مجلة إيماج: التظاهرات (البصرية ) ، صوت البحرين الذي لا يخبو في ظل القمع والتهميش

2011-08-23 - 4:17 م



مجلة إيماج
ترجمة: مرآة البحرين


 تتوقف عند الكثير من تلك التصاميم التي تضج بالألم والفن في آن واحد، فترى زخماً هائلاً من التصاميم الفنية التي تتنوّع من رسوم الكاريكاتير الساخر إلى التصاميم الفنية الدقيقة وكأنها قطع فنية تم رسمها من دمع ودم.

فالمادة الفنية متجددة كل يوم من الواقع الذي يعيشه الشعب البحريني، في ظل قمع وتهميش وتكميم أفواه متواصل من قبل السلطات، مما جعل الفن سبيلاً متزامناً مع حركة الشارع  للتعبير عن ما يريده الناس، فمنذ 14 فبراير -وهو تاريخ بداية الاحتجاجات- زادت وتيرة الإنتاج الفني في البحرين بجميع صورها البصرية والصوتية (أغاني وأناشيد، وأفلام قصيرة ووثائقية وتصاميم كرتون وتصوير وغيرها).لتكون حاضرة بشكل يومي في دوار اللؤلؤة عبر نتاجات مختلفة، من أناشيد إلى لوحات جدارية في منطقة الدوار.

وبعد الهجمة القمعية الشرسة التي قامت بها السلطات الرسمية في البحرين، كان الفن هو العزاء في التعبير في فترة القمع-وما زال-، ليكون مركباً تعبيرياً وإنسانياً عاماً يُظهر ما يعانيه هذا الشعب المطالب بحقوقه في حكومة منتخبة وتوزيع عادل للثروة ومكافحة الفساد وتمثيل حقيقي للشعب، فكان رد الحكومة البحرينية بالقمع والاستهداف المتعمد لهويته وحياته وعمله، وكل أمر يرتبط بوجوده.

فكان الفن تعبيراً صادقاً وواقعاً للحال، فتنوعت رسالة التصاميم والأعمال الفنية، من التوثيق إلى الفكاهة، ومن رفع الهمم إلى بيان وحشية النظام وسفكه للدم، وهذا التنوع أثرى الساحة الفنية في الإنتاج البحريني المحلي بكل صوره، ومع الوقت وزيادة التأزم في الوضع المحلي البحريني، أصبحت مهارات العاملين في هذا المجال أكثر دقة وإبداعاً وتنوعاً وانتشاراً من جهة ودخل فنانون من بلاد مختلفة في خط التعبير والتضامن، من البرازيل وأمريكا وبريطانيا وإيران وتركيا وغيرها من دول العالم، لتكون حالة فنية تضامنية لا يحدها المكان.

وأصبحت تلك الأعمال الفنية أحد أهم الوسائل المؤثرة التي تلعب دورا في الحركة الاحتجاجية للجماهير، لتحافظ على روحها العالية في الأخذ بحقوقها كاملة دون نقيصة.
كاميرا وكمبيوتر، يكفي!

وبالرغم من أن الحديث هنا عن إعلام شعبي بموارده البسيطة جداً والمتواضعة في قبال إعلام رسمي وتواطىء إعلامي خليجي معه، وتواضع أو خجل من الإعلام الخارجي عن ما يجري في البحرين، إلا أن البحرينيين لم يعدموا الوسيلة، فكان سلاحهم في حرب الفتك وتشويه الحقائق، أمران: الكاميرا والكمبيوتر مُطعّمان بروح العزيمة تارة والفكاهة تارة أخرى.

فكانت الكاميرا للتوثيق ودحض كل الأكاذيب التي تسوقها السلطة، إذ بدا التوثيق واضحاً لكل العالم عن حجم الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبتها وما زالت ترتكبها السلطات البحرينية، فكانت مما استندت إليه تقارير دولية ذات مصداقية عالية في وصف الوضع الإنساني المتدهور في البحرين. منها منظمة العفو الدولية Amnesty International في تقريرها عن البحرين.

هذا فضلاً عن كشف التزوير والزيف في التقارير الرسمية أو البرامج التي يبثها التلفزيون الرسمي الحكومي، فيقوم بتفنيد ما ورد فيها تارة، والاستهزاء بها بطريقة ساخرة تارة أخرى.

فالعيون الرقمية كانت بالمرصاد لكثير من الانتهاكات في القرى والمناطق ونقاط التفتيش المختلفة التي فرضتها السلطة، ويكفي وجود من لديه هاتف خليوي مع كاميرا ليقوم بتوثيق ذلك وبثه في ثوانٍ للمواقع المختلفة ويعرف كل العالم.

فلا مجال هنا وفي هذا الزمن لإخفاء الحقيقة أو طمسها، ويكفي للمراقب أن يشاهد كَمّ الأفلام ومقاطع الفيديو في اليوتيوب تحت اسم Bahrain  فقط لا غير، ليرى حجم النشاط المكثف الذي يقوم به الكثير من الشباب في توثيق الانتهاكات وتقديم الحقائق، فضلاً عن نتاجات فنية أخرى.

هذا فضلاً عن الصفحات المتخصصة في الفيس بوك التي تقدم مقاطع الفيديو بصورة شبه يومية، ناهيك عن استخدام broadcast في الهواتف الذكية لنشر تلك الأمور في نفس اللحظة عن جميع المستجدات والأخبار.

لم يعد بالإمكان لجم الحقيقة ونشرها، ولئن كانت بداية الربيع الأول في تونس وانتشار دعوة التظاهر في مصر وتونس عبر الفيس بوك، فإن حجم العمل الإعلامي والبصري للبحرين يفوق ذلك بكثير في تنوعه وإبداعه واستمراره وتأثيره وتفاعل الناس معه وتداوله والحديث عنه.

على كل الجبهات الإلكترونية
والجدير بالذكر أن هذه التصاميم منتشرة كالنار في الهشيم، في جميع وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية، من FACEBOOK و TWITTER و YOUTUBE و FLICKR ، وتصل إلى مواقع عالمية ذات سمعة في مجال التصميم والإبداع، مثل موقع DeviantArt، وغيرها من مواقع التصميم للهواة والمحترفين على حد سواء.

والفن والإبداع بحاجة إلى مادة تُلهم، فأي مُلهم أكبر من دمع ودم؟
من يقوم بالتصميم يعيش اللحظة، فما يحصل يكون في قريته أو منطقته أو لنفسه حتى من بعيد أو قريب. فبالتالي يكون العمل نابعاً من القلب ليصل للقلب.
ويختلف المصممون في أعمارهم وجنسهم وخبرتهم في هذا المجال، ونتيجة لهذا التنوع يكون الإثراء والإبداع الذي يمكن للشخص ملاحظته في نتاجاتهم.
فهناك الأعمال الفنية التوثيقية، ومنها الكوميدية الساخرة، ومنها المحفز والرافع للمعنويات، وهكذا تتنوع الأعمال وتستمر.
ويتفاعل الناس مع هذه الأعمال الفنية من فيديو وتصاميم وصوتيات بصورة كبيرة جداً، وهذا يدل على إقبال متزايد على طرق التعبير المختلفة التي ترسم في وجوههم الابتسامة أو تزيد من عزمهم، ونتيجة لانتشار الهواتف الذكية بخدمات التواصل الموجودة فيها أصبح انتشار تلك الأعمال أكبر وأسرع، بين الرجال والنساء على حد سواء، الصغار أو الكبار.

وبعض الأعمال الفنية تتسم بالحرفية الكبيرة والدقة في العمل، مما يجعلها تعبيراً بصرياً راقياً في التنفيذ عميقاً في المأساة التي تقدمها.
ويرى الشباب البحريني بأن مايقوم به من تصاميم وأعمال بصرية أو صوتية هو حق مشروع أولاً ودفاع عن قضيتهم ثانياً وواجب عليهم ثالثاً.

تصميم وسط المسيلات وخارج أسوار الجامعة
ومن أولئك الشباب، "ح.س" الذي يقطن منطقة سترة التي لا تهدأ من القمع شبه اليومي فيها من قوات الشرطة. فهو يقوم بالتصميم على وقع طلقات المطاط ومسيل الدموع،  فيعمل على التصاميم التي توثق الانتهاكات، وذلك بالابتكار في طريقة تقديم تلك الانتهاكات باستخدام برنامج الفوتوشوب وبرامج أخرى، إذ يستخدم الصور الحقيقية للانتهاكات ويضعها في قوالب مختلفة، باستخدام آيات من القرآن الكريم فيها، وتوظيف كل صورة مع كل آية قرآنية ذات دلالة مباشرة، عن الظلم أو الصبر أو جزاء الصابرين والظالمين. (تصميم رقم 1)


التصميم رقم (1)




ومن الأعمال التي قام بها المصمم "ح.س" مع صاحبه ملصق يبدو كأنه معد لفيلم سينمائي بعنوان
Blood in the Island
وكان الهدف منه نشره في مواقع ومنتديات الأفلام، ومراسلة بعض ممثلي هوليوود لكسب تضامنهم مع قضية الشعب البحريني. (تصميم رقم 2)



التصميم رقم (1)





ويقوم بالعمل مع صاحب له يشاركه الأفكار، وما يميز أعمالهما هو تصميم مجموعة أعمال ضمن ثيمة متناسقة في كل مرة، فكانت مجموعة آيات من القرآن الكريم مع صور لمظاهر القمع والاحتجاجات بالبحرين، ومجموعة أعمال أخرى عبارة عن ألبوم طوابع "الإرادة" إذ تحوي عبارات لشخصيات قيادية أو ثائرة من حول العالم، كنوع من التحفيز وشحذ الهمم. (تصميم رقم 3)

التصميم رقم (3)




وأما الشابة "ز.د"، والتي تم فصلها من جامعة البحرين لمشاركتها في مسيرات احتجاجية مطالبة بالإصلاح في الحكم، فهي تميل للرسم الكارتوني أكثر، وتقوم بتوظيفه بطريقة جميلة وساخرة في كثير من الأحيان، مما جعل لها محبين ومتابعين لأعمالها عبر شبكة التواصل الاجتماعية "الفيس بوك". (تصميم رقم 4)


التصميم رقم (4)



وهناك العديد من المصممين الشباب من الجنسين الذين لا يتوقف إبداعهم عن النتاج والتصميم والنشر من أجل قضيتهم العادلة في نيل حقوقهم. وما زال إبداعهم يُثري الناس في البحرين وخارجه، ليكون شهادة مظلومية شعب ما زالت تُنتهك حُرماته وحقوقه كإنسان.

سيشكل هذا الكم من الأعمال توثيقاً بصرياً متنوعاً وثرياً لحقبة تاريخية عصيبة ومظلمة في تاريخ هذه الجزيرة، التي شهدت تراجيديا شعب بأكمله، من قمع وقتل وتعذيب وفصل عن العمل وإهانة وانتهاك للمقدسات، وما دامت الانتهاكات مستمرة، فهناك من يصمم وهناك من ينشر، وهكذا لا يتوقف تصنيع الفن المقاوم للقمع والبطش.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus