دي أتلانتيك: البحرين والأفق المسدود

2011-07-21 - 8:10 ص

 



دي أتلانتيك، حسين ابيشي
ترجمة: مرآة البحرين.

 

لا الملكية ولا المعارضة بإمكانها أن تتغلب على الآخر، فمتى سيتوقف الصراع ويبدأ الاستقرار؟ يبدو أن الملكية في البحرين ستضيع الفرصة التي لاحت من  خلال "حوارها الوطني" بين الحكومة والمعارضة، وهذا يجب أن يثير قلقا عميقا على مستوى المنطقة والولايات المتحدة. فالأهمية الإستراتيجية والسياسية للبحرين لا يمكن مقارنتها مطلقا مع حجمها الصغير جغرافيا وديموغرافيا؛ لأنّها ببساطة مأوى الجيش الأمريكي الخامس، ونقطة التوتر بين العرب السنة والعرب الشيعة في منطقة الخليج، ومحلّ طموحات إيرانية منذ أمد بعيد.

فمنذ اندلاع الاحتجاجات في الجزيرة- بعد احتجاجات مشابهة أسقطت النظامين التونسي والمصري- دخلت المعارضة- المتنوعة أساسا، ولكن يغلب عليها الطابع الشيعي- صراعا مع العائلة الحاكمة والحكومة ذات الطابع السّني. فقد اتُهمت المعارضة على اختلاف مشاربها بتنفيذ مؤامرة إيرانية، وتمّ على إثرها شنّ حملة قمع عنيفة ضد المحتجين، وتدخلت السعودية ودول الخليج العربية الأخرى عسكريا، واتُّهمَت المعارضة على أنّها تريد إسقاط الملكيّة. 

كان رد فعل السلطة على الاحتجاجات قاسيا، وشمل ذلك أعدادا كبيرة من القتلى، واعتقالات على نطاق واسع، وحملة فصل جماعية واعتقال العشرات من قادة المعارضة، الذين لا يجمعهم شيء سوى المطالبة بالإصلاح. وأدى ذلك إلى تقسيم المجتمع إلى نصفين يصعب توحيدهما، وفي هذا الجو المحموم يصعب أن يتغلّب أيٌّ من الطرفين على الآخر. وما يحتاجه البحرينيون هو الاتّفاق، أو مواجهة مستقبل شديد الغموض، وقد يكون مستقبلا غير سار بشكل مخيف.

التاريخ خير دليل على أنّه لا يمكن تهميش الأغلبية الشيعيّة أو إقصاؤها من السلطة إلى الأبد من دون نشوء توترات تزداد بشكل متصاعد، مع احتمال خروجها عن نطاق السيطرة مع مستويات أشدّ من العنف. وعلى الجانب الآخر فإنّ أغلبية البحارنة الشيعة باتوا متأكدين أنّ حظوظهم في إسقاط الملكية هي قليلة للغاية.

وهم بالتأكيد يعرفون جيّدا أنّه لا مستقبل لهم خارج إطار مجلس التعاون الخليجي، وأنّ خروجهم عن الصف العربي والانضمام إلى القوى الإيرانية هو أمر غير حصيف سياسيا، وحسب الظاهر لا يستهوي أغلبية البحرينيين.

صحيح أن حملة القمع أدت إلى خفض الاحتجاجات، ولكنها قادت إلى أفق مسدود سياسيا. لقد استطاعت الحكومة إعادة فرض سيطرتها عمليا، ولكنها أصابت شرعيتها في مقتل، وتركت علاقتها مع الأغلبية من  الطائفة  الشيعية المضطربة والمضطهدة في أسوأ حالاتها. ولحد الآن لا يبدو بأنّ للحكومة إستراتيجية سوى إستراتيجية القمع والاضطهاد، والتي تشكل بكل المقاييس وصفة كارثية.

لقد شكل الحوار الوطني الذي دعا إليه الملك حمد آل خليفة أول فرصة منذ انطلاق الانتفاضة لجميع الأطراف لتجد حلا لهذا المأزق الخطير. وقد وافقت عدة أحزاب معارضة بارزة على المشاركة في هذا الحوار بما فيها جماعة الوفاق أكبر تجمع شيعي معارض في البلاد، وحزب وعد الحزب غير الطائفي ذو الطابع الديمقراطي الاجتماعي. وبالتأكيد فإنّ دعوتهم للحوار شكل فرصة ذهبية لإعادة بناء توافق جديد في البلاد. 

ولكن ومنذ أن أطلقت السلطات الحوار في البحرين، فإن بعض الزعماء من هذين الحزبين تعرضا كغيرهم من قادة المعارضة الآخرين إلى محاكمات جماعية أصدرت بحقهم أحكاما قاسية. فعلى سبيل المثال تمّ الحكم على إبراهيم شريف بالسجن خمس سنوات، وهو الإصلاحي السني المعتدل. لم يدع إبراهيم شريف إلى إسقاط الملكية أو أي شيء قريب من ذلك، وهذا دليل على الطابع الشمولي وغير المتمايز لحملة القمع التي شنت ضد المعارضة. لقد دفع شريف ثمنا غاليا لانضمامه لحركة الاحتجاج؛ لأنّه أضرّ كثيرا بنظرية"المؤامرة الشيعية" التي روجت لها الحكومة؛ ولأنّها لم تستطع أن تضعه في أيٍّ من قوالبها المصطنعة.

لقد بدأ الحوار الوطني بالانهيار سريعا، وهو بالكاد يدخل مرحلته الثانية. فقد اشتكى الكثير من المشاركين بأنّ موضوعات النقاش فضفاضة جدا، وغامضة إلى أبعد الحدود، وعمومية إلى درجة لا يمكن أن يكون لها أيّ معنى سياسي. أضف إلى ذلك فإنّ نتائج هذا الحوار سترسل إلى الملك، والذي بدوره قد يصدر مرسوما بإقرارها أو لا يصدر.

ومن ناحية أخرى فقد أدى الحوار الوطني إلى إشعال البغضاء بين الطوائف. فقد قام أحد النوّاب السلفيين المقربين من الحكومة - ويدعى جاسم السعيدي - بنعت الشيعة "بالروافض"، وهي كلمة تاريخية تمثل قمة الازدراء بالنسبة إلى الطائفة الشيعية، وقد هدد أربعة من نواب الوفاق بالانسحاب من جلسات الحوار على إثرها. والشيعة في المقابل كان لهم مصطلحاتهم الخاصّة بهم من قبيل"الغرباء" و"الزوار" و"المهاجرين" والتي تلمح  كلها على أنّ وجود العائلة الحاكمة وداعموها السنة هو وجود طارئ ومؤقت، وبأنّ حكمهم غير شرعي.
 
ويعيد ذلك إلى الأذهان التوتّر الطائفي المخيف الذي حدث في ذروة الصراع الأهلي بالعراق. عندما بدأ السنّة يطلقون على الشيعة مصطلح الصفويين، والشيعة يصفون السنّة بالأمويين. بالطبع إنّ البحرين لم تصل إلى ما يشبه حمّام الدمّ العراقي، ولكنّ التشابه فيما بين الحالتين يصعب تجاهله. إنّ مثل هذه المصطلحات تؤدي إلى تخندق طائفي صرف، وتستدعي ذاكرة التاريخ، وتؤجج مظالم تاريخية، وتربطها بصراعات معاصرة، والنتيجة بكل تأكيد خطرة جدا، وقد تكون كارثية.

وفي نهاية الأسبوع تدهورت الحالة في البحرين بشكل كبير،  فقد أقامت الوفاق احتفالا جماهيريا شارك فيها عشرات الآلاف تحت شعار "مواطن واحد، صوت واحد". وبكل تأكيد سيفهم ذلك من قبل السلطة على أنّه تحد جديد لها، وعلى أنّه ادّعاء ضمني بأحقيتها في الاستيلاء على السلطة من قبل الأغلبية المهمّشة في البلاد. واحدة من المحتجات على الأقل قتلت مختنقة بمسيلات الدموع بمنطقة سترة، التي تعدّ مركز صناعة النفط بالبلاد. ومع كل هذه الشتائم والإحباطات والاحتجاجات، فإنّ أمانة الوفاق أوصت بالانسحاب من الحوار، وطلبت من مجلس الشورى فيها التّصديق على هذا القرار. وممّا لاشك فيه فإنّ غياب أكبر حزب معارض في البلاد عن هذا الحوار سيكون على الأرجح الضربة القاضية؛ لأيّ فرصة بخلق ديناميكية جديدة في البحرين. وليس من الواضح ما إذا كان حزب وعد سينضم إلى الوفاق في الانسحاب أم لا؛ لأنّ المعارضة منقسمة في كثير من القضايا.

ويزداد المشهد في المملكة الخليجية قتامة مع التنافس بين أجنحة العائلة الحاكمة المختلفة، ومع عدم التقليل من أهمية التأثير السعودي. وكما صرح أحد المسؤولين الأمريكيين للفيننشال تايمز "البحرين بلد مقسم، وعائلة حاكمة مقسمة".

 إنّ جميع الأخبار السارة التي تاتي من البحرين سرعان ماتناقضها أخبار سيّئة. فعلى سبيل المثال، أطلقت الحكومة سراح الشاعرة آيات القرمزي-20 عاما- والتي حكم عليها بالسجن لمدّة عام واحد في جون الماضي إثر قيامها بإلقاء قصيدة في دوار اللؤلؤة، الذي يعدّ مركز الاحتجاجات، والذي تمّ هدمه لاحقا. وبعد إطلاق سراحها أفادت القرمزي بأنّها تعرضت للضرب والصعق الكهربي وهددت بالاغتصاب أثناء احتجازها. كانت منظمات حقوق الإنسان أصدرت تقارير لاذعة ضد حملة القمع والانتهاكات التي ما زالت مستمرة، والموجهة بشكل أساسي ضد الأغلبية الشيعية. ومن جهتها فإنّ الحكومة مازالت مستمرة في إلقاء اللوم على التدخل الإيراني، على الرغم من الأدلة الداعمة لهذا الزعم هي شحيحة في أفضل الأحوال.

في نهاية المطاف، فإن على كلّ من الحكومة والمعارضة الجلوس وعقد صفقة ما، فلا يوجد طريق مجد آخر. وبما أنّ الملكية هي من قامت بسدّ فضاء المعارضة فعليها عبء بدء إطلاق هذه العملية في اللحظة الراهنة على الأقل.

لا الأغلبية الشيعية ولا العائلة الحاكمة ومساندوها من السنة سيرحلون أو يستسلمون. وبالنظر إلى حجم البحرين الصغير جغرافيا وسكانيا، وبالإضافة إلى اعتمادها الاقتصادي والأمني على جيرانها، فإنّ البحرينيين يحتاجون لبعضهم البعض للاستمرار في الحياة على المدى البعيد. الكفاح الحقيقي في البحرين يجب أنْ يتركز ليس على الصراع الطائفي المستمر، ولكن في إيجاد سيناريو يفوز فيه الجميع، ولصيغة لتعايش عملي ودائم. وإلاّ فإنّ سيناريو آخر يخسر فيه الجميع سيكون هو الأكثر احتمالا.
إنّه من الصعوبة بمكان أنْ نرى ما قد يحدث مستقبلا إذا استمرت في وضعها الحالي، ولكنّه سيكون بكل تأكيد أسوأ لجميع الأطراف من تسوية يتمّ التفاوض عليها.

18-7-2011

اضغط هنا لمشاهدة المقالة 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus