مارك ليفين: نبيل رجب: إشكالية نجاح "حقوق الإنسان" في العالم العربي

2014-06-13 - 6:34 م

مارك ليفين، موقع الجزيرة الانكليزية
ترجمة: مرآة البحرين

هل هناك مساحة للحوار مع الحكومة في البحرين؟
نبيل رجب رجلٌ صادق، وبحسب خبرتي، عندما يقطع نبيل وعدًا يمكنك الاعتماد على أنه سيفي به.
لقد أثارت الجملة التي قالها نبيل رجب عندما تم إطلاق سراحه من السجن في 24 أيار/مايو إنه "ليس لديه اهتمام بالسياسة" دهشتي ودهشة كل من يعرفه. وكان النموذج الأقرب لذلك هو تغريدته التي نشرها بعد وقت قصير عن أنه قد يلتقي بالملك لحل الأزمة السياسية في حال طُلِب منه ذلك. وكان قد نشر على تويتر بعد أربعة أيام أن البحرين قد أصبحت "مملكة ديكتاتورية"، وهذا كفيل للتوضيح بأن السنتين اللتين قضاهما بالسجن لم تخيفاه.

لقد عاد رجب، ولكن إلى متى؟ فعندما تحدثت معه مؤخرًا، شعر أن بقاءه خارج السجن لن يطول. فبحسب ما أخبرني نبيل،"نشرت صحف كثيرة تسيطر عليها الدولة قصصًا مفادها أنني سأعود للسجن إن لم أتوقف عن الكلام". يبدو أن هذه هي الطريقة التي تنذر بها الحكومة الصوت القائد المعارض في البلاد بأن يلزم الصمت أو أن يجهز أمتعته ليعود إلى السجن. لقد فهم نبيل الرسالة ولكنه لا ينوي البقاء صامتًا. وكحال الفنانين الناشطين؛ مثل "الحاقد" في المغرب ورامي عصام في مصر، وناشطين آخرين في المنطقة، كلما ساء الوضع السياسي، أصبحت الجهات الفاعلة الأكثر شجاعة في حقوق الإنسان أكثر تحديًا.

والسؤال هنا، من الذي سيدعمهم في استمرارهم بلعب دور "داوود" أمام "جالوت" حكوماتهم؟
"بالنسبة لكثير من الناس، أنا الوحيد الذي يتكلم بصراحة وصدق عن الوضع، لذا يتوجب عليّ إما أن ألزم الصمت أو أن أترك بلدي أو أن أُسجن. لكنني أعلم أنني أمام خيار واحد وهو الاستمرار بالكلام مهما كلف الأمر ومهما كانت التضحية، وإلا لن يحدث تغيير".

وفي السياق يتحدث رجب عن عدد السجناء الذي تضاعف منذ دخوله السجن في العام 2012، فعدد كبير من العائلات الشيعية لديها على الأقل واحد من أفرادها إما في المنفى أو في السجن أو ميتًا. هذا وأصبحت سياسات الحكومة أكثر عنفًا، ففي البحرين، تضاعف عدد شرطة مكافحة الشغب. والجدير بالذكر أن معظم عناصر هذه الشرطة ينتمون إلى الطائفة السنية وقد أُحضروا من بلدان أجنبية كباكستان والأردن. وقد أسف نبيل لكون هذا الأمر أدى لخسارة عشرات البحرينيين الأمل وتحولهم إلى العنف ضد الشرطة والدولة.

حقوق الإنسان و الأنظمة القمعية
المشكلة الأساسية أن الحكومة اليوم ليس لديها أي حافز لحوارٍ جاد.
ويقول رجب إن "مجلس النواب بيد الدولة، لذا يمكن للأخيرة تشريع قوانين قمعية تحول البلد إلى ديكتاتورية من دون أي بلبلة. وقد جعل جهاز العلاقات العامة الوضع طبيعيًا كي لا تواجه الدولة عواقب تهديدات من حلفائها الأساسيين الدوليين، في الوقت الذي يدعم فيه مجلس التعاون لدول الخليج العربية قمع الدولة."

والأهم من ذلك هو أن الحكومة "تسيطر على الشارع الآن، لذا يمكن أن تكبح التظاهرات". ويضيف رجب قائلًا إن "الوضع مماثل لفلسطين، كنت أفكر بهذا الأمر عندما كنت في السجن، فالآن لدينا قمع تام مثل جنوب أفريقيا وإسرائيل، والحكومة تسيطر على السكان المحليين وتحاصرهم في جميع أماكن سكنهم وتواجدهم. وتعتمد الحكومة على مناصرين أجنبيين والعلاقات العامة بالطريقة ذاتها التي تعتمدها إسرائيل لترسيخ سياستها على أرض الواقع".

وتمامًا مثل الصعوبات التي تواجه المدافعين الفلسطينيين عن حقوق الإنسان، فأي شخص يتمتع بمكانة رجب يواجه مشاكل كونهه يملك تأثيرًا كبيرًا على الحكومات الأوروبية، بغض النظر عن الولايات المتحدة.
"إن الأمر معقد" كان أفضل ما يمكن لمتحدث باسم وزارة الخارجية أن يقوله في المرة الأخيرة التي سُجِن فيها رجب. فالأوروبيون، وبالأخص البريطانيون، لا يسعون البتة لتعريض العلاقات مع البحرين للخطر، وكذلك الأمر بالنسبة للسعودية ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الغنية وذلك من أجل دعم تحرك حقيقي نحو الديمقراطية.
وتتمثل إحدى التطورات الأساسية في كيفية تحول استخدام خطاب حقوق الإنسان، بطريقةٍ مأساويةٍ، ليصبح مسهلًا للقمع المستمر والمتزايد. ومثالًا على ذلك، تأتي مجموعة التوصيات غير الفعالة التي نشأت عن ما يسمى باللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق والتي وافق ملك البحرين عليها، وسط بهرجة كبيرة، ليكون مصيرها عدم الاهتمام. فحتى لو عادت حقوق الإنسان إلى واجهة اهتمامات الحكومة البحرينية، إن صح التعبير، ستتابع الحكومة إدارة اللعبة وفقًا لشروطها.

وبالواقع يرى النشطاء الحقوقيون العرب الذي يعملون في هذا المجال منذ فترة طويلة في هذا التناقض مشكلة أساسية لحقوق الإنسان في المنطقة اليوم. فأثناء مشاركتي في ورشة عمل لكبار المشاركين والباحثين العرب في مجال حقوق الإنسان في جامعة لوند، تحدثت مع رجب ومع الباحثة والمدافعة البحرينية آلاء الشهابي التي شرحت أن اعتماد الدولة للغة حقوق الإنسان من شأنه أن يمكن ويستميل في الوقت نفسه ويسيس أو لا يسيس صراعات كهذه: "هناك حد واضح لما يمكنك قوله، فلا بأس إن تحدثت عن الانتهاكات والتعذيب ولكن لا يمكن توجيه أصابع الإتهام إلى المسؤولين لمحاسبتهم. يمكن أن يتظاهر الملك دائمًا بالجهل ويعد بفعل شيء؛ وهو الأمر الذي لا يحصل أبدًا".

الحركة الحقيقية
كما في حالة اتفاقية أوسلو "للسلام"، يتأجل العمل الحقيقي إلى الأبد؛ فيكفي الحفاظ على مظهر التحاور أو على الأقل التفكير في الشؤون الأساسية لمعالجة أي ضغوط من الداخل أو الخارج.

فمعظم الدول العربية المجاورة لتونس من البحرين وفلسطين ومصر والمغرب واليمن والأردن والسعودية... والأسوأ من ذلك كله، سوريا، تشهد تفاقمًا في حالات انتهاك حقوق الإنسان منذ بداية الثورات في أواخر العام 2010. ولكن على المدى الطويل، تجمع المناصرون في لوند مع زملائهم الأصغر سنًا في ما يشكل بارقة أمل. هذا وما زال بإمكان الحكومات أن تستميل خطابات حقوق الإنسان وأن تسجن الناشطين الذين يدعون إلى تغيير هيكلي موضوعي، لكن حقوق الإنسان والمعايير الوطنية المرتبطة تشكل الآن جزءًا لا يمحى من النزعات السياسية والخطابات والحقوق في المنطقة.

وحتى أولئك الذين لا يدعمون التفسير الليبرالي لحقوق الإنسان يعرفون أنه عندما تحتدم الأمور، فإن مجتمع حقوق الإنسان هو الذي سيأتي لمساعدتهم. في البحرين كما في دول كثيرة أخرى، يبدو أن الحكومة نجحت في تقسيم المجتمع إلى تكتلات حزبية، لكن التحالفات الجديدة المخالفة للجنس والطبقة والعمر وأشكال الهوية الأخرى تظهر على أنها مترابطة عالميًا ومتمكنة وتشكل تحديًا حقيقيًا للحكومات الحالية.

فسواء كان الأمر يتعلق بناشط مثل نبيل رجب أو فنان مثل الحاقد أو رامي عصام أو الكثيرين من الفنانين والناشطين المسجونين، يبقى تهديد السجن أو حتى الموت غير كافيين لإسكات الشعب، لم يعد الصمت خيارًا بعد الآن. فلطالما كانت النضالات الشعبية في المنطقة، قبل الربيع العربي، التي تمتد من المساحات القبلية البعيدة في اليمن إلى القرى المصرية الفقيرة التي تعتاش من الصيد، ومدن الطبقات العاملة في المغرب، مواقع للنضالات التي يصعب على الحكومات استمالتها أو قمعها، وخصوصًا إذا استمرت تلك الحكومات بالفشل في تعزيز التنمية أو الديمقراطية بين شعوبها.


إن الآراء الواردة في هذه المقالة هي آراء الكاتب الشخصية ولا تعكس بالضرورة سياسة تحرير موقع الجزيرة.
6 حزيران/يونيو 2014
النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus