د. جيرويد أوكوين: إنكارٌ في البحرين؟ العلاقة بين مرض فقر الدم المنجلي والاحتجاز والغاز المسيل للدموع

2014-05-21 - 2:54 م

د. جيرويد أوكوين، موقع كلية الحقوق في جامعة لانكستر البريطانية

ترجمة: مرآة البحرين
منذ اندلاع الاحتجاجات المؤيدة للإصلاح في البحرين في أوائل عام 2011، أطلقت قوات الأمن كمية غير مسبوقة من الغاز المسيل للدموع مما أدى إلى وقوع عدد من الوفيات. كما وكشفت هذه المشكلة عن عنصر وراثي يضاف إلى الاضطرابات السياسية في البحرين من خلال تسجيل رقم قياسي في الوفيات الناتجة عن مرض السكلر - فقر الدم المنجلي - مما ترك أثرًا كبيرًا على السكان الشيعة المهمشين.

خلصت لجنة البحرين المستقلة لتقصي الحقائق، التي أنشئت للنظر في انتهاكات حقوق الإنسان في أعقاب حملة القمع التي شنتها الحكومة أن الشرطة في البحرين قد استخدمت كمية غير متناسبة من الغاز المسيل للدموع سي إسCS في المناطق التي يعيش فيها الشيعة. كما وتوصلت أيضًا إلى أنه كان يتم استهداف المنازل بطريقة "غير ضرورية وعشوائية". يستشهد (هذا الفيديو) بأمثلة عن إطلاق الغاز في القرى الصغيرة وفي الوقت نفسه إقفال طرق الهروب (ص 277). مؤخرًا، أشارت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان إلى مواصلة الاستخدام "الواسع والمستمر وغير المتناسب" للغاز المسيل للدموع. وفي السياق نفسه، لاحظ الأطباء ارتفاع عدد الوفيات الناجمة عن مرض فقر الدم المنجلي بنحو ثلاث أضعاف مقارنة بما كان عليه قبل عام 2011. وفيما لا يزالون يناقشون العلاقة السريرية المؤكدة ما بين الغاز المسيل للدموع ووفيات السكلر، تثير الممارسات حول هذا المرض تساؤلات هامة من منظور حقوق الإنسان.

السكلر أو فقر الدم المنجلي هو مرض من أمراض الدم الوراثية، ينتشر في الدول الإفريقية والهندية والعربية ودول بحر الكاريبي، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى السمة المتكيفة للناقلات (أي الخلية المنجلية) في المناطق التي تعاني من الملاريا. الأعراض السائدة للمرض هي "نوبات" مؤلمة ناتجة عن انسداد الأوعية الدموية بكريات الدم الحمراء التي تكون على شكل منجل. قد تنتج هذه النوبات عن عدة أسباب منها الجفاف والإجهاد ونقص الأكسجين. ويؤدي عدم معالجة هذه الحالات إلى فشل الأعضاء وسكتات دماغية ويمكن في بعض الأحيان أن يكون قاتلًا. والسيطرة على الألم، من خلال تناول المسكنات، تبدو مفتاحًا أساسيًا لضبط ومراقبة نوبات السكلر.
كثيرًا ما تدعي السلطات البحرينية أن وفاة الناشطين السياسيين أثناء الحجز ناتجة عن مرض فقر الدم المنجلي. ويتم تكذيب هذه الروايات من قبل عائلات الضحايا وجماعات حقوق الإنسان التي تدعي تعرضهم للمعاملة السيئة أو نقص الرعاية المناسبة لهم. وبما أن المنظمات المستقلة القادرة على التحقق من موت الخلايا المنجلية ممنوعة في البحرين، لا يزال هناك إمكانية فحص التقارير الرسمية ومقارنتها مع تلك الصادرة عن وسائل الإعلام المستقلة ومنظمات المجتمع المدني المحلي.

نسبت السلطات العديد من الوفيات إلى مرض فقر الدم المنجلي بما في ذلك المعتقلين الذين لم يتعرضوا للغاز المسيل للدموع كما كان الحال مع حسن جاسم محمد مكي -39 عامًا. خلصت لجنة تقصي الحقائق في عام 2012 إلى أن وفاته كانت ناتجة عن التعذيب (ص242). في شباط/فبراير 2014، توفي معتقل آخر، جعفر الدرازي -23 عامًا- في المستشفى. وفي غضون 18 ساعة، أعلن المدعي العام أن وفاته كانت "طبيعية وبعيدة عن أي شبهة جنائية" وهي ناتجة عن مضاعفات مرض فقر الدم المنجلي. وفي الوقت نفسه، ادعى مركز البحرين لحقوق الإنسان، الذي لم يشكك بإصابة السيد الدرازي بمرض فقر الدم المنجلي،ـ أنه توفي بعد تعرضه للتعذيب الشديد لفترة طويلة. وتحدثت التقارير عن أن محمد إبراهيم يعقوب الذي يعاني من السكلر توفي نتيجة "أسباب طبيعية" تتعلق بحالته في مجمع السلمانية الطبي. ولكن بعد ذلك عرضت وكالةBBC أدلة فوتوغرافية لجروح وكدمات على جسده.

تشير الاختلافات في التقارير إلى أن مرض فقر الدم المنجلي منتشر وتدعي الشروحات المختلفة إساءة معاملة المحتجزين. في حالة السيد جواد أحمد -20 عامًا- نسبت الحكومة وفاته إلى فقر الدم المنجلي. ولكن هذا الرواية فاشلة لأن الصعوبات التي واجهها كانت عقب مشاركته في احتجاج شاركت فيه قوات الأمن. وتوفي، وفقًا لجماعات حقوق الإنسان، نتيجة مضاعفات استنشاق الغاز المسيل للدموع. وترفض أسرته رواية إصابته بمرض فقر الدم المنجلي. وذكرت هيومن رايتس ووتش أن السيد مكي كان يحمل المرض في الجينات الوراثية الخاصة به، ولكنه لم يكن يعاني من أعراضه أبدًا.

إن إمكانية إخفاء أسباب الوفيات من خلال إرجاعها إلى مرض فقر الدم المنجلي لم يكن فقط في البحرين. إن مرض فقر الدم المنجلي كان سائدًا نوعًا ما في الولايات المتحدة وأوروبا بسبب الهجرة ونظام العبودية. وقد درس دايسون وبوزويل الوفيات غير المبررة في سجون الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على مدى 30 عامًا ووجدا بأنه كثيرًا ما تتم الإشارة إلى مرض السكلر كسبب للوفاة رغم تزامنها مع الحجر القسري والضرب ورزاذ الفلفل وجميعها قد تحدث نقصًا في الأكسجين، مما يزيد من حدة المرض. إن نسب حالة الوفاة إلى هذا المرض، كما يشيران، قد ساعد على تجنب الحاجة إلى مواجهة العنصرية الرسمية وكان وسيلة جيدة للتهرب من الانتقادات.

ما هي مثيرات المرض ؟

أشار أحد المتخصصين البارزين بمرض فقر الدم المنجلي بأن التعرض للغاز المسيل للدموع يمكن أن يؤدي إلى مشاكل خطيرة لدى الأشخاص المصابين بفقر الدم المنجلي لأنه يمكن أن يسبب لهم نقصًا في الأكسجين. وتجاهل رئيس جمعية البحرين لرعاية مرضى فقر الدم المنجلي دور الغاز المسيل للدموع بحجة أن الضحايا "لم يقعوا على الطريق، ويموتوا"، وذكر أن زيادة الوفيات ترجع إلى عدم حصول المرضى على "الرعاية الجيدة في الوقت المناسب". ليس بالضرورة أن يموت المريض فور تنشقه للغاز المسيل للدموع، فمرحلة ال24 ساعة التالية أساسية في علاجه.

بالإضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى المبادئ التوجيهية الجديدة التي نشرتها وزارة الصحة في العام الماضي والتي توصي المرضى بزيارة أخصائي خلال ثماني ساعات وتلقي جرعة أولية من دواء مسكن للألم. وقد تعرضت هذه التعديلات، مع غيرها، للنقد لأنها تساهم في نتائج سيئة إجمالية بالنسبة للمرضى. وحجة الحكومة في ذلك هي عدم رغبتها في رؤية "جزء من السكان يتحولون إلى مدمنين" . وقد ذهب مسؤولون في المجال الصحي إلى أبعد من ذلك، من خلال استخدام لغة يُراد منها كما يبدو تشويه سمعة المصابين، من خلال زعمهم إلقاء القبض على مرضى فقر الدم المنجلي وهم "يهربون المخدرات والحبوب المنومة، وأنهم يتصرفون بشكل غير لائق مع النساء ويحقنون أنفسهم بمواد تم شراؤها بصورة غير قانونية".

تمارس قوات الأمن، خلال استجواب واعتقال المرضى -الذين تعرضوا باستمرار للغاز المسيل للدموع- منهج التباطؤ في إعطائهم مسكنات الألم والرعاية. كما ويواجه الأطباء مشاكل حول كيفية التعامل مع المحتجين الجرحى وتقديم التقارير عنهم - ففي عام 2011، تم سجن وتعذيب العديد من الأطباء بسبب علاجهم للمتظاهرين، بمن في ذلك الدكتور علي العكري الذي لا يزال في السجن بسبب إدلائه بتصريحات شهيرة تخص القتلى المدنيين وآثار الغاز المسيل للدموع (فيديو). أما الأطباء الذين لا يزالون على رأس عملهم، فهم مجبرون بأمر من السلطات الصحية على التصريح عن المتظاهرين المحتملين وإلا فهم يواجهون خطر فقد وظائفهم في حال انحرفوا عن التوجيه الرسمي.

من الممكن القول، أن الوفيات الناتجة عن فقر الدم المنجلي تؤدي إلى فتح نافذة على قضايا حقوقية أوسع تؤثر على النسيج الاجتماعي والطبي في البحرين، والتي لديها أيضًا أثرها على الحياد الطبي. يشير الاختلاف بين تقارير وسائل الإعلام المختلفة إلى وجود نقطة التقاء بين العوامل القانونية والأخلاقية والسياسية المتعددة التي تؤدي إلى نظام من النقص، مما يؤدي إلى ازدياد الوفيات الناتجة عن فقر الدم المنجلي. إذا كان هذا هو السبب، فإن الوفيات الناتجة عن فقر الدم المنجلي تكشف عن مجموعة من الممارسات تفرض الإجهاد وصعوبات في التنفس، والتأخير والإهمال والإساءة الجسدية. وبعبارة أخرى الغاز المسيل للدموع هو مجرد عامل واحد من بين عوامل متعددة تسهم في هذه الوفيات. وبما أن البحرين تحاول إقناع المجتمع الدولي بالتزامها بالإصلاح، فإنها قد تضطر إلى تركيز الاهتمام على مسببات النوبات الجهازية لفقر الدم المنجلي. أما من وجهة النظر الإيرلندية فإنه سوف يتم فحص مدى ملاءمة المستشفيات في البحرين للتدريب العيادي للطلاب من قبل المجلس الطبي الايرلندي عند زيارتهم المملكة في وقت لاحق من هذا العام. تدير الكلية الملكية للجراحين في إيرلندا جامعة تابعة لها في البحرين وقد تمت إثارة المخاوف على المستوى الوطني بشأن مدى ملاءمة المنشآت المحلية ومعاملة الموظفين.


12 أيار/مايو2014
النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus