التي استندت اليها النيابة وحكمت وفقها المحكمة، فحددها المحامي العام للنيابة الكلية أحمد الدوسري بـ: "الأدلة القولية المتمثلة في شهادة الشهود وأقوال المتهمين أنفسهم، بالإضافة إلى ما قام لديها من أدلة مادية تدعم هذه الاتهامات وتؤكد اقترافهم الجرائم المنسوبة إليهم".

وأضاف "ثبت تخابرهم مع دولة أجنبية هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بأن تواصلوا مع مسئولين رفيعي المستوي وعناصر من الحرس الثوري واتفقوا معهم على مدّهم بمعلومات تتعلق بالأوضاع الداخلية بالمملكة وتلقوا منهم توجيهات للتدريب والإعداد لارتكاب أعمال تخريب وشغب بالبلاد بقصد إحداث اضطرابات وإشاعة الفوضى".

وهكذا فقد تم اصدار الحكم على المتهمين في قضية خطيرة بالمستوى الذي ساقته الاتهامات في مدة لم تتجاوز الشهرين ونصف. الأمر الذي اعتبرته هيئة الدفاع "عسكرة أكثر من المحكمة العسكرية".

في اليوم التالي، عقدت هيئة الدفاع عن المتهمين مؤتمراً صحافياً نوجز أهمه:

  1. القاضي علي الظهراني تعرض لمتهمين بالإهانة أثناء المحاكمة خلافا لوظائف القاضي.
  2. القاضي الظهراني أخل بعدالة المحكمة من خلال منع المتهمين من الحديث فضلا عن التعرض إلى أحدهم بالإهانة.
  3. تعجب المحامون من إدانة جميع المعتقلين في "خلية" ائتلاف 14 فبراير الخمسين رغم أن كثير منهم لا يعرف بعضهم البعض.
  4. تعجب المحامون من صدور الحكم على المتهمين في 3 جلسات فقط، جلستين بدون محامين ومتهمين!
  5. القبض على 97٪ من المتهمين في الفترة الأخيرة دون إذن قضائي أو أمر قبض.
  6. أكثر من 90٪ من الأحكام التي صدرت في المحكمة هي الإدانة. أما حالات البراءة فهي معدودة وهذا يؤكد اخلالاً بالعدالة.
  7. منع المحامين من حضور جلسات التحقيق أو دخول مراكز التوقيف، وباستخدام أساليب تضليلية وإخبار المعتقل أن محاميه لم يحضر لإظهار المحامين بالكذب أمام موكليهم.
  8. استمرار ممارسات الإكراه والتعذيب وأخذ الاعترافات تحت الضغط والإكراه كدليل إدانة ضد الموقوفين في المحكمة.

 

وكان الخرق الأكثر إثارة الذي طرحه المحامون هو أن "ضابط التحقيق هو من يقرر إن كانت القضية وفق قانون الإرهاب أم لا وليست النيابة العامة أو القضاء". أي أن المحكمة تقرّر حيثيات عقوبتها وفق ما يمرره لها ضابط التحقيق!

كما أوضح المحامون أن "النيابة العامة دائماً ما تطمئن إلى تحقيقات الأمن الوطني أو التحقيقات الجنائية قبل لقاء المتهم، وهذا ما يدعو إلى أن التحقيق مع المتهم شكلي وصوري".

وتساءل المحامون "كيف للقضاء أن يطمئن إلى تحريات الضابط في حين أنه متهم بالتعذيب، ويدعو القاضي للتحقيق في ادعاءات أخذ الاعترافات تحت وطأة التعذيب مع استمرار إجراءات الدعوة ضد المتهمين الذين يتعرضون لأبشع أشكال التعذيب؟!".

بهذا النموذج نرى كيف تسير هذه المحكمة في إنجاز المهمة المرسومة لها بشكل جيد تماماً، وكيف أن "مشكلة البحرين لا تكمن في نظام عدالة لا يعمل بشكل جيد، بل في نظام ظلم يعمل بشكل جيد تمامًا" كما يقول جو ستورك.

في الحلقة القادمة: من هو القاضي علي الظهراني، وكيف يدير جلسات محاكماته؟

 

 


مواضيع ذات صلة
التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus