شراء الديمقراطية أو خنقها

عباس المرشد - 2011-08-05 - 10:26 ص



عباس المرشد*
 

لا يبدو أن النظام في البحرين قادر على تسويق رؤيته في محاصرة الحركة الاحتجاجية المتصاعدة منذ 14 فبراير، وهو الآن يبدو في حالة عجز تام عن مواجهتها أمنيا وسياسيا، بما يوحي بأن المرحلة المقبلة تحمل معها العديد من القضايا غير المرئية حاليا.يزيد هذا المأزق غموضا بل ومأساوية بعد البدء في محاكمة الرئيس المصري حسني مبارك وهو ثالث حاكم عربي حتى الآن يخضع لمحاكمات علنية.
 
ما يواجهه النظام الآن هو ضرورة استجابته الفورية لاستحقاقات مرحلة العنف المنظم أو ما أطلق عليه داخليا بمرحلة "حكم المشير" وهي مرحلة أفرزت ولا تزال تفرز قضايا التطهير الطائفي والقمع الوحشي والتعذيب الممنهج. فأي تسوية يعتقد النظام السياسي أنه قادر على طرحها يجب أن تحتوي على سياسيات واضحة وغير قابلة للتأويل تضمن الحيلولة دون الرجوع للعنف، وتقدم أطراً سياسية دقيقة ومتوافقة مع المرجعيات الدولية في الديمقراطية.
 
المعنى الوحيد لإجراءات تحول دون تكرار العنف، هي مزيد من التغيرات الجذرية في كل من هيكل الحكم وفي هيئة اتحاذ القرار وفي الثقافة السياسية. مودى هذا النوع من التغيير هو إشراك الناس مشاركة حقيقة في الحكم وفي صناعة القرار وفي صياغة الثقافة السياسية.
 
مثل هذه الاستحقاقات صاغتها قوى المعارضة بصيغ مختلفة ومتفاوتة، ومن أبرز الصيغ المطورحة حاليا:
 
الصيغة الأولى: الانتقال الديمقراطي المرن ناحية تخليص النظام السياسي من الاحتكار السياسي والتقسيم الفئوي، عبر تفعيل مبدأ فصل السلطات وإرجاعها لسلطة الشعب في إطار ملكية دستورية ديمقراطية.
 
الصيغة الثانية: حق تقرير المصير والانتقال الفوري للديمقراطية، عبر إسقاط النظام على غرار ما حدث في مصر وتونس، ليقرر الشعب بعدها شكل النظام السياسي وشكل العلاقة بين النظام والشعب.
 
الصيغة الثالثة: وهي صيغة توازنية تجمع بين رؤية الملكية الدستورية ورؤية تقرير المصير، حيث توكل مهمة التوافق والاستجابة للاستحقاقات المطلوبة إلى نوعين من المهام الدستورية،  إما لاستفتاء شعبي على شكل النظام ( ملكية دستورية/ جمهورية/ وراثية..) أو الدعوة لعقد جمعية تأسيسة لصياغة دستور عقدي جديد يلبي مطالب أغلبية الشعب.

الصيغة الأولى تدفع بها جمعية الوفاق والصيغة الثانية يدفع بها تيار التحالف من أجل الجمهورية وائتلاف 14 فبراير في حين أن الصيغة الثالثة تعتبر صيغة توافقية يمكن طرحها داخل تيارات المعارضة. وهي في الواقع آلية عمل أكثر من كونها صياغة مطلبية. فهي تضع خارطة طريق يمكن لنظام الحكم الرجوع إليها لتلافي غضب الشارع المتصاعد، وفي الوقت نفسه فهي صيغة تتلاقى عندها قوى المعارضة وتتقاطع .

في المقابل فإن أي طرف ( المعتدل/ المتشدد) في نظام الحكم غير قادر على تبادل وجهات النظر على الأقل في شأن هذه الاستحقاقات، بل إن أطرافا توصف بالمتشددة تدعو لمزيد من العنف ومزيد من القتل ومزيدا من استخدام الآلة العسكرية، لا لثني المعارضة عن مطالبها، بل لأنها ترغب برغبة جامحة لسحق المعارضة حتى وإن أدى ذلك لجعل البحرين على قائمة الدول المنتهكة لحقوق الإنسان أو فرضت عليها عقوبات أوروبية محددة.

لذا فإن ثمة ما يشير إلى لجوء النظام في البحرين لاتباع استراتيجية أخرى تقوم على فكرة عقد موزانة بين آليتين هما:

الأولى: تبديد الوقت ومحاولة تمييع قضية حق تقرير المصير وإرجاع المطالبات لحدودها الدنيا كالمشاركة في الحكم وليس تدوال السلطة. وهذا ما اتبعه النظام في الدعوة لحوار توافق وطني وإلى إنشاء لجنة التحقيق المستقلة وغيرها من الأحداث التي يراد منها إطالة أمد المواجهة وحصرها في البعد السياسي.

الثانية: تفعيل دور الرعاية للدولة والعودة لمبدأ دولة الرعاية حيث تقايض الحقوق السياسية بالمنح والإعفاء من الضرائب، وهذا المبدأ المعروف سياسيا يأخذ طابعا مقززا، عند وصفه بالمكرمات والهبات في حين أن المقصود هو شراء حق المواطنين بأموال الدولة وعوائدها، فتكون الصفقة أن الحكم والإدارة لدى نخبة مغلقة مقابل الحصول على بعض المنافع المادية كزيادة الراوتب أو غيرها.
 
استراتيجية النظام القديمة/ الجديدة تأتي بعد تأكد فشل الرهان على مبدأ القوة العسكرية وقدرتها على الحسم، وبعد فشل الرهان على التدخل السعودي والخليجي لحماية النظام في البحرين. وبعد التأكد من أن الحلفاء الدوليين غير مستعدين تماما للدفاع عن الأنظمة المتصارعة مع شعوبها.
 
وفي الواقع فإن مسألة التوافق مع نظام الحكم كانت مسألة مطروحة قبل 17 مارس وتدشين حكم المشير إلا أنها بعد ذاك التاريخ لم تعد مسألة توافقية، ويمكن القول بثقة عالية أنها مسألة لم تعد مطروحة بشكل جاد حتى من قبل الأطراف المنادية بحل توافقي، سقفه الأدنى حكومة منتخبة ومملكة دستورية. وبالتالي فإن البحث عن ما يجبر النظام على الاستماع لرأي الناس، هو إفشال استراتيجيته والتأكيد على المرجعية الحقوقية الصرفة التي تؤكد بشكل واضح حق الناس في تقرير مصيرها وحقها في تشكيل حكومتها وحقها في صياغة دستور عقدي تؤسس على أساسه الهوية الوطنية الجامعة. 

* كاتب بحريني.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus