عصي على النسيان

2011-08-26 - 3:44 م




في أزمة الوطن، وحين كان الجميع يلوذ بالجميع ليحددوا ملامح هويتهم ويقصّوا لغدهم حكاياتهم القريبة. كان (حسين الأمير) يبتسم ويشاهد ويعاين بقلب البصير، وكأنه يرى ما سيأتي عبر حدود الغيب! كان يسألني وهو برفقة سوسن عن أخبار القطيف وتفاصيلها، ويستمع بإنصات كبير ليبدأ بالقلق والريبة من مستقبل وشيك قادم لا ينذر إلا بالخيبة! كنتُ متفائلاً وكان رائياً لا تعنيه استراتيجيات السياسيين ولا معادلات المرحلة ولا احتسابات الممكن، كل ما كان يعنيه قيمة الإنسان في كل ذلك المشهد، وهل سيعنيهم هذا النسيج الوطني في شيء أم أن المصالح الفردية العظمى ستسحق ببرودة دم أحلام الفقراء الكبيرة جداً! وهذا ما حصل، فبعد موجز أخبار قصير بدأت الحكاية ووقعت الرؤيا في واقع مرّ.. بكى وبكينا معه!

عرفته منذ سنوات وهو يلعب على آلة الأورغ لتصيبني الدهشة حين تخبرني سوسن بأنه شاعر وموسيقي وناشط اجتماعي وبأنه ناقدها الأول في كل تجربتها الشعرية.. وحين التقينا في كوستا كوفي بالمنامة قبل سنوات دار بيننا الحوار واشتعل في حضرتنا الشعر وأخذنا من الوقت كل المساء واقتسمنا تفاصيل اللحظات بالرفقة والمحبة والضحكة والثرثرة.. لا أبالغ لو قلت بأنه كان فارس ليلتنا تلك وليالٍ أتت بعدها!

رحل مبكراً جداً هذا الأمير، لكن عزاءنا في كونه عصياً على النسيان، فلقد بكته أعينٌ من أقصى البلاد لأدناها وكأنها تمسح بدموعها أرجل الأرض التي احتوته إنساناً محباً متسامحا، كثيراً ما رأى بقلبه ما لم تره أعيننا!!!

كان الله في عون قلب صديقتنا الشاعرة سوسن دهنيم، وسأهمس في أذنها علناً: "هذا اللّيل غريب على قلبك ياسوسن، قاسٍ كذئب، وموحش مثل كهف! كل هؤلاء الأصدقاء -هنا- ليمنحوا لوحشتك الطمأنينة ولغربتك السلام ياصديقتي!"

زكي الصدير

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus